حسابات خاطئة ووعود زائفة.. كيف قتل فتحي باشاغا حلمه بحكم ليبيا؟

12

طباعة

مشاركة

واقع جديد في المشهد السياسي الليبي، عقب فشل رئيس الحكومة المكلف من مجلس النواب في طبرق فتحي باشاغا، في مباشرة مهامه من العاصمة طرابلس، بعد رفض رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة، تسليم السلطة له.

هذه المحاولة الفاشلة لدخول طرابلس في 16 مايو/أيار 2022، أفقدت باشاغا مكانته السابقة غرب ليبيا، وجعلت الدبيبة يخرج في هيئة المنتصر وصاحب السلطة الأقوى في طرابلس.

بعد ساعات، اعتبر باشاغا في كلمة متلفزة من مدينة سرت (ِ450 كلم شرق العاصمة)، أنه لم يلجأ إلى "القوة أو السب أو التخوين، ولم يلجأ إلى السلاح حقنا لدماء الليبيين"، في المقابل، قال الدبيبة، إن "مشروع الانقلاب والتمديد قد انتهى".

محاولة فاشلة 

وفي ساعة متأخرة من 16 مايو 2022، اندلعت اشتباكات في قلب طرابلس، بين مجموعات مسلحة مؤيدة لحكومة الوحدة الوطنية، وأخرى داعمة لباشاغا بعد ساعات من وصول الأخير للعاصمة، ونشر قائد كتيبة "ثوار طرابلس"، هيثم التاجوري، صورا لباشاغا من داخل أحد المقرات الأمنية.

وبحسب بلاغات لوزارة الداخلية في طرابلس، خلفت الاشتباكات قتيلا وعددا من الجرحى، وتوقفت أصوات الأسلحة بعد فترة من تبادل إطلاق النار، إثر تدخل قوات مرتبطة برئاسة الأركان العامة للجيش، التابعة لحكومة الوحدة الوطنية، وتوفيرها ممرا آمنا لباشاغا للخروج من طرابلس.

وأوضح شاهد عيان لـ"الاستقلال" أن "المناوشات دار أغلبها قرب مقر كتيبة النواصي، بين عدد من الكتائب الموالية لباشاغا وأخرى تابعة للدبيبة، ولم يتم استعمال سوى الأسلحة الخفيفة والمتوسطة، مما أدى إلى أضرار مادية في البنايات وعدد من السيارات".

ولفت إلى أنه "لم يلحظ استنفار أمني كبير من قبل القوات الموالية لباشاغا، ولم يسجل أي تحرك لها من أجل دعم دخوله لطرابلس، رغم إعلان كتيبة النواصي في بيان مباركتها وصول باشاغا إلى العاصمة واستعدادها لتقديم الدعم له بكل الطرق الممكنة".

وبحسب وسائل إعلام محلية، فإن تدخل "اللواء 444" التابع لوزارة الدفاع من أجل الوساطة لإخراج باشاغا، منع انجرار طرابلس إلى "حرب جديدة".

وبعد صمت الأسلحة حمل باشاغا حكومة الدبيبة مسؤولية التصعيد العسكري الذي تزامن مع دخوله وأعضائه إلى العاصمة.

وعبر حسابه على "تويتر" في 17 مايو، قال باشاغا: "رغم دخولنا السلمي للعاصمة طرابلس دون استخدام العنف و قوة السلاح واستقبالنا من قبل أهل طرابلس الأفاضل، فوجئنا بالتصعيد العسكري الخطير الذي أقدمت عليه مجموعات مسلحة تابعة للحكومة منتهية الولاية".

1/4 رغم دخولنا السلمي للعاصمة طرابلس دون استخدام العنف و قوة السلاح و استقبالنا من قبل أهل طرابلس الأفاضل ، فوجئنا بالتصعيد العسكري الخطير الذي أقدمت عليه مجموعات مسلحة تابعة للحكومة منتهية الولاية.

في المقابل، توعدت حكومة الدبيبة بـ"الضرب بيد من حديد" كل من تسول له نفسه المس بأمن المواطنين وسلامتهم.

وفي بيان لوزارة الدفاع، في 18 مايو، أكدت أن "الأجهزة العسكرية والأمنية تعاملت بإجراءات حازمة ومهنية مع مجموعة مسلحة خارجة عن القانون، قامت بمحاولة التسلل داخل طرابلس لإثارة الفوضى باستخدام السلاح".

وأوضحت الوزارة، أن "هذه العملية الصبيانية المدعومة بأجندة حزبية"، تسببت في أضرار مادية وبشرية ما زالت أجهزة الدولة تعمل على حصرها ومعالجتها، وتوعدت بـ"ملاحقة كل المتورطين في هذا العمل، والضرب بيد من حديد على كل من تسول له نفسه المس بأمن المواطنين وسلامتهم".

ويرفض الدبيبة تسليم السلطة إلا لحكومة تأتي عبر برلمان جديد منتخب، تنفيذا لمخرجات ملتقى "الحوار السياسي"، الذي نجح الليبيون عبره في إيقاف الصراع العسكري المستمر منذ سنوات، وفاز فيه الدبيبة برئاسة الحكومة، بعد أن نافس وزير الداخلية السابق باشاغا على المنصب في دورتين.

