خبرة ألف عام.. يني شفق: هكذا تعتزم تركيا إدارة معضلة اللاجئين المعقدة
أكدت صحيفة "يني شفق" التركية، أن أنقرة عقدت العزم على إدارة معضلة اللاجئين، من خلال إنشاء بيئة توفر لهم حياة جديدة، لا عبر إرسالهم لنظام بشار الأسد كما تطالب بعض الأصوات مؤخرا.
وذكرت الصحيفة في مقال للكاتب "علي فؤاد جوكتشي" أن إنشاء تركيا مناطق آمنة وتشجيع اللاجئين على الذهاب إليها، هو "إستراتيجية وقف وإدارة الهجرة"، التي تنفذها البلاد حاليا لأول مرة.
ملف شائك
وأشارت الصحيفة إلى أن أنقرة تستخدم الخبرة المكتسبة من تقاليد الدولة التركية التي يرجع تاريخ جذورها إلى ألف عام في كل مجال من أجل ضمان أمن البلد والمجتمع.
وتضع تركيا إستراتيجيات وسياسات وفقا لتطور الأوضاع في كل قضية يمكن تقييمها ضمن مفهوم "الأمن"، مثل الأمن الداخلي والخارجي والصحة والتعليم والغذاء.
وتواصل تركيا اتباع "إستراتيجية القضاء على الإرهاب من المصدر" التي أطلقتها في عملية درع الفرات في 24 أغسطس/ آب 2016 ضد سنوات من إرهاب حزب العمال الكردستاني " بي كا كا" في الجغرافيا السورية.
وواصلتها لاحقا عبر عمليات غصن الزيتون، ونبع السلام، ودرع الربيع؛ ولا تزال تطبقها ضد المنظمات الإرهابية في شمال العراق بسلسلة عمليات، آخرها "المخلب- القفل".
ودخلت إستراتيجية القضاء على الإرهاب من مصدره الأدب العسكري والسياسي في أميركا وتم تطويرها من قبلها كإستراتيجية ضد التنظيمات الإرهابية التي نفذت هجمات 11 سبتمبر/ أيلول 2021 وحاولت تنفيذها في أفغانستان والعراق.
وتبين أن هذه العمليات كانت تبتعد عن غرضها وعن وسائل الإعلام الأخرى، وأن الهدف الرئيس لم يكن إنهاء الإرهاب، بل الحصول على الموارد الطبيعية للدول المستهدفة والحفاظ على هيمنتها من خلال ترك هذه المناطق الجغرافية في حالة من الفوضى.
واستخدمت أميركا في تنفيذ هذه الإستراتيجية قوات حلف شمال الأطلسي "ناتو" في بعض الأماكن وكذلك قواتها المسلحة.
ومع ذلك، في الآونة الأخيرة، سحبت قواتها الخاصة من هذه المناطق الجغرافية بسبب الضغط الشعبي الداخلي والأسباب الاقتصادية.
وتتبع الولايات المتحدة سياسة الحفاظ على هيمنتها في المنطقة من خلال نقل ودعم المنظمات الإرهابية في نطاق الحروب بالوكالة.
ففي الوقت الذي تنفذ فيه إستراتيجيتها للقضاء على ما يسمى بالإرهاب بكل من جنودها وقواتها الوكيلة على حد سواء، فإنها لم تفشل فقط في توفير الأمن في المناطق الجغرافية التي توجد فيها، بل تصرفت بشكل سلبي تجاه سكان هذه المناطق.
حيث إنها كانت تقضي على منظمة إرهابية من جهة، وتدعم منظمة إرهابية أخرى من جهة ثانية.
أزمة اللاجئين
ومن أجل ضمان أمنها، بدأت تركيا في القتال دون أي تمييز ضد كافة المنظمات الإرهابية، وبدأت في تنفيذ إستراتيجيتها للقضاء على الإرهاب بشكل عقلاني وفعال مع مراعاة الحساسيات الإنسانية.
