أعطال فنية أم نقص كفاءة؟.. سقوط 21 طائرة حربية مصرية منذ 2013

12

طباعة

مشاركة

منذ انقلاب يوليو/تموز 2013، تزايدت حوادث سقوط طائرات عسكرية في مصر، دون الكشف أو التحقيق في الأسباب الرئيسة لذلك مع التشكيك بقدرات الجيش وإهماله الصيانة والتدريب الكافي.

كان آخر تلك الحوادث، إعلان الجيش المصري في 19 يونيو/حزيران 2022 سقوط مقاتلة "نتيجة عطل فني" ونجاة قائدها، دون ذكر نوع الطائرة ولا مكان الحادث. وبهذا ارتفع عدد الطائرات الحربية التي سقطت منذ 2013 حتى الآن إلى 21.

ونشرت "منظمة سيناء لحقوق الإنسان" فيديو للحظة سقوط الطائرة العسكرية، وهبوط قائدها بالمظلة، مؤكدة أنها تابعة لقوات تأمين المجرى الملاحي لقناة السويس قرب المنطقة الصناعية شرق بورسعيد.

حصيلة صادمة

وعادة ما ترجع القوات الجوية حوادث الطيران وغالبيتها من نوع "إف 16" إلى "خلل فني" أو "عطل مفاجئ"، دون أن تتلافى الأخطاء أو تكشف عن تفاصيل.

وأظهر تحليل لصورة أخرى حادثا أجراه خبراء استعانت بهم مؤسسة سيناء الحقوقية أن الطائرة المنكوبة هي مقاتلة ذات مقعد واحد من طراز إف 16 أميركية الصنع.

ولدى القوات المصرية أسطول متنوع من المقاتلات، خصوصا الروسية والأميركية والفرنسية، وتستعد مصر لإبرام أكبر صفقة شراء أسلحة متنوعة من إيطاليا، بينها 24 طائرة من طراز يوروفايتر تايفون، تقدر قيمتها بين 10-12 مليار دولار.

ولكن التنوع بهذا الاتساع ليس ميزة على الإطلاق، كما يؤكد خبراء عسكريون، ويُنظر إليه على أنه كارثة لوجستية، لأن كل نوع يتطلب تدريب الفنيين بشكل مختلف، وأساليب صيانة وإمدادات لوجستية مختلفة تمثل عبئا اقتصاديا.

وتثير الصفقات المتتالية، وآخرها التايفون تساؤلات حول أسباب إبرامها في ظل وجود "رافال" و"إف 16" التي تؤدي نفس عمل الأولى لدى مصر.

وفي ظل غياب الصيانة هناك شكوى كبيرة لدى مُشغلي طائرة "التايفون" من ارتفاع تكلفة صيانتها بشكل كبير، وتعقد توفير قطع غيارها.

وذلك "بسبب توزع عملية إنتاجها بين أربع دول أوروبية هي بريطانيا وألمانيا وإسبانيا وإيطاليا"، بحسب ما نشر موقع "عربي بوست" في 20 يونيو 2022.

وقبل نحو عامين، نشرت صحيفة الاستقلال تقريرا رصد السيل المحطم من الطائرات منذ عام 2013 وحتى 2020، ليتواصل هذا المسلسل بحوادث جديدة جرى التطرق ضمن هذه الإحصائية.

وبين القديم والجديد، رصدت "الاستقلال" سقوط 21 طائرة بالفعل بين 2013 -2022 على النحو التالي:

خلال عام 2013 سقطت طائرتان الأولى في 21 أبريل/نيسان والثانية في 13 أكتوبر/تشرين أول، أسفر أولها عن إصابة 7 أشخاص دون وفيات، ولقي مدني مصرعه في الثانية وأصيب آخرون حسب بيان المتحدث العسكري.

وفي عام 2014، سقطت أربع طائرات دفعة واحدة، أولها يناير/كانون ثان وهي من نوع هليكوبتر دون ذكر تفاصيل عن الضحايا، أو سبب السقوط، والثانية طائرة مراقبة بدون طيار في 17 مايو/أيار قرب قناة السويس.

