رغم محاولات التغطية على الجريمة.. كيف انتصرت قطر لدماء شيرين أبو عاقلة؟

أحمد يحيى | 2 years ago

12

طباعة

مشاركة

تحركت الدبلوماسية القطرية على جميع مستوياتها انتصارا للصحفية الفلسطينية مراسلة قناة الجزيرة شيرين أبو عاقلة، التي استشهدت في 11 مايو/أيار 2022، برصاص جيش الاحتلال الإسرائيلي، خلال تغطية ميدانية في مدينة جنين شمال الضفة الغربية. 

وفي مقابل الردود الدولية والعربية الهزيلة، تحاول قطر تسليط الضوء على قضية اغتيال أبو عاقلة ضد محاولات صهيونية وغربية للتغطية عليها.

وعبر المجتمع المدني ووزارة الخارجية، كانت قطر تواصل التنديد بالجريمة وتسعى لإدانة دولية وموقف عالمي ضد الممارسات الإرهابية للكيان الصهيوني، لكن يبدو أنها عازمة على التصعيد أكثر مع تدخل أمير البلاد شخصيا على خط الأحداث.

الأمير يتدخل

فخلال مشاركته بمنتدى دافوس العالمي في 23 مايو، قال أمير دولة قطر تميم بن حمد آل ثاني، إن "الصحفية شيرين أبو عاقلة قتلت في فلسطين، وحرمت من جنازة تصون كرامة الموتى".

ووجه انتقادات إلى تل أبيب وشبه عدوانها على الفلسطينيين بالعدوان الروسي على أوكرانيا، وقال إن "مقتل شيرين لا يقل رعبا عن مقتل الصحفيين السبعة في أوكرانيا". 

وأضاف: "ينبغي ألا نتسامح مع هذا الكم من العدوان والمعايير المزدوجة بشأن قيمة الإنسان على أساس الانتماء".

وشدد أمير قطر على أن "فلسطين جرح غائر منذ إنشاء الأمم المتحدة"، داعيا "العالم إلى الاستيقاظ والتحرك ضد الظلم الواقع هناك".

ومع كلمة أمير قطر وذكر اسم الراحلة أبو عاقلة دوت القاعة بالتصفيق من الحاضرين، فيما انسحب موفد إسرائيلي، اعتراضا وغضبا على الكلمة التي أحرجت دولة الاحتلال.

وفي 12 مايو 2022، قدم تميم بن حمد تعازيه لأسرة شيرين أبو عاقلة، وذلك خلال مؤتمر صحفي عقده في طهران رفقة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي.

وحمل الأمير إسرائيل مسؤولية قتل الصحفية الفلسطينية بشكل كامل، وقال إنه "يجب محاسبة من ارتكب هذه الجريمة".

واستهدفت الصحفية التي فضحت جرائم الاحتلال طوال نحو ربع قرن من الزمن، بطلقة مباشرة بالرأس أودت بحياتها على إثرها، وأصيب زميلها الصحفي "علي السمودي" في الموقع ذاته.

وبينما تحاول إسرائيل نفي تورطها في الجريمة، أكدت صحيفة هآرتس العبرية نقلا عن مسؤول عسكري لم تسمه، إن جنديا إسرائيليا أطلق النار من مسافة 190 مترا على شيرين أبو عاقلة خلال حملة في مدينة جنين بالضفة الغربية.

قوة ضاغطة 

وفي نفس يوم استشهادها، أصدرت وزارة الخارجية القطرية بيانا قالت فيه: "تدين قطر بأشد العبارات اغتيال قوات الاحتلال الإسرائيلي، الإعلامية شيرين أبو عاقلة، مراسلة قناة الجزيرة بالقرب من مخيم جنين، وإصابة الصحفي علي السمودي منتج قناة الجزيرة".

ووصفت الحدث بـ "الجريمة الشنيعة والانتهاك الصارخ للقانون الإنساني الدولي، والتعدي السافر على حرية الإعلام والتعبير، وحق الشعوب في الحصول على المعلومات".

