سعران مختلفان لعملة واحدة.. هل يمكن تحييد "المركزي اليمني" رغم الحرب؟

12

طباعة

مشاركة

تزداد حدة الخلافات حول البنك المركزي وتوحيد النظام المالي في اليمن يوما بعد آخر، في ظل تدهور اقتصادي حاد وتراجع كبير لقيمة الريال اليمني أمام العملات الأجنبية خصوصا في مناطق سيطرة الحكومة الشرعية.

ومنذ نقل البنك المركزي في 18 سبتمبر/أيلول 2016، من مركزه الرئيس بالعاصمة صنعاء إلى مدينة عدن وإعادة تشكيل مجلس إدارته، انقسم النظام المالي إلى قسمين، وتسبب باضطراب النظام المصرفي وفجوة كبيرة في أسعار صرف العملات الأجنبية.

وتزايد الانقسام المالي في البلاد مع اتخاذ الحوثيين قرارا نهاية 2019، بمنع الحكومة الشرعية تداول الطبعات الجديدة من العملة المطبوعة في مناطق سيطرتها.

 واستمر الحوثيون في استخدام العملة من الطبعة القديمة التي أصبح معظمها تالفا وغير قابل للتداول.

وهو القرار الذي وسع الهوة بإيجاد سعرين مختلفين للعملة المحلية، كما أدى إلى ارتفاع رسوم التحويلات النقدية من مناطق الحكومة إلى الحوثيين أكثر من 150 بالمئة من المبلغ المرسل.

اتهامات متبادلة

وتصدر الملف الاقتصادي جولات المحادثات المختلفة التي رعتها الأمم المتحدة، بين الحكومة اليمنية، المدعومة بتحالف سعودي إماراتي، والحوثيين المدعومين من إيران، في مسعى لتوحيد السياسات النقدية، دون تحقيق أي تقدم في هذا الملف الحيوي والمعقد.

وفي توجه هو الأبرز من نوعه، منذ بداية الحرب في مارس/آذار 2015، وطوال الفترة الماضية، جرت مباحثات وصفت بالحثيثة والجادة لتوحيد السياسات النقدية والعمل المصرفي بين البنكين المركزيين بصنعاء وعدن.

جاء هذا في إطار مساع أممية ودولية لتخفيف الأزمة الاقتصادية وحل الانقسام المستمر منذ نقل عمليات البنك المركزي إلى العاصمة المؤقتة عدن.

وبحسب مصادر حكومية وأممية، ناقش المبعوث الأممي هانس غروندبرغ خلال مباحثاته مع الأطراف اليمنية في صنعاء وعدن إمكانية توحيد النظام المالي لتخفيف حدة الأزمة الإنسانية، التي صنفتها الأمم المتحدة كأسوأ أزمة إنسانية في العالم.

ودخل اليمن مطلع يونيو/حزيران 2022، في تمديد للهدنة التي بدأت في أبريل/نيسان من نفس العام برعاية الأمم المتحدة، وسط محاولات دولية وإقليمية لإنهاء الحرب، والعمل على إيجاد حلول سياسية.

وتحدثت مصادر إعلامية، عن وجود محاولات وضغوط لعودة البنك المركزي إلى ممارسة أنشطته من عدن إلى صنعاء، ضمن المشاورات التي تجري حاليا بين الحكومة والحوثيين بهدف صرف رواتب الموظفين المنقطعة منذ أكثر من 6 أعوام، والتوصل إلى اتفاق سلام دائم.

وهو ما أثار حفيظة المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم إماراتيا الذي أصدر بيانا، رفض فيه أي محاولات لنقل البنك من عدن. واتهم عناصر مشبوهة في إدارة البنك بالتعامل مع أطراف خارجية.

وزعم أن قياداته "تراقب تلك التحركات المشبوهة عن كثب، وتتابع باهتمام خيوط المؤامرة التي تحيكها تلك العناصر، في مسعى بائس لنقل البنك إلى صنعاء، عاصمة المليشيات الحوثية، عبر ممثلها المدعو منصور راجح، الذي سبق وأن ترأس وفدا اقتصاديا إلى ألمانيا أواخر 2018".

من جانبه، أعرب البنك المركزي اليمني في عدن، عن أسفه حيال ما وصفها بحملات الزيف والتحريض والبيانات الصادرة من كيانات رسمية مشاركة في السلطة التي تستهدف قيادته بمزاعم التآمر لنقل مقره إلى صنعاء الخاضعة لسيطرة الحوثيين.

وقال البنك إن تلك البيانات اعتمدت على معلومات مضللة، تتسبب في إرباك السوق والتأثير على معيشة الناس.

وحمل تلك الجهات مسؤولية تعرض مسؤوليه ومنتسبيه لأي أذى، في إشارة واضحة إلى المجلس الانتقالي.

واستنكر المركزي اليمني، في بيان له، ما أسماه تحريضا غير حصيف، ونشر معلومات مضللة "تهدف إلى تسميم العلاقة بين البنك وكيانات رسمية".

وعقب هذه الاتهامات، دعت الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا، الأطراف اليمنية إلى احترام استقلالية البنك المركزي ودعم جهوده لتحقيق الاستقرار الاقتصادي.

وأعرب السفير الأميركي لدى اليمن ستيفن فاجن، خلال بيان مقتضب في 15 يونيو 2022، عن القلق من تصعيد الخطاب ضد البنك المركزي اليمني وموظفيه، ودعا جميع الأطراف إلى احترام استقلالية البنك.

