"أقوى من الكاتيوشا".. كيف تربك تغريدات الصدر تشكيل حكومة العراق؟

يوسف العلي | 2 years ago

12

طباعة

مشاركة

على الرغم من استقالة نوابه من البرلمان، إلا أن زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، لا يزال يدير المشهد السياسي بالعراق عبر تغريدات مثيرة للجدل، يتوعد في بعضها القوى السياسية التي يصفها بـ"الفاسدة" باللجوء للشارع.

وفي 12 يونيو/ حزيران 2022، استقال النواب الصدريون (73 من أصل 329)، بعدما أخفق الصدر مع حلفائه السنة والأكراد في تشكيل حكومة أغلبية وطنية طيلة 8 أشهر أعقبت انتخابات 10 أكتوبر 2021، بسبب إصرار تحالف "الإطار التنسيقي" الموالي لإيران، على حكومة توافقية تحفظ مصالح الجميع.

بقاء الصدر يتابع تطورات المشهد السياسي في العراق، وتعليقاته المستمرة على تحركات القوى السياسية، أثارت تساؤلات بخصوص مدى تأثير ذلك على مشاورات القوى السياسية لانتخابات رئيس الجمهورية الذي بدوره يكلف مرشح الكتلة الأكبر في تشكيل الحكومة؟

تعقيد المشهد

ومع قرب توصل القوى السياسية الكردية لاتفاق على مرشح لرئاسة الجمهورية، أطلق الصدر تغريدة على "تويتر" في 28 يونيو، اتهم فيها الرئيس العراقي الحالي برهم صالح، ومرشح الاتحاد الوطني الكردستاني لولاية ثانية، بأنه مطبع مع إسرائيل.

وكانت المؤشرات تتجه إلى تجديد ولاية برهم صالح لولاية ثانية، خصوصا مع وجود دعم قوي من الإطار التنسيقي (130 نائبا حاليا) وعدد من النواب السنة والمستقلين والاتحاد الوطني الكردستاني لاختياره، لكن تغريدة الصدر قلبت الموازين.

وقال الصدر: "من المخجل جدا أن يرفض ما يسمى برئيس جمهورية العراق: (برهم) التوقيع على قانون تجريم التطبيع مع إسرائيل، فيكون من المعيب على الشعب أن يكون رئيسهم غير وطني بل تبعيا للغرب أو الشرق".

وأضاف "إني أبرأ من جريمته هذه أمام الله وأمام الشعب العراقي، وآسف لترشيحه لمنصب الرئاسة سابقا ولاحقا".

وفي مايو 2022، صوت البرلمان العراقي على مقترح قانون لتجريم السلام مع إسرائيل بضغط وإصرار من مقتدى الصدر، تضمن ملاحقات قضائية وأحكاما مشددة تصل للإعدام لكل من يتعامل مع تل أبيب.

وردا على ذلك، قال عضو حزب الاتحاد الوطني الكردستاني غازي كاكائي، خلال مقابلة تلفزيونية في 28 يونيو، إن "تغريدة الصدر زادت من تعقيد المشهد السياسي الحالي فيما كانت الأمور متجهة نحو تفاهمات وتشكيل حكومة".

وأضاف أن "تغريدة الصدر أتت بالتعاون مع الحزب الديمقراطي الكردستاني. الصدر ظلم صالح في تغريدته"، مشيرا إلى أن "هناك مرشحين آخرين لرئاسة الجمهورية عليهم اتهام بأنهم يتعاملون بشكل مباشر وبأدلة قدمت إلى الصدر، مع الكيان الصهيوني"، في إشارة إلى مرشح حليف الصدر الحزب الديمقراطي الكردستاني.

وأوضح كاكائي، أن "حزب الاتحاد الوطني الكردستاني لديه اتفاق مع الإطار التنسيقي (الشيعي) على الموافقة على أي مرشح يطرحه لمنصب رئيس الجمهورية".

ويتنافس على منصب رئيس الجمهورية حاليا، الحزبان الكرديان البارزان، إذ رشح الحزب الديمقراطي الكردستاني، وزير داخلية إقليم كردستان ريبر أحمد للمنصب، فيما يصر الاتحاد الوطني الكردستاني على تجديد ولاية ثانية للرئيس الحالي صالح.

