قراءة نجدية وأزياء حجازية والقهوة "ليست عربية".. لماذا تصاعدت حمى السعودة؟

12

طباعة

مشاركة

مساع حثيثة يقطعها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان لتدشين قومية سعودية جديدة، لها نمط خاص مختلف وموحد، بدأها بحملات عدة تتعلق بالعادات والتقاليد.

واهتمت تلك الحملات بالزي الوطني وبعض الآثار القديمة، وإطلاق اسم القهوة "السعودية" على المشروب العربي المعروف.

القراءة النجدية

لكنه ذهب إلى أبعد من ذلك في 26 مايو/أيار 2022، عندما فرضت الشؤون الإسلامية السعودية القراءة النجدية للقرآن الكريم، على جميع مساجد المملكة، وألزم بها القراء والأئمة.

وعقب القرار، اجتمع وزير الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد عبداللطيف آل الشيخ، بعدد كبيرة من أئمة المساجد في العاصمة الرياض، وشدد عليهم ضرورة التزامهم بالقراءة النجدية للقرآن الكريم، وعدم استبدالها بأي قراءة أخرى. 

وهو ما تسبب في استياء عام، حتى أن موقع "حركة الحرية والتغيير" السعودي المعارض، ذكر خلال تقرير في 28 مايو 2022، أن محمد بن سلمان، يسعى إلى "سعودة" القرآن، بشكل غير مقبول. 

وتعد القراءة النجدية تلاوة على نغم معين درج عليه أهل نجد منذ عشرات السنوات، وبتعبير آخر هي مقام لحني ليس من المقامات السبعة الرئيسة المعروفة، لكنه يتوسط مقام "البيات" و"الصبا". 

وأقر علماء أن "القراءة النجدية" سليمة تلتزم بقواعد اللغة والتجويد، لكن بشكل غير صارم. وقد كان الشيخان محمد عبدالله السبيل وعبدالله الخليفي من أشهر من يقرأ في الحرم المكي بهذا النمط، وعلى نحو قليل القارئ عبدالله خياط.

وارتبطت "القراءة النجدية" جغرافيا بمناطق "نجد" و"الدرعية"، والأخيرة هي العاصمة القديمة للدولة السعودية الأولى، واشتهر بها أهل هذه المنطقة التي كونت النواة الأولى لحكم آل سعود.

واعترض بعض علماء المملكة على "القراءة النجدية" منهم عبدالعزيز الريس. وأكد خلال فتوى بموقعه "الإسلام العتيق" في 16 مايو 2019 أنها تخالف طريقة القراءة التي ورثها المسلمون عن رسول الله "صلى الله عليه وسلم"، ولم يرد عن السلف تلاوة ولحن القرآن بهذه الطريقة. 

وتاريخيا كانت السعودية و"هضبة نجد" على سبيل الخصوص، تقرأ بهذه القراءة حتى الانفتاح الديني الذي رافق فترة "الصحوة" في نهاية سبعينيات القرن الماضي.

فتسربت المقامات الأخرى ثم شاعت، وغدا معظم مشايخ المملكة يقرؤون بها، منهم مشايخ الحرم، الذين يقرؤون بمقام الرست، كعبد الرحمن السديس وسعود الشريم، في حين بدأت القراءة النجدية بالتراجع والانحسار.

الزي السعودي 

 لم يكتب ابن سلمان بذلك، ولكن في 22 فبراير/شباط 2022، بالتزامن مع الاحتفالات السعودية بيوم التأسيس الوطني، بدأت السلطات تدشين حملات عن العادات السعودية الأصيلة والزي الوطني، واستعرضت لأول مرة نساء سعوديات بزي تقليدي، ودشنت حملات إلكترونية على غرار وسم "زينا يوم بدينا".

وبالفعل ارتدى قطاع من النساء السعوديات، الزي الموصى به من قبل المديرية العامة للترفيه، والمستوحى من علم السعودية، وكذلك العباءة الحجازية القديمة. 

وبحسب مرسوم ملكي أقر يوم التأسيس الوطني (لأول مرة) كعطلة رسمية يحتفل به كل عام لإحياء ذكرى "بدء عهد الإمام محمد بن سعود" وتأسيسه للدولة السعودية الأولى.

وعلقت كريستين ديوان، الباحثة الأميركية بمعهد دراسات دول الخليج العربي في واشنطن، أنه "تم محو محمد بن عبد الوهاب من التاريخ السعودي".

وقالت: "هذه هي القومية السعودية الجديدة، إنها تحتفي بآل سعود، وتربط الشعب بشكل مباشر بالعائلة الحاكمة، وتهون من الدور المحوري الذي لعبه الدين في تأسيس الدولة".

وإستراتيجية ابن سلمان الهادفة إلى ترسيخ القومية على هذا النحو في طريقها للمساس بثوابت أخرى.

ففي الأول من فبراير/ شباط 2022، أقر مجلس الشورى السعودي اقتراحا بتعديل قانون يتعلق بالنشيد الوطني والعلم.

