توتر متصاعد.. لماذا تتوالى تحذيرات من اندلاع حرب بين المغرب والجزائر؟

12

طباعة

مشاركة

تتواصل الأحاديث عن حرب "المناورات والعروض العسكرية" في كل من المغرب والجزائر، إذ يراها البعض أنها تنذر بقرب صراع يخلخل المشهد الإقليمي في المنطقة، ويزعم بعض آخر أنها تشي بحل أزمات عمرت لسنوات.

ويتحدث خبراء عن أن هذه "الحرب المؤجلة" قد اقترب وقتها، فيما يحذر آخرون من أنها ستكون "طويلة ومدمرة" وأن الحل هو تدخل عقلاء البلدين خاصة "الفئة الصامتة" لترجيح مصلحة الشعبين. 

وبعد تنظيم الجيش الجزائري عرضا عسكريا بمشاركة مختلف القوات بالعاصمة في يوليو/تموز 2022، واختتام المغرب لمناورات "الأسد الإفريقي" قبله بعدة أيام، برز حديث متصاعد عن قرب الحرب مع مقارنات بين أسلحة جيشي البلدين.

خراب البلدين

وفي 5 يوليو 2022، نظم الجيش الجزائري عرضا عسكريا بالعاصمة، بمشاركة مختلف القوات هو الأول من نوعه منذ 33 سنة.

وخلال الفترة بين 22 و27 يونيو/حزيران 2022، أجرى الجيش المغربي، مناورات "الأسد الإفريقي 2022"، التي تعد أكبر مناورات عسكرية في إفريقيا، بمشاركة 10 بلدان من القارة وخارجها و20 ملاحظا عسكريا.

ونقلت الإذاعة الجزائرية الرسمية عن الخبير الأمني، بن عمر بن جانة، في 5 يوليو 2022، أن "هذا الاستعراض العسكري مهم جدا، لأنه يعبر عن قوة الدولة ويوجه رسائل للداخل والخارج".

ووفق المتحدث فهذه الرسائل هي "أن القوات المسلحة الجزائرية جاهزة لردع كل الاعتداءات على الوطن مهما كان شكلها، ولإظهار قوة وانسجام وحدات الجيش الشعبي الوطني للذين يحاولون المساس بوحدة الجزائر".

من جانبه، قال الصحفي المغربي يونس مسكين في تدوينة على "فيسبوك" في 6 يوليو: "بمناسبة العنتريات المتناثرة على خلفية الاستعراض العسكري الجزائري، الذي يريد مقارنة جادة وحقيقية فليتجاوز بروباغندا الشبكات الاجتماعية وكلام نحن عندنا هذا الصاروخ ونحن لدينا هذه الطائرة...".

وأضاف أن "الحرب أكبر وأخطر وأشمل من تعداد العربات والدخائر، وإن كانت مهمة، وفي غياب سلاح نووي فعال وقدرة حقيقية على استعماله (الحالة الوحيدة التي وقع فيها ذلك حتى الآن هي الهجوم الأميركي على اليابان عام 1945)، فإن المواجهة تتطلب الكثير من القدرات المالية والاقتصادية والبشرية والعقيدة العسكرية...".

وتابع: "من أراد أخذ صورة أقرب نسبيا إلى الواقع مما تردده أبواق الدعاية، عليه أن يتأمل مثل هذه المعطيات (في الصور) التي لا تقول كل شيء، لكنها تفيد رغم ذلك أن المستوى متقارب جدا، وبالتالي لن يكون الحسم سريعا، وهو ما يعني طول أمد الاقتتال وخراب البلدين اقتصاديا وانتشار الجوع والأوبئة...".

واستدرك مسكين موضحا: "لا أقصد أن علينا أن نجبن عن دخول الحرب، بل سبق وقلت إن هناك حربا تبدو مؤجلة وقد يكون من الأفضل تعجيلها لإنهاء حالة الجمود و(الحرب الباردة)، لكنني قصدت حينها حربا ندافع فيها عن قضية وحق مشروع قد يستدعي ملاحقة الخصم إلى داخل أراضي الجيران، ومواجهة الجار نفسه إذا أعلن الحرب..."

