المهاجرات.. ذراع نسائي لتنظيم الدولة داخل مخيم "الهول" للنازحين في سوريا

12

طباعة

مشاركة

منذ أن كدست قوات سوريا الديمقراطية "قسد" بطلب أميركي، المهاجرات من زوجات وأبناء عناصر وقادة تنظيم الدولة في مخيم الهول شرقي محافظة الحسكة عام 2019، بات أولئك النساء ذراعا سريا منظما يصعب ضبطه.

وأولئك النساء من جنسيات عربية وأجنبية ممن تركهن أزواجهن من عناصر تنظيم الدولة، الذين قتلوا أو أسروا أو فروا خلال معارك "قسد" ضد التنظيم بدعم من التحالف الدولي في دير الزور شرقي سوريا.

ولم يكن يتوقع القائمون على المخيم الذي يؤوي نازحين سوريين ولاجئين عراقيين بالأساس، أن يشكل دمج تلك المهاجرات عبئا أمنيا كبيرا يصعب حله، طالما يعشن حالة متردية جراء رفض دولهن الأم إعادتهن وتأهيلهن من جديد.

عقيدة المهاجرات

ما هو لافت أن تلك المهاجرات متشبعات بأفكار ونهج تنظيم الدولة، ويسعين لفرضه على نزلاء المخيم، ليتعدى الأمر إلى تنفيذ عمليات تصفية وقتل لكل المخالفين لأبسط "الأحكام الشرعية الإسلامية" أو لمجرد انتقاد التنظيم وجرائمه بحق السوريين والعراقيين على حد سواء.

وأمام هذه الحالة المتضخمة للمهاجرات تقف قوات قسد عاجزة عن تفكيك التنظيم السري لهن، رغم عزلهن في قسم خاص بهن وأطفالهن داخل مخيم الهول.

وعقب ازدياد حالات القتل التي تنفذها نساء المهاجرات بطرق غير متوقعة ومدروسة بدقة، لجأت قوات قسد أخيرا إلى فرض حصار على القسم الخاص بهن داخل الهول.

وجاء ذلك، على خلفية احتجاجات وأعمال شغب من بعض نساء عناصر التنظيم داخل القطاع المخصص لهن.

إذ عمدت قسد التي تدير المخيم بدعم أميركي، في 20 يونيو/حزيران 2022 لمنع دخول الخضراوات القادمة من خارج المخيم ومنع كذلك النساء من استلام الحوالات المالية.

وتولدت حالة الشغب الجديدة، بعد اعتقال قوات قسد إحدى المهاجرات من الجنسية الروسية، ونقلها إلى ما يعرف بـ "السجن الأحمر" الواقع على أطراف المخيم.

وتسود حالة من الفلتان الأمني والفوضى داخل مخيم الهول، إذ تنفذ المهاجرات عمليات قتل في باقي أقسام المخيم، كما جرى توثيق مقتل 24 شخصا بينهن نساء سوريات منذ بداية عام 2022.

وبعد معارك بينه وبين قوات قسد بدعم كامل من التحالف الدولي والولايات المتحدة، أجبر التنظيم في 23 مارس/آذار 2019 على الاستسلام، وتسليم المئات من عناصره وزوجاتهم وأطفالهم، في آخر معقل له بالبلاد في بلدة الباغوز بمحافظة دير الزور.

وإثر ذلك احتجزت نساء عناصر تنظيم الدولة والأطفال دون سن العاشرة بمخيم "الهول"، أما الذين تجاوزت أعمارهم 12 سنة فأودعوا في سجن "الأحداث" بقرية تل معروف شمال شرق الحسكة.

كما خصصت القوات الأميركية ما يسمى مخيم "روج" والواقع قرب مدينة المالكية شمال الحسكة، كسجن أمني حساس جدا، احتجزت فيه فقط نساء وأطفال قادة وأمراء تنظيم الدولة.

كما جرى نقل عناصر تنظيم الدولة الذين استسلموا أو أسروا بالمعارك إلى سجون في الحسكة، فيما عزلت القوات الأميركية أمراء التنظيم عن هؤلاء العناصر في سجون خاصة.

تنظيم سري

ويضم مخيم الهول، الذي أقيم في الأصل لإيواء اللاجئين العراقيين في أوائل عام 1991 خلال حرب الخليج الثانية، نحو 56 ألف شخص، أكثر من نصفهم دون الـ 18 عاما، وفق آخر بيانات الأمم المتحدة، موزعين على تسعة أقسام أو قطاعات.

