مهمة صعبة.. صحيفة فرنسية تكشف "أسرار تبون" بعد انقضاء نصف ولايته

تحدثت صحيفة جون أفريك الفرنسية عن أسرار الرئيس الجزائري عبد المجيد تبّون الذي بدأ أخيرا سلسلة من المشاورات مع الفاعلين السياسيين وأعضاء المجتمع المدني في البلاد.
رأت أن هذه المشاورات تمثل فرصة لتقييم تصرفاته وتحديد أولوياته لبقية فترة ولايته، والتي من المقرر أن تنتهي في ديسمبر/ كانون الأول 2023.
وكان عبد المجيد تبون قد استقبل، في يناير/ كانون الثاني 2020، شخصيات سياسية لإجراء مناقشات غير رسمية، وقد بدأ حينذاك الشهر الأول من ولايته الأولى البالغة خمس سنوات.
تبون الذي وصل حديثا إلى السلطة بعد مقاطعة الانتخابات إلى حد كبير، هو اليوم الرئيس الذي يخبر محاوريه برغبته في عدم التمسك بالكرسي الرئاسي مثل أسلافه، فضلا عن رغبته في جعل مرحلة ما بعد انتهاء عهدته الانتخابية انتقالا ديمقراطيا سلميا ومنظما.
تقييم وسط القمع
تقول الصحيفة إنه بعد عامين ونصف من توليه السلطة، تعد هذه المشاورات نوعا من التقييم، ولكنها أيضا برنامج، يحدد طريقة التعامل الجديدة مع شخصيات من العالم السياسي والمجتمع المدني الجزائري.
يقول أحد الذين حضروا هذه المشاورات إن "الرئيس يريد أن يدافع عما قدمه حتى الآن ويثبت للجميع أنه صاحب رأي قابل للنقاش والإقناع".
استقبل تبُّون خلال مايو/ أيار 2022، سفيان جيلالي (الأمين العام لحزب جيل جديد)، وعبد القادر بن قرينة (المرشح الرئاسي السابق)، وعبد العزيز الرهابي (وزير سابق وسفير)، وعبد العزيز بلعيد (رئيس حزب المستقبل).
تقول جون أفريك، إن رئيس الدولة الجزائرية لا يتهرب من أي سؤال سواء تعلق بالعدل أو الاضطهاد، حرية الصحافة والاقتصاد أو الفساد والبيروقراطية وكذلك الإصلاحات الاجتماعية والعلاقات الدولية وممارسة السلطة.
يستمع تبون، في حضور رئيس الأركان (الفريق السعيد شنقريحة)، إلى محاوريه ويحاول إقناعهم بأن سجله السياسي ليس متواضعا كما يعتقد البعض.
وجاء ذلك الحراك بعد مرض أخذه بعيدا عن البلاد ومن العمل بين أكتوبر/ تشرين الأول 2020 وفبراير/ شباط 2021، كاد يكلفه حياته- لولا التدخل الإعجازي للأطباء الألمان في سياق وباء كورونا وأزمة اجتماعية وفي حالة الاضمحلال التي وجد فيها المؤسسات عندما وصل إلى السلطة، تقول الصحيفة.
ولذلك، فإن هذه المشاورات أو ما يسميها الرئيس بالتقييم، تمثل أكثر من عمل مُشرف يؤديه تبون كما يرى ذلك.
تقول الصحيفة، إنه من بين الملفات التي تشهدها الجزائر وكذا فترة رئاسته، قضايا العدل والحريات العامة وسجناء الرأي.
بدأ قمع المعارضين- حتى قبل دخول تبون قصر المرادية- في عهد أحمد قايد صلاح، القائد السابق للجيش وصاحب السلطة الحقيقية بعد سقوط رئيس النظام السابق عبد العزيز بوتفليقة في أبريل/ نيسان 2019.
ولم تعرف البلاد أي فترة راحة في ظل رئاسة تبون، لدرجة أن بها الآن عشرات السجناء المرتبطين بالحراك، أو حركة تقرير المصير في منطقة القبايل (ماك) أو منظمة رشاد الإسلامية.
وقد جرى وضع حركة رشاد، إلى جانب ماك، على قائمة المنظمات الإرهابية من قبل الحكومة في مايو 2021.
من المعروف حاليا أنه قد جرى العفو عن السجناء في الأشهر الأخيرة، لكن الحكومة الجزائرية تخضع بانتظام للمراقبة من قبل المنظمات غير الحكومية التي تدين القمع واحتجاز سجناء الرأي وظروفها.
وكانت وفاة الناشط حكيم الدبازي في 24 أبريل/نيسان في مستشفى بالجزائر العاصمة بسبب تعليق على منشور بموقع فيسبوك، دليلا واضحا على تواصل النظام القمعي المعمول به منذ سقوط بوتفليقة.
