مبادرة "المجلس الرئاسي" لحل الأزمة في ليبيا.. خطة معتبرة أم حبر على ورق؟

12

طباعة

مشاركة

تزداد حدة الأزمة الليبية مع طول فترة غياب المؤسسات المنتخبة في البلاد وتصاعد الخلافات بين الأطراف السياسية، فضلا عن الشكوك بشأن شرعيتها وصلاحيتها.

ولم يقتصر هذا على مكون دون آخر  في ظل وجود حكومتين متصارعتين وعدم توافق بين مجلسي الدولة والنواب على قاعدة دستورية تؤدي للانتخابات الرئاسية.

حالة الانسداد السياسي وغياب التوافق دفع المجلس الرئاسي للإعلان عن خطة تعمل على تفكيك الأزمة السياسية وحلها كونه "يقف على مسافة واحدة من الجميع".

وتتضمن الخطة التي أعلنها المجلس الرئاسي في 5 يوليو / تموز 2022 مجموعة عناصر، بينها وحدة البلاد، وإنهاء شبح الحرب والانقسام وتعزيز حالة السلام القائم، وتجنب الفوضى، والحد من التدخل الأجنبي، والدفع في اتجاه حل وطني .

وجاءت الخطة بالتزامن مع تصاعد السجال بشأن شرعية حكومة عبد الحميد الدبيبة المعترف بها من قبل المجتمع الدولي ومقرها العاصمة طرابلس، وحكومة فتحي باشاغا المكلفة في فبراير/شباط 2022 من قبل مجلس نواب طبرق ومقرها سرت.

فضلا عن تظاهرات شعبية تخللها ممارسات تخريبية في عدة مناطق في ليبيا احتجاجا على تردي الأوضاع المعيشية مع استمرار انقطاع الكهرباء وغلاء الأسعار، وطالب المحتجون خلالها بتنحي النخبة الحاكمة كاملة عن السلطة.

وذهب محللون إلى أن الحراك الشعبي الليبي رفع الغطاء عن كافة الأجسام والأطراف التي ترى في نفسها ممثلة لتيارات شعبية، مؤكدا حاجة الشعب الليبي إلى التغيير والاستقرار.

تطلعات وعراقيل

وفي مقابل تطلعات المجلس الرئاسي لإنهاء المرحلة الانتقالية عبر إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في إطار زمني محدد، رد رئيس البرلمان عقيلة صالح على هذه الخطة باتهام رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي بالوقوف خلف التظاهرات ومحاولة حرق البرلمان عبر شقيقه سامي.

والمجلس الرئاسي جسم شكل في مارس/ آذار 2021، وفق خريطة الطريق الأممية التي أعطت مهلة 18 شهرا لإنجاز الانتخابات والمصالحة وتوحيد مؤسسات الجيش.

ورغم  مرور أكثر من عام على تشكيله، لم يبادر المجلس الرئاسي بأي خطوة في هذا الإطار ولم يتحرك بجدية نحو صياغة أية حلول. 

وفي إطار الخطة، باشر المجلس الرئاسي في 11 يوليو، مشاوراته مع أطراف الأزمة السياسية المتفاقمة بالبلاد، باجتماع أجراه نائب رئيس المجلس عبد الله اللافي، مع رئيس برلمان عقيلة صالح في مكتبه بمدينة القبة شرقي ليبيا.

وعن اللقاء، قال المجلس في بيان، أنه "ناقش عددا من المواضيع حول كيفية معالجة النقاط الخلافية في مشروع الدستور، تمهيدا لطرحها للنقاش مع باقي الأطراف المعنية بغية الوصول إلى صيغة نهائية في أقرب وقت ممكن".

كما بحث اللقاء "ضرورة أن تكون هناك حكومة واحدة قادرة على تنفيذ الاستحقاقات الدستورية والانتخابية، بالإضافة لمناقشة الأزمات المتمثلة في نقص الكهرباء والوقود التي أثرت سلبا على حياة المواطنين"، وفق البيان.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

وتعليقا على المشهد، قال الكاتب الصحفي والمحلل السياسي بدر شنيبة لـ"الاستقلال" إن المجلس الرئاسي على الورق يعد أحد الأوراق التي يمكن أن تفكك التأزم السياسي الحاصل في البلاد كون المجلس بقي على مسافة من الصراع بين الأطراف.

