بقصف مصاف النفط.. لماذا تضغط مليشيات إيران بالعراق على إقليم كردستان؟

يوسف العلي | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

عاد التوتر إلى المشهد العراقي بعد تهديدات أطلقتها مليشيات موالية لإيران، استهدفت كردستان، وذلك إثر اتهامات وجهتها لأربيل بتدريب مجاميع مسلحة تهدف إلى "إحداث الفوضى" بالبلد، الأمر الذي رفضه الإقليم وحذر من أن أي "عدوان" عليه سيكون ثمنه باهظا.

وتتعرض كردستان العراق بين الحين والآخر إلى قصف بالصواريخ من مناطق مجاورة للإقليم، تُتهم فيها فصائل مسلحة موالية لإيران، كان آخرها سقوط ست صواريخ من نوع كاتيوشا على مصفاة نفط شمال غربي محافظة أربيل في 30 أبريل/نيسان 2022.

اتهامات متبادلة

وفي بيان صدر عما يعرف بـ"الهيئة التنسيقية للمقاومة العراقية" في 24 مايو/ أيار 2022 قالت إنها رصدت عمليات تدريب لمجاميع مسلحة في كردستان العراق برعاية رئيس حكومة الإقليم مسرور البارزاني، مشيرا إلى أن "هناك تحركات مشبوهة من أدوات داخلية لعملاء الخارج هدفها إشاعة الفوضى ببصمات صهيونية واضحة".

وتضم "الهيئة التنسيقية"، نحو 10 مليشيات مسلحة تدين بالولاء لإيران، أبرزها "كتائب حزب الله"، و"عصائب أهل الحق"، و"كتائب سيد الشهداء"، و"حركة النجباء"، و"كتائب الإمام علي".

وأضافت الهيئة: "إننا كما هو العهد بنا، في مواقفنا السابقة والحالية، وخدمة لأمن وأمان شعبنا نعلم سلطات كردستان أن سعيها الخبيث، والنار التي يحاولون إيقادها سترتد عليهم وتحرقهم قبل غيرهم. ولن ينالوا حينها سوى الخيبة والخسران".

وتابعت: "المقاومة العراقية تؤكد وقوفها الدائم مع وحدة شعبها العزيز الذي مهما تكالبت عليه ذئاب الداخل والخارج سيبقى متماسكا قويا بعونه تعالى، متجاوزا كل سبل الإقصاء والتهميش، ومؤمنا بأن انفراج الأزمة لا يأتي إلا عبر الحوار الجاد، فهو السبيل الوحيد للخروج بشعبنا إلى بر الأمان".

وردا على ذلك، أصدر مجلس أمن إقليم كردستان في 24 مايو بيانا قال فيه إن "مجموعة غير شرعية تسمى لجنة تنسيق المقاومة العراقية وجهت في بيان عدد من الاتهامات والتهديدات التي لا أساس لها ضدنا".

وأضاف "المجلس" أن "هذه التهديدات ليست جديدة وعمليا حتى الآن في مناطق مختلفة من العراق فعلت ما في وسعها بمكائد القوات الأجنبية وكانت النتيجة مجرد دمار وفوضى".

وأردف: "وبهذا نعلن أن أي عدوان على إقليم كردستان وهو كيان دستوري في العراق سيكون له ثمن باهظ. لم يتعلموا من التاريخ، وإلا لعلموا أن قوة أكبر وأكثر تسليحا لا يمكنها كسر إرادة شعبنا. تشكل هذه المجموعات من المشرعين تهديدا للسيادة والأمن، وقد مهدت الطريق لنمو الإرهاب والأيديولوجية المتطرفة".

 وأشار "المجلس" إلى أن الجيش العراقي وقوات البيشمركة يعملان معا ضد الإرهابيين "وهذه الجماعات منخرطة في المؤامرات والفوضى والدمار، والحكومة الاتحادية مسؤولة عن حماية السيادة العراقية ووقف هذه السيادات والأعمال العدائية".

وفي السياق ذاته، أشار الوزير الأسبق في الحكومة العراقية، هوشيار زيباري، في تغريدة على "تويتر"، إلى أن "بيان الهيئة التنسيقية لما تسمى بالمقاومة، ضد الحزب الديمقراطي الكردستاني هو كذب في كذب".

ودعا ما يُعرف بـ"المقاومة" إلى أن "تراجع معلوماتها المغلوطة والمهددة لأمن وسلامة العراق، لأنها اتهامات باطلة وغير مسؤولة".

ضغط إيراني

وبخصوص الأسباب التي تقف وراء التصعيد، ربطت مصادر سياسية خاصة في حديث لـ"الاستقلال" هجوم المليشيات على إقليم كردستان بإنهاء محتمل للمشكلات بين الحزبين الكرديين (الديمقراطي الكردستاني، الاتحاد الوطني) بخصوص انتخاب رئيس للعراق.

وأوضحت المصادر التي طلبت عدم كشف هويتها أن "تهديدات المليشيات تأتي بتوجيه إيراني للضغط على إقليم كردستان، وتحديدا الحزب الديمقراطي الحاكم، من أجل التخلي عن التحالف مع التيار الصدري بزعامة مقتدى الصدر، الذي يسعى إلى تشكيل حكومة أغلبية وطنية".

وأشارت المصادر إلى أن "إيران تسعى إلى تحجيم دور زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني بأي طريقة حتى إذا تطلب الأمر تفكك الإقليم، لاحتمال عزم الاتحاد الوطني الكردستاني القريب منها على إعلان استقلال محافظتي السليمانية وحلبجة عن الإقليم".

