بيع بويضات وضفائر وأعضاء.. حيل السوريين بمناطق الأسد لمواجهة الفقر
تتوسع شيئا فشيئا شبكات الاتجار بالأعضاء البشرية في مناطق نفوذ النظام السوري، لتشمل بعض مكونات جسم الإنسان التي لم تكن ضمن التجارات الرائجة في هذا الباب.
إذ أصبحت هناك أعضاء ومكونات في الجسد قابلة للبيع بشكل غير مألوف على المجتمع السوري، وانتشرت شبكات متخصصة تديرها.
أسهم في ذلك وجود سوق صالحة لاستقطاب المستعدين لبيع أعضائهم مقابل الحصول على مبالغ مالية؛ نتيجة الوضع المعيشي المزري والآخذ بالانهيار بمناطق نفوذ نظام بشار الأسد.
تجارة رائجة
ونجحت شبكات الإتجار بالأعضاء البشرية في استغلال الحاجات المادية لفئة من السوريين في مناطق نفوذ النظام، وجعل هذه التجارة الخيار الأسهل للحصول على المال دون أي عناء وإن كان على حساب الجسد.
وأكدت صحيفة "البعث" التابعة للنظام السوري، تكرار حالات إجراء الأطباء عمليات لبيع البويضات من قبل بعض النساء في العاصمة دمشق.
وذكر تقرير للصحيفة نشر في 28 يونيو 2022، أن الظروف المعيشية الصعبة، دفعت بموظفة في إحدى الدوائر الحكومية، للتفكير ببيع بويضاتها، بعد أن ضاقت السبل بها لتأمين تكاليف علاج لأختها الكبرى التي تعاني من ورم في الثدي.
وتوضح الموظفة أن بيع عدد من أغراض المنزل، لم يعد يفي بسداد مصاريف العلاج، وأنه بعد رؤيتها للعديد من إعلانات التبرع بالكلى، فكرت ببيع كليتها، لكن بسبب الخوف قررت تأجيلها واستبدالها، ولو مؤقتا، بالتفكير ببيع بويضاتها، وفق "البعث".
وتشهد مناطق سيطرة النظام السوري منذ سنوات تدهورا معيشيا كبيرا، وسط انهيار لليرة مقابل الدولار، إضافة إلى شح الوقود والغذاء، وعدم تناسب الدخل مع الحاجات اليومية.
وأمام ذلك، يواصل النظام فساده، كما تقضي آلته القمعية على كل من يندد بالوضع المعيشي الحالي، بتهمة التطرف والإرهاب.
وتشير الأرقام الأممية، إلى وجود قرابة 12 مليونا ونصف المليون شخص، يواجهون انعدام الأمن الغذائي، إضافة إلى أكثر من مليونين وربع المليون سوري يعانون انعدام الأمن الغذائي الشديد.
والأزمة الاقتصادية الخانقة التي تعصف بمناطق نفوذ النظام السوري، وتركه للمواطن يصارع لقمة عيشه لوحده، دفعت المضطرين إلى سلوك طرق مهلكة ومنها بيع أعضاء الجسد من أجل تحصيل المال.
فمن أشهر التجارات الرائجة للأعضاء البشرية في الأسواق السوداء، بمناطق نفوذ النظام، بيع الكلى، لكن هذه بداية الخيط الذي يوصل إلى جريمة أخطر منها تمارس بشكل مخفي، ويديرها سماسرة متصلون بشبكات تعمل على نطاق واسع داخل وخارج الحدود السورية.
إذ تعمل الشبكات المحلية على شراء الأعضاء البشرية من المواطن السوري، وتبيعها داخل البلاد أو خارجها بأسعار مضاعفة وسط غياب الرقابة بشكل تام.
فعلى سبيل المثال تباع الكلية بمناطق نفوذ النظام السوري بمبلغ 7 آلاف دولار، بينما في الخارج تبدأ بسعر 15 ألف دولار، وما على الأطباء إلا التأكد من تطابق الأنسجة بين البائع والمريض، وصلاحية الكلية لمدة 15 - 20 عاما.
