بخسارتهم الانتخابات التشريعية في لبنان.. كيف يرد حزب الله وحلفاؤه؟

12

طباعة

مشاركة

أظهرت النتائج الأولية للانتخابات التشريعية في لبنان هزيمة نسبية لحزب الله وحلفائه (المدعومين من إيران)، في أول استحقاق انتخابي تشهده البلاد بعد انتفاضة 17 أكتوبر/تشرين الأول 2019، والانهيار المالي والنقدي الذي يعصف بالبلاد منذ ذلك الحين.

 قابل ذلك دخول نواب جدد، مستقلين، قادمين من رحم هذه الانتفاضة، بالإضافة إلى ارتفاع عدد مقاعد حزب القوات اللبنانية (مسيحي)، الخصم الأبرز لحزب الله، والذي يحظى بدعم كبير من المملكة العربية السعودية، وقوى التغيير التي جسدت تطلعات الثوار.

وبالاستناد إلى الأرقام الأولية، فإن حزب القوات بات لديه الكتلة الأكبر في البرلمان بعد حصوله على 22 مقعدا من أصل 128، وقوى التغيير 17 نائبا.

 وبمعزل عن هيمنة حزب الله وحليفه رئيس البرلمان نبيه بري على جميع المقاعد الشيعية، فإن طموحه للحفاظ على الأكثرية المطلقة، حسبما أكد أمينه العام حسن نصر الله، وصولا إلى الثلثين، لم يتحقق. 

وتراجع عدد المقاعد التي تدور في فلكه مع حلفائه من 71 إلى حدود 64 مقعدا (نصف العدد).

اقتراع منخفض

وكانت الانتخابات التشريعية، التي تنافست فيها 103 قوائم انتخابية تضم 718 مرشحا من مختلف الطوائف والمذاهب، موزعين على 15 دائرة انتخابية.

وقد بلغت نسبة الاقتراع فيها 41 بالمئة، وفق ما صرح به وزير الداخلية اللبناني بسام مولوي، بتراجع بلغ قرابة 9 بالمئة عن الانتخابات التشريعية الأخيرة التي أجريت عام 2018. 

ويعزى هذا التراجع إلى حالة الإحباط التي تهيمن على القسم الأكبر من اللبنانيين بتأثير الأزمة الاقتصادية والمالية الفريدة من نوعها في العالم، حسب توصيف تقارير الأمم المتحدة.

وهذه الأزمة التي يرزح البلد تحت وطأتها، نجم عنها تضخم هائل تجاوز 800 بالمئة وتراجع قيمة العملة المحلية بنسبة 90 بالمئة، ما أدى إلى موجة هجرة كثيفة، ونزيف في الأدمغة والكفاءات التي لطالما تميز لبنان بها.

وتباينت نسب الاقتراع في المدن والمحافظات اللبنانية. ففي العاصمة بيروت، التي تنقسم إلى دائرتين انتخابيتين، بلغت نسبة الاقتراع في الدائرة الأولى ذات الطابع المسيحي 28.50 بالمئة، في حين وصلت إلى 38 بالمئة في الدائرة الثانية ذات الثقل السني. 

ويعود سبب الإقبال السني الكثيف في الدائرة الثانية إلى تجاوب السنة مع الدعوات الكثيرة التي وجهت إليهم من قبل دار الفتوى، وكذلك عدد كبير من الناشطين على وسائل التواصل الاجتماعي، للمشاركة ومنع حزب الله من الهيمنة على مقاعد العاصمة.

بيد أن نسب الاقتراع المنخفضة لم تحجب حصول العديد من المفاجآت، إذ تمكنت قوى التغيير من تسجيل خروقات في العديد من الدوائر، وبمقاعد متنوعة طائفيا ومذهبيا يلامس عددها 17 مقاعد تقريبا. 

وكان الوضع المعيشي القاسي هو المحفز لدى قسم من اللبنانيين للمشاركة في الاقتراع والمساهمة في إسقاط بعض حلفاء حزب الله التاريخيين، المتهم بحماية الفساد وتشريعه.