ودرج العرف السياسي في العراق بعد الاحتلال الأميركي عام 2003 على تولي شخصية كردية منصب رئيس الجمهورية، فيما تذهب رئاسة البرلمان إلى المكون السني، ويكون منصب رئيس الوزراء من حصة الشيعة.

تلويح بالتصعيد

وفي تصريحات أخرى صدرت عما يسمى "وزير الصدر" صالح محمد العراقي، كشف عن الأسباب التي دعت إلى استقالة نواب الكتلة الصدرية من البرلمان العراقي، متوعدا في الوقت ذاته غريمه السياسي "الإطار التنسيقي" بالتصعيد، بالقول: إن "غدا لناظره قريب".

وحدد "وزير الصدر" خلال بيان أصدره في 1 يوليو/ تموز 2022، أسباب الانسحاب، بالقول: إن "أغلب الكتل السياسية الشيعية كان انتماؤها (لآل الصدر) إذا لم نقل جميعها، فعرضنا عليهم مرشحا لرئاسة الوزراء ابن مرجعهم وشهيدهم فرفضوه"، في إشارة إلى جعفر الصدر، نجل المرجع الشيعي محمد باقر الصدر.

وأضاف أن "من كان الصدر يحسن الظـن بهم مـن السياسيين أو كلهم.. خانـوه وركنوا لغيره، ولعل البعض يتوهم أن قرار انسحابه هو تسليم العراق للفاسدين والتوافقيين، كلا، بل هو تسليم لإرادة الشعب ولقراره، وإن غدا لناظره قريب".

وأوضح العراقي أن "رجوعنا للانتخابات بعد الانسحاب كان من أجل أمريـن مهمين: الأول: التطبيع، وقـد تم تجريم ذلك. الثاني: تجريم الفاحشة: (المثليين)، سنرى ما هم فاعلون؟ هل سيسنون قانونا جديدا ومفصلا، ولا سيما مع تصاعد الضغوطات الغربية الاستعمارية ضد المعارضين له؟".

وأشار إلى أن "انسحابنا هو إحراج الخصوم ممن اعتصموا ضد الانتخابات لأنها مزورة، فهل سيستمرون بتشكيل حكومة من انتخابات مزورة؟ فما تكون شرعيتها؟. وهـل سيتوافقون مع التطبيعيين والإماراتيين!؟ وهل ستطال الأنبار وأربيل الصواريخ؟".

وكانت قوى "الإطار التنسيقي" الشيعي تتحدث عن تزوير الانتخابات بتواطؤ مع مبعوثة الأمم المتحدة جينين بلاسخارت، وتتهم الصدر وحلفاءه بأنهم مع التطبيع وحلفاء للإمارات، فيما طالت مدينتي أربيل والأنبار هجمات صاروخية، اتهمت مليشيات موالية لإيران ومنضوية ضمن "الإطار" بالوقوف وراءها.

ومضى العراقي يقول: "لو بقي الصدر على إصراره بتشكيل حكومة الأغلبية لـدام ذلك إلى أشهر عدة أو يزيد.. فيا ترى ماذا سيكون ردة فعل الكتل والشعب وغيرهم؟".

وأوضح: "ظن الكثيرون أن المطالبة بحكومة الأغلبيـة هـو صـراع سياسي على السلطة وما كنا يوما طلاب سلطة، لكن فيكم سماعون للكذب"، مبينا أن "الانسحاب جـاء ببدلاء شيعة فهـل سيكون بداية لقوة المذهـب أم بدايـة لنهب الأموال والصفقات المشبوهة؟".

وفي السياق ذاته، وصف القيادي السابق في التيار الصدري، فتاح الشيخ تغريدة الصدر بأنها "أقوى من الكاتيوشا والطائرات المسيرة"، وفيما قال إن "البرلمان فقد شرعيته بعد انسحاب الكتلة الصدرية"، أكد أن انسحاب الصدريين فرصة كبيرة على "الإطار" أن يستثمرها.

وقال الشيخ  خلال تصريحات نقلتها صحيفة "العراق اليوم" في 3 يوليو، إن "التصعيد الجماهيري هو الورقة الثانية للصدر بعد الانسحاب من البرلمان"، لافتا إلى أن البرلمان فقد شرعيته بعد انسحاب الصدريين؛ كونه لا توجد مادة قانونية حول انسحاب كتلة كاملة من مجلس النواب وأن القوانين الموجودة تتحدث عن أفراد".