ودعت الوزارة "المجتمع الدولي إلى تحرك عاجل لمنع سلطات الاحتلال من ارتكاب المزيد من الانتهاك لحرية التعبير والمعلومات، واتخاذ الإجراءات كافة لوقف العنف ضد الفلسطينيين والعاملين في وسائل الإعلام".

كما طالبت بـ"ضرورة مساءلة الاحتلال على هذه الجريمة المروعة وتقديم الضالعين فيها إلى العدالة الدولية، لا سيما وأن القانون الإنساني الدولي يعد الصحفيين والإعلاميين في مناطق النزاعات المسلحة مدنيين ويجب احترامهم وحمايتهم". 

وفي 12 مايو، أضاءت أبراج منطقة لوسيل بالعاصمة الدوحة، بعلم فلسطين وصورة الصحفية أبو عاقلة، في رسالة واضحة أن قطر ستواصل الحفاظ على ذكرى الصحفية الفلسطينية، رغم انشغالها باستعدادات استضافة كأس العالم خريف عام 2022.

وبسبب ذلك الضغط الدبلوماسي والإعلامي، الذي قادته وزارة الخارجية القطرية من جهة، وقناة الجزيرة من جهة أخرى، تراجعت إسرائيل عن زعمها أن "مسلحين فلسطينيين هم من يقفون وراء مقتل أبو عاقلة".

وفي 26 مايو، أعلنت شبكة الجزيرة أنها قررت إحالة ملف اغتيال أبو عاقلة إلى المحكمة الجنائية الدولية، وشكلت تحالفا قانونيا لمتابعة الجريمة في الهيئات القضائية الدولية.

وقالت شبكة الجزيرة في بيان إنها تتعهد بتفعيل كل المسارات الممكنة لتقديم المسؤولين عن الاغتيال إلى منصات العدالة الدولية وأخذ جزائهم القانوني.

مسؤولية تاريخية

وفي قراءته للمشهد، قال الباحث الإعلامي طارق محمد، إن "كلمة أمير قطر تؤكد أن بلاده وضعت على عاتقها مسؤولية تاريخية، بحمل دماء الصحفية شيرين أبو عاقلة والمضي بها أمام المجتمع الدولي لفترة طويلة".

وأضاف لـ"الاستقلال"، أن "شيرين مرتبطة بقطر على أكثر من صعيد أهمها الصعيد المهني والإنساني، حيث عملت في قناة الجزيرة لأكثر من ربع قرن كامل، في نطاق القضية الأهم والأصعب في تاريخ العالم الحديث، وكانت مع زملائها على خط النار بشكل دائم، وفي مواجهة خطر قصف وقناصة الاحتلال". 

وأوضح محمد أن "قطر تلعب دورا متقدما بين دول الخليج فيما يخص القضية الفلسطينية، وهي التي استضافت قادة حركة المقاومة الإسلامية حماس وفتحت لها مكتبا على أراضيها".

ومضى يقول: "كانت قطر دائما الوسيط المضمون والدائم للشعب الفلسطيني، خاصة في مراحل العدوان على قطاع غزة منذ عام 2008، وصولا لمحاولة تهجير أهالي حي الشيخ جراح بالقدس في 2021".

وكذلك فهي تقف حجرة عثرة ضد تهويد القدس، وذلك في ظل قافلة تطبيع تمضي ولا تخجل، من الجارين الإمارات والبحرين، وفق تقديره. 

ولفت الباحث الإعلامي أنه "على الرغم من محاولات إسرائيل القوية لتعميق علاقاتها مع الدوحة، من باب الاقتصاد عبر فتح مكتب تجاري، أو من باب الرياضة عبر مشاركة البعثات الرياضية لدولة الاحتلال في الفعاليات التي تقام بقطر، ورفع علمها هناك، فإن الدولة تضع سياجا فاصلا بين ذاك والتطبيع السياسي، والتماهي مع جرائم الاحتلال".

ناهيك عن وجود ناشطين شعبيين ضد التطبيع في قطر، ينشطون على جميع المستويات، وتسمح لهم الحكومة القطرية بإبداء أنشطتهم وآرائهم، يوضح محمد.

