ممارسات سرية.. ماذا وراء إبطاء شركة "أبل" أجهزة المستخدمين؟

في ساحات المحاكم وعلى منصات التواصل الاجتماعي، لا يزال عملاق الإلكترونيات الأميركي "أبل" يدفع ثمنا باهظا للممارسات السرية التي أقدم عليها لتعظيم أرباحه عبر إبطاء أجهزته القديمة، من أجل دفع المستخدمين لشراء الإصدارات الأحدث.
المثير أن "أبل" كانت تفعل هذه الممارسات وهي تتربع على عرش شركات العالم من حيث القيمة السوقية حتى مايو/أيار 2022، كما أنها أكبر شركة لتكنولوجيا المعلومات على صعيد الإيرادات، بإجمالي 365٫8 مليار دولار في عام 2021.
لكن هذا المنحى يصبح مفهوما عند وضعه في إطار تسليع واستهلاك كل شيء الذي رسخته منظومة الرأسمالية الاقتصادية التي لا تعبأ كثيرا بمفاهيم القيم والأخلاق الإنسانية وتربطها مباشرة بمساري المكسب والخسارة.
وترى الرأسمالية المسار الأول الأساس الذي يجب العمل وفقا له، وتعتمد عليه في تبني سياستها حتى لو كان قائما على التحايل.
وتؤكد دوائر حقوقية دولية أن "أبل" تحقق 84 بالمئة من إيراداتها السنوية من بيع الأجهزة الجديدة، وتمثل الأنظمة والبرامج والبطاريات القديمة عبئا ماليا كبيرا على الشركة، لذا تسعى لكبح ذلك عبر تحديثات مشبوهة.
فضيحة جديدة
وفي 16 يونيو/حزيران 2022، كشف الناشط البريطاني في مجال حقوق المستهلك، أنه رفع دعوى ضد شركة أبل لدى محكمة استئناف المنافسة في العاصمة لندن، على خلفية تضليلها ما يصل إلى 25 مليونا من مستخدمي أجهزة "آيفون" في المملكة المتحدة.
وأوضح في تغريدة عبر تويتر، أن الشركة الأميركية متورطة في إخفاء تفاصيل أداة تُعرف باسم "إدارة الطاقة" أصدرتها في تحديثات نظام التشغيل "آي أو إس"، تسببت في إبطاء الأجهزة بنسبة تصل إلى 58 بالمئة.
Exciting news! Today I launched a claim against Apple for misleading up to 25 million UK iPhone users by concealing a power management tool in iOS updates that slowed devices by up to 58%.
— Justin Gutmann (@JustinGutmann) June 16, 2022
Read more here: https://t.co/r0iiZNXYcs#Apple #AppleClaim #TheiPhoneClaim
وتعليقا على الدعوى، كشفت هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي"، في نفس اليوم، أن الملايين من مستخدمي آيفون مؤهلون للحصول على تعويضات مادية، بعد اتهام أبل بتعمد إبطاء أداء الهواتف القديمة سرا.
وأوضحت أن غوتمان ذكر في الدعوى أن أبل ضللت المستخدمين بشأن تحديث قالت إنه سيعزز أداء الهواتف وسيحميها من الإغلاق المفاجئ لكنه في الواقع أبطأها، وفعلت ذلك من أجل تجنب عمليات استرداد أو إصلاح الهواتف ذات التكلفة العالية.
وأشارت إلى أن الدعوى تطالب بتعويضات تبلغ نحو 768 مليون جنيه إسترليني (941 مليون دولار) لما يصل إلى 25 مليون مستخدم لآيفون في المملكة المتحدة.
والدعوى القانونية اختيارية الاشتراك، ما يعني أن العملاء لن يحتاجوا إلى الانضمام إلى القضية للحصول على تعويضات، وفق بي بي سي.
وبالتزامن مع ذلك، أطلق غوتمان موقعا إلكترونيا عن الدعوى حمل اسم theiphoneclaim.com، أوضح فيه الإصدارات التي يحق لأصحابها الحصول على تعويضات من هذه القضية.
وتشمل الدعوى وفق الموقع، إصدارات "آيفون 6، و6 بلس، و6 إس، و6 إس بلس، و6 إس إي، وآيفون 7، و7 بلس، وآيفون 8، و8 بلس، وآيفون إكس".