وأضاف أنه يمكنه لعب دور مهم في حل الأزمة لكن المجلس لا يمتلك أدوات فعالة لإنجازها، فما زالت شخصيات أعضائه لا تساعده على لعب أي دور وسط أصوات الحرب وغياب مفهوم المشاركة السياسية والعيش المشترك.

ورأى أن الخطة التي أعلنها المجلس الرئاسي هي محاولة متأخرة حيث إنه أضاع استغلال الحراك الشعبي الذي أزعج الطبقة الحاكمة بشكل خاص.

وتابع كان أمام المجلس الرئاسي فرصة استغلال موجة الاحتجاجات لكن موقفه كان ضبابيا وردة فعل المجتمع الدولي كانت غير مشجعة،  بالتالي ضاعت الفرصة لكن مع مرور الوقت عاد المجلس لطرح مبادرته والتي لن يحالفها النجاح بنسبة كبيرة .

ولفت شنيبة أن الدور الدولي كان دافعا للتوافق عبر الضغط على طرفي الحوار مجلس النواب ومجلس الدولة، وكان الحراك الشعبي فرصة للمجتمع الدولي لاستثمار هذا التحرك، لكن جاءت المفاجأة بردة الفعل الباهتة من الأطراف الدولية عامة والمستشارة الأممية ستيفاني وليامز خاصة والتي ركزت على عملية حرق البرلمان.

ومضى يقول: فلم تنتبه أو توضح أن الاحتجاجات كانت تحمل دلائل وأكثر من رسالة للأطراف السياسية ما فهم على أنه ضوء أخضر للأطراف لتجاهل رسالة الاحتجاجات، وهو ما مهد لها إلى التحرك لقمع الحراك في مناطق وشيطنتها في مناطق أخرى.

وأردف المحلل الليبي أن المجتمع الدولي لا يريد أن يقتل الأطراف المتنازعة، بل يريد منها التوافق للوصول إلى حل يحمي مصالح الجميع، لكن قد تكون هذه اللعبة ذات أثر عكسي إذا ما زادت حدة الاحتجاجات دون أي تجاوب لها .

وأشار شنيبة إلى أن استمرار الحراك الشعبي والتظاهرات ومطالبتها بالتغيير ستدفع إلى خلق رؤية جديدة تتخطى الوجوه المتحكمة في المشهد حاليا.

وأكد أن ضرورة تواصل هذه التحركات وحفاظها على سلميتها هو ما يحول الحراك إلى عصا مسلطة على الأطراف المتنازعة ويدفعها للتوافق من أجل قاعدة دستورية وانتخابات سريعة، لكن إذا ما تحول مسارها إلى الشغب أو تحولت إلى واجهة لأحد الأطراف سوف تنتهي دون فائدة .

الأزمة الدستورية

وفيما يخص القاعدة الدستورية، يذكر أن مجلسي الدولة والنواب توافقا على 140 مادة من القاعدة الدستورية للانتخابات خلال اجتماعات القاهرة في مايو/ أيار 2022، لكن فشلت المساعي للمصادقة عليها بسبب مادة واحدة.

وتعد المادة التي تنص على عدم جواز ترشح من يحمل جنسية أجنبية غير جنسيته الليبية هي المادة الجوهرية التي عرقلت التوافق النهائي على القاعدة الدستورية بين المجلسين، وفق ما أعلنه رئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري والمستشارة الأممية ويليامز.

وفي هذا السياق، يقول عضو المجلس الأعلى للدولة عبد القادر حويلي لـ"الاستقلال" إن عدم التوافق على القاعدة الدستورية يأتي بسبب رفض ترشح مزدوجي الجنسية في الانتخابات الرئاسية .

ويضيف أن الجنرال الانقلابي خليفة حفتر هو من يعترض على هذا الشرط حيث إنه يحمل الجنسية الأميركية وبالتالي لن يتمكن من الترشح حال التوافق على هذه القاعدة.