سوق متخصص
ويشكل لبنان المجاور سوقا واعدا وأوسع من كل النواحي، وخاصة من ناحية إجراء عمليات زراعة الكلى، بعد تأمين الكلية المطلوبة للمريض المحلي أو القادم من الخارج لهذا الغرض.
ونتيجة العوز والفقر لجأ الكثير من الشبان والفتيات للتفكير بوسائل مبتكرة، لا يمكن أن تخطر على بال أحد لكسب المال، بمناطق النظام السوري.
وعلى سبيل المثال، من التجارات الرائجة محليا، بيع بعض الفتيات في مناطق نفوذ نظام الأسد، ضفائر من شعرهن كونه كما يقال محليا "بضاعة مخلوفة".
وبات الطلب كبيرا على شراء الضفيرة الواحدة بمبلغ يصل إلى مئة دولار، تبعا لطوله وحالته وكثافته، ويشجع على ذلك وجود شبكات متخصصة وتشكل ذراعا محليا لشبكات خارجية.
وتختص صالونات تجميل في العاصمة دمشق بشراء الضفائر وتصدرها إلى الخارج وخاصة الأردن ولبنان ومصر، إذ يزاد الطلب عليها لمواكبة الموضة.
ويؤكد الأطباء داخل مستشفيات العاصمة دمشق، أن استفسارات كثيرة تردهم من أشخاص يرغبون ببيع الكلية أو الخصية، وكذلك قرنية العين، والطحال، وجزء من الكبد.
ورغم ذلك، فإن هناك بعض التجارات غير سهلة في إيجاد متبرع، وخاصة في القرنيات التي يبلغ سعر القرنية الواحدة 8 آلاف دولار.
أما بيع قطعة من الكبد فهي رائجة بمناطق النظام السوري لكنها شرعية أكثر وتجرى داخل مشافي نظامية مقابل مبلغ مالي كونها تحتاج لتجهيزات طبية ضرورية لإجراء العملية.
وفي حالة بيع الكلى داخل مناطق النظام السوري، لا يجرى منح عقد رسمي حول المبلغ المتفق عليه بين المريض والبائع، رغم إجراء العملية في مشافي خاصة عبر أطباء مختصين، كي تبقى عملية البيع خارج المحاسبة القانونية وتدخل تحت باب التبرع المشروع.
وبحسب صحيفة "البعث"، فإن سيدة أجرت رحمها عام 2021 بناء على رغبة زوجين طلبا منها فعل ذلك لقاء مبلغ مالي، وهو ما كان بالفعل لتخرج القصة إلى العلن بعد أن اختلف الطرفان حول الأمومة.
واتفقت حينها السيدتان في مدينة حلب على مبلغ 2000 دولار أميركي مقابل فترة الاستئجار، لكن الخلاف دفع أوقاف النظام لتحريم عملية تأجير الأرحام، وقال إنها "من المظاهر العبثية التي تخرب المجتمع، وتفكك بنيانه، وهذا كله مما يخالف مقاصد الشريعة".
وعام 2015 أعلن نقيب الأطباء عبد القادر حسن، فصل النقابة 3 أطباء سوريين ثبت تورطهم في توليد نساء حوامل في لبنان بغرض بيع الأطفال حديثي الولادة هناك لقاء مبالغ مالية كبيرة.
وراهنا باتت شبكات التواصل الاجتماعي "بورصة عالمية"، تنشط عبرها عمليات بيع الأعضاء لبعض السوريين حتى من المقيمين في الخارج، وأغلبها لبيع الكلية بقصد تمويل رحلة اللجوء إلى أوروبا.
غطاء التبرع
واللافت أن دمشق أصبحت مقصدا للمرضى من معظم الدول العربية، الذي يجدون فيها "متبرعين" بالكلية تحديدا، مقابل مبالغ مالية، وذلك لتعذر وجود متبرعين في دولهم ووجود مساءلة قانونية.
كما أن التكلفة بسوريا أرخص بمقدار 5 إلى 10 أضعاف، بينما تصل على سبيل المثال في "الجامعة الأميركية" ببيروت إلى 50 ألف دولار دون سعر الكلية. وعادة ما يجرى التستر على تجار الأعضاء بغطاء التبرع.