من جانبها، أوضحت صحيفة "ديلي ميل" البريطانية، أن الدعوى تتعلق بالتحديث الذي وصل إلى مستخدمي آيفون في يناير/كانون الثاني 2017، وكانت الغاية منه إبطاء عدة إصدارات من هواتف الشركة.
وأوضحت الصحيفة في 16 يونيو، أن تلك الهواتف ضمت بطاريات قديمة، وربما كانت تواجه مشاكل في تحديث مستجدات نظام التشغيل.
وفي تصريحات تلفزيونية، بين غوتمان أن أبل أقدمت على هذا التحايل، لإخفاء حقيقة أن بطاريات آيفون ربما وجدت صعوبة في تشغيل أحدث برامج نظام آي أو إس، وبدلا من استرداد تلك الهواتف أو تقديم بطاريات بديلة، دفعت الشركة المستخدمين بدلا من ذلك لتحميل تحديثات البرامج.
وأضاف: "بدلا من فعل أشياء مشرفة وقانونية تجاه عملائها وتقديم بديل مجاني أو خدمة إصلاح أو تعويض، ضللتنا أبل من خلال إخفاء أداة في تحديثات البرامج أدت إلى إبطاء أجهزتهم".
'We say that this was concealed... this was almost forced upon the consumers.'
— GB News (@GBNEWS) June 17, 2022
Barrister Rodger Burnett and campaigner Justin Gutmann join Breakfast to discuss the legal action being brought against Apple over battery 'throttling.'
�� GB News on YouTube https://t.co/KHMl3BS8eC pic.twitter.com/dzPJIPMFzc
نهج مؤسف
وتأتي دعوى غوتمان في بريطانيا بعد عامين على إبرام أبل تسويتين قضائيتين مماثلتين في الولايات المتحدة وفرنسا، أجبرت عبرها على دفع ملايين الدولارات للمستخدمين حتى تتوقف الانتقادات الدولية لسياساتها.
وكشفت وكالة رويترز البريطانية في الثاني من مارس/آذار 2020، أن أبل وقعت على تسوية في محكمة بكاليفورنيا، وافقت بموجبها على دفع نصف مليار دولار كحد أقصى، وبحد أدنى 310 ملايين دولار، على شكل دفعات لمستخدمي آيفون المتضررين من بطء أجهزتهم داخل الولايات المتحدة،
ويختلف مقدار الغرامة اعتمادا على عدد الأشخاص المنخرطين بالشكوى، بحيث يقل ما تدفعه لكل فرد إذا تجاوز إجمالي الغرامات الحد.
لكن، إذا كان عدد المشتكين أقل، فإن مبلغ 310 ملايين دولار سيوزع عليهم، بعد خصم 93 مليونا بدل أتعاب قانونية.
كما وافقت أبل في فبراير/شباط 2020، على دفع 27 مليون دولار، فرضتها عليها هيئة المنافسة والاحتيال الفرنسية بعد اتهامها بتعمد إبطاء هواتف "آيفون" القديمة.
وأوضحت الهيئة أن الشركة الأميركية تتعمد دفع بطارية الهواتف للإبطاء وكذلك المعالج، لإجبار مستخدميها على الترقية إلى إصدارات أحدث قبل الحاجة إليها، وفق موقع "إنغادجيت" التقني المتخصص.
وأشارت إلى أن "آبل" لم تقبل التسوية إلا بعدما ضغطت التقارير الدولية عليها وفضحت إجراءاتها المعيبة.
وبعد شائعات لسنوات، أقرت أبل في قنبلة تجارية وتكنولوجية، بأنها تسببت في إبطاء الهواتف التي تحمل بطاريات قديمة وباتت ضعيفة الشحن.
وادعت عبر بيان نشرته صحيفة الغارديان البريطانية في 21 ديسمبر/كانون الأول 2017، أنها أقدمت على ذلك لإطالة عمر الأجهزة وتحسين الأداء، والحماية من المشاكل العديدة التي تسببها البطاريات القديمة.
وأردفت: "عندما تصبح البطارية ضعيفة فإنها لا تعود قادرة على إعطاء أعلى شدة تيار يطلبها المعالج عندما يعمل بالسرعة الكاملة. وإذا حدث ذلك، يغلق الهاتف دون سابق إنذار لحماية المكونات الداخلية".
