نزع لقبه وقيد إقامته وكبله سياسيا.. ما سر قلق ملك الأردن المستمر من الأمير حمزة؟

12

طباعة

مشاركة

رغم ظهور الأزمة بين العاهل الأردني الملك عبدالله بن الحسين وأخيه غير الشقيق الأمير حمزة منذ أبريل/نيسان 2021، يرجح كثيرون أنها بدأت قبل ذلك بسنوات طويلة.

ومع أن السلطات الأردنية استخدمت كلمات مثل: "مؤامرات" و"خطط انقلاب"، تدور أحاديث خفية عن أن للقصة خلفيات غير معلنة، في ضوء صراع بين العاهل الأردني وولي عهده السابق الذي أطيح به ثم "دُفع للتخلي عن لقب الأمير أو أجبر عليه".

ويعيد التاريخ نفسه ولكن بمسار مختلف، فما وقع للأمير حمزة هو عينه ما جرى مع عمه الحسن، شقيق الملك الراحل الحسين، إلا أن الحسن رضخ للأمر الواقع وآثر السلامة، فيما يبدو أن الأمير حمزة فضل الصدام المباشر، أو أن هناك من يرفض القبول بذلك الواقع.

صدام عنيف

وفي 19 مايو/أيار 2022، أصدر عبد الله الثاني، قراره بتقييد اتصالات وإقامة وتحركات، أخيه غير الشقيق الأمير حمزة، بسبب "تراجعه عن التعهدات كافة" التي قدمها لوقف حملاته عقب قضية "الفتنة" الشهيرة التي تشهدها المملكة منذ عام.

وورد القرار في مرسوم ملكي نشرته المواقع المحلية موقعا باسم الملك، حيث شن هجوما غير مسبوق على الأمير حمزة، قائلا إنه "بعد عام ونيف استنفد خلالها كل فرص العودة إلى رشده والالتزام بسيرة أسرتنا، فخلصت إلى النتيجة المخيبة أنه لن يغير ما هو عليه".

وأعلن الملك الأردني أنه "بالنظر إلى سلوك الأمير الهدام، فإنني لن أفاجأ إذا ما خرج علينا بعد هذا كله برسائل مسيئة تطعن بالوطن والمؤسسات". 

وأضاف: "لكنني وكل أبناء شعبنا لن نهدر وقتنا في الرد عليه، لقناعتي بأنه سيستمر في روايته المضللة طوال حياته، إننا لا نملك ترف الوقت للتعامل مع هذه الروايات، فأمامنا الكثير من الأولويات الوطنية والتحديات التي يجب أن نواجهها بشكل سريع وصارم".

وأورد مستنكرا "تأكدت بأنه يعيش في وهم يرى فيه نفسه وصيا على إرثنا الهاشمي، وأنه يتعرض لحملة استهداف ممنهجة من مؤسساتنا، وعكست مخاطباته المتكررة حالة إنكار الواقع التي يعيشها، ورفضه تحمل أي مسؤولية عن أفعاله".

وتفاعلت وسائل الإعلام في الأردن مع بيان الملك الذي جاء بعد فترة قصيرة من إعلان سابق بـ"انتهاء الفتنة"، وتصالح حمزة مع العاهل الأردني.

وكان حمزة قد أعلن عبر بيان أصدره في 3 أبريل/نيسان 2022، تخليه الكامل عن لقب "أمير"، وقال حينها إن "الأمور في المملكة لا تتماشى مع النهج والثوابت التي غرسها والده الراحل الحسين بن طلال".

أما أسباب الخلاف المعلنة بين الأخوين فتعود إلى ما يعرف إعلاميا بـ"قضية الفتنة"، وهو الملف الذي اتهم فيه عدد من رجال الدولة بالتآمر مع الأمير حمزة، للانقلاب على الملك عبدالله. 

وتفجرت الأحداث التي أثارت جدلا كبيرا حول ما يجرى داخل العائلة الحاكمة، عندما أعلنت وزارة الداخلية في 3 أبريل/نيسان 2021، رصد تحركات للأمير حمزة وآخرين بنية المساس بأمن الأردن.

وأدى ذلك إلى وضع الأمير حينها تحت الإقامة الجبرية، وهو ما رفضه عبر نشره شريطا صوتيا، ينتقد ويحذر من تلك الخطوة، واعتقل حينها ما بين 14 إلى 16 شخصا، واتهمت الداخلية الأمير بإجراء "اتصالات مع جهات أجنبية لبدء خطوات زعزعة الأردن، والانقلاب على الملك". 

وفي 12 يوليو/تموز 2021، أصدرت محكمة أمن الدولة في عمان أحكاما في حق المتهمين بـ"المحاولة الانقلابية"، تقضي بالسجن 15 عاما مع الأشغال المؤقتة بحق، رئيس الديوان الملكي الأسبق باسم إبراهيم عوض الله، والمواطن الشريف حسن. 

