بعد تهديد ليتوانيا.. صحيفة إسبانية: روسيا تثير شبح حرب عالمية جديدة
تحدثت صحيفة إسبانية عن سعي روسيا لاستدامة حالة التوتر والحرب الدولية، ومن ذلك تهديدها أخيرا بمعاقبة ليتوانيا بإجراءات سيكون لها “تأثير سلبي للغاية”.
وجاء هذا التهديد بعد أن فرضت ليتوانيا قيودا على بعض البضائع التي تمر إلى جيب كالينينغراد، في خضم العقوبات الأوروبية المفروضة على موسكو بفعل هجومها على أوكرانيا.
وتحول الانتباه إلى منطقة كالينينغراد الروسية، وهي ميناء مطل على بحر البلطيق تحيط به منطقة ريفية تؤوي نحو مليون روسي، وتتصل ببقية أنحاء روسيا عن طريق خط للسكة الحديدية يمر عبر ليتوانيا العضو في الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي "الناتو".
وأغلقت ليتوانيا الطريق أمام نقل الصلب ومعادن أخرى فيما تقول إنه أمر لازم بموجب عقوبات الاتحاد الأوروبي التي دخلت حيز التنفيذ خلال يونيو/ حزيران.
وزار أمين مجلس الأمن الروسي نيكولاي باتروشيف، المنطقة أواخر يونيو، ليرأس اجتماعا أمنيا هناك. وقال إن أعمال ليتوانيا “العدائية” كشفت أن روسيا لا يمكنها أن تثق في الغرب الذي قال إنه انتهك اتفاقيات مكتوبة بشأن كالينينغراد.
ونقلت وكالة الإعلام الروسية عن باتروشيف قوله “سترد روسيا بالتأكيد على مثل هذه الأعمال العدائية”. وقال دون الإدلاء بتفاصيل إنه يجرى العمل على اتخاذ “إجراءات مناسبة ستشكل عواقبها تأثيرا سلبيا للغاية على شعب ليتوانيا”.
تاريخ كالينينغراد
وقالت صحيفة "الإسبانيول" إن كالينينغراد كانت تُدعى، في نهاية القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر، كونيغسبرغ وكانت واحدة من المراكز الثقافية في بروسيا الشرقية، على وجه التحديد بسبب موقعها الجغرافي المتميز.
وفي الواقع، هي تقع على بعد خطوة واحدة من روسيا، وخطوة واحدة من بولندا، وخطوة واحدة من برلين.
ويوجد أيضا ميناء تجاري سمح لجميع أنواع الكتب والأفكار الثورية بالدخول إلى المدينة، وهو نموذج لعصر التنوير الذي كان فيه إيمانويل كانط الشخصية الرئيسة في أوروبا الوسطى.
وأضافت الصحيفة أن كونيغسبرغ كانت مكانا للجميع، كما كانت نوعا من الأرضية المشتركة بجانب البحر، حتى بدأت تفقد جاذبيتها.
في عام 1871، جرى تغيير اسم بروسيا إلى ألمانيا وفي 1919، أنشأت معاهدة باريس التي أنهت الحرب العالمية الأولى حدودا لبولندا، والتي عزلت، عمليا، كونيغسبرغ تماما.
ومن أجل استعادة هذا الاتحاد الذي كان قائما لعدة قرون، تفاوضت ألمانيا وبولندا على ممر، عبر مدينة دانزيغ، لتجنب عزلة المدينة الساحلية.
ونقلت الصحيفة أن احتلال الجيش النازي لذلك الممر بالتحديد كان السبب في إعلان الحرب الأولى ضد ألمانيا من قبل فرنسا وإنجلترا.
ونتيجة لذلك، بدأت الحرب العالمية الثانية في وقت لاحق. عموما، نحن لا نتحدث عن أي منطقة في تاريخ القارة العجوز، تقول الصحيفة.
في وقت لاحق، بعد الهزيمة النازية ضمت روسيا تلك المنطقة، واتخذت منها فناء استراحة، حيث إنه ميناء في الغرب، بعيدا عن البرد الرهيب في سانت بطرسبرغ، على سبيل المثال.
لكن، غفلت روسيا عن التفكير في أن اختفاء الاتحاد السوفيتي بعد نصف قرن من شأنه أن يغير البيئة والسياق مرة أخرى.
وهنا، تركت كونيغسبرج، الآن تحت اسم كالينينغراد، معزولة مرة أخرى عن البلد الذي تنتمي إليه.
ونقلت الصحيفة أنه في هذه الحالة، لا يكمن المفتاح في الغرب أو في دانزيغ، ولكن في الشرق. في الواقع، تقع كالينينغراد على حدود بولندا وليتوانيا ويربط بينها وبين بيلاروسيا ما يسمى "ممر سوالكي" الذي يمر عبر أراضي هذين البلدين.
على وجه التحديد، تتمثل الطريقة الوحيدة لإيصال الإمدادات مباشرة إلى المدينة في البحر، ولطالما كانت التجارة في بطرسبورغ وكالينينغراد مثمرة ولا تزال كذلك.
