الجزائر ترفض الوساطة مع المغرب.. كيف وصلت العلاقات إلى هذا المستوى؟
لم تقتصر الخلافات السياسية الحادة بين المغرب والجزائر على قطع العلاقات الدبلوماسية، بل تجاوزتها إلى رفض الوساطة لعودة مياه الجارين في شمال القارة السمراء إلى مجاريها.
وبعد تسريبات على مدار سنة بشأن تدخلات عربية على خط الأزمة، شدد وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة، في 21 مايو/أيار 2022، على أن قطع بلاده العلاقات لا يحتمل وساطات "لا بالأمس ولا اليوم ولا غدا".
وفي تصريحات نقلها التلفزيون الجزائري الرسمي، عد لعمامرة أن موضوع قطع العلاقات مع المغرب "ليس فيه وساطة، بغض النظر عن الجهة التي ربطت بها أجهزة إعلامية هذه الفكرة".
مستوى سيئ
وأضاف: "ليست هناك أي وساطة لا بالأمس ولا اليوم ولا غدا لأن الموقف الجزائري واضح وهو أن قطع العلاقات الدبلوماسية جاء لأسباب قوية، وليحمل الطرف الذي أوصلها إلى هذا المستوى السيء المسؤولية كاملة غير منقوصة".
وتابع أن بلاده "لديها من المصالح المشتركة والتوافقات مع السعودية والدول الأخرى العربية أو الإفريقية أو غيرها ما يجعلنا نلتقي مع زملائنا ونتحاور ونعقد الاتفاقات ونركز على مصالحنا واهتماماتنا دون أن يتدخل موضوع من هذا النوع في جدول أعمالنا".
ويأتي تصريح لعمامرة، بعد نشر وسائل إعلام، منها موقع "مغرب انتيليجنس" الفرنسي (خاص)، في 20 مايو، أن زيارة وزير الخارجية السعودي (فيصل بن فرحان) يومي 18 و19 من ذات الشهر، تناولت خارطة طريق للمصالحة بين المغرب والجزائر.
وأوضح الموقع أن رئيس الدبلوماسية السعودية التقى في قصر المرادية بالرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون بحضور لعمامرة ومدير ديوان رئاسة الجمهورية عبد العزيز خلاف وسفير الجزائر بالرياض، محمد علي بوغازي.
ووفق قوله، كانت العلاقات المعقدة والعاصفة مع الجار المغربي في قلب هذه المناقشات.
وأضاف أن “مسألة خارطة الطريق هذه، تتضمن تشكيل لجنة مناقشة ثنائية حول القضايا التي تزعج الجزائر، التي تعد المغرب مطالبا بالتوقف عن إيواء ودعم قادة الحركة الانفصالية القبايلية، كما تعد الجزائر أن المغرب يدعم ماليا العديد من المعارضين الجزائريين الذين يعدون خطرين ويهددون استقرار البلاد".
وأمام هذه المطالب، طلب المبعوث من الرياض من القادة الجزائريين "التعهد بتخفيف المناخ الجيوسياسي حول نزاع الصحراء".
وبين الموقع أن "المسؤولين الجزائريين تعهدوا بالالتزام فقط بقرارات الأمم المتحدة التي تعبر عن رغبتهم في حل هذا الصراع الذي طال أمده”.
لكن لعمامرة قطع الشك باليقين، ونفى بشكل قاطع هذه الأنباء، فيما شدد الإعلامي العراقي علي الصراف، أن "رفض الجزائر للوساطة السعودية من أجل تسوية الخلاف مع المغرب، شيء ثقيل، ليس دبلوماسيا وسياسيا فحسب، ولكن إنسانيا أيضا، وهو شيء ثقيل العلاقة مع الرياض نفسها".
وأكد في مقال عبر موقع "صحيفة العرب" في 26 مايو أن "موقفا يتسم بالعناد والتشدد، لا يمكنه أن يخدم رغبات الجزائر نفسها، ويقدمها كطرف يمارس دبلوماسية ذات طبيعة خشنة، لكي لا نقول عدائية".
ولفت إلى أن "ما لا تحتاجه الجزائر في النهاية أن تضيف ضررا في العلاقة مع طرف وسيط، فوق الضرر الذي يلحق بالعلاقات بينها وبين المغرب".
وأشار إلى أن "الجزائر الآن هي بلد القمة العربية المقبلة (في نوفمبر/تشرين الثاني 2022)، مما يملي عليها نوعا من المرونة والسلوك التصالحي، لكي تضمن لها النجاح".
أصل المشكلة
وفي 24 أغسطس/آب 2021، أعلنت الجزائر قطع علاقاتها الدبلوماسية مع المغرب بسبب ما سمتها "خطواته العدائية المتتالية".
بالمقابل، أعلن المغرب رفضه القاطع للمبررات "الزائفة والعبثية" التي بنت عليها الجزائر قرار قطع العلاقات الدبلوماسية مع المملكة.
وتشهد العلاقات بين المغرب والجزائر انسدادا منذ عقود، على خلفية ملفي الحدود البرية المغلقة منذ عام 1994، وإقليم الصحراء المتنازع عليه بين الرباط وجبهة "البوليساريو".
وتقترح الرباط حكما ذاتيا موسعا بإقليم الصحراء تحت سيادتها، بينما تدعو "البوليساريو" إلى استفتاء لتقرير المصير، وهو طرح تدعمه الجزائر التي تستضيف لاجئين من الإقليم.