ولم يتضح ما إذا كان سيغير مكونات تصميم العلم الذي يشمل جملة "لا إله إلا الله محمد رسول الله" وسط جدليات متصاعدة في الأوساط السعودية. 

وفي ذلك إشارة على ما يبدو أن الوضع لا يتعلق بحماية التراث وحراسة الموروث فقط، بل برغبة سعودية ملحة في ترسيخ مركزية قيم "نجد" في الذهنية السعودية، وحراسة النظام الحاكم لا الهوية.

وهو ما أكدته المعارضة السعودية مضاوي الرشيد في مقال لها بموقع ميدل إيست آي البريطاني في 6 سبتمبر/ أيلول 2018، بالقول إن الدولة "مسألة قابلة للمناقشة، ولكن ولي العهد ابن سلمان عازم على تطوير قومية جديدة بين الشباب شعارها (السعودية للسعوديين) على غرار قول (الرئيس الأميركي السابق دونالد) ترامب: أميركا أولا".

 

 

القهوة السعودية 

وأعلنت السلطات في 27 يناير/كانون الثاني 2022، تعميما لجميع المطاعم والمقاهي والمحامص في المملكة، لتعتمد بموجبه اسم "القهوة السعودية" بدلا من "العربية"، في تسمية ووصف هذا النوع من المنتجات.

ذلك التعميم أصدره اتحاد الغرف السعودية، حسب وسائل إعلام محلية، قالت "إن المسمى الجديد سيوضع في قائمة المنتجات المقدمة إلى العملاء في هذه الأماكن". 

وكانت وزارة الثقافة قد أعلنت عن إطلاق مبادرة وتسمية 2022 بـ"عام القهوة السعودية"، حيث خصصت لها منصة إلكترونية، تتضمن وصفا للمبادرة وأهدافها.

وقتها صرح وزير الثقافة بدر بن عبدالله بن فرحان آل سعود، قائلا: "نشعر بكثير من الفخر لامتلاكنا ثقافة عريقة متنوعة، تضرب بجذورها في أعماق هذه الأرض المباركة منذ بدء التاريخ وإلى اليوم، وتأتي القهوة السعودية كونها عنصرا مهما".

وتاريخيا أول من جاء بالقهوة العربية هم أهل اليمن، التي تعد موطنها الأول في الجزيرة العربية.

وقيل إنه أتى بها رجل دين من أهل عدن اسمه جمال الدين أبو عبد الله محمد بن سعيد الذبحاني وعاش في منتصف القرن الخامس عشر الميلادي.

بعد ذلك انتقلت إلى مكة، فعمت الحجاز، وكذلك انتشرت في مصر بواسطة طلاب يمنيين أخذوها معهم إلى جامع الأزهر للاستعانة بها على المذاكرة. 

 

ضد الصحوة 

ربما تكون محاولات ترسيخ القومية الساعي إليها ابن سلمان، مظاهر لمعركة أشرس يخوضها ضد تيار "الصحوة" الإسلامية، الذي برز بقوة داخل المجتمع السعودي، إبان الحشد لحرب السوفيت في أفغانستان. 

ورأت السلطة الحالية أنه لا بد من إحداث قطيعة بين السعوديين وما أنتجته الصحوة من تحولات على المستوى الديني والثقافي والفكري، التي رأت أنها تعد دخيلة على البلاد. 

وبرزت مظاهر الصدام بين الدولة والتيار في 24 أكتوبر/تشرين الأول 2017، على هامش الجلسة النقاشية لـ "مبادرة مستقبل الاستثمار" التي انطلقت فاعليتها في الرياض.

وقتها قال ابن سلمان: "إن مشروع الصحوة انتشر في المنطقة بعد العام 1979 لأسباب كثيرة، فلم نكن بهذا الشكل في السابق، نحن فقط نعود إلى ما كنا عليه، إلى الإسلام المنفتح على جميع الأديان والتقاليد والشعوب".

وأضاف: "اتخذنا خطوات واضحة في الفترة الماضية بهذا الشأن، وسوف نقضي على بقايا التطرف في القريب العاجل".

لكن معركة ولي العهد، لم تمر مصطلحاتها وأبجدياتها مرور الكرام، ففي 4 أبريل/نيسان 2018، كتب الصحفي السعودي جمال خاشقجي، الذي قتل داخل قنصلية بلاده في إسطنبول، مقالا لصحيفة "واشنطن بوست" انتقد فيه سياسات ولي العهد السعودي، وتداولته عدد من وسائل الإعلام العربية.

المقال تضمن هجوما على ولي العهد بأنه يقدم رواية محرفة للتاريخ السعودي بادعائه أن المملكة كانت دولة عادية قبل عام 1979، وأن قيام الثورة الإيرانية هو ما دفع بلاده إلى التشدد.

وأشار إلى أنه في ذلك التوقيت، وعلى عكس رواية ولي العهد، لم يكن يسمح للمرأة بالقيادة ولم تكن دور السينما في البلاد رسمية.

خاشقجي قال: "إن محمد بن سلمان في طريقه لتحديث المملكة، ويرسي أسسا راديكالية سلطوية جديدة لتحل محل الراديكالية التقليدية لرجال الدين".