وقال الدبيبة في كلمة متلفزة إن "مشروع التمديد والانقلاب انتحر سياسيا وصدرت اليوم شهادة وفاته رسميا"، قائلا أن "الانتخابات هي الحل، ولا مستقبل لليبيا إلا بإجرائها".

فرص ضئيلة

وأكد المحلل السياسي الليبي، عصام الزبير، أن "اختيار باشاغا للتوقيت كان خاطئا، ويبدو أنه كان تحت ضغط داعميه داخل ليبيا وخارجها، فهي المحاولة الثانية على التوالي، ويبدو كذلك أن عددا من الكتائب المسلحة بعد أن أعطت وعودها بدعمه اكتشفت أن الوضع مخالف لتقديراتها ولا يمكنها حمايته ولا السيطرة على المقار الحكومية في العاصمة".

وأبدى الزبير، في حديث لـ"الاستقلال"، استغرابه "من وجود سياسي بهذه الدرجة من عدم الدراية والفهم السياسي للواقع الليبي خاصة في العاصمة، فاليوم باشاغا خسر حتى التأييد الذي كان يحظى به من قبل بعض الأطراف في الغرب".

وأفاد بأن "باشاغا أساء لتاريخه وضيعه، الآن ليس له قبول في المنطقة الغربية، ولم يعد يثق فيه حتى المجموعات المسلحة التي كانت موالية له، لذلك فمن يراهن عليه الآن فهو يراهن على جواد خاسر".

وعد المحلل السياسي أنه "منذ تولي حكومة الوحدة الوطنية (في 10 مارس/آذار 2021) شهدت العاصمة استقرارا وحفاظا على الأمن، بالإضافة إلى الإنجازات التي حققتها من فتح الطرق وتجديد البنية التحتية وصرف منح اجتماعية، ونجحت في ضمان استمرارية الكهرباء بشكل متواصل لمدة 24 ساعة لأول مرة منذ العام 2011".

وشدد على أن "هذه المكاسب حققت شعبية واسعة للدبيبة، وجعلت موقفه أفضل بكثير من موقف معارضيه".

ولفت الزبير إلى أن "المجتمع الدولي وطيف واسع من المجتمع الليبي يراهن على الوصول لانتخابات في أقرب وقت ممكن، ولا يمانع بأن تكون في ظل حكومة الدبيبة".

هذا الحديث أكدته خبيرة الشأن الليبي في "مجموعة الأزمات الدولية"، كلوديا غازيني، خلال مقابلة مع موقع "بي بي سي نيوز عربي" في 17 مايو، حيث قالت إنها تعتقد أن "محاولة باشاغا دخول العاصمة كانت سوء تقدير، إذ اعتقد أنه يتمتع بدعم أكبر مما لديه في الواقع في أوساط الجماعات المسلحة بطرابلس".

وقالت غازيني إن "بعض الاستخبارات الأجنبية التي كانت تدعم باشاغا تكتيكيا ربما تكون قد شجعته أيضا على القيام بتلك الخطوة، لكنها كانت سوء تقدير كبير، ومن الواضح أنها ارتدت عليه سلبا".

وبحسب خبيرة الشأن الليبي في مجموعة الأزمات الدولية، فإن الدبيبة خرج من الأحداث الأخيرة "أقوى وأكثر رسوخا".

ولفتت غازيني إلى أن الاشتباكات أسفرت عن "خسارة" الجماعات المسلحة القليلة المتحالفة مع باشاغا "لسيطرتها على بعض أجزاء العاصمة".

وبينما كان باشاغا يعد في يوم من الأيام الرجل القوي الذي يتمتع بالدعم في أوساط الجماعات المسلحة غربي ليبيا، ترى غازيني أن خطوته الأخيرة "لم تحظ بدعم من مليشيات مصراتة (مسقط رأس باشاغا والدبيبة في نفس الوقت)".

ولفتت إلى أن "الجماعات المسلحة في طرابلس انحازت في معظمها إلى جانب الدبيبة، وهذا يعني فرص باشاغا في حكم البلاد (كرئيس للوزراء) من العاصمة باتت ضئيلة الآن".

وكان تصويت البرلمان لصالح اختيار باشاغا كرئيس للوزراء في 10 فبراير/شباط 2022 قد قوبل بتحفظات من قبل الأمم المتحدة على لسان أمينها العام، أنطونيو غوتيريش، كما أن التعيين لم ينل اعترافا دوليا، إذا ما تم استثناء اعتراف موسكو بحكومة باشاغا.

لكن الأمم المتحدة، وعبر المستشارة الخاصة لأمينها العام بشأن ليبيا، ستيفاني وليامز، أبقت خطوط الاتصال مفتوحة مع كلا الجانبين، ضمن مساعيها للتوصل إلى مخرج للأزمة عبر تحقيق توافق ما بين الطرفين.