بين نارين.. قطاع الاتصالات باليمن ينتقل من كنف الحوثي إلى حضن الإمارات

12

طباعة

مشاركة

بعد سنوات من الحرب المستمرة بين الحوثيين الموالين لإيران والحكومة المدعومة من تحالف عسكري بقيادة السعودية والإمارات، عاد إلى الواجهة قطاع الاتصالات كأحد أدوات الحرب بين الطرفين.

فعلى مدى السنوات السبع الماضية، فشلت المحاولات الحكومية للسيطرة على هذا القطاع الحيوي وانتزاعه من يد الحوثيين، حيث تتحكم المليشيا بكافة الشبكات والبنية التحتية للاتصالات وغرفة التحكم المركزية بالعاصمة صنعاء، منذ سيطرتها عليها بقوة السلاح في سبتمبر/ أيلول 2014.

ووزارة الاتصالات وتقنية المعلومات التي سيطر عليها الحوثيون، وعينوا فيها أشخاصا موالين لهم، هي الجهة الحكومية الوحيدة المنظمة لقطاع الاتصالات وتقنية المعلومات في اليمن بمكوناته المختلفة.

ويشمل القطاع خدمات الهاتف الثابت والهاتف النقال والإنترنت والبريد، وهي أيضا الجهة المخولة بتنفيذ القوانين التي تضعها الدولة لتنظيم قطاع الاتصالات واعتماد اللوائح التنفيذية اللازمة لذلك.

تطور مثير

وفي مطلع مايو/ أيار 2022، كشف وزير الاتصالات في الحكومة اليمنية نجيب العوج، عن إبرام "اتفاقية" مع الإمارات لتطوير الاتصالات في المحافظات الجنوبية.

وقال العوج في لقاء تلفزيوني مع قناة "الغد المشرق" المحلية الممولة من أبوظبي، إن هناك اتفاقية مع الإمارات ستنقل قطاع الاتصالات نقلة نوعية بما يساهم في تحسن الخدمة المقدمة للمواطنين.

وأوضح أن المحافظات المحررة سيتم تغطيتها بخدمة "عدن نت" الحكومية المستقلة عن الحوثيين خلال الأيام القادمة.

و"عدن نت" شركة حكومية تم تدشينها بالعاصمة المؤقتة في يونيو/ حزيران 2018، وتوفر خدمات اتصالات وإنترنت من الجيل الرابع، وبلغت التكلفة الإجمالية للمشروع 93 مليون دولار أميركي بتمويل حكومي.

لكن عملية فساد في الشركة، وتأثرها بالأحداث في مدينة عدن أدت إلى عدم تدشين مشاريعها وانتشارها على نطاق واسع، كما أن عملية نقل شركات الاتصالات الأخرى من قبضة سيطرة الحوثيين تواجه مشاكل فنية ولوجستية ومالية كبيرة.

كما كشف العوج في اللقاء التلفزيوني عما أسماه "صفر دولي جديد" خاص بالمناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة الشرعية المدعومة من التحالف، هو (+9678)، وأن هناك شركات اتصالات متعددة ستعمل في المحافظات الجنوبية خلال الفترة القادمة.

ولم يصدر إعلان رسمي من الجانب الإماراتي حول الاتفاقية أو أي نوع من شراكة جديدة، لكن أبوظبي كانت قد بدأت في أغسطس/ آب 2017، بتنفيذ حزمة جديدة من الإجراءات في جزيرة سقطرى اليمنية الواقعة في المحيط الهندي، لربط شبكتي الاتصالات والإنترنت في الجزيرة بها.

وذلك عبر استبدال شبكة الإنترنت اليمنية بشبكة الإنترنت الإماراتية، وتهيئة الجزيرة لربطها في قطاع آخر تابع لها، وهو الاتصالات، من خلال اعتماد شركات اتصالات إماراتية بدلا من تلك اليمنية، دون أي تصريح رسمي وفي مخالفة قانونية واضحة.

وأثارت تصريحات الوزير اليمني ردود أفعال واسعة من مختلف شرائح المجتمع، وعدوها ضمن التوجهات الإماراتية الداعمة لانفصال جنوب اليمن عن شماله ومحاولة تمزيقه.

فيما سخر ناشطون من قضية الصفر الدولي مشيرين إلى أنها مغالطة، وأنه لا يوجد مفتاح دولي رباعي، وإنما هو خط جديد.

حقائق ومخاوف

وتعليقا على ذلك، قال خبير الاتصالات وتقنية المعلومات محمد المحيميد، إن "وزير الاتصالات فاجأ الرأي العام بتصريحه أن المناطق المحررة أصبح لديها رقم دولي مختلف عن الرقم الدولي لليمن، وأن اليمن أصبح لديه مفتاحان دوليان".

وأضاف لـ"الاستقلال": "في تقديري أن ما ذكره الوزير كان زلة لسان لأنه غير صحيح، ومفتاح الاتصالات الدولية في جميع أنحاء اليمن هو واحد فقط وهو الرقم 00967، وهو ما أكده البيان الصادر عن وزارة الاتصالات بعد ذلك".

ولفت المحيميد إلى أنه "ربما أراد الوزير الإشارة إلى أن شركة عدن نت تعد مستقلة عن الاتصالات التي تحت سيطرة الحوثيين، لكن هذا لا يعني بأي حال أن هناك مفتاحا دوليا للمناطق المحررة مختلفا عن المفتاح الدولي لليمن".

