رغم وعوده.. لماذا يواصل بايدن تصنيف منظمة التحرير الفلسطينية "إرهابية"؟

12

طباعة

مشاركة

لا تترك السلطة الفلسطينية فرصة إلا وتطالب فيها واشنطن برفع منظمة التحرير من قائمة الإرهاب، لكن تلك الدعوات بات يصاحبها الغضب بعد مكافأة الولايات المتحدة منظمة صهيونية متطرفة.

فبدلا من الاستجابة إلى طلب الرئاسة والحكومة في رام الله، رفعت واشنطن في 20 مايو/ أيار 2022، الحظر عن حركة "كاخ" اليهودية المتطرفة، وبعدها توالت التنديدات الفلسطينية وتجددت المطالبات بإنصاف منظمة التحرير.

مطالبات غاضبة

وعقب ذلك بأربعة أيام، قال أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية حسين الشيخ، إن السلطة طالبت الإدارة الأميركية في رسالة رسمية برفع المنظمة عن قوائم الإرهاب وفق التصنيف الخاص بالكونغرس.

وأضاف في تغريدة على تويتر: "أعربنا عن استغرابنا ورفضنا المطلق لبقاء هذا التصنيف الجائر والظالم لشعب تحت الاحتلال، في الوقت الذي تشطب منظمة كاخ الإرهابية عن تلك القوائم".

وأوضح في تغريدة ثانية، أن القرار الأميركي برفع حركة كاخ الإرهابية عن قوائم الإرهاب مثير للاستهجان والاستغراب، وفي نفس الوقت يصر الكونغرس على إبقاء منظمة التحرير الفلسطينية على قوائم الإرهاب، "هذه هي المظلمة المستمرة والكيل بمكيالين والانتصار للظلم".

وتصنف دول الاتحاد الأوروبي، وإسرائيل نفسها، "كاخ" حركة إرهابية، ومنعت تل أبيب عام 1988 الحركة وقائدها "مائير كهانا" من المشاركة في الانتخابات آنذاك.

وتعد "كاخ" أشد المنظمات اليهودية تطرفا، وتدعو إلى تهجير الفلسطينيين ورفض أية عبادة غير اليهودية في "جبل الهيكل" (الاسم الذي يطلقونه على المسجد الأقصى)، كما ترفض السلام مع الفلسطينيين والعرب.

ومن بين أبرز أعضاء هذه الحركة ومؤيديها المستوطن باروخ غولدشتاين منفذ مذبحة المسجد الإبراهيمي في الخليل، الذي راح ضحيتها عشرات المصلين الفلسطينيين عام 1994، وكذلك منفذو محرقة عائلة دوابشة في نابلس عام 2015، وأخيرا النائب الإسرائيلي المتطرف إيتمار بن غفير.

وتعليقا على الخطوة الأميركية، تساءل رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية، "هل يعقل أن يجري ذلك ولا تزال منظمة التحرير الفلسطينية منذ عام 1987 على قائمة الإرهاب في واشنطن؟ رغم الزيارات المتكررة للرئيس الراحل ياسر عرفات ومن بعده الرئيس (الحالي) محمود عباس للبيت الأبيض، واستقبال العديد من رؤساء الولايات المتحدة على أرض فلسطين؟"

وأضاف في كلمته بمستهل جلسة حكومية بتاريخ 30 مايو: "هذا الأمر يجب أن يتغير، مطلوب من واشنطن إزالة منظمة التحرير الفلسطينية عن قوائم الإرهاب وعد المنظمة شريكا في السلام الدولي والإقليمي".

 

وجاءت تلك المطالبات في الذكرى الـ58 لتأسيس منظمة التحرير الفلسطينية، في 28 مايو 1964، ممثلا شرعيا وحيدا للشعب الفلسطيني في كافة أماكن وجوده.

وتأسست المنظمة بعد انعقاد المؤتمر العربي الفلسطيني الأول في القدس، نتيجة لقرار مؤتمر القمة العربية، الذي انعقد في القاهرة في العام ذاته، لتكون ممثلا للفلسطينيين في مختلف المحافل الدولية، وهي تضم معظم الفصائل والأحزاب الفلسطينية تحت لوائها.

ويرأس المنظمة محمود عباس منذ 2004 العام الذي توفي فيه سابقه ياسر عرفات. ومنذ ذلك الحين تزايدت الانتقادات لها بفعل تراجع دورها محليا ودوليا واستمرار اعترافها بإسرائيل على الرغم من جرائمها وانتهاكاتها اليومية بحق الفلسطينيين.