وأعلن حينها رئيس محكمة أمن الدولة، أن "المتهم الأول (باسم) عمل بمناصب عدة في الأردن وتمكن من بناء شبكة من العلاقات والاتصالات داخليا وخارجيا بحكم هذه المناصب، أما المتهم الثاني (حسن) فهو مواطن أردني وعمل في القطاع الخاص وهو من متعاطي المواد المخدرة".

وقال إن "المتهمين حملا أفكارا مناهضة لنظام الحكم وشخص الملك عبدالله، مناوئة لشرعية حكم الملك وثوابت السياسة العامة للدولة الأردنية في تعاملها مع الشؤون الداخلية والخارجية مستغلين الظروف الاقتصادية والاجتماعية التي مرت بها المملكة والمنطقة". 

دعم سعودي 

وجاءت هذه الأزمة العاصفة داخل الأسرة الأردنية المالكة، وسط اتهامات صريحة بتورط دول إقليمية في هذه العملية، حيث ورد بلائحة الاتهام الموجهة للمتهم الأول في محاولة الانقلاب الأخيرة، باسم عوض الله، أن "الأمير حمزة سعى للوصول إلى الحكم بدعم سعودي".

ونشر تلفزيون "المملكة" الأردني الرسمي، في 13 يونيو/حزيران 2021، لائحة اتهام مؤلفة من 13 صفحة ضد الأمير حمزة وعزمه على "تحقيق طموحه الشخصي بالوصول إلى الحكم في المملكة، مخالفا بذلك أحكام الدستور الذي رسم بوضوح آلية تولي العرش".

وأشارت اللائحة إلى "سعي أخ الملك غير الشقيق بتلقي دعم خارجي (في تلميح للسعودية)، وأنه يسعى إلى استغلال بعض هموم ومشاكل الناس، وأي أحداث تجرى على الساحة الأردنية، ومنها ما خلفته جائحة كورونا أخيرا، للتشكيك في نهج النظام الحاكم، والتحريض عليه، ومن ثم الإطاحة به". 

وأضافت اللائحة أن "المتهم الأول باسم عوض، اقترح بحكم عمله وقربه من المسؤولين في السعودية، وكذلك شبكة العلاقات الخارجية التي استطاع بناءها بحكم المناصب التي تقلدها داخل الأردن في السابق، تزكية الأمير حمزة كبديل قوي للملك". 

لماذا حمزة؟ 

وعن سبب اختيار الرياض حمزة لدعمه وتقديمه، تحدث رئيس وزراء قطر السابق، حمد بن جاسم آل ثاني، في 11 أبريل/نيسان 2021، كاشفا "أطرافا" قال إنها "تقف خلف الفتنة" الأخيرة في الأردن موضحا السبب وراء ذلك.

وكتب ابن جاسم على "تويتر" موضحا: "ما حصل أخيرا في المملكة الأردنية الهاشمية الشقيقة كان يخطط له منذ فترة طويلة من بعض مسؤولي الإدارة الأميركية السابقة، وإحدى دول المنطقة (في إشارة إلى السعودية)، بهدف استبدال النظام الحالي في الأردن بقيادة الملك عبد الله الثاني". 

وأرجع "السبب الرئيس وراء تلك المحاولة الفاشلة وقوف الملك عبد الله ضد أي تطبيع على حساب القضية الفلسطينية أو ما أصبح يسمى بـ(العهد الإبراهيمي)، فكان ذلك الموقف عقبة أمام تلك المخططات". 

وفي 4 أبريل/نيسان 2021، نشرت "واشنطن بوست" الأميركية، تقريرا مفصلا أكثر دقة حول محاولة الانقلاب، وذلك نقلا عن مسؤول استخباراتي رفيع المستوى في الشرق الأوسط اطلع على الأحداث، ورواها إلى الصحيفة، حيث قال إن "السلطات الأردنية اعتقلت حمزة بن الحسين و20 آخرين، ووضعته تحت الإقامة الجبرية في قصره بعمان".

وذكرت أن "الانقلاب الفاشل في الأردن تم بتخطيط وترتيب بقيادة مستشار ولي عهد أبو ظبي، القيادي الفلسطيني المفصول من حركة فتح، محمد دحلان، عن طريق المدير السابق للديوان الملكي، عوض الله وآخرين وتم جعل اسم الأمير حمزة كواجهة للانقلابيين".

يذكر أن الأمير حمزة فقد فرصته في أن يصبح ملكا مرتين، بحسب ما ذكرت وكالة الأنباء الفرنسية في 6 أبريل 2021.

وأوضحت أن "المرة الأولى عند تولي الملك عبد الله الثاني الحكم في 1999 إثر وفاة والده الملك الحسين، وقد سمى أخاه غير الشقيق الأمير حمزة تبعا لوصية أبيه، وليا للعهد".