والثالثة في 21 سبتمبر/أيلول، وهي طائرة نقل عسكرية قتل فيها 6 عسكريين بعد "توقف المحرك فجأة"، والرابعة من نفس النوع وقتل فيها 4 عسكريين.

وعام 2015، سقطت ثلاث طائرات، الأولى بدون طيار في 28 أبريل شمال سيناء، والثانية نقل عسكرية 13 أغسطس/آب وقتل فيها 4 عسكريين وأصيب اثنان آخران، والثالثة هليكوبتر 28 نوفمبر/تشرين الثاني، وأصيب طاقمها.

وسقطت عام 2016، طائرتان، أولهما إف-16 في 28 يناير وتوفي طاقمها بالكامل دون تحديد عددهم، والثانية أباتشي يوم 19 سبتمبر 2016 وتوفي فيها ضابطان.

وتكرر في 2017 سقوط طائرتين أيضا، أولهما إف-16 يوم 12 أغسطس ومصرع قائد الطائرة، والثانية من نفس النوع في 15 ديسمبر/كانون أول بالقرب من مطار 6 أكتوبر بمحافظة الجيزة، ووفاة 3 أشخاص.

وخلال عام 2018 سقطت طائرة واحدة، في 3 نوفمبر، وهي مقاتلة (ميغ 29) روسية، ونجا الطيار.

وعاد العدد ليرتفع عام 2019 بسقوط ثلاث طائرات، أولها مقاتلة رافال جديدة، في 28 يناير، بقاعدة الباسور غرب القاهرة، ووفاة قائدها.

والثانية ميراج 200 فرنسية في 12 أبريل دون تفاصيل، والثالثة ميغ 29 روسية 5 ديسمبر ونجاة قائدها.

وعام 2020 سقطت طائرتان، الأولى إف-16 في 14 يناير، وتوفى قائدها، والثانية من ذات النوع في 13 يونيو 2020.

وأعلنت وحدة التحقق بقناة الجزيرة مباشر سقوط المقاتلة بالمنطقة الجنوبية ومقتل قائدها، الرائد طيار أحمد أبوزيد نقلا عن "مصادر"، دون أن يعلن هذا المتحدث العسكري.

وكانت آخر هذه الحوادث عام 2022، سقوط إف -16 أيضا في 19 يونيو "نتيجة عطل فني" ونجاة قائدها، كما قال المتحدث العسكري، دون ذكر نوع الطائرة ولا مكان الحادث، ليصبح العدد 21 طائرة.

إهمال الصيانة والتدريب

منذ انقلاب 2013 وانشغال الجيش ببناء اقتصاد خاص وقمع المصريين وهناك سيل محطم من الطائرات، غالبيتها تسقط بسبب واحد معلن هو "عيوب فنية"، الأمر الذي يشير إلى نقص وغياب الصيانة، وأيضا التدريب.

وأشار تقرير لـ "معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى" مبكرا في 16 يناير 2014 لشكوى مسؤولين أميركيين من غياب صيانة مصر لمعداتها العسكرية ما يتسبب في تحطمها وصدئها.

نوه التقرير الذي كتبه الباحث "ديفيد شنيكر" إلى ما أسماه "شكوى من تكدس المعدات العسكرية الأميركية من دبابات وطائرات في مصر دون استعمال أو صيانة"، مشيرا أيضا إلى نقص كفاءة الطيارين المصريين.

وعلق على سقوط طائرات حينئذ بينها "أباتشي" الأميركية بالقول: "في ضوء ما تشتهر به مصر من ضعف الصيانة وقدرات الاستدامة -ناهيك عن مهارات طياريها التي تحيط بهم الشكوك -ربما يكون العديد من الطائرات خارج الخدمة".

وأشار إلى تحطم طائرتين نفاثتين من بينهما واحدة من طراز إف 16 في هذه الفترة.

أيضا تحدث "ستيفن كوك" الخبير بشؤون مصر، وخبير معهد العلاقات الدولية المقرب من دوائر صنع القرار الأميركي بصورة سلبية للغاية عن أن واشنطن تنظر إلى كفاءة الجيش المصري القتالية بصورة تؤكد "التدهور في قدراته".