والمخيم يمتد على مساحة 1.5 ميل مربع، ويضم نحو 13 ألف خيمة أقيمت بدعم من الأمم المتحدة ومنظمات غير حكومية، بينما تتكون بعض المحلات فيه من ألواح حديدية وخشبية.

ويوجد داخل المخيم 29 ألفا من الجنسية العراقية بين شباب ورجال ونساء وأطفال ممن فروا من بلدهم خلال معارك مدينة الموصل عام 2017.

بينما يصل عدد السوريين حاليا إلى 19 ألفا بين شباب ورجال ونساء وأطفال بمعدل 4 آلاف و998 أسرة، إذ يجرى بين الفينة والأخرى مغادرة بعض العوائل لمناطق أخرى.

أما عدد عائلات عناصر تنظيم الدولة من جنسيات أوروبية وروسية وآسيوية فيبلغ نحو عشرة آلاف، وهؤلاء يقبعون في قسم خاص يسمى القطاع التاسع، ويحمل اسم "المهاجرات"، وهو قيد الحراسة المشددة.

ويوجد قطاعان في المخيم مخصصان لعوائل تنظيم الدولة من الجنسية السورية والعراقية.

وخلال مايو/أيار 2022، عثر على جثة امرأة مقطوعة الرأس داخل مخيم الهول، وتبين لاحقا أنها تنحدر من العراق، وسبقها أيضا مقتل امرأة عراقية.

إضافة إلى مقتل 9 عراقيين وآخرين سوريين بينهم موظف مدني كان يعمل في القطاع الطبي داخل المخيم.

ومنذ بدء وصول زوجات وعوائل أسر عناصر وقادة تنظيم الدولة إلى مخيم الهول عام 2019، طفت على السطح حوادث القتل والاعتداء في المخيم.

وتنفذ الهجمات عبر القتل بسلاح ناري كاتم للصوت، أو النحر بسلاح أبيض، وحتى أحيانا الجلد والضرب القاسي داخل القطاع التاسع، أو التصعيد عبر إحراق الخيم.

وبحسب الجنرال بول كالفيرت، قائد المهمة الأميركية لمكافحة تنظيم الدولة في العراق وسوريا، فإن زوجات عناصر التنظيم في مخيم الهول ينقلن "الأشبال - الأطفال" عبر خطوط سرية من المخيم إلى صحراء البادية.

ويؤكد كالفيرت أن تلك الخطوط تستخدم في تهريب الأسلحة إليهن، وفق ما نقل عنه موقع (defense one) في 24 فبراير/شباط 2021.

وبحسب الإحصائيات المحلية، فإن مجموعة القتلى داخل مخيم الهول منذ وصول المهاجرات بلغ قرابة 150 شخصا، إضافة لتوثيق الاعتداء على أكثر من مئة شخص، حيث تنفذ العمليات تحت جنح الليل.

يدير التنظيم السري للمهاجرات قياديات هن بالأساس زوجات لقادة تنظيم الدولة، ويعتبرن أنفسهن وصيات على نشر أفكاره والترويج لعودته.

إذ تتخصص بعضهن بإعطاء "دورات شرعية سرية" لباقي نساء المخيم، تحت التهديد بالقتل والعقوبة في حال عدم الاستجابة أو إبلاغ الحرس.

وتستفيد المهاجرات اللواتي يروجن لفكر تنظيم الدولة، من لبس النقاب وعدم معرفتهن، وهذا ما يكسبهن سهولة في الحركة والتمويه داخل المئات من المنتقبات من بقية النساء القاطنات بالمخيم.

كما تقيم المهاجرات "محاكم سرية" لباقي النساء داخل الهول، بتهمة "خروجهن عن فكر التنظيم"، حيث انتشرت مقاطع مصورة تظهر ذلك.

استشراس مقصود

وفي هذا الإطار، تؤكد شبكة "الشرقية 24"، لـ "الاستقلال"، أن أسباب عمليات القتل داخل مخيم الهول متعددة، "ومنها تخلي بعص النساء عن فكر تنظيم الدولة وإبداء تراخٍ كبير في تعاليمه والذي يعد شرطا من شروط إخراجهن وعودتهن إلى بلدانهن الأصلية".