كيف ولماذا؟

وفي عام 1987 أقر الكونغرس الأميركي "قانون مكافحة الإرهاب" الذي أعلن فيه أن منظمة التحرير "إرهابية" وحظر فتح منشآت تابعة لها على الأراضي الأميركية.

وجاء هذا التصنيف بسبب سلسلة من الهجمات نفذتها فصائل فلسطينية منضوية تحت لواء منظمة التحرير، ضد أهداف إسرائيلية وغربية في السبعينيات من القرن العشرين.

لكن عقب اتفاقية "أوسلو" للسلام المرحلي مع إسرائيل عام 1993، سمح الكونغرس بفتح مكتب لمنظمة التحرير في واشنطن في عام 1994 مع تأسيس السلطة الفلسطينية.

ومنذ ذلك الحين سمح للرؤساء الأميركيين بإصدار إعفاء لإبقاء المكتب مفتوحا،  حتى دخول الرئيس السابق دونالد ترامب إلى البيت الأبيض في 2016.

وعانى الفلسطينيون كثيرا، في عهد ترامب الذي أغلق في 10 سبتمبر/ أيلول 2018، مكتب منظمة التحرير، وحساباتها المصرفية، وهو ما استمر حتى الآن في زمن خلفه جو بايدن.

وفي ذلك العام، أقرت واشنطن قانون "تايلور فورس" لمكافحة الإرهاب، الذي حمل اسم جندي أميركي سابق خدم في العراق وأفغانستان، وقتل في تل أبيب، جراء طعنة وجهها إليه شاب فلسطيني، في 2016، أثناء زيارته لإسرائيل.

ويكمن الخلاف حاليا في أنه "بموجب القانون الأميركي الحالي، إذا سمحت واشنطن للفلسطينيين بإعادة فتح مكاتب منظمة التحرير، فسيكون كل فرد في المكتب عرضة لدعاوى قضائية شخصية”، وفق ما تقول صحيفة يديعوت أحرونوت العبرية.

وأضافت الصحيفة في 29 ديسمبر/كانون الأول 2021: "نتيجة لذلك، يطالب الفلسطينيون بضمانات من الولايات المتحدة بأن ممثليهم في واشنطن سيكونون محصنين من الدعاوى القضائية".

وقال مسؤول إسرائيلي كبير: “افتتاح مكاتب منظمة التحرير في واشنطن ليس كارثة كبرى بالنسبة لنا، لكننا سنطلب من الأميركيين الربط بين فتح مكاتب وسحب الشكاوى الفلسطينية من محكمة الجنايات في لاهاي”، بحسب يديعوت أحرونوت.

وبموجب تعديل مكافحة الإرهاب الذي أقره الكونغرس ووقعه ترامب ليصبح قانونا في عام 2019، سيكون على السلطة الفلسطينية دفع نحو 655 مليون دولار كغرامات مالية ضدهم في المحاكم الأميركية إذا فتحوا مكتبا في الولايات المتحدة.

في الوقت نفسه، تدرس إدارة بايدن إمكانية زيادة الدعم المالي للسلطة الفلسطينية، وهي قضية تدعمها إسرائيل، لكن شرط الإدارة الأميركية هو أن يتخلى الفلسطينيون عن دفع رواتب “للأسرى والشهداء”.

وتنظر واشنطن وإسرائيل إلى الأسرى والشهداء على أنهم "إرهابيون" اعتقلوا أو قتلوا بسبب هجومهم على قوات الاحتلال الإسرائيلي، وهذه إحدى نقاط الخلاف مع منظمة التحرير التي تمثلها السلطة الفلسطينية.

وتنضوي اليوم تحت المنظمة عدة فصائل، أبرزها حركة التحرير الوطني "فتح" التي تقودها بشكل أساسي، والجبهتان الشعبية والديمقراطية لتحرير فلسطين وعدة حركات أخرى، باستثناء حركة المقاومة الإسلامية "حماس" والجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين – القيادة العامة.

وتخلت حركة فتح عن العمل العسكري خلال سنوات ما بعد أوسلو، وحل الراحل ياسر عرفات جناحها العسكري المعروف باسم كتائب شهداء الأقصى، لكن بعض فصائل المنظمة حاليا ما تزال تحمل السلاح، وهو ما يسبب حرجا للسلطة أمام إسرائيل والولايات المتحدة.

ويرفض رئيس المنظمة و"فتح" والسلطة محمود عباس العمل المسلح، ويرى أن أوسلو والمفاوضات تشكلان مدخلا لعملية السلام التي تفضي إلى تحقيق حلم الدولة الفلسطينية.