وكشف رئيس الإقليم، نيجيرفان البارزاني، خلال زيارة إلى محافظة السليمانية في 22 مايو عن قرب التوصل إلى حلّ يُفضي إلى إنهاء حالة الانسداد السياسي في العراق بشكلٍ عام، معلنا النجاح في إيقاف الحرب الإعلامية بين الحزبين الكرديين.

وفي السياق ذاته، رأى رئيس لجنة العلاقات الخارجية ببرلمان كردستان، ريبوار بابكي، خلال تصريح له في 24 مايو أن ما سماه بـ "تهديدات" الهيئة التنسيقية للمقاومة، مرتبط بزيارة نيجيرفان البارزاني إلى محافظة السليمانية.

وقال بابكي إن "بعض النواب من الإطار التنسيقي (الشيعي) أظهروا مواقف سلبية بشأن زيارة البارزاني إلى السليمانية، والتقارب بين الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني".

ولفت إلى أن "بعض نواب الإطار، يعتقدون بأن هذا التقارب يأتي على حساب البيت السياسي الشيعي، لكن هذه المواقف لم نرها في بيانات رسمية باسم قوى الإطار التنسيقي".

وتأتي زيارة نيجيرفان البارزاني إلى السليمانية، في ظل خلاف حاد بين الحزبين الكرديين حول منصب رئيس الجمهورية.

ففي الوقت الذي يصر الاتحاد الوطني الكردستاني على مرشحه للمنصب الرئيس الحالي برهم صالح، فإن الحزب الديمقراطي كان قد رشح وزير الخارجية الأسبق هوشيار زيباري للمنصب.

لكن بعد إقصاء زيباري من المحكمة الاتحادية رشح الحزب الديمقراطي وزير داخلية الإقليم ريبر أحمد للمنصب.

بيد أن التحالف الثلاثي الذي يقوده مقتدى الصدر، وينتمي إليه الحزب الديمقراطي فشل في تمرير مرشحه للمنصب عبر ثلاث جلسات برلمانية، بسبب عدم تمكنه من جمع أغلبية الثلثين اللازمة للتصويت لمنصب رئيس الجمهورية.

وأدخل الخلاف الكردي- الكردي العراق في أزمة سياسية حادة نظرا لأن عدم التوافق على مرشح كردي واحد للمنصب حال دون إمكانية تشكيل الكتلة الأكبر عددا داخل البرلمان العراقي التي ترشح رئيسا للوزراء يكلفه رئيس الجمهورية.

وبحكم العرف السياسي السائد منذ 2003، يذهب منصب رئيس الجمهورية في العراق، إلى المكون الكردي، حيث يحافظ الاتحاد الوطني الكردستاني بالمنصب منذ عام 2009.

لكن الحزب الديمقراطي الكردستاني يسعى للحصول عليه عقب الانتخابات البرلمانية التي جرت في 10 أكتوبر/ تشرين الأول 2021.

أسباب سياسية

وعلى الصعيد ذاته، قال المحلل السياسي عزيز زنكنة، إن "الهجمات الصاروخية التي وقعت أكثر من مرة، إضافة إلى استهداف الحرس الثوري الإيراني لمواقع داخل مدينة أربيل، تتحمله الحكومة الاتحادية في بغداد، حتى وإن كان قد صدر عن فصائل مسلحة أو من قوى خارجية.

وأرجع ذلك إلى أن بغداد هي الضامن القانوني لحماية المناطق العراقية، بالتالي فإن التوتر الأمني حاليا لا بد أن يتحمله رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي".

وأضاف زنكنة خلال تصريحات في 24 مايو أن "هذه الاتهامات والتوترات بين الفصائل وأربيل، وتحديدا الحزب الديمقراطي الكردستاني المتحالف مع الكتلة الصدرية، تعود إلى أسباب سياسية، جرّاء الخسارة الكبيرة والطريق المسدود الذي وصلت إليه القوى الخارجة عن القانون، وهي فصائل موالية لإيران خسرت في الانتخابات".

وتصدرت "الكتلة الصدرية" بزعامة الصدر الانتخابات البرلمانية برصيد 73 مقعدا، وشكل تحالفا مع تحالف السيادة برئاسة خميس الخنجر، والحزب الديمقراطي الكردستاني، برئاسة مسعود البارزاني باسم "إنقاذ وطن".

ويمتلك التحالف الذي يقوده الصدر 175 مقعدا، لكنه فشل رغم ذلك في المضي قدما بتشكيل السلطات الجديدة للبلاد بعد أن عطلت القوى المنافسة ضمن "الإطار التنسيقي" انعقاد جلسة البرلمان لانتخاب رئيس جديد للبلاد بفعل "الثلث المعطل".

ويسعى الصدر إلى تشكيل حكومة أغلبية وطنية من خلال استبعاد بعض القوى منها وعلى رأسها ائتلاف "دولة القانون" بزعامة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي.

وهو ما تعارضه القوى الأخرى ضمن "الإطار التنسيقي" (شيعي) التي تطالب بحكومة توافقية تشارك فيها جميع القوى السياسية داخل البرلمان على غرار الدورات السابقة.

وتسبب الخلاف السياسي بين الصدر والإطار، بتأخر انتخاب رئيس الجمهورية، مما أدخل البلاد في حالة انسداد سياسي؛ إذ إن أهمية انتخاب رئيس جديد، تكمن في تكليفه مرشح "الكتلة الأكبر" عددا في البرلمان بتشكيل الحكومة، بحسب الدستور.