واختتم بالقول: "لا شك أن جريمة قتل شيرين أبو عاقلة، ستأخذ العلاقات القطرية الإسرائيلية إلى منحى آخر".

فمع التصعيد القطري، وتحميل تل أبيب المسؤولية كاملة، ستعد دولة الاحتلال تلك الملاحقات بمثابة استفزاز لها، وتحريض على كراهيتها، أكثر وأكثر، وفق قوله. 

علاقات شائكة 

وبرز الدور القطري بقوة في دعم قضية فلسطين مطلع أغسطس/آب 2020، عندما أصدرت تل أبيب عددا من القرارات التي تسببت بتشديد حصارها على غزة، ووضع القطاع بأكمله في موقف صعب للغاية ردا على مسيرات العودة الحدودية. 

وتمثلت تلك القرارات، في إغلاق البحر كاملا أمام الصيادين حتى إشعار آخر، ومنع إدخال أنواع السلع والبضائع كافة لغزة ما عدا الغذائية والطبية، ومنع إدخال مواد البناء والوقود، ما تسبب في أزمة كهرباء حادة حيث زاد عدد ساعات انقطاع التيار عن 20 ساعة يوميا.

وجاء ذلك في ظل فتك فيروس كورونا بالقطاع، مع ارتفاع المخاوف من حدوث عدوان إسرائيلي أوسع، أو حرب شاملة على غرار العمليات العسكرية خلال السنوات الماضية. 

وفي 30 أغسطس، تدخلت قطر على خط الأزمة، عبر سفيرها محمد العمادي، رئيس اللجنة القطرية لإعادة إعمار غزة (تتبع وزارة الخارجية)، مؤكدة في بيان أن "هناك تدهورا بقطاعات مختلفة نتيجة استمرار الحصار (الإسرائيلي)".

وبعدها بيوم، أعلنت حركة حماس، أن رئيس مكتبها السياسي إسماعيل هنية، بحث مع وزير الخارجية القطري، محمد بن عبد الرحمن آل ثاني الأوضاع في قطاع غزة.

وفي الأول من سبتمبر/أيلول 2020، أعلنت الدوحة "نجاح جهودها في التوصل إلى اتفاق تهدئة بين قطاع غزة وإسرائيل، والتمهيد لتنفيذ مشاريع تخدم أهالي غزة وتخفف من آثار الحصار المفروض عليه منذ سنوات"، وهي الجهود التي ثمنتها الأمم المتحدة.

وبعدها بيوم، استقبل أمير قطر تميم بن حمد آل ثاني في مكتبه بقصر البحر في الدوحة، جاريد كوشنر، كبير مستشاري الرئيس الأميركي آنذاك دونالد ترامب، حيث أكد خلال اللقاء موقف بلاده الداعي إلى إيجاد تسوية عادلة للقضية الفلسطينية.

وفي نفس اليوم كتب الأكاديمي الأميركي مارك أوين جونز المختص بدراسات الشرق الأوسط، في صحيفة "هآرتس" العبرية أن "صانعة السلام الحقيقية هي قطر". 

وفي 4 يونيو/ حزيران 2021، صعدت إسرائيل من موقفها ضد قطر، عندما وجهت وزارة الخارجية الإسرائيلية اتهامات للدوحة بدعم وتمويل منظمات إرهابية على رأسها حركة المقامة الإسلامية حماس.

بعدها رد وزير الخارجية القطري، محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، على الاتهامات الإسرائيلية، وأكد أنها "جزء من حملة تضليل" ضد بلاده.

وقال إن هناك توافقا "بشأن المبادرة العربية واللجنة الرباعية لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي".

وأضاف: "نحن بحاجة لرؤية حكومة إسرائيلية تقود عملية سلام تعترف بدولة فلسطينية عند حدود 1967، وإن أي سلوك يمضي في اتجاه توسيع المستوطنات وإخلاء سكان حي الشيخ جراح سيبقينا في دوامة التصعيد".