ولتنفيذ هذه الإستراتيجية، طهرت تركيا المناطق التي تقوم فيها حملات الإرهاب، وضمنت أن يكون الأمن منتشرا فيها، وواصلت اتباع سياسة جديرة تليق بالكرامة الإنسانية لشعوب المنطقة.
كما غير نهج تركيا التوازن في المنطقة وتبين أنه لا يمكن تطوير السياسات الأمنية بدون تركيا في هذه الجغرافيا.
وتعد تركيا من أكثر البلدان تضررا مما يسمى بالربيع العربي، الذي بدأ تحت تأثير أميركا والدول الغربية.
إذ قدمت تركيا مساعدات إنسانية لطالبي اللجوء الذين جاؤوا إلى بلدها لأسباب دينية ونظرا لتقاليدهم وعاداتهم، ورحبت بهم ووفرت لهم فرص عمل.
وبذلت جهدا استثنائيا لضمان التماسك الاجتماعي من خلال القطاعين العام والخاص والمنظمات غير الحكومية على حد سواء.
ولا بد أن نعترف أن جهود تركيا إزاء اللاجئين ستكتب بأحرف ذهبية في تاريخ البشرية.
وتولت تركيا مسؤولية السوريين بشكل عام وقضية اللاجئين وحدها حتى اليوم. على الرغم من أنها صرحت باستمرار في كل مرة أن هذه مشكلة إنسانية، وأنها ليست سببها.
كما أكدت أنها لا تستطيع استيعاب المزيد من المهاجرين، وأنه يجب تقاسم هذه المسؤولية، وفي المقابل تبنت الدول الغربية مناهج مختلفة وتمييزية تجاه اللاجئين ولم تتحمل المسؤولية.
فاستوعبت تركيا أنه لا فائدة من المناجاة وأنه لا أحد يشاركها المسؤولية لذلك شعرت بضرورة أخذ زمام المبادرة لحل هذه المشكلة.
المنطقة الآمنة
وأوضحت "يني شفق" أن تركيا بدأت في إنتاج سياسات جديدة من أجل اتخاذ تدابير ضد التصورات السلبية والاستفزازات حول اللاجئين السوريين التي تمت محاولة خلقها في الأيام الأخيرة وتصدت لها إدارة الهجرة بوزارة الداخلية بعقلانية.
وتتمثل إحدى هذه السياسات في إعداد بنية تحتية بالأراضي السورية يمكن لطالبي اللجوء أن يعيشوا حياتهم اليومية فيها، وتوفر لهم المأوى، ويتلقون التعليم والخدمات الصحية، ومن ثم إعادة السوريين إليها.
وخلق بيئة صالحة للعيش في المناطق الآمنة سيسمح لهؤلاء الأشخاص الذين هاجروا بالفعل من تلك المنطقة بالعودة إلى بلدهم، في حين أن الآخرين الذين يرغبون في القدوم إلى تركيا سيبقون في بلدانهم.
وتعمل تركيا بديناميكيات محلية في تنفيذ هذه السياسة. وينبغي النظر إلى دعم الديناميكيات المحلية لهذه السياسة على أنه مظهر من مظاهر إرادة السوريين في البقاء في بلدانهم.
وأكدت الصحيفة أن إنشاء تركيا لمساحات معيشة جديدة في المناطق الآمنة وتشجيع طالبي اللجوء على الذهاب إليها هو "إستراتيجية لوقف وإدارة الهجرة أينما وجدت".
بينما نفذت الدول الغربية بأنانية إستراتيجية وقف الهجرة في بلد آخر قبل القدوم إلى أراضيها، فتحملت تركيا المسؤولية على أراضيها، وفتحت أبوابها أمام طالبي اللجوء باسم الإنسانية.
ومع ذلك، فإن التمييز ضد اللاجئين في الأزمة الروسية الأوكرانية، وجائحة كورونا والآثار الاقتصادية السلبية للحرب الروسية الأوكرانية؛ توضح ضرورة إدارة الهجرة.
ولهذه الأسباب، خططت تركيا وبدأت تنفيذ هذه الإستراتيجية باسم الإنسانية وبمشاعر إنسانية.