قال في حوار مع تلفزيون جامعة كاليفورنيا في 12 أبريل 2012 إن "الجيش تحول عن عقيدة الدفاع عن الأوطان إلى إدارة الثروات وحمايتها من الشعب ".

نفى خلال الحوار أن يكون الجيش المصـري لا يزال يحافظ على قدرته "في خوض حروب على مستويات عالية".

وأكد أنه: "لا يوجد دليل على أن لدى القوات المسلحة المصرية كفاءة قتالية، إنهم لا يستخدمون المعدات التي اشتروها من أميركا بكفاءة عالية وبصورة صحيحة".

وبين أن "الطيارين المصريين غير معروفين بالكفاءة، بالتأكيد يمكنهم الإقلاع والهبوط، لكنهم ليسوا على درجة كفاءة غيرهم في المهارات الأخرى، فهذه ليست قوة قتالية معتبرة".

وشدد على أن "هذا جيش منخرط في مصالحه الاقتصادية الخاصة به، والحفاظ على التحكم في الشعب المصري".

وكرر "كوك" نفس الآراء في كتابه "مكافآت الفشل استمرار الحكم العسكري في مصر" بالثاني من أكتوبر 2020.

وقال الخبير الأميركي: "حين كان لدى المصريين جيش مسلح بأسلحة سوفيتية، حققوا أكبر انتصاراتهم بعبور قناة السويس في بداية حرب أكتوبر 1973، لكن لم يستمروا في نفس الأداء الجيـد".

أوضح أنه "عندما بدأت المساعدات العسكرية الأميركية لمصر في بدايات الثمانينيات، كان الهدف تحويل الجيش المصري إلى قوة قتالية مسلحة أميركيا وأكثر كفاءة".

"لكن الحقيقة أن برنامج المعونة، أدى إلى تسريح الجيش المصري من الناحية القتالية"، في إشارة للتركيز على البيزنس.

أضاف: "كمثال، المصريون لديهم دبابات M1A1 ولكنهم يستخدمونها كقطع سلاح بأرض المعركة، وهذا إهدار للتكنولوجيا".

"دبابات M1A1 يفترض أن تستخدم في حروب المناورة، لكنهم لا يعلمون كيفية صيانتها ولا تقديم الخدمات اللوجستية لها بعد تشغيلها لفترات زمنية طويلة"، وفق قوله.

تهاون واضح

وتحدثت مجلة "وواتش العسكرية" في الثاني من فبراير/شباط 2022 عن أسمته "أسطول مصر الضخم من طراز إف 16 الذي عفا عليه الزمن تماما بالنسبة للحرب الحديثة، ولا يمكنه إطلاق النار بعيدا".

ركز التقرير على اقتناء مصر أنواعا قديمة من تلك الطائرات الحربية أو غير المتطورة، مشيرا إلى أنهم "كان يقتصرون على شراء مجموعة محدودة من الأسلحة من الدرجة الثانية".

أوضح أن "المقاتلة F-16 الموجودة في الخدمة المصرية أقل قدرة بكثير من تلك التي يجرى تصديرها إلى معظم العملاء الآخرين مثل إسرائيل أو تركيا، حيث جرت نزع قدرات إلكترونية عالية منها".

وهو "ما يجعلها مقيدة بشكل خطير وتتمتع بقدرة لا تذكر على التعامل مع دولة خصم أخرى تملك الأنواع المتطورة"، في إشارة إلى إسرائيل.

وذكرت مجلة "وواتش العسكرية" أن طائرات إف-16 المصرية لديها مجال اشتباك قصير ما يقيد حركتها، على عكس الطائرات المطورة.

وبحسب ما نشر موقع "الدفاع العربي" في 28 أكتوبر 2021: "تعد القوات الجوية المصرية رابع أكبر مستخدم في العالم لطائرات إف 16 من الجيل الرابع بعد الولايات المتحدة وإسرائيل وتركيا ولديها 240 طائرة مقاتلة".