لكن ورغم كل ما سبق ذكره يقول تبون في مواجهة محاوريه "لا يوجد سجناء رأي". ويضيف: "يُحاكم أولئك المسجونون أو يُحكم عليهم بسبب جرائم القانون العام والتخريب".
تتساءل الصحيفة في هذا السياق عما إذا كان الرئيس الجزائري سيتخذ المزيد من إجراءات التهدئة التي تمثل الرغبة التي عبر عنها عبد العزيز الرحابي السفير الجزائري السابق في 11 مايو بمقر رئاسة الجمهورية.
وأمل الرحابي أن يكون الاحتفال بالذكرى الستين للاستقلال في 5 يوليو/تموز مناسبة لإطلاق سراح سجناء الرأي والحراك.
يضيف هذا الدبلوماسي السابق "إنها فرصة لحماية الحريات الفردية والجماعية والتصالح مع تاريخنا كبلد الرجال الأحرار".
مكاسب مستردة
يستحضر عبد المجيد تبون، أمام ضيوفه الحضور في إطار تلك المشاورات، ملف الأوليغارشية الجزائرية والمسؤولين السابقين، دون أن يسميهم بالاسم، الذين يقبعون حاليا في السجن بعد إدانتهم بشدة في قضايا الفساد وغسيل الأموال وإساءة استخدام مناصبهم.
والأوليغارشية أو حكم الأقليِة، هو شكل من أشكال الحكم بحيث تكون السلطة السياسية محصورة بيد فئة صغيرة من المجتمع تتميز بالمال أو النسب أو السلطة العسكرية.
وأكد أن الجهود بالفعل على قدم وساق تحت إشرافه من أجل التوصل إلى اتفاق يمكن مؤسسات الدولة من التفاوض مع تلك الأوليغارشية على عقوبات مخففة مقابل استرداد المكاسب غير المشروعة التي استولوا عليها طيلة عقود.
ويصر على "أنهم لم يكونوا طرفا من ذلك المسار ولا يريدون أن يكونوا طرفا فيه". تقول الصحيفة إن قيمة تلك المكاسب غير المشروعة تجعلك تصاب بالدوار، حتى لو جرى تقييمها بملعقة.
خلال مقابلة أجراها مع قناة الجزيرة القطرية في يونيو/حزيران 2021، أوضح الرئيس أن 30 بالمئة من أصل 1000 مليار مستثمرة بين عامي 1999 و2019 في ظل نظام بوتفليقة، كانت عبارة عن رقم مبالغ فيها.
وتقول الصحيفة، إن استعادة هذه الأموال، التي يجرى إخفاء الكثير منها في الخارج، مهمة شبه مستحيلة لنظام العدالة الجزائري.
الحديث هنا حسب الصحيفة يتمحور حول التهديدات التي نالت ولا تزال حرية الصحافة ومضايقة الصحف.
وهنا مرة أخرى، يدافع الرئيس الجزائري عن موقفه، دون أن يخفي انزعاجه وهو يعبر عن رأيه.
فالصحافة حسب عبد المجيد تبُّون حرة والصحف لا تخضع لضغوط. إلا أنه يذكر، دون أن يسميها، حالة بعض عناوين الصحف الوطنية التي "تمطر السلطات بلا كلل بالأحكام والتحاليل والتقييمات السلبية".
يتحدى تبون محاوريه بأن يذكروا له قضية واحدة لصحفي ألقي به في السجن بسبب آرائه، وفق ما تنقل الصحيفة.
ويظهر تبون في نفس السياق بشكل عابر رغبته في إصلاح القانون السمعي البصري لإلزام المحطات التلفزيونية الخاصة المقامة في الخارج بالإقامة في الجزائر.
منذ وصوله إلى السلطة، اتخذت الحياة السياسية في الجزائر شكلا متشعبا، حيث صار صوت الجمعية الوطنية خافتا، وتراجعت أحزاب المعارضة عن الساحة و أخمد الوباء كل نشاط حزبي.
لكن بغض النظر عن الظهور الإعلامي لرئيس الدولة، فإن المجال السياسي لا يزال رحبا.
وأعلن تبون عزمه إطلاق حوار شامل مع الأحزاب، لخلق حد أدنى من التشاور مع الطبقة السياسية وتطوير إجماع وطني حول السياسة الداخلية.
يلاحظ أحد ضيوفه ذلك ويقول "إنه يريد أن يأخذ نظرة عامة، لإشراك الجهات الفاعلة الوطنية في القرارات المستقبلية".
ومع ذلك، ليس لديه مشروع واضح ومحدد، لكن لا شك أن ذلك سوف يتبلور في نهاية هذه المشاورات بعد تفكير طويل، وفق الضيف الذي لم تذكر الصحيفة اسمه.