بدورها أعربت السفارة البريطانية لدى اليمن عبر حسابها بـ"تويتر" "عن قلقها من التصعيد ضد البنك المركزي اليمني وموظفيه".

وقالت: "يجب على جميع الأطراف احترام استقلالية البنك المركزي والجهود المبذولة لتحسين الاستقرار الاقتصادي".

إيرادات مهدورة

وفي هذا الصدد قال رئيس مركز الإعلام الاقتصادي مصطفى نصر، إن موضوع نقل البنك المركزي إلى صنعاء أمر غير مطروح حاليا.

وأضاف في حديث لـ"الاستقلال": "المطروح حاليا هو توحيد بعض السياسات أو بعض الإجراءات المتعلقة بإدارة السياسة النقدية".

وبين أن "هذا أمر وارد ومهم للتخفيف من تداعيات الانقسام الحاصل وتأثيراتها على المواطنين وتحييد إجراءات السياسة النقدية بما يعمل على استقرار العملة". 

ويرى نصر أن "مسألة نقل البنك المركزي مرتبطة بحل أزمة البلد ككل وهذا من القضايا المعقدة التي يمكن التفاوض حولها في المرحلة الراهنة".

ومضى بالقول، "هذا الأمر أخذ منحى سياسيا أكثر من المنحى الاقتصادي والفني، والمطلوب الآن تحييد السياسات النقدية وعمل البنك المركزي وأجهزته الفنية، أما عملية نقله إلى صنعاء فهي غير مطروحة حاليا".

وأوضح أن "عدم تحصيل الدولة للموارد كان بسبب عدم وجود قيادة الدولة والحكومة في الداخل وعدم وجود أذرع تنفيذية فاعلة لها على الأرض لممارسة عملها، ما أدى إلى الاختلالات في مسألة تحصيل الإيرادات، بالإضافة إلى تعدد القوى الموجودة على الأرض وسيطرتها على مناطق حيوية بسبب الحرب".

وختم الخبير الاقتصادي اليمني بالقول، إن "الحرب هي أساس كل مشكلة في اليمن وما تلاها من تدخلات ووجود قوى متعددة وهو ما جعل سيطرة الحكومة شكلية".

وأردف: "هناك هشاشة في أداء الحكومة خلال الفترة الماضية ونأمل ألا يستمر هذا، ولا بد من تفعيل الأجهزة الرسمية والبدء فعليا بتحصيل الإيرادات وتوحيدها في إطار وعاء واحد حتى تستطيع معالجة المشكلات الاقتصادية الرئيسة". 

ومنذ إحكام مليشيا الحوثي، سيطرتها على كافة المؤسسات المالية بما فيها البنك المركزي اليمني عقب اجتياحها للعاصمة صنعاء في 21 سبتمبر/أيلول 2014، بدأت في عملية استنزاف الاحتياطي النقدي الذي قدر حينها بـ 5.6 مليارات دولار وأكثر من تريليون من العملة المحلية.

وحدث ذلك رغم مطالبة المؤسسات النقدية الدولية بتحييد الاقتصاد وبقاء البنك المركزي في صنعاء، شريطة عدم التدخل في إدارته أو إجراء تغييرات من اختصاص رئيس الجمهورية، مع السماح بتدفق الإيرادات إليه على أن يجري تسليم رواتب الموظفين الحكوميين في المحافظات كافة.

لكن هذا الأمر قوبل برفض الحوثيين الذين استمروا في نهب الاحتياطي النقدي كمجهود حربي، لتمويل عملياتهم العسكرية، وأوقفوا صرف رواتب كل الموظفين بالجهاز المدني والعسكري للدولة.

كانت عملية نهب الحوثيين للاحتياطي النقدي أولى الضربات التي تعرض لها الريال والاقتصاد اليمني بشكل عام، خصوصا مع عملية المضاربة على العملة الصعبة بسبب تزايد الاستيراد لا سيما الوقود بعد شروع المليشيا بإنشاء شركات خاصة.

كان للشركات التي أنشأها الحوثيون بالإضافة إلى انتشار محلات الصرافة بشكل عشوائي وكبير، دور أساسي في عملية المضاربة وتزايد الإقبال على شراء العملات الأجنبية.

وخلال هذه المرحلة بدأ هبوط العملة الوطنية بشكل متسارع في ظل تراجع النقد الأجنبي في البلاد.

وشهدت العملة اليمنية تراجعا قياسيا أمام العملات الأجنبية، في مناطق سيطرة الحكومة الشرعية بسبب طباعة كميات كبيرة من الأوراق النقدية لتغطية التزاماتها.

وانخفضت القيمة الشرائية للعملة إلى مستويات قياسية بعد أن فقدت قيمتها أمام الدولار وتجاوزت الألف ريال للدولار الواحد.

وكان الدولار قبل الحرب يساوي 215 ريالا يمنيا، لكن الحرب وتصاعد معدلات التضخم أوصلاه إلى مستويات كارثية.

وأدى توقف مبيعات النفط والغاز إلى بروز أزمة سيولة، وعدم تمكن الحكومة من تغطية حاجات الإنفاق الضروري، لا سيما رواتب موظفيها نتيجة السيطرة الإماراتية السعودية على الموانئ اليمنية وعدم السماح بتصدير الطاقة.