وأشار إلى أن "التصعيد الصدري سيكون سلميا، وأن الدم الواحد لا يمكن أن يتقاتل"، مشيرا إلى أن "الصدر عازم على تقويم العملية السياسية برمتها، والانتفاضة الشعبية هدفها تقويم هذه العملية وليس استهداف الإطار التنسيقي".

"إحماء الصدريين"

وفي المقابل، قال مصدر سياسي عراقي (فضل عدم الكشف عن هويته)، إن "تغريدة الصدر الأخيرة بخصوص برهم صالح، كشفت أن زعيم التيار الصدري، يتعامل بردود الأفعال ويبني مواقفه على معلومات مغلوطة، فضلا عن عدم صبره على الغياب من المشهد السياسي".

وأوضح المصدر لـ"الاستقلال"، أن "التغريدة عكست كذلك روح الصدر الإقصائية والتي تنبئ بالمستقبل الذي سيكون معه" مشيرا إلى أن "الشعارات الرنانة للصدر لم تنفع، ولا سيما مع استرجاع بعض المواقع لأرشيف مدح وزيره محمد صالح العراقي، أي الصدر ذاته، لبرهم صالح ووصفه بأنه حامي السيادة والثوار، وذلك خلال تغريدة نشرها في يناير 2020".

ولفت المصدر إلى أن "الكرة والفرصة في ملعب الإطار التنسيقي وبقوة، لذلك ربما يفكر الأخير بأن الفراغ الحاصل الآن ولمدة وجيزة ينبغي أن يستثمر وبشكل عاجل قبل أن يمنح الصدر الفرصة للعيش مجددا".

وفي سياق خطوات الصدر المتلاحقة، دعا زعيم التيار الصدري إلى إقامة صلاة "جمعة موحدة" لجميع المساجد التابعة للتيار في المحافظات، وإقامتها في مدينة الصدر ببغداد، يوم 15 يوليو 2022.

وتعليقا على ذلك، قال الصحفي العراقي هشام علي خلال تغريدة على "تويتر" في 3 يوليو، إن "دعوة 15 تموز (الجمعة الموحدة) هي عملية جس نبض الجماهير وبعدها سيتم اتخاذ القرار. كأنها لن تتخطى تموز".

وعلى الوتيرة ذاتها، رأى المحلل السياسي العراقي غالب الدعمي، أن "من يعتقد أن تغريدات الصدر وبياناته عشوائية فإنه واهم، لأن جمهور التيار الصدري لا يعرف السكون والهدوء ويحتاج إلى حركة، وبعد الانسحاب أصابه اليأس، لذلك التغريدات التي نراها هي جزء من إحماء للتيار حتى يكون جاهزا".

وأضاف الدعمي خلال مقابلة تلفزيونية في 3 يوليو، أن "الصدر لديه رسائل وأعتقد أن الإطار التنسيقي فهم هذه الرسائل، فهو لا يريد رئيس وزراء جدليا مستفزا له، ولا يريد برهم صالح رئيسا للجمهورية، وكذلك لا يريد تغيير قانون الانتخابات".

وأشار إلى أنه "على المدى الآني فإن التيار الصدري خاسر، لكن في المنظور الإستراتيجي هو رابح بخطوة الانسحاب، لأنه كسب الجمهور، لأن التيار لا يريد أن يكون جزءا من فشل قادم، لذلك تنبأ التيار بالمستقبل وانسحب من البرلمان، رغم أن الانسحاب من وجهة نظري كانت خطأ".

وفي السياق ذاته، رأى رئيس "مركز بغداد" للدراسات الإستراتيجية مناف الموسوي، أن "خروج التيار الصدري من العملية السياسية جعل بقية الكتل في مواجهة أمام الشارع، وخصوصا الأغلبية الصامتة الرافضة للحكومة التوافقية والمحاصصة".

ولفت الموسوي خلال تصريحات لموقع "الساعة" العراقي في 2 يوليو، إلى أن "خروج الجماهير إلى الشارع أمر وارد وبنسبة أكبر من تشرين، خصوصا وأن التيار الصدري سيكون داعما للحراك الشعبي".