وفسر هذا البيان توقف الآلاف من أجهزة آيفون عن العمل فجأة رغم وجود نحو 30-40 بالمئة من الشحن في البطارية.
خسائر متواصلة
لكن لم تقنع الحجة التي ساقتها أبل مستخدمي هواتفها، الذين عبروا عن امتعاضهم من الشركة، لغياب الشفافية في إيضاح الأسباب حتى تزايد الضغوط العالمية عليها، وفق موقع "بي جي آر" التقني.
ولم تمر سوى أيام قليلة على اعتراف أبل، حتى بدأ المستخدمون برفع قضايا ضدها، أولها كانت في 21 ديسمبر، وفيها اتهمت الشركة بالتسبّب في خفض قيمة هواتفها عند إعادة بيعها، وإجبار المستخدمين على ترقية هواتفهم.
وأوضح الموقع في 27 فبراير 2018، إن أبل تتعامل مع 60 قضية في الولايات المتحدة وخارجها، وقد يجرى دمج عدد منها مع بعضها البعض، لمنع التقاضي المزدوج، نظرا لتشابه المخالفات.
وللخروج من هذا المأزق، أعلنت أبل مطلع 2018، عن خدمة جديدة لاستبدال البطاريات، مكّنت من خلالها مالكي الأجهزة بدون ضمان من طلب بطاريات جديدة بسعر مخفض يبلغ 29 دولارا، بدلا من 79.
وفي قراءتها للمشهد، قالت كلير هولوبوفسكي المحللة في شركة "إندرز" البريطانية للأبحاث، إن القضايا ضد أبل قد تستمر في الظهور، نظرا للقيود التقنية للبطاريات القديمة.
وأضافت لـ"بي بي سي": "تتحسن التكنولوجيا في الأجهزة الأحدث بسرعة فائقة، لكنها ليست بمسار ثابت، ما يخلق مشاكل عند إصدار تحديثات البرامج التي يجب أن تعمل على أجهزة ذات قدرات مختلفة إلى حد كبير في كثير من الأحيان".
وأوضحت هولوبوفسكي أن "شركة أبل تحقق 84 في المئة من إيراداتها من بيع الأجهزة الجديدة، ما يجعلها مترددة في كبح التحديثات لضمان استمرار عمل الإصدارات القديمة بسلاسة".
ومضت تقول: "إلى أن يجرى حل مشاكل الأجهزة وتحديثات البرامج التي تفوق قدرات البطاريات المتقادمة وتتجاوزها، فإن هذا التحدي سيتكرر".
بينما يتعجب آخرون من حالة الاستغراب الكبيرة إزاء هذه الممارسات التي تعد جزءا أصيلا من الثقافة الرأسمالية المتولدة من مفهوم الليبرالية، والتي تنتشر مظاهرها في جوانب الحياة كافة حاليا.
وعن هذه الجزئية، يقول الباحث كريم عاطف: "عند إلقاء نظرة على الإعلانات التجارية المنتشرة بكل مكان يتضح أنها تهتم اهتماما عظيما بالترويج للثقافة الاستهلاكية، ومخاطبة الشهوات، وتصوير السعادة والرفاهية التي ستحدث لمن يشتري هذه المنتجات".
ويوضح في مدونة نشرها موقع الجزيرة نت في 3 مايو 2017، أن هذه المنتجات في الأغلب ليست ضرورية لحياة الإنسان، بل أغلبها تكون رفاهية، لكن الرأسمالية تدفع لشرائها إما بالإقناع أو التحايل أو الإجبار.
ويؤكد عاطف، أنه على هذا النحو تجعل الرأسمالية المستخدم أسيرا لرغبته في السعادة والرفاهية والراحة والسرعة، لذا يدفع أموالا طائلة في منتج لا يحتاجه فعليا.
المصادر
- iPhone owners could get hundreds of pounds each if consumer watchdog wins £750m court battle: Case says Apple slowed down handsets without telling customers
- Apple battery lawsuit: Millions of iPhone users could get payouts in legal action
- Apple admits slowing older iPhones because of ageing batteries
- Apple to pay up to $500 million to settle U.S. lawsuit over slow iPhones
- France just fined Apple $27 million for intentionally slowing down iPhone