لكنه لم يمكث في هذا المنصب أكثر من 5 سنوات، إذ أعفاه العاهل الأردني عام 2004، وبرر ذلك في رسالة رسمية بأن منصب ولي العهد "الرمزي" يقيد حريته، و"يمنع تكليفه بمهام هو أهل لها".

ولكن في 2009، عيّن بدله نجله الأمير الحسين، ما أثار تكهنات حينها عن غضب الأمير حمزة وشعوره بالغبن من أخيه غير الشقيق.

لذلك فإن الأمير فقد فرصة أن يصبح ملكا مرتين، الأولى عندما توفي والده وكان ما زال يافعا، والثانية عندما نحاه الملك عبد الله عن ولاية العهد. 

وربما يكون هذا هو الدافع الأكبر في إثارته للقلاقل، خاصة مع وجود قوى خارجية تدفعه بقوة إلى ذلك "الاتجاه الساخط"، وفق مراقبين.

وضع متدهور

ومن وجهة نظر عبرية، أفاد موقع "زمن إسرائيل" بأن "ملك الأردن يعيش ضائقة سياسية وأمنية واقتصادية، وقرر فرض قيود جديدة على أخيه غير الشقيق الذي يتهمه بالتآمر ضد النظام الهاشمي".

ورأى الموقع أن "الملك عبد الله اتخذ خطوة خاطئة تزيد من الكراهية له وتقوي خصومه، فهؤلاء يدعمون الأمير حمزة الذي يحظى بشعبية كبيرة في الأردن، ويحظى في الغالب بإعجاب القبائل البدوية". 

ولفت إلى أن "العاهل الأردني عاد إلى المملكة قبل أيام، بعد زيارة للولايات المتحدة تمكن خلالها من التوصل إلى تفاهمات إستراتيجية مع الرئيس الأميركي جو بايدن والبنتاغون بشأن تعزيز أمن الأردن".

وتابع الموقع "كما نجح عبد الله الثاني في إقناع بايدن بدعم الحفاظ على مكانة الأردن في القدس كحارس للأماكن المقدسة للإسلام والمسيحية، ومن المفترض أن يثير الرئيس الأميركي هذا الموضوع مع رئيس الوزراء نفتالي بينيت خلال زيارته المرتقبة لإسرائيل".

واستدرك قائلا: "لكن الملك عبد الله ينتظر سلسلة من المشاكل الأمنية والاقتصادية والداخلية التي تهدد استقراره".

وأشار الموقع إلى أن "الملك قرر كخطوة أولى معالجة الوضع الداخلي والقضية التي ظلت مفتوحة بعد إعلان الأمير حمزة التنازل عن لقبه الملكي وأبلغ الشعب بإجراءات جديدة بحق الأمير حمزة تقيد تحركاته وقدرته على التواصل مع العالم الخارجي".

من جانبه، أشار المحلل الأمني الإسرائيلي، يوني بن مناحيم، إلى أن "إعلان الملك عبد الله اللاذع يشير إلى المحنة التي يعيشها، ويستمر الأمير حمزة في تكبيله سياسيا، رغم ضعفه، ورغم أنه رهن الإقامة الجبرية".

ولفت ابن مناحيم في مقاله لموقع "زمن إسرائيل" إلى أنه "لتبرير تصرفاته ضد الأمير حمزة، ادعى الملك عبد الله أنه استند إلى قرار (مجلس العائلة المالكة) الذي تأسس عام 1937 ولأول مرة منذ إنشائه اجتمع لبحث تصرفات الأمير حمزة".

ويرى أن "الملك عبد الله يدرك ضعفه السياسي بين القبائل البدوية في المملكة الداعمة للأمير حمزة، ويحاول الاتصال بهم من خلال الرسالة لإقناعهم أنه بذل قصارى جهده لتصويب الأمور مع شقيقه".

واستدرك: "لكنه لا يمكن أن ينجح في إقناعهم، فالقبائل البدوية غاضبة منه بسبب وضعهم الاقتصادي، وبسبب قربه من الفلسطينيين في الأردن، على حسابهم، والذين يشكلون أكثر من 70 بالمئة من سكان المملكة..".

ويرى المحلل الإسرائيلي أن "الملك عبد الله يسير أمامهم وجها لوجه حتى النهاية، فهذه الخطوة تعد غير حكيمة من جانبه في ضوء علاقاتهم الوثيقة مع ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان".

ولفت ابن مناحيم إلى أن "الأردن في وضع صعب مع تزايد الانتقادات الداخلية للنظام الملكي الهاشمي بسبب اتفاق السلام مع إسرائيل، وضعفه في مواجهة الأحداث الأخيرة في الحرم القدسي خلال شهر رمضان، بالإضافة إلى الوضع الاقتصادي المتدهور".