وأبرزهم طلال أرسلان، وهو نائب درزي منذ عام 1992، وأيضاً إيلي الفرزلي نائب رئيس البرلمان، وغيرها من الشخصيات التي تفتقد إلى الحيثية السياسية وترتكز على دعم حزب الله السياسي والمادي والمعنوي. 

يقول الكاتب السياسي وليد حسين في مقال بصحيفة "المدن" المحلية 16 مايو/ أيار 2022، إنه "رغم تراجع نسب المشاركة، فازت القوى التغييرية في أكثر من دائرة".

ويضيف: "وهو ما يعني أن الحماسة التي حصلت للاقتراع كانت تصب كلها لصالح قوى التغيير. لولا ذلك لكانت نسب المشاركة العامة ستنخفض أكثر وأكثر، في ترجمة واضحة لمدى تراجع شعبية الأحزاب بعد سنتين من الانهيار".

ويشير حسين إلى تلقي حزب الله ضربة معنوية كبيرة في أحد أبرز معاقله في دائرة الجنوب الثالثة "رغم كل التحشيد وإغداقه المساعدات والوعود وشد العصب الطائفي وتخوين اللائحة المنافسة".

ويلفت حسين إلى أن هذا الإنجاز الضخم قد تحقق رغم "ضعف الماكينة الانتخابية لقوى المعارضة إلى حد عدم تمكنها من تأمين الأكل للمندوبين، وعدم تدريبهم بشكل جيد".

هذا فضلا عن غيابهم عن قرى عدة بسبب عدم وجود العديد من المندوبين. أي أنهم لم يكن لهم أي عين على مجريات العملية الانتخابية وكيفية التزوير المحتمل، وفق قوله.

مخالفات واعتداءات

وكانت العملية الانتخابية قد تخللها عدد كبير من الإشكالات وخاصة في مناطق سيطرة حزب الله. 

تلك المخالفات وثقتها الجمعية اللبنانية من أجل ديمقراطية الانتخابات "لادي"، وهي تعمل على مراقبة سير العمليات الانتخابية على مختلف أنواعها وإصدار تقارير مفصلة حولها. 

وبين أمين عام الجمعية روني الأسعد في تصريحات إعلامية أنه يمكن وضع عنوان لهذا اليوم الانتخابي وهو "ضغط، ترهيب واعتداء، وضعف بالتنظيم".

وأضاف: "المخالفات بالجملة كما الترهيب للمندوبين والمراقبين، والقوى الأمنية لم تفعل شيئا، فلأول مرة نشهد مخالفات بهذا الحجم".

وخلال مؤتمر صحفي أقامته الجمعية في 16 مايو، قدمت تقريرها عن مسار العملية الانتخابية والذي توقفت فيه عند عينة من المخالفات والانتهاكات التي وثقها مراقبو "لادي".

وقالت: "كان أخطرها التعرض لمراقبي ومراقبات الجمعية بالتهديد والضرب والضغط من قبل مندوبي العديد من الأحزاب ذات السطوة في مختلف الدوائر، وخصوصا تلك التي يوجد فيها مرشحو حزب الله وحركة أمل".

وهو ما اضطر "لادي" إلى سحب مراقبيها من بعض المراكز الانتخابية ضمانا لسلامتهم الشخصية.

كما وثق مراقبو الجمعية اعتداء مناصرين لحزب الله وحركة أمل الشيعيتين على أحد المرشحين المناوئين المستقلين، وسط ترديد هتافات "صهيوني صهيوني". 

وكذلك طرد مندوبو حزب الله نظراءهم في حزب القوات اللبنانية خارج أحد مراكز الاقتراع في محافظة البقاع. 

أضف إلى ذلك، انتشار صور كثيرة على وسائل التواصل الاجتماعي ظهر فيها مندوبو حزب الله سواء من الرجال أو النساء يرافقون المقترعين إلى ما وراء العازل والتدخل في خيارهم الانتخابي ويعتدون على بعض المؤيدين لـ"القوات".

وهو الأمر الذي دفع بزعيم الحزب سمير جعجع إلى مناشدة رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، ووزير الداخلية بسام مولوي للتدخل. 