واستطرد: "لكن ما يجري منذ شهور مختلف عن كل ما وقع في المنطقة منذ الاستقلال، خلافاتنا كانت دائما حول ملفات ونقط محددة، الحدود والصحراء... لكن ما يتم جرنا (أو دفعنا) إليه حاليا هو حرب المجانين، الحمقى، الحقودين. حرب الذين يهلكون أنفسهم بأنفسهم، حرب ضد الآخر فقط لأنه الآخر وليس لخلاف معين".

ولفت مسكين إلى أن "من يطمع أو يعول على سلاح (الأصدقاء) فلينظر إلى أوكرانيا التي تفقد أراضيها تدريجيا رغم شحنات الأسلحة التي يضخها حلف الناتو بجلال قدره، وليبحث عن صانع وعراب (الرئيس الأوكرتني فولوديمير) زيلينسكي ومستقره الأساسي في قلب تل أبيب، ويرى هل "عقل عليه"(هل تذكّره)...".

حرب مدمرة

من جانبه، استبعد المفكر والمؤرخ المغربي، حسن أوريد، لجوء الجارين إلى مواجهة عسكرية مباشرة، بعد توتر العلاقات الثنائية بينهما خلال الفترة الأخيرة.

وخلال ندوة في مدينة إسطنبول التركية، نظمها "منتدى الشرق"، بعنوان "العالم على ضوء التغييرات الدولية"، حضرتها "الاستقلال" في 15 يونيو 2022، قال فيها أوريد إن "الوضع الحالي بين المغرب والجزائر يشكل تروما (صدمة حادة) ويعطل طاقات البلدين، وكان يمكن أن نتجاوز هذه المرحلة".

وشدد على أن "الحكمة تقتضي أن نضع كل السيناريوهات لنتجنب السيناريو الأسوأ، وهي حرب مدمرة مكلفة الآثار على المجتمع والشعبين معا".

ورأى أوريد أن "المغرب والجزائر لهما نفس البنية الثقافية والفكرية ويجب أن لا تندثر، والقيادات تعي هذه الخصوصية، وبالتالي أستبعد أن تكون هناك مواجهة”، مستدركا بالقول “إلا إذا كانت هناك مواجهة بالوكالة..".

ودعا إلى "الاتسام بالحذر، والرفع من محاذير الخطورة وتغليب الحكمة، لأنها في مصلحة البلدين والمنطقة، وأن أي انزلاق سيكون على حساب البلدين والشعبين والمنطقة، لكن أظن أن الحكمة ستتغلب في النهاية".

ولفت أوريد إلى أن "الفئة الصامتة داخل الشعبين كبيرة، لم يتح لها أن تتكلم، وهي لربما صمام الأمان".

فيما قال المحلل السياسي الجزائري محمد بن شمسة: "أعتقد أن الأوضاع تزيد سوءا يوما بعد يوم، خصوصا بعد الاستعراض العسكري للجزائر هو الأول من نوعه منذ استقلال البلاد في ستينيات القرن الماضي، والذي سبقته مناورات الأسد الإفريقي للمغرب الذي عرف مشاركة واشنطن، وأيضا مناورة أخرى في منطقة تندوف الملاصقة للحدود المغربية".

وأضاف ابن شمسة لـ"الاستقلال" أن "كل هذه المؤشرات بالإضافة إلى قطع العلاقات الجزائرية مع إسبانيا الاتفاقية المبرمة بشأن حسن الجوار، وذلك بعد تبني إسبانيا للمغرب في طرحه للصحراء ورفض الجزائر لذلك، تنم عن تحرك عسكري كبير قد يؤدي لا قدر الله إلى نشوب حرب على الأقل بالوكالة".

وفي 8 يونيو 2022، أعلنت الجزائر تعليق معاهدة صداقة مع إسبانيا، في ثاني خطوة دبلوماسية بعد سحب السفير؛ احتجاجا على تغيير مدريد موقفها من نزاع الصحراء.