منع التدهور
لا يخفي عبد المجيد تبُّون مخاوفه بشأن مناخ الأعمال في الجزائر، والتعطيلات البيروقراطية، ومدى الفساد الذي ابتليت به المؤسسات على جميع المستويات، وكذلك العراقيل في مراكز صنع القرار.
يلاحظ أحد المحاورين ويقول: "إنه يرى أن هناك مشكلة في الموارد البشرية على جميع المستويات".
صرح تبون بقوله: "أنا أراهن على أناس صادقين ونظيفين"، مضيفا "إذا كنت أريد البحث عن الكفاءات، لكنت ذهبت للبحث عن المديرين التنفيذيين السابقين للنظام".
بالنسبة إلى تبون، تعد المشاريع الاقتصادية أكثر أهمية لأن الدولة تخرج من فترة عدم الاستقرار ولا تزال تدفع ثمن سوء الإدارة الموروث من النظام القديم.
قال أحد زواره في إطار هذه المشاورات: "عندما جاء إلى الرئاسة، وجد حقل ألغام في كل مكان وطأته قدماه".
لمحاربة الفساد والدوائر غير الرسمية، تناول قضية الواردات وما يترتب عليها من تلاعب في الفواتير وهروب رأس المال الوطني.
وقد وجد أن الطريقة الفضلى، كما يجادل بذلك، تتمثل في تخفيض قيمة الاستيراد التي تراجعت من 60 إلى 35 مليار دولار على مدى العامين الماضيين.
لمواصلة تقليص هذه النسبة، يريد تشجيع الإنتاج الوطني، ووضع قانون استثمار جديد وإلغاء حظر المشاريع التي جمدت لمدة أربع أو خمس سنوات.
رغم كل هذه المعوقات، فهو يرى أن حكومته نجحت في إطلاق ألف مشروع أتاحت خلق عشرات الآلاف من فرص العمل، تقول صحيفة جون أفريك.
يقول أحد محاوريه "أدى الوباء الذي أصاب الاقتصاد الوطني بشدة، وكذلك انخفاض أسعار النفط- قبل ارتفاعها المذهل بسبب الحرب في أوكرانيا- إلى وضع حد لإصلاحاته وضغط بشدة على القدرة الشرائية للجزائريين وكذلك تواصل عمل المئات من الشركات العامة والخاصة، إنه يدرك أن الوضع الاجتماعي صعب".
وأضاف أنه لا يستبعد إمكانية أن يقع تطويع الصعوبات الاجتماعية لخلق التوتر الشعبي. لكن لمنع اندلاع السخط الشعبي، أنشأ تبون في فبراير/شباط 2022 إعانة بطالة بقيمة 13000 دينار شهريا (حوالي 82 يورو).وكما يقول صديق مقرب من الرئيس فقد "لقيت هذه البادرة ترحيبا كبيرا من قبل الجزائريين".
ويأمل بدرجة أولى في تهدئة الجبهة الاجتماعية قبل الشروع بإصلاحات اقتصادية جديدة، لا سيما تلك المتعلقة بملف الدعم الذي يكلف الموازنة العامة للدولة ما يعادل 17 مليار دولار سنويا.
وهنا مرة أخرى، كما تقول جون أفريك، يتطلب هذا الوضع شديد الحساسية المزيد من الحذر والتواصل والعمل المنهجي من قبل الرئاسة الجزائرية.
إذا أصبح تحرير أسعار المنتجات الاستهلاكية الأولية ضرورة اقتصادية، فمن الضروري تنفيذ خطة استهداف دقيقة لفئات اجتماعية معينة حتى لا يلحق الضرر الفئات الأكثر حرمانا في المجتمع.
وتحرير الأسعار هو مشروع ضخم لم تجرؤ السلطات قط على تنفيذه خوفا من تعريض السلم الاجتماعي للخطر.
يبقى السؤال القائم كما تقول الصحيفة: هل يمتلك عبد المجيد تبُّون، وهو اليوم في منتصف فترة ولايته، المبادرة التي افتقدها الذين سبقوه؟
في سن التاسعة والسبعين، هناك بلا شك تغير لعبد المجيد تبون قبل وبعد هذا المرض الذي تطلب منه فترة نقاهة واستشفاء طويلة في ألمانيا.
لكن هل جعلته هذه المحنة يفكر في ممارسة السلطة ومستقبله السياسي، وهو الذي قال إنه لا يريد التمسك بالكرسي الرئاسي؟
يعترف محاوروه بأنه راض نسبيا عن أفعاله بينما يدرك أن الصعوبات يمكن أن تنشأ في أي وقت.
يقول أحد محاوريه "إنه يريد إعادة البلاد إلى مسارها الصحيح، إنه يدرك أن المهمة صعبة ولكن الأمور تسير في الاتجاه الصحيح، يريد على الأقل أن ينجح في ولايته".