بقاء رئيس "القيادة" اليمني في السعودية.. هل يعيد سيناريو عبدربه هادي؟
بعد عودة غامضة لرئيس مجلس القيادة الرئاسي في اليمن، رشاد العليمي، إلى السعودية وبقائه فيها، عقب زيارته قطر ضمن جولة خارجية شملت الكويت ومصر والبحرين، برزت تساؤلات كثيرة حول الدوافع الخفية وراء ذلك.
وفي 18 يونيو/حزيران 2022، ختم العليمي جولته الخارجية التي هدفت لـ"حشد الدعم الإقليمي لمجلس القيادة الجديد، وجلب الدعم السياسي والمساندة للإصلاحات الاقتصادية والخدمية".
لكن عدم عودة العليمي إلى عدن، وضع علامات استفهام كثيرة، خصوصا بعد تجربة مريرة عاشها اليمنيون، مع الرئيس السابق، عبدربه منصور هادي، المقيم في السعودية.
وحكم هادي البلاد "عن بعد"، لأكثر من 6 سنوات ولم يحقق أي إنجاز في معركة استعادة الدولة من مليشيا "الحوثيين" المسيطرين على عدة محافظات، بينها العاصمة صنعاء منذ سبتمبر/أيلول 2014.
وانتهت مرحلة هادي بضغوط سعودية أدت إلى تنازله عن السلطة ومغادرته للمشهد السياسي، في 7 أبريل/نيسان 2022، بإعلانه نقل السلطة إلى المجلس الرئاسي المكون من 7 أعضاء برئاسة العليمي، بعد مرور سنوات على حكمه لليمن وطلبه التدخل السعودي لمحاربة الحوثيين في مارس/آذار 2015.
قرار مسلوب
وحول هذا التطور الجديد، قال الباحث السياسي اليمني، عبدالناصر المودع، إن "زيارة العليمي إلى السعودية ومكوثه فيها أمر طبيعي، كون المملكة عمليا هي من تتحكم بالأمور في اليمن إلى جانب الإمارات".
وعد المودع في حديث لـ"الاستقلال"، أن "ذهاب العليمي إلى عدن دون سلطة فعلية ودون موارد كافية، كما حدث في السابق، غير مفيد لا للعليمي ولا لليمن بشكل عام".
وتابع: "خلال بقائه في عدن، كان دون سلطة فعلية حتى في مجمع المعاشيق (القصر الرئاسي)، فالسلطة الفعلية في عدن هي بيد الجماعات الانفصالية التابعة للإمارات".
ولفت إلى أن "هذه الجماعات تريد من العليمي أن يقوم بنفس الدور الذي يقوم به رئيس الحكومة، معين عبدالملك، وهو تقوية مركزها وختم قرارات التعيين الصادرة منها، ووفقا لذلك فإن وجود العليمي في عدن ليقوم بدور عبدالملك هو ضد مصلحة الشعب اليمني لأنه يخدم المشروع الانفصالي".
ومضى المودع قائلا: "لهذا على العليمي أن يطلع من السعودية عن ماذا يريدون منه، فإن كانوا يريدون منه الذهاب إلى عدن لترسيخ المشروع الانفصالي، فإن الأفضل له الاستقالة من القيام بهذا العمل المنافي للدستور والقانون".
وشدد على أنه "إذا كانت السعودية جادة في ترسيخ سلطة للجمهورية اليمنية، فهذا الأمر لا يستقيم إلا في حال تم قمع المشروع الانفصالي، لأنه لا يمكن لمشروع الدولة والمشروع الانفصالي أن يتعايشا".
من جانبه، قال الكاتب كمال البعداني، إن "الرئيس العليمي في مدينة جدة السعودية وممنوع من العودة إلى عدن، والوديعة تبخرت والريال اليمني في انهيار".
وأضاف في تدوينة على حسابه بموقع "فيسبوك" في 26 يونيو، أن "المتغطي بالسعودية عريان، والمتحالف معها خسران، والمصدق لوعودها ندمان".
ظهور لافت
وتزداد المؤشرات على تفاقم الخلافات بين قيادات "مجلس القيادة الرئاسي"، خصوصا بين الرئيس العليمي، ونائبه عيدروس الزبيدي، رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي الذي تدعمه الإمارات.
يأتي ذلك بعد رصد عزوف الزبيدي عن ممارسة عمله من القصر الرئاسي وتنظيم أغلب لقاءاته بصفته رئيس المجلس الانتقالي والقائد الأعلى للقوات المسلحة الجنوبية والضغط لإصدار قرارات تمكن للمجلس الانتقالي.
وبعد مغادرة العليمي إلى السعودية، ظهر الزبيدي في 27 يونيو 2022، وهو يمارس عمله من مكتب رئيس مجلس القيادة الرئاسي، بقصر "المعاشيق" في العاصمة المؤقتة عدن، خلال استقباله بعثة البنك الدولي وخلفه العلم اليمني، في خطوة لافتة خلافا لكل مرة يظهر فيها بمكتبه وخلفه "علم التشطير".