وأعلنت الرئاسة الجزائرية في بيان، "التعليق الفوري لمعاهدة الصداقة وحسن الجوار والتعاون مع إسبانيا، الموقعة في 8 أكتوبر/ تشرين الأول 2002".

وجاءت الخطوة، بعد ساعات من تصريحات لرئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز أمام أعضاء البرلمان، جدد فيها التمسك بقرار له في مارس/آذار 2022، بدعم مبادرة الحكم الذاتي التي تقترحها الرباط في إقليم الصحراء المتنازع عليه مع جبهة "البوليساريو".

وترجع أزمة إقليم الصحراء إلى عام 1975 عندما أنهى الاحتلال الإسباني وجوده في المنطقة، لينشأ نزاع مسلح بين المغرب وجبهة "البوليساريو" بالإقليم، استمر حتى عام 1991، وتوقف بتوقيع اتفاق لوقف إطلاق النار.

وأعلنت "البوليساريو" قيام "الجمهورية العربية الصحراوية" عام 1976 من طرف واحد، اعترفت بها بعض الدول بشكل جزئي، لكنها ليست عضوا بالأمم المتحدة.

وفي المقابل يصر المغرب على أحقيته بإقليم الصحراء، ويقترح كحل للقضية حكما ذاتيا موسعا تحت سيادته، بينما تطالب "البوليساريو" بتنظيم استفتاء لتقرير مصير المنطقة، وهو طرح تدعمه الجزائر التي تؤوي نازحين فارين من الإقليم.

وضع متأزم

فيما توقع تقرير لموقع "بريكنغ ديفينس" المتخصص في القضايا العسكرية، أن يزيد إنفاق المغرب والجزائر على التسلح في السنوات القليلة المقبلة، بسبب التوتر القائم بين الجارتين وتداعيات الحرب الروسية الأوكرانية.

وأشار التقرير المنشور في 5 يوليو 2022، إلى احتمال أن يشتد سباق التسلح بين البلدين وخاصة الجوي منه، ورجح أن تقدم روسيا "عروضا مغرية" للجزائر، لدفعها لشراء مقاتلات "سو 57"، ضمن سعي موسكو لتعويض خسائرها من غزو أوكرانيا.

وبالأرقام، ورغم تراجع إنفاق الجزائر على السلاح في عام 2021 بنسبة 6.1 بالمئة، إلا أنها ظلت الأكثر إنفاقا على التسلح في القارة الإفريقية، حيث بلغ مجموع ما رصدته للدفاع 9.1 مليارات دولار.

بدوره، خصص المغرب لجيشه نحو 5.4 مليارات دولار عام 2021، إذ زاد حجم إنفاقه على الدفاع بـ3.4 بالمئة، ما يعني، وفق معدي التقرير، أن ما تخصصه الرباط للدفاع يزيد بكثير عما ينفقه بعض أعضاء حلف "الناتو" على السلاح.

وحسب التقرير، فإن احتمال نشوب حرب بين المغرب والجزائر يظل مستبعدا في الوقت الراهن، مع ذلك، توقع أن يستمر التوتر والتصعيد بينهما بسبب الخلاف حول إقليم الصحراء.

المحلل الجزائري، ابن شمسة، أكد أن "المؤشرات للأسف تدل على أن الوضع يتجه نحو التأزم أكثر وأكثر، بل حتى الحديث عن وجود بعض القوى كل من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة تحاول تهدئة الأوضاع عبر، وهنا يجب على  كلا البلدين ضرورة التدخل لحل هذه الأزمة وعدم الانجرار نحو الحرب".

وختم حديثه بالقول لـ"الاستقلال" إن "الحرب ليست هي الحل بين البلدين، ويجب على النظامين في الجزائر والمغرب أن يفتحا قنوات الحوار للتوصل إلى اتفاق واضح، يضمن استقرار المنطقة، لأنها لا تحتمل نشوب صراع آخر في منطقة هي شديدة الحرارة ولا تحتمل صب الزيت عليها، والوصول إلى حل يرضي جميع الأطراف".