ومع ذلك، فإن قرار ليتوانيا بمنع مرور المنتجات الروسية الخاضعة لعقوبات الاتحاد الأوروبي المطبقة في 17 يونيو/ حزيران عبر أراضيها قوبل بمبالغة معتادة وسلسلة من التهديدات التي لم تعد تفاجئ أحدا.
ونوهت الصحيفة بأن ليتوانيا لن تفعل شيئا سوى الامتثال للوائح الاتحاد الأوروبي. وستطبق قيودا على عبور بضائع استهدفتها العقوبات الأوروبية، عبر سكك الحديد، في اتجاه منطقة كالينينغراد.
لعب دور الضحية
على المستوى النظري، لا يمكن إلقاء اللوم على ليتوانيا في شيء، فما فعلته هو خطوة كان على روسيا أن تتوقعها في وقت ما خلال هذه الأشهر الأربعة.
لكن، تختلف الممارسة عن الحديث النظري بحجم كبير. من الناحية العملية، كما رأينا للتو في الحرب في أوكرانيا نفسها، لا تزال الحدود مصدرا دائما للخلافات.
وأشارت الصحيفة إلى أن روسيا وافقت في ذلك الوقت، 1990، على استقلال جمهوريات البلطيق الثلاث (إستونيا ولاتفيا وليتوانيا) لأنها لم تستطع فعل أي شيء لمنع ذلك.
وفي الواقع، نحن نتحدث عن مناطق كانت دائما مرتبطة بالسويد أو بولندا أكثر من ارتباطها بروسيا نفسها، وبالتالي لا توجد تطلعات إمبريالية خاصة بها.
أما الآن، فتتمثل مشكلة الرئيس فلاديمير بوتين والقوميين الروس في وصفهم لهذه الجمهوريات بأنها معادية لروسيا، وقد أظهرت ذلك دائما.
ثانيا، وعلى الجانب الجغرافي، تعترض هذه الجمهوريات دائما طريق الروس. وفي الواقع، إذا كان القائد الثاني للاتحاد السوفيتي جوزيف ستالين قد ضمهم في الحرب العالمية الثانية، فهذا لسبب ما، وفق الصحيفة.
وأفادت الصحيفة أن كالينينغراد ليست محاصرة، "صحيح أنه لا يمكن وصول 50 بالمائة من البضائع برا لأنها خاضعة للعقوبات، لكن حوالي 50 بالمائة الأخرى، والتي تشمل بشكل واضح الأغذية والأدوية والسلع الاستهلاكية الشائعة، لا تتعرض لأي تهديد".
وأشارت إلى أن الغريب أن روسيا، التي تصر على أنها ليست في حالة حرب مع أوكرانيا، تمنع الحبوب من الموانئ القليلة في جنوب البلاد التي لا تزال تحت سيطرة كييف، لكنها غاضبة من قرار ليتوانيا.
ومع ذلك، فإن ما هو غريب من الناحية النظرية ليس غريبا في الممارسة مرة أخرى. في الواقع، تعد روسيا مجتمعا في حالة هيجان دائم، وتحتاج إلى العيش في سخط على مدار 24 ساعة في اليوم للحفاظ على توتر الحرب.
ونوهت الصحيفة بأن هذه الرواية تخدم دعاية روسيا. وبالنسبة لبوتين، ما يحدث هو حلم في خدمة الدعاية الداخلية، ولن يفوت الفرصة.
فقد ظل يردد لسنوات "الناتو يخنقنا"، وهنا، جاءت دولة من دول ذلك الحلف لتستفيد من الوضع الجغرافي لكالينينغراد لفصلها فعليا عن بقية الاتحاد الروسي.
وأوردت الصحيفة أن الكرملين ووسائل الإعلام العديدة التابعة له خرجوا على الفور لتهديد ليتوانيا بـ "الانتقام".
وهنا، يتحدث الزعيم الروسي عن "عواقب لا يمكن تصورها" على أمل أن يرسم الجميع، بما في ذلك ليتوانيا، في رأسه صورة صاروخ نووي يسقط على حدودها وما يترتب على ذلك من بدء حرب عالمية ذرية تنهي العالم تماما كما نعلم.
وأضافت الصحيفة أن المشكلة تكمن في أن التهديد يفقد قوته بتكراره كثيرا، "وإذا كان لدى ليتوانيا أدنى خوف من أن تطلق روسيا صاروخا نوويا على أراضيها، لما دخلت في هذه الفوضى".
لكن، يختلف الوضع نوعا ما عن باقي دول الاتحاد الأوروبي، التي لم تصل إلى مرحلة ليتوانيا، ويمكن أن تخيفها هذه التهديدات.
وبينت الصحيفة أن روسيا لا تبدو في أفضل وقت للدخول في صراع آخر مع دولة أخرى، خاصة أنها عالقة في حرب لا نهاية لها، على ما يبدو، في شرق أوكرانيا، مع مقتل عشرات الآلاف في صفوفها.