غزو أوكرانيا يدفع فنلندا والسويد نحو الناتو.. ماذا عن خيارات روسيا للرد؟
سلطت وسائل إعلام إسبانية الضوء على عزم فنلندا والسويد الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي "الناتو"، والتداعيات المحتملة لهذه الخطوة.
وبعد أن حافظت فنلندا على موقف محايد وحتى علاقات جيدة مع روسيا، اعتبرت بعد الحرب في أوكرانيا أن الانضمام هو "الخيار البراغماتي".
تسريع العملية
وقالت صحيفة بوبليكو الإسبانية إن بدء الحرب الروسية في أوكرانيا في 24 شباط/ فبراير 2022، أدى إلى تسريع عملية إعادة تشكيل العلاقات الدولية.
ومن هنا، بدأت بعض الدول المحيطة بنظام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في التحرك بعد الغزو، لكن ليس حصرا لصالح الكرملين.
في هذا السياق، كانت فنلندا واحدة من أكثر الدول حزما، إذ كشفت حكومتها بالفعل عن دعمها للانضمام إلى الناتو، وهو ما أكدته رئيسة وزراء البلاد سانا مارين، والرئيس سولي نينيستو، في بيان.
عموما، يبدو كلا المسؤولين على ثقة من أن العملية ستجرى "بسرعة"، لكن، يتعين على الدولة الإسكندنافية الخضوع لسلسلة من الإجراءات التي قد تستغرق وقتا طويلا.
ونوهت الصحيفة بأن السؤال الذي يطرح في هذه المرحلة، يتمحور حول السبب الذي يقف وراء هذه الخطوة التاريخية التي تتخذها فنلندا.
في هذا الصدد، أصدر نينيستو ومارين بيانا كانا واضحين فيه، إذ صرحا أنه "في حالة إبرام اتفاقية الانضمام، فإنهما سيعززان دفاع فنلندا ودفاع الحلف".
وشددا على أن "عضوية الناتو ستعزز أمن فنلندا. وبوصفها عضوا، فهي ستعمل على تعزيز التحالف الدفاعي بأكمله".
ونقلت الصحيفة أن رئيس الوزراء السابق، ألكسندر ستوب، اعترف، في مقابلة مع شبكة سي إن إن الأميركية، أنه "حتى الآن، جرى الحفاظ على علاقات جيدة في الشؤون الدفاعية مع روسيا، على الرغم من حقيقة أنهم يعدون ذلك أكبر تهديد واقعي في البلاد".
وأوضح السياسي أن أمن بلاده "يقوم من ناحية على الجغرافيا والتاريخ، ومن ناحية أخرى على المثالية والواقعية".
عموما، هذه النظرة السياسية للعالم التي تتعارض مع أيديولوجية نظام بوتين؛ "تحول الناتو إلى خيار براغماتي".
في الواقع، لم يتحدث المسؤول فقط عن غزو أوكرانيا، بل أشار أيضا إلى التهديدات التي تتعرض لها مولدوفا، البلد الذي اقترب الجنود الروس من حدوده.
وأشارت الصحيفة إلى أن روسيا لم ترحب بالتقارب الفنلندي وقد صرحت بالفعل أنه في حالة حدوثه، فإنها ستحلل السيناريو وتتخذ التدابير اللازمة لضمان أمنها وأيضا "لتحقيق التوازن".
وأوردت صحيفة إلموندو الإسبانية أن انضمام فنلندا إلى الناتو سيؤدي إلى زيادة حدود روسيا مع الحلف، وهو أمر يبدو بالفعل حتميا.
في الواقع، هذه الزيادة لن تكون هينة، حيث ستتضاعف هذه الحدود، وتنتقل من 1213 إلى 2552 كيلومترا.
التهديد الأكبر
وقدمت فنلندا والسويد، في 18 مايو/أيار رسميا طلب العضوية إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو).
وتسلم أمين عام الحلف ينس ستولتنبرغ، طلبا رسميا بهذا الخصوص من سفيري فنلندا والسويد المعتمدين لدى الحلف.
وقال ستولتنبرغ في تصريحات للصحفيين، إن كل دولة لها الحق في اختيار طريقها، معربا عن ترحيبه بطلب انضمامهما.
ووصف طلب تقدم فنلندا والسويد لعضوية "الناتو" بالخطوة التاريخية، مؤكدا أن انضمامها سيعزز أمن لحلف.
وأضاف: "سيقيم الحلفاء الآن الطريق إلى الناتو، يجب أن تؤخذ المخاوف الأمنية لجميع الحلفاء بعين الاعتبار، نحن عازمون على تناول جميع القضايا بالتفصيل والتوصل إلى نتيجة سريعة". وأوضح أن جميع الحلفاء متفقون على حاجة الحلف للتوسع.
وأشار نينيستو ومارين بالقول: "نأمل أن يجرى اتخاذ الخطوات اللازمة بسرعة في الأيام المقبلة لتنفيذ هذا الإجراء".
من ناحية أخرى، على الورق، يمثل القرار الفنلندي انتكاسة خطيرة لفلاديمير بوتين، الذي حذر نظامه بشكل فعال وسلبي من توسيع الحدود المشتركة بين الناتو وروسيا.
