دعوة الصدر لتجريم الشذوذ الجنسي بالعراق.. أهداف اجتماعية أم سياسية؟
"حراك فاعل" للقوى السياسية في البرلمان العراقي، بغية إقرار قانون جديد يحظر "الشذوذ الجنسي"، وذلك بضغوط من هيئات أبرزها "التيار الصدري" بزعامة رجل الدين الشيعي، مقتدى الصدر.
وأعلن الصدر في 1 يوليو/تموز 2022، سببين لمشاركته في انتخابات 2021، الأول، قانون ضد التطبيع وقد تم، والثاني، تجريم الفاحشة (المثليين) وسط ترقب بمآله، مع تصاعد ضغوطات الغرب ضد المعارضين له.
حماية المجتمع
وفي 8 يوليو/تموز 2022، كشف عضو "اللجنة القانونية" النيابية، عارف الحمامي، عن التوصل لاتفاق داخل البرلمان بجمع تواقيع "بهدف تشريع قانون يحظر المثلية الجنسية في العراق"، مؤكدا أن "تشريع هكذا قانون سيعزز ببنود قانونية تمنع المثلية والانحرافات المرتبطة بها".
ونقلت وكالة الأنباء العراقية الرسمية عن الحمامي قوله إن "المثلية تعد من العادات الدخيلة والمنبوذة والمخالفة لعاداتنا الدينية والمجتمعية المحافظة".
ولفت إلى أن "عددا من النواب الشرفاء ممن يمتلكون الحس الوطني والأخلاقي والمجتمعي تبنوا فكرة تقديم مقترح قانون يحظر المثلية التي تهدد السلم المجتمعي وتؤدي إلى تفسخ المجتمع".
وأوضح الحمامي أن "هناك اتفاقا جرى بيننا على المضي بجمع تواقيع بعد عطلة الفصل التشريعي، بغية تقديم مقترح قانون حظر المثلية، لإضافة نقلة نوعية، حتى نمنع هكذا تصرفات مشينة ودنيئة تستهدف عادات وتقاليد الشعب العراقي".
وأشار إلى أن "مقترح القانون سيسير بالشكل القانوني لتشريعه تحت قبة البرلمان، والذي قد يتضمن عقوبات مشددة لكل من يسير في هذا الطريق، أو يعمل على دعمه أو الترويج له، ونتمنى إقراره في وقت سريع؛ لتحقيق شيء لأجيالنا وشعبنا يحمي نسيجها المجتمعي من تلك العادات الدخيلة".
من جهتها، قالت عضو "مفوضية حقوق الإنسان" في العراق، فاتن الحلفي، إن "المثليين وبحسب أغلب البحوث العلمية والنفسية العالمية يعانون اضطرابات هرمونية بالأصل، ما ينمي لديهم ذلك السلوك والظهور المختلف".
وأضافت الحلفي، خلال تصريح لموقع "ارفع صوتك" العراقي في 9 يوليو/تموز 2022، أن "المثليين يعيشون حالة مرضية، وحضورهم بهذا الشكل غير إرادي، تفرض على أصحاب القرار والمعنيين بإيجاد مصحات خاصة بهم، مع التسليم بعدم الترحيب بوجودهم مجتمعيا ودينيا".
هروب للأمام
وبخصوص مدى إقرار القانون وآليات تطبيقه، قال الباحث العراقي في الشؤون الاجتماعية، أحمد الرشيد، إن "التحرك الحالي لإقرار قانون حظر الشذوذ مبتغاه سياسي بالدرجة الأساس، لأنه جاء بضغط من زعيم التيار الصدري الذي يلعب دور المعارض القوي ويحرج خصومه".
وأضاف الباحث لـ"الاستقلال" أن "حظر الشذوذ الجنسي أمر مهم للغاية مع تصاعد موجة المناصرين له في الغرب وسن قوانين تشجع على ذلك، لكن العراق يفتقر في الوقت الحالي إلى دولة مؤسسات تكافح كل المخاطر التي تهدد البلد، سواء المخدرات أو الشذوذ أو النزعات العشائرية وغيرها".
ولفت الرشيد إلى أن "القانون الذي تسعى القوى السياسية لإقراره بخصوص حظر الشذوذ الجنسي غير معروف المعالم حتى الساعة، فهل ستخصص مراكز لتأهيل هؤلاء المرضى أم يكتفى بوضع العقوبات، أم يحظر الترويج والتشجيع على هذه الأفعال".
ونوه الباحث بأن "البعض يخشى أن يكون القانون بوابة للانتقام كما حصل في قانون مكافحة الإرهاب، حيث نشط دور المخبر السري، وزج بعشرات الآلاف في السجون بسبب وشايات كاذبة، لكن ما نريده هو منظومة لدى الدولة تعمل على تثقيف الشباب وحمايتهم من مخاطر الشذوذ".