مستقبل المنظمة

وفي قراءته للمشهد، رأى الكاتب الفلسطيني ماجد كيالي أن القيادة الفلسطينية، وهي قيادة المنظمة والسلطة وفتح، تكيفت مع ما تريده إسرائيل، باختزال الشعب الفلسطيني، أو بالتعاطي معه ليس بدلالة وحدته كشعب، ووحدة قضيته، وإنما بدلالة نظرة إسرائيل إليه.

وأردف في مقال نشره موقع درج اللبناني نهاية مايو، أنه "مع تأكيد أن العوامل الموضوعية لعبت دورا كبيرا في تهميش المنظمة واستبعادها، أو تحويلها إلى كيان بلا معنى، فإن ذلك لا يحجب، أو لا يغطي، على مسؤولية القيادة الفلسطينية في هذا المسار".

فهي التي سهلت وأسهمت، أكثر من غيرها، في تهميش المنظمة، بسياساتها وخياراتها وطرق إدارتها للعملية الوطنية الفلسطينية، يضيف كيالي.

واعتقد أن المطلوب ضمن المعطيات الدولية والعربية والفلسطينية الراهنة، الحث على خلق مسار جديد يتأسس على التحرر، وإعادة بناء البيت الفلسطيني على أسس وطنية وتمثيلية وديمقراطية، ووفق رؤية تستعيد المطابقة بين الشعب والقضية والأرض والرواية التاريخية.

من جانبه، يتهم الكاتب إبراهيم أبراش أطرافا فلسطينية باستكمال مخطط تصفية المنظمة والقضاء عليها، وهو المخطط الذي عملت عليه إسرائيل والولايات المتحدة طوال عقود، في إشارة على ما يبدو إلى حركة فتح التي تقودها.

وأردف في مقال نشره موقع "ميدل إيست أونلاين" في فبراير/ شباط 2022: "إنهاء المنظمة يتم اليوم بأياد فلسطينية. هذه وقائع وحقائق كل الأحزاب تعرفها ولكنهم يتجاهلونها عمدا، يذرفون دموع التماسيح على المنظمة التي تواطؤوا عليها ونحروها بسيوف مصالحهم وأجندتهم غير الوطنية وبصراعاتهم الداخلية".

ويحذر كثيرون من خطورة استمرار تجريم منظمة التحرير التي وقعت مع إسرائيل اتفاق أوسلو للسلام برعاية أميركية في سبتمبر/أيلول 1993، ويرون أن واشنطن لم تعد وسيطا جادا.

وعن هذا يقول المحلل السياسي المصري حسن نافعة: "ما تزال منظمة التحرير مدرجة على القائمة الأميركية للمنظمات الإرهابية ولم يتم الاستجابة لطلب السلطة رفعها. وفي هذا تأكيد جديد وصارخ على أن الولايات المتحدة، أيا كانت الإدارة التي تحكمها، ليست مؤهلة للعب دور الوسيط النزيه في أي مفاوضات تستهدف التسوية".

وتؤكد العقبات القانونية في قضية منظمة التحرير مدى التحديات التي قد يواجهها بايدن في استعادة العلاقات مع الفلسطينيين وعكس الإجراءات التي اتخذها ترامب وقلب بها سياسة الولايات المتحدة القديمة في الشرق الأوسط بسلسلة من الخطوات المؤيدة لإسرائيل.

ويقول الفلسطينيون إن أفعاله أضعفت مصداقية الدور الأميركي منذ فترة طويلة كوسيط رئيس في صراعهم مع إسرائيل، وزادت من إضعاف أي فرصة لاتفاق سلام يتصور إقامة دولة فلسطينية في الأراضي التي تحتلها تل أبيب.

وعن إمكانية عودة فتح مكتبها، يقول مجلس العلاقات الخارجية (مركز أبحاث أميركي) في مارس/آذار 2021، إنه "لن يكون ذلك بهذه السهولة، ومن الخطأ بذل الجهد في هذا الموضوع نظرا لدعم منظمة التحرير للإرهاب".

ومن الأسباب التي تجعل إعادة فتح مكتب منظمة التحرير الآن خطوة حمقاء وسريعة، هو طلب حركة حماس الانضمام إلى المنظمة"، بحسب وصف المجلس. وهذا بدوره قد يحرج واشنطن أمام حليفتها بالشرق الأوسط.

وأوضح المجلس أنه "من المهم أن تعرف السلطة الفلسطينية أن الولايات المتحدة سترفض التعامل مع حكومة لا تطالب بنبذ العنف والالتزام بالحل السلمي للنزاع. ولا ينبغي لواشنطن أن تخاطر بفشل السلطة في تقدير الآثار المحتملة لأفعالها".