ويسود التشكيك بتحقيق المجلس الرئاسي أي تحولات فعلية، نتيجة حالة الانقسام داخل المجلس الذي تم تشكيله من أطراف تحارب بعضها، بالإضافة لهيمنة السعودية والإمارات على قراراته وزمام الأمور في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.
فبعد ثلاثة أشهر من تشكيله، عجز المجلس عن القيام بأي إصلاحات تلامس هموم واحتياجات اليمنيين، ما يثير علامات استفهام وأسئلة عدة حول هذا العجز وأسبابه.
ويتواصل السخط الشعبي، جراء تردي الأوضاع المعيشية للمواطنين بصورة غير مسبوقة منذ بدء الحرب في 2015، بين الحكومة اليمنية المدعومة بتحالف سعودي إماراتي، و"الحوثيين" المدعومين من إيران.
ورغم إعلان السعودية في أبريل/نيسان 2022، عن تقديم دعم للاقتصاد اليمني بقيمة ثلاثة مليارات دولار، بالشراكة مع الإمارات، إلا أنها لم تودعها بشكل فعلي حتى الوقت الراهن.
لكن الأوضاع تذهب نحو مزيد من التدهور، حيث شهدت مدينة عدن احتجاجات واسعة، تنديدا بتردي الخدمات الأساسية ورفع أسعار الوقود في ظل أزمة خانقة وعجز حكومي عن إيجاد حلول حقيقية.
وهو ما دفع الحكومة اليمنية، في 28 يونيو 2022، لطلب دعم البنك الدولي في قطاعات المصارف والكهرباء والطاقة، وذلك خلال لقاءات عقدها مسؤولون يمنيون في البنك المركزي ووزراء في الحكومة، مع وفد من البنك الدولي.
هدنة متأرجحة
ويشهد اليمن هدنة إنسانية هشة بدأت في أبريل 2022 برعاية الأمم المتحدة، وبعد انتهائها مطلع يونيو، جرى تمديدها شهرين إضافيين، رغم حالة التعثر في تنفيذ بنودها فيما يخص رفع الحصار وفتح المعابر بمدينة تعز من قبل الحوثيين وهو المهدد الأكبر لاستمرارها.
وعادت المفاوضات بين الأطراف اليمنية حول فتح الطرق نحو مدينة تعز، إلى نقطة الصفر، بعد أكثر من شهر على بدء أول محادثات في العاصمة الأردنية عمان في 25 مايو/أيار 2022.
وأعلن رئيس فريق الحكومة اليمنية في مفاوضات فتح الطرق، عبد الكريم شيبان، خلال تصريحات صحفية في 26 يونيو 2022، أن "المفاوضات مع الحوثيين بخصوص فتح طرق تعز عادت إلى نقطة الصفر، ولم تحقق تقدما، بسبب تعنت الجماعة، التي ترفض تنفيذ بنود اتفاق الهدنة الأممية".
وفي محاولة سعودية لتثبيت الهدنة، بحث السفير السعودي لدى اليمن، محمد آل جابر، والمبعوث الأممي، هانس غروندبرغ، في 26 يونيو، جهود إنجاح الهدنة في اليمن والتوصل إلى حل سياسي للأزمة.
وناقش الطرفان، جهود إنجاح الهدنة التي ترعاها الأمم المتحدة، بهدف التوصل إلى وقف إطلاق نار دائم، وبدء العملية السياسية بين الحكومة والحوثيين والتأكيد على أهمية التزام الحوثيين ببنود الهدنة الحالية وسرعة فتح المعابر بمحافظة تعز، وفق بيان لسفارة السعودية باليمن.
من جهته، أعلن مكتب المبعوث الأممي في 28 يونيو 2022، أن المبعوث التقى كبير المفاوضين الحوثيين، محمد عبد السلام، وعددا من المسؤولين العمانيين، وأعضاء السلك الدبلوماسي في العاصمة مسقط.
ويتمسك الحوثيون بمقترحاتهم التي طرحوها في أول يوم من مفاوضات عمّان، بفتح منافذ وعرة وبعض الطرق بالتدريج، ولم يتغير موقفهم خلال المفاوضات، أو حتى عقب لقاءات المبعوث الأممي مع قياداتهم في صنعاء، وهذا ما يجعل مصير الهدنة مرهونا بتقدم هذا الملف.
وتتهم الحكومة اليمنية ومنظمات دولية وحقوقية مليشيا "الحوثي" بفرض حصار خانق على تعز، كبرى مدن اليمن من حيث عدد السكان، منذ سبع سنوات.
وأمام هذه الأزمات المتداخلة والمتشابكة، يرتقب اليمنيون عودة العليمي إلى عدن، وسط تساؤلات وتكهنات ومخاوف من "إقامة جبرية" تعيد الملف اليمني إلى نقطة الصفر.