أزمة إقليم الصحراء، تعد من أهم الملفات الشائكة بين المغرب من جهة، و"البوليساريو" والجزائر التي تستضيف لاجئين من الإقليم من جهة أخرى.
وتسببت الصحراء في تعقيد الأزمة بشكل غير مسبوق، مع تصريحات متبادلة حين طرح لعمامرة، الملف خلال اجتماع "دول عدم الانحياز الافتراضي" بأذربيجان في 13 و14 يوليو/تموز 2021.
ليرد مندوب المغرب لدى الأمم المتحدة عمر هلال، بالدعوة إلى "استقلال شعب القبائل" في الجزائر.
بعدها شرعت الجزائر في سلسلة إجراءات ضد الرباط بدءا من استدعاء السفير، وقطع العلاقات الدبلوماسية، وعدم تجديد عقد نقل الغاز الجزائري إلى إسبانيا عبر أنبوب يمر بالأراضي المغربية، ثم غلق الأجواء الجزائرية أمام الطيران المغربي في 22 سبتمبر/أيلول 2021.
وعقب قطع العلاقات بأيام، وتحديدا في 28 أغسطس 2021، أجرت مصر والسعودية اتصالات هاتفية مع وزيري خارجية الجزائر لعمامرة، والمغرب ناصر بوريطة.
وأوضح لعمامرة، أن الاتصال مع نظيره المصري سامح شكري بحث "أهم مستجدات الأوضاع على الساحة المغاربية وسبل تعزيز العمل العربي المشترك".
وعن اتصال ابن فرحان، لفت لعمامرة إلى أنه تناول "العلاقات الثنائية الأخوية"، بجانب "تبادل وجهات النظر حول قضايا إقليمية ودولية تحظى باهتمام مشترك".
ولم يشر وزير حارجية الجزائر صراحة إلى وجود حديث عن أزمة بلاده مع المغرب، لكن شكري قال في بيان للخارجية المصرية، إنه أجرى اتصالين هاتفيين بكل من لعمامرة وبوريطة.
وأضاف البيان أن "شكري تطرق، خلال الاتصالين الهاتفيين، إلى التطورات الأخيرة التي شهدتها العلاقات بين البلدين الشقيقين، وسبل الدفع قدما بتجاوز تلك الظروف"، في إشارة إلى قطع العلاقات.
وأكد شكري "ضرورة العمل على إعلاء الحلول الدبلوماسية والحوار إزاء تحريك المسائل العالقة بينهما".
لكن هذه اللقاءات والتصريحات والاتصالات الهاتفية لم تجد لها "حلا" يرضي الطرفين، حيث تطلب الجزائر اعتذارا من المغرب على تصريحات السفير الممثل الدائم للمغرب لدى الأمم المتحدة عمر هلال بشأن ملف القبايل، فيما ترى الرباط أن الجزائر يجب أن توقف دعمها للبوليساريو.
حسن الجوار
الكاتب محمد فنيش عد أن "حجة الجزائر أن المغرب يدعم القبائل وهذا الوضع غير صحيح، ردة فعل الرباط تأتي لما تتمادى الجزائر في تصريحاتها حول ملف الصحراء".
وأضاف خلال استضافته في برنامج على قناة "الحوار" في 23 مايو، أن "القبائل تطالب بالانفصال وهذا شأن داخلي قد يصحح في المسقبل وقد لا يصحح، الأمر يعني الجزائر".
وتابع: "بالمقابل لدينا البوليساريو التي أنشأتها الجزائر وتدعمها بالسلاح، وأصدرت أكثر من 500 بيان تقول فيها إنها وجهت فيها قصفا تجاه المنطقة، وهذا الأمر عار عن الصحة، ولاحظنا أن الوضع غير صحيح".
وتساءل فنيش: "لنتخيل إذا ما كان المغرب لديه حركة القبائل في مدينة وجدة (شرق المملكة)، آنذاك كيف ستكون ردة فعل الجزائر التي تستضيف البوليساريو؟".
من جانبه، أفاد الناشط السياسي الجزائري، الحسين مصدق في برنامج "وجها لوجه" على قناة "فرنسا 24" بأنه "كلما قبلت الجزائر بأي وساطة، وما إن يشتم المغرب مشاكل في الداخل الجزائري إلا ويحاول الاستفادة منها".
الخبير في الشؤون الأمنية والإستراتيجية، عبد الرحمن مكاوي: "الرباط مدت يدها في عدة مناسبات والملك (محمد السادس) قدم ضمانات بأنه لن يكون للمغرب أي دور في عدم استقرار الجزائر، بل قال إن أمنها في أمن بلاده والعكس".
وأفاد بأن "الجزائر فشلت في تقديم أدلة حول اتهاماتها للمغرب"، وفق قوله.
وفي الأول من أغسطس/آب 2021، جدد العاهل المغربي، دعوة الجزائر إلى بناء علاقات ثنائية مع بلاده، مبنية على الثقة وحسن الجوار.
وقال في كلمة متلفزة ألقاها الملك بمناسبة الذكرى 22 لتوليه الحكم: "أجدد الدعوة لأشقائنا في الجزائر إلى العمل سويا دون شروط لبناء علاقات ثنائية أساسها الثقة والحوار وحسن الجوار".
وأضاف أن "الوضع الحالي لهذه العلاقات لا يرضينا، وليس في مصلحة شعبينا، وغير مقبول بالنسبة للعديد من الدول".