وبين الرشيد أن "العراق بلد عشائري وفيه قيم وأعراف عربية وإسلامية، كلها ترفض ممارسات الشذوذ الجنسي، لذلك يجب أن يثبت القانون هذه القيم ويدافع عنها من كل المهددات الخارجية، لا أن يتخذ وسيلة للانتقام أو حتى للمناكفة السياسية".
من جهته، قال المحلل السياسي العراقي، عقيل عباس، إن "إثارة مثل هذه القضية ذات الطابع الأخلاقي ربما، والتي ليست ضمن مشاكل المجتمع، تشكل أحد أشكال الهروب من المسؤولية الذي تمتاز به الطبقة السياسية في البلاد".
وأشار عباس في حديث لموقع قناة "الحرة" الأميركية في 10 يوليو 2022 إلى أن "ذهاب البرلمان لتشريع مثل هذه القوانين يكشف أن الطبقة السياسية فاقدة للأولويات، وتريد أن تهرب من قضايا المجتمع الحقيقة فيما يتعلق بالإصلاح الاقتصادي وإصلاح الخدمات".
قوانين وأرقام
ويعد العراق من البلدان التي لا تمتلك تشريعات واضحة وصريحة تجاه "الشواذ"، حيث إن المادتين 393 و394 من قانون العقوبات تنصان على المعاقبة بالحبس المؤبد "من واقع أنثى أو لاط بذكر دون رضاهم".
وطبقا للمادتين، فإنهما لا تعالجان مسألة المثلية الجنسية التي تجري بـ"الرضا" بين الطرفين الشاذين، أو وجود مواد غير صريحة تعاقب الإتيان بـ"أفعال مخلة بالشرف".
وتنص مواد أخرى، وهما 215 و220 من القانون، بعقوبة الحبس والغرامة على "الإساءة لسمعة البلد بمثل هذه الجرائم، فيما جاءت المادة 376 من ذات القانون بالسجن 7 سنوات على العقود الباطلة في عقود الزواج".
وكان مرصد "أوركاجينا" لحقوق الإنسان (مقره بغداد/غير حكومي)، أطلق في أبريل/نيسان 2021، تقريره الأول عن الشاذين جنسيا في العراق، تضمن تخمينات بأعدادهم وأماكن وجودهم وتصنيفاتهم.
وجاء في التقرير أن "الأشخاص من المثليين والمثليات ومزدوجي التوجه الجنسي والمتحولين جنسيا يواجهون تحديات قانونية واجتماعية من المغايرين جنسيا، من قتل وتنمر وحرمان من بعض الوظائف بالدولة، إذ لا يسمح لهم بالخدمة بشكل علني في الجيش".
وقدر المرصد أعدادهم في عموم العراق بنحو 4500 إلى 5000، ما عدا مدن إقليم كردستان شمال البلاد.
وفي 24 مارس/آذار 2022، أصدرت منظمة "هيومن رايتس ووتش" تقريرا اتهمت فيه قوات الأمن العراقية بالتواطؤ في كثير من الأحيان في مضاعفة أعمال العنف ضد "المثليين" واعتقال الأفراد "بسبب المظهر غير المطابق".
ورسم التقرير صورة لمثليين ومزدوجي الميل الجنسي ومغايري الهوية الجنسانية "محاصرين من اتجاهات متعددة".
وقالت رشا يونس، وهي باحثة "حقوق المثليين" في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في "هيومن رايتس ووتش" ومعدة التقرير إن "الهجمات ضد المثليين العراقيين أصبحت متعددة الأوجه واتسعت أساليب الاستهداف".
وأشارت إلى أن "الكثير من المثليين قالوا إنهم شعروا بأنهم مجبرون على إخفاء هويتهم للبقاء على قيد الحياة".
في المقابل، نفى المتحدث باسم وزارة الداخلية، خالد المحنا، خلال تصريحات صحفية في مارس/آذار 2022 وقوع أي اعتداء من قوات الأمن على المثليين.
المصادر
- العراق.. تحرك نيابي لـ"حظر المثلية" ودعوات لضبط "بوصلة" التشريع
- حظر المثلية الجنسية في العراق.. منع للترويج أم تمكين للمخبر السري؟
- القانون لا يحمي المثليين والمتحولين جنسيا في العراق
- "مقترح متطرّف".. جدل عراقي حول "قانون لتجريم المثلية"
- حراك برلماني لحظر "المثلية" في العراق: نريد حماية المجتمع من "التفكك"
- ’وزير الصدر’ ينشر 10 أسباب أخرى لاستقالة الكتلة الصدرية من البرلمان