في عام 2005 طلبت مصر 60 – 100 مقاتلة إف-16 بلوك 52 وقُوبل الطلب بالرفض من إدارة الرئيس الأسبق جورج بوش الابن، ثم جرت الموافقة على 24 مقاتلة من نفس النسخة عام 2009 في عهد الرئيس الأسبق باراك أوباما.

وخفضت مصر العدد إلى 20 مقاتلة وبدأ التسليم في يناير وأبريل 2013 بعدد 8 مقاتلات ثم توقف التسليم مع تجميد المعونة العسكرية عقب انقلاب 3 يوليو 2013.

ثم استؤنف التسليم في 30 يوليو 2015 بعد قرار رفع الحظر عن المعونة العسكرية في مارس من ذات العام.

وجرى تسليم 8 مقاتلات يومي 30 و31 يوليو 2015 و4 مقاتلات لاحقا في نفس العام.

وفي 28 فبراير 2019، أصدر مركز "كارنيغي لدراسات الشرق الأوسط"، تقريرا بعنوان "الجيش المصري.. العملاق المُستيقظ من سباته" للباحث "روبرت سبرنغبورغ"، ركز فيه على مستوى التدريب المنخفض للطيارين وضعف الصيانة.

أوضح أن "إسراف مصر في شراء المعدات عالية التقنية باهظة الثمن أدى إلى تقليل الأموال المتاحة لصيانة وتحديث الطائرات".

أرجع السبب لإنفاق الجيش المصري 30 في المائة فقط من مساعداتهم الأميركية على الصيانة والتحديث للمعدات، مقارنة بالحد الأدنى البالغ 50 بالمئة الذي أوصى به خبراء اللوجستيات العسكريون الأميركيون. 

ذكر أن "هناك شكوكا حتى في استخدام هذا المبلغ الصغير للصيانة وإنفاقه بكفاءة، وأن هذا يفسر المستويات لاستدامة عمر الطائرات والدبابات الأميركية التي يجري تسلميها لمصر، بالإضافة إلى عوامل أخرى".

كشف أنه بسبب هذا الخلل في الصيانة من جانب مصر، فإن "متوسط ساعات طيران ​​طائرة إف 16 المصرية السنوية أقل من نصف عدد الطلعات الجوية السنوية لنظيرتها الأميركية".

أضاف: "تتفاقم المشكلة لأن الجيش المصري غالبا ما يفتقر إلى التدرب على المواجهات المفاجئة، أو اللعب الحر، حيث يظل الطيارون يتدربون على نفس السيناريوهات الروتينية معروفة النتيجة مسبقا".

ولا يوجد جهد واضح لغرس هذا النوع من المرونة في القادة وصناع القرار وهو أمر بالغ الأهمية للنجاح في أي صراع أو مواجهة، أو ظروف متقلبة وغامضة.

وقال سبرنغبورغ"، إن السياسة المتبعة بشأن صيانة الطائرات والمعدات تنطبق على النشاط التدريبي الضعيف للجيش المصري، ما ينعكس على الخسارة البشرية (مقتل الطيارين) التي لا تقل أهمية عن الطائرات المحطمة.

وكان ملفتا بعد سلسلة من حوادث سقوط الطائرات وتحطمها بسبب "عطل فني" كما ظل المتحدث العسكري المصري يقول في كل مرة، ما كشفه موقع "ديفنس ويب" في 28 مارس 2022 عن بناء مصر حظيرة جديدة لصيانة الطائرات العسكرية.

وذكر الموقع أن شركة American International Contractors ومقرها فرجينيا، حصلت على عقد قيمته 24 مليون دولار لبناء حظيرة صيانة طائرات إف 16 في قاعدة مرسى مطروح الجوية بمصر.

أوضح أنه جرى الإعلان عن العقد من قبل وزارة الدفاع الأميركية في 24 مارس 2022، ومن المتوقع أن يكتمل العمل في بناء مكان الصيانة الجديد نهاية سبتمبر 2024، وسيجرى التمويل من المعونة العسكرية الأميركية السنوية.

وسبق لنفس الشركة بناء حظائر صيانة طائرات لمصر بين عامي 2012 و2017، بتكلفته 112 مليون دولار.