معركة أحجام

وبشكل عام فإن الانتخابات كانت حامية الوطيس في المناطق المسيحية، في حين أنها أقل سخونة في مناطق الوجود الشيعي، وتحديد أحجام في مناطق الثقل السني.

وأظهرت الأرقام الأولية تراجعا في عدد نواب التيار الوطني الحر (مسيحي) بزعامة جبران باسيل صهر رئيس الجمهورية ميشال عون. 

وقد خرج باسيل بمؤتمر صحفي بدا فيه ممتعضا وكأنه يمهد لخسارة تياره لأكثريته النيابية، مشيرا إلى أن التيار لم يكن في معركة انتخابية مع القوات والحزب التقدمي (درزي)، والكتائب (مسيحي).

وإنما كان بمعركة بدأت بالحد الأدنى في 17 أكتوبر مع أميركا وإسرائيل وحلفائها الإقليميين. ويذكر أن باسيل معاقب أميركيا بتهم الفساد بموجب قانون "ماغنيسكي".

وحسب التوزيع الأولي فإن القوات سيكون لديها كتلة تاريخية في مجلس النواب، إذ ستحصل على قرابة 22 نائبا مسيحيا للمرة الأولى في تاريخها.

في حين تشير الأرقام إلى أن كتلة التيار الوطني الحر ربما تصل إلى حدود 20 نائبا، بعد أن كانت تقارب 30 نائبا في الانتخابات الماضية، وستضم عدداً من الحلفاء من غير الحزبيين وكذلك من غير المسيحيين.

وفي قراءة للنتائج التي أفرزتها الانتخابات، يلحظ مدير "معهد المشرق للشؤون الإستراتيجية" سامي نادر أكثر من نقطة بارزة. 

أولها تراجع القوة المهيمنة على البلد أي حزب الله وحلفائه، بما يعني أن هناك قاعدة شعبية واسعة قالت لا للمحور الإيراني وللقوى المتحالفة معه. 

ومن جانب آخر يقول نادر في تصريح لـ"الاستقلال" إن "التيار الوطني الحر لم يعد بإمكانه القول إنه يمثل أغلب المسيحيين، ولهذا الأمر تداعيات عديدة على المستوى السياسي والجيوسياسي وعلى المنطقة وعلاقات لبنان الدولية".

ويرى نادر أن "البلد ذاهب الى انقسام سياسي أكثر عمقا. فصحيح أن حزب الله وحلفاءه لم تعد لهم القوة المسيطرة إلا أنهم لم ينهاروا ولا يزالون ممثلين في السلطة ولديهم قدرة على التعطيل".  

في المقابل يوضح الكاتب السياسي سامر زريق أن "فوز حزب القوات وحصوله على الكتلة الأكبر وطنيا ومسيحيا سيقلب المعادلات السياسية ولا سيما في الانتخابات الرئاسية في الخريف المقبل".

وتحول رئيس القوات سمير جعجع الى مرشح بارز لها، أو على الأقل ناخبا رئيسا فيها لا يمكن تجاوزه، بما ينسف كل ما كان يعد سابقا من سيناريوهات لانتخاب جبران باسيل أو سليمان فرنجية (زعيم ماروني بارز في شمال لبنان مقرب من النظام السوري). 

ويلفت زريق في حديث لـ"الاستقلال" إلى إمكانية حصول تفاهم بين القوات وسائر القوى المعارضة والشخصيات المستقلة ربما يفضي إلى تسمية موحدة لشخص رئيس الحكومة المقبل من دون التحالف مع حزب الله.

وهو خيار محفوف بالمخاطر، لكنه قد يحظى بتغطية دولية وعربية كشرط لمد اقتصاد البلد المتداعي بالأوكسيجين المالي، سواء عن طريق قروض أو مساعدات".

ويضيف "تبقى الخشية من حزب الله الذي اعتاد تعطيل مجلس النواب ومؤسسات الحكم في الدولة عندما لا تكون الأكثرية رهن يمينه.

ووصل الحال به الى اجتياح شوارع العاصمة بيروت في 7 مايو 2008 لكسر قرار الحكومة اللبنانية بإقالة ضابط في أمن المطار، كما قال.