وأوضحت الشبكة، أن "الدول تسحب رعايا من النساء بشكل سري من مخيم الهول بالتنسيق مع قسد، وبطرق غير مكشوفة خشية تعرض المغادرين في حال أعلنوا ذلك لعمليات قتل وتصفية على اعتبار أنهم مرتدون بنظر فكر المهاجرات".

وأكدت الشبكة، أن "استشراس المهاجرات يأتي نظرا للواقع المأساوي الذي يعشنه ورفض بلدانهن إعادتهن وتأهيلهن من جديد".

وبينت "الشرقية 24"، أن "أخطر ما في ملف المهاجرات هو تعليم الأطفال أفكار تنظيم الدولة وتشبيعهم به ورفضهم للغير وتكفيره".

وتتلقى المهاجرات من الجنسيات الأوروبية والروسية حوالات مالية من ذويهم بشكل دوري، وتصل إلى المخيم عبر مكاتب تحت رقابة قسد.

ولهذا تؤكد التقارير الصحفية أن خلايا تنظيم الدولة تفرض نفسها كلاعب أساسي في قطاع النفط بمناطق سيطرة قوات قسد شرق سوريا، وتحديدا في محافظة دير الزور عبر توظيف أموال الإتاوات التي تفرضها على وكلاء آبار النفط في دعم نساء مخيم الهول.

ويوجد في المخيم محال متنوعة من اللباس والمواد الغذائية وحتى بيع الذهب وألعاب الأطفال وجميع الأدوات المنزلية الصغيرة.

وكثير ما أحبطت إدارة المخيم محاولات حفر نفق داخل قسم المهاجرات، حيث تنجح بعض النساء من الفرار عبر الأسوار بمساعدة مهربين مقابل مبالغ مالية ضخمة.

ويوجد في مخيم الهول مجموعة تدعى "نساء الحسبة"، هي شرطة نسائية دينية، أسسها تنظيم الدولة منذ سيطرته على مناطق واسعة من سوريا والعراق (2014 - 2017)، مهمتها التحقيق ومعاقبة المخالفات منهن لقوانين التنظيم وتطبيق الأحكام الشرعية التي يفرضها على نساء تلك المناطق.

لكن ما يثير الريبة هو عجز "قسد" عن ضبط الانفلات الأمني داخل "الهول"، وسماحها بتكوين "نساء الحسبة" لقوة سرية تنفذ أجنداتها دون اتخاذ أي إجراءات لضبط الوضع الأمني.

وتوجد بمخيم الهول الذي يوصف بـ "قنبلة موقوتة"، مكاتب لمفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة إلى جانب الصليب الأحمر الدولي، واليونيسف، وأطباء بلا حدود، إضافة لعدد من المنظمة والجمعية محلية تقدم خدمات أساسية للنزلاء.

لكن رغم ذلك، يخشى خبراء من أن يشكل المخيم "حاضنة" لجيل جديد من مقاتلي التنظيم، وسط استمرار أعمال الفوضى والعنف وانسداد الأفق الدبلوماسي بإمكانية إعادة القاطنين فيه إلى بلدانهم.

وكانت منظمة العفو الدولية طالبت بتقرير لها في 30 نوفمبر/تشرين الثاني 2021 الدول بضرورة إعادة الأطفال المحتجزين في مخيم "الهول".

وتحدث التقرير عن الظروف القاسية التي يتعرض لها 27 ألف طفل في المخيم، والتي تهدد حياتهم وسط مستقبل مجهول مع استمرار حكوماتهم بتجاهل الظروف "المخزية" التي يعيشونها.

وفي هذا الإطار فإن منظمة الأمم المتحدة للطفولة في سوريا، أكدت مرارا على ضرورة استعادة جميع الدول رعاياها إلى بلدانهم بالسرعة القصوى.

واستطاع تنظيم الدولة منذ أن تمدد مطلع 2014 في سوريا، أن يجعل البادية موطنا لخلاياه، وتمركز فيها بشكل دائم عقب هزيمته على يد قوات النظام السوري أواخر عام 2017 وإخراجه من دير الزور والميادين والبوكمال.

ونجح تنظيم الدولة آنذاك في تقسيم البادية إلى قطاعات من أجل ضمان بقاء مجموعاته، التي زادت عقب إعلان الولايات المتحدة الداعمة لـ"قسد" القضاء على التنظيم بشكل نهائي بمحافظة دير الزور في مارس 2019.