ويضيف أن البرلمان في هذه النقطة تحديدا مسلوب الإرادة ولن يستطيع معارضة حفتر في هذا الأمر  خاصة وأن وفد البرلمان اتفق مع وفد المجلس الأعلى للدولة في القاهرة على شرط الجنسية وهو (أن يقدم مزدوج الجنسية تنازله الرسمي مع مصوغات طلب الترشح) .

ويشير إلى أن المجلس الأعلى للدولة تنازل عن شرط فترة سنة قبل الترشح وأن الاجتماع الأخير في جنيف لم يكن مخصصا لمناقشة شروط الترشح ولكن حفتر فرض هذا الموضوع على عقيلة صالح وهو ما قوبل بالرفض وأصر المجلس على عدم تقديم أي تنازل بسبب شخص واحد، ولهذا السبب لم يتم التوافق على القاعدة الدستورية.

حويلي يشدد أيضا على أن تمسك المجلس الأعلى للدولة بشرط استبعاد مزدوجي الجنسية من الترشح للانتخابات الرئاسية نابع من كون منصب الرئيس سياديا لا يجوز أن يشغله مزدوج الجنسية وأنهم ليسوا بدعا من العالم في هذا الأمر وكل الدول تحرم مزدوجي الجنسية من منصب الرئيس.

من ناحية أخرى، يستبعد حدوث شرخ في الأزمة من خلال خطة المجلس الرئاسي أو وجود توافق سياسي بشكل أو آخر  ما دام هناك تجاهل للمجلس الأعلى للدولة.

رؤية غائبة

من جانبه، رأى المحلل السياسي الليبي وخبير الإستراتيجيات أسامة كعبار أن المجلس الرئاسي الليبي لا يملك الرؤية ولا القدرة ولا أدوات التنفيذ، ولا يملك قراره. 

وقال لـ"الاستقلال" إنه رغم كل الأزمات والمنخنقات منذ استلام المجلس  السلطة لم يكن لهم أي دور يذكر إلا في هدر الأموال الليبية والرحلات المكوكية الأسبوعية لدولة اليونان والتي أرهقت الميزانية الليبية رغم الأزمة المالية الخانقة. 

وأضاف أن الشعب الليبي لا يعول عليه، ولا يثق في هذه التوليفة،  والظروف السياسية  هي فقط التي أتت  به، فهو ليس  بخيار الشعب؛ وهو  ما يجعل مبادرة المجلس الرئاسي لن يكون لها أي فرص للنجاح  لضعف الشخصيات التي خلفها. 

وأشار كعبار إلى أن المجلس الرئاسي حاول التواصل مع القيادات العسكرية على الأرض ولم يجد منهم أي قبول، الأمر الذي يشعر بالمرارة من الواقع الحقيقي.

وأكد أن الأزمة الليبية تكمن في دور الفاعلين الدوليين في المشهد الليبي حيث إن القرار السياسي الداخلي الليبي مرتهن تماما للإملاءات  الدولية وهو مربط الفرس للأزمة الليبية.

وفي رؤية مغايرة، رأى موقع "إنسايد أوفر" الإيطالي، أن خطة المجلس الرئاسي قد تمهد إلى إعلان حالة الطوارئ وحل مجلسي النواب في طبرق والأعلى للدولة الليبي في طرابلس، ما قد يحسم مسألة التوجه نحو إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية في أقرب الآجال.

وتحدث الموقع الإيطالي في 5 يوليو 2022، عن احتمالية إعلان حالة طوارئ بليبيا نتيجة الأوضاع في بعض المدن وتواصل الاحتجاجات ضد الطبقة السياسية والمطالبة بتنحيها، وهو ما قد يعلن عنه المجلس الرئاسي قريبا.

وأضاف أن حادثة اقتحام محتجين غاضبين مبنى البرلمان الليبي شرق البلاد في الأول من يوليو لم يسبب أضرارا مادية فحسب، وإنما ألحق خسائر أيضا من الناحية السياسية.