تلك الحدود حتى الآن مقتصرة على الـ1213 كيلومترا المقسمة بين إستونيا ولاتفيا وليتوانيا وبولندا والنرويج. لكن هذه المسافة ستتضاعف مع انضمام فنلندا، نحو الشمال.
وجددت موسكو، في 16 مايو، اعتراضها على قرار فنلندا والسويد الانضمام لحلف شمال الأطلسي "الناتو"، مؤكدة ان الخطوة "خطأ له عواقب بعيدة المدى" و"ستغير العالم".
وقال سيرغي ريابكوف، نائب وزير الخارجية الروسي، في تصريحات صحفية إن بلاده "لن تتقبل ببساطة انضمام السويد وفنلندا إلى الناتو"، حسبما نقل موقع قناة "روسيا اليوم".
وأضاف: "العالم سيتغير بشكل جذري بعد قرار السويد الانضمام إلى الناتو"، مشددا على أن انضمام الدولتين "سيكون خطأ بعواقب بعيدة المدى".
وتوعدت روسيا، قبلها بأيام باتخاذ "خطوات عسكرية تقنية" لحماية أمنها القومي، في حال انضمام فنلندا والسويد إلى الناتو.وكانت موسكو حذرت مرارا الدول الواقعة على حدودها من الانضمام لحلف الناتو وعدت أن أي قرارات في هذا الشأن تهدد أمنها وتعد توسعات غير شرعية لحلف شمال الأطلسي.
كما عدت أن انضمام فنلندا إلى "الناتو" سيشكل انتهاكا لاتفاقية أبرمتها مع روسيا عام 1992، وينص أحد بنودها على التزام كل منهما بعدم السماح باستخدام أراضيهما لشن عدوان عسكري على الدولة الأخرى.
وأوضحت الصحيفة أن الانضمام إلى حلف الناتو يعني خسارة فنلندا مكانتها بوصفها دولة محايدة.
تغيير ملحوظ
في الحقيقة، ظل الفنلنديون حتى الآن خارج الحلف جنبا إلى جنب مع السويد، ولكن كان هناك تغيير ملحوظ في الموقف في كلا البلدين في الأشهر الأخيرة، نتيجة للغزو الروسي لأوكرانيا، وأصبح الآن دعم غالبية السكان للانضمام واضحا.
بعد إعلان فنلندا، أكد الأمين العام لحلف الناتو ينس ستولتنبرغ أن الحلف على استعداد لدمج فنلندا "بسرعة" وأن الأبواب "مفتوحة".
ومن جهتها، أعلنت مارين أن الهجوم الروسي "غير الوضع الأمني بشكل لا عودة فيه إلى الوراء".
وتوصل تقرير رسمي أعده البرلمان الفنلندي إلى نفس النتيجة، مع تقديره أن انضمام فنلندا والسويد إلى الناتو سيزيد من الاستقرار في منطقة بحر البلطيق على المدى الطويل.
وسيبدأ إجراء للموافقة على هذا الطلب من قبل أعضاء الناتو الثلاثين الحاليين. قد يستغرق ذلك عاما، لكن من المنتظر في هذه الحالة أن يجرى ذلك بسرعة أكبر.
وفي هذا السياق، ردت رئيسة الوزراء الدنماركية، الديمقراطية الاجتماعية ميت فريدريكسن، بشكل إيجابي على تصريحات نينيستو ومارين، ووصفتها بأنها "إشارة قوية".
وأكدت أنها ستعمل على تسريع هذه الإجراءات قدر الإمكان. وقالت: "بالطبع، سترحب الدنمارك بحرارة بفنلندا. وهذا سيعزز التحالف وأمننا المشترك. سنبذل قصارى جهدنا لجعل عملية الانضمام في أسرع وقت ممكن".
وعلقت الصحيفة أن دخول السويد وفنلندا إلى الناتو سيعني أن جميع دول الشمال هي جزء من المنظمة.
عموما، حتى الآن، كان يُنظر إلى السويديين، بسياستهم الطويلة في عدم الانحياز العسكري، على أنهم أكثر حيادية بشكل لا لبس فيه من جيرانهم.
من ناحية أخرى، تعتبر الدنمارك والنرويج وأيسلندا أعضاء مؤسسين لحلف شمال الأطلسي، في حين أن فنلندا، على الرغم من نهجها الحذر بشكل مفهوم بوصفها جارا لاتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية أولا وروسيا ثانيا، كانت تقليديا شريكا أكثر نشاطا في التحالف مقارنة بالسويد.
وأفادت الصحيفة بأن قرار فنلندا، يعد إعلانا تاريخيا، باختصار. وبشكل آخر، تريد الدولة التي ظلت محايدة نسبيا لعقود من الزمان، الآن، بشكل لا لبس فيه الانضمام إلى الناتو في أقرب وقت ممكن.
في هذا السياق، يقدر خبراء الحلف أن جلّ العملية قد تنتهي بحلول موعد قمة الناتو الكبيرة في مدريد نهاية يونيو/حزيران 2022.