ولجوء أعداد محدودة من السوريين إلى بيع الأعضاء لكسب المال، ما هي إلا حلول كارثية، ولها آثار كبيرة على تركيبة المجتمع والتي تقود إلى ارتكاب انحرافات أكبر بغية تحصيل المال نتيجة البطالة وانعدام فرص العمل.
وحاليا أصبح المواطن السوري يقنن استهلاكه بصرف أمواله على الأولويات واختصار نصف المواد الغذائية بسبب غلاء الأسعار.
وتتراوح رواتب الموظفين في مناطق نفوذ النظام بين 75 – 150 ألف ليرة، بينما تحتاج أسرة مكونة من أربعة أشخاص إلى 20 ألف ليرة يوميا (5 دولارات)، لتأمين المواد الغذائية التي تسد الرمق.
وأمام تلك المعطيات، فإن موضوع تجارة الأعضاء في مناطق نفوذ النظام، نابعة أولا، من العوز المادي، والانفلات الأمني، وغياب التوعية الكافية حول خطورتها على حياة الأفراد وأخلاقيات المجتمع ككل.
إذ انحدرت سوريا خلال العقد الأخير ضمن جميع المؤشرات العالمية إلى مراتب متأخرة جدا للجودة، وتربعت على المراتب الأولى كدولة ضعيفة هشة، سواء في قطاعات التعليم والصحة والاقتصاد وفي معدلات خط الفقر والبطالة وسوء البنى التحتية وغيرها.
فرغم أن القانون السوري اتفق مع معاهدات الأمم المتحدة على تشديد العقوبات ضد جريمة الاتجار بالبشر، فإن الظاهرة تنتشر بقوة في ظل الحرب.
فالقانون السوري واضح، ويشجع عملية التبرع بالكلى دون مقابل مادي من جهة، لكنه يحصرها بالسوريين فقط منعا للمتاجرة، كما حصرت وزارة الصحة التبرع بالأقرباء من الدرجة الأولى.
كما يمنع القانون السوري بيع الأعضاء البشرية، ويواجه المخالفون السجن والغرامات المالية، إذ إن المرسوم التشريعي (رقم 3) لعام 2010 لمنع ومكافحة جرائم الاتجار بالبشر في سوريا، يتضمن إنشاء إدارة متخصصة تتبع لـ"وزارة الداخلية" لهذا الغرض.
ومع أن القوانين رادعة فإن الجريمة مستمرة، وتزداد وتتنوع، لا سيما في ظل مراوحة الوضع الاقتصادي مكانه، ورفض النظام القبول بحل سياسي يخرج البلد من أزماته المتراكمة.
وفي هذا الإطار، أكد الطبيب السوري إبراهيم البديع، أن "نظام الأسد يقف خلف فتح الأبواب لتنشيط تجارة الأعضاء البشرية وفتح سوق حرة متخصصة داخل سوريا".
وأضاف البديع لـ"الاستقلال" أن "النظام هدف منذ بداية انتفاض السوريين ضده لضرب المجتمع، كون من يدفع ثمن ذلك هم الطبقة الفقيرة التي سحقتها الحرب وأصبحوا سلعة في سوق النخاسة العالمي الجديد دون مراعاة آثار ذلك على نفسيتهم وصحتهم".
وأشار البديع إلى أن "سوريا قبل عام 2011 كانت فيها ظاهرة التبرع بين الأقارب سائدة وخاصة للكلى، إلا أن بيع الأعضاء بطرق غير شرعية بدأت من قتلى المعتقلين الذين يجري نقلهم من سجون الأسد إلى المشافي المدنية والعسكرية".
واستدرك قائلا: "وعقب ذلك أخذت هذه التجارة بالتوسع عبر مافيات سورية مرتبطة بشبكات في لبنان هي الأوسع كونهم يستطيعون نقلها لدول أخرى أو إجراء عمليات هناك".
وختم البديع بالقول: "طالما مناطق النظام تعيش فوضى أمنية وتغيب عنها العدالة القانونية وسط ازدياد البطالة بين الشباب وغياب أفق الحل الاقتصادي، فإن المجتمع يسير نحو التفكك المجمعي أكثر وتزايد الجرائم المنظمة".