وأوضح بيان صادر عن وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات اليمنية عقب ذلك اللقاء، أن الصفر الدولي للجمهورية هو 00967، وأن الرقم 8 الذي يلي المفتاح هو للعمل من خلال البوابة الدولية التي تدار من شركة "عدن نت"، ولا تخضع لأي رقابة أو سيطرة للحوثيين.

وتابع أن الوزارة حريصة على تشجيع الاستثمار والتوجه من خلاله لإطلاق شركات محمول جديدة بتقنية حديثة، مما سيخلق تنافسية في تقديم أفضل الخدمات.

من جهته، قال رئيس تحرير صحيفة "عدن الغد" فتحي بن لزرق، إن تصريحات وزير الاتصالات تدشين رسمي لعملية تقسيم البلاد وتجزئتها وشرذمتها.

وأضاف في تغريدة عبر تويتر، "ندعو كل أبناء اليمن لرفض كل ما يمس سلامة البلاد وسيادتها واستقلالها ووحدة أراضيها".

كما أشار إلى أن ترك الاتصالات و الصفر الدولي والموانئ للحوثيين يؤسس لدولة طويلة الأمد بالنسبة لهم، وينهي آمال زوالهم، ومن يمنح مقومات الدولة للحوثيين ويستنسخ أخرى في المحافظات المحررة يعمل لصالح الجماعة لا ضدها.

وأكد أن "هذه الحقيقة التي يجب أن تقال بوضوح الكلمة وعلو الصوت وبمكاشفة صادقة".

أداة حرب

ويشكل السيطرة على قطاع الاتصالات، مكسبا مهما لإدارة المعركة، وأداة مهمة من أدوات الحرب، وتمنح الحوثيين التفوق الأمني ​​والاستخباراتي من خلال استغلالهم لها في أنشطة التجسس والمراقبة ضد أعدائهم.

فبعد سيطرتها على مفاصل الدولة في 2014، بدأت مليشيا الحوثي في توسيع هيمنتها على جميع القطاعات الموجودة بالعاصمة صنعاء، وكان من بين أهم هذه القطاعات قطاع الاتصالات الذي لعب بعد ذلك دورا محوريا في المعركة بين الجانبين.

وبدأت المليشيا في تتبع تحركات القيادات والقوات العسكرية في الحكومة اليمنية، ونجحت في رصد سير العمليات.

 كما تمكنت من تشفير أجهزة الاتصالات اللاسلكية العسكرية، وفلترة عشرات الاتصالات والرسائل النصية للقادة الميدانيين.

وبعد التفوق العسكري للحوثيين في جبهات نهم المحاذية لصنعاء بداية 2020، بدأت قضية تجسس مليشيا الحوثي على قوات الحكومة اليمنية تطفو على السطح، وأثيرت على مختلف الوسائط الإعلامية، وتواتر الكشف عن عدة تفاصيل تؤيد هذه المزاعم.

أرسلت بعدها وزارة الدفاع اليمنية، برقية إلى قيادة القوات العسكرية في مناطق المواجهات، تمنع فيها إدخال الهاتف المحمول إلى الجبهات، وذلك بعد أن جمع الحوثي أرقام القيادة العسكرية الخاصة في كل جبهة، وتمكن من مراقبة تحركاتها وتمكن من رفع إحداثيات دقيقة إلى وحدات المدفعية والطائرات المسيرة والصواريخ التابعة له.

وكانت مليشيا الحوثي قد بدأت في توظيف ورقة التجسس لتغيير موازين القوى في معاركها منذ يناير/كانون الثاني 2015، حين سربت مكالمة هاتفية بين الرئيس اليمني السابق عبد ربه منصور هادي ومدير مكتبه آنذاك، أحمد عوض بن مبارك، في محاولة للضغط عليه.

وذكرت مصادر متعددة أن جهاز الأمن الوقائي التابع للحوثيين يمتلك فريقا هندسيا وتقنيا يضم مهندسين حوثيين وخبراء إيرانيين مختصين في الاتصالات ويعملون على تنصيب أجهزة التنصت والتجسس.

مصدر تمويل

ويمثل قطاع الاتصالات في اليمن مكونا أساسيا من مكونات البنية التحتية للبلد، وأحد أهم المصادر الإيرادية للدولة، ولا سيما العملة الصعبة، إذ احتل هذا القطاع قبل الحرب المرتبة الثانية بعد قطاع النفط والغاز.

وخلال فترة الحرب القائمة، قامت بعض الشركات بدفع رسوم للحوثيين، لتمديد مؤقت لترخيص التشغيل كشركة "إم تي إن"، التي قامت في 2016، بسداد 36,4 مليون دولار لتمديد ترخيصها المنتهي لمدة 29 شهرا.

وذلك قبل أن يتم بيعها للشركة اليمنية العمانية وتغيير اسمها إلى شركة "يو تيليكوم"، حيث رفضت الحكومة اليمنية الشرعية هذه الخطوة وعدتها مخالفة.

وتنتج هذه الشركات موارد مالية ضخمة لخزينة الحوثيين، وأظهرت بيانات صادرة عن وزارة الاتصال اليمنية في نوفمبر/ تشرين الثاني 2019، أن عدد مستخدمي الهاتف المحمول في البلاد بلغ 18.57 مليونا.

وزادت أسهم قطاع الاتصالات وتقنية المعلومات خلال الفترة ما بين 2015 و2018 بحوالي 7 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، ويسهم في توفير العديد من فرص العمل المهمة المباشرة وغير المباشرة من خلال ارتباطه ببقية قطاعات الاقتصاد.

ولا يمكن إغفال أهمية الاتصالات من النواحي السياسية والأمنية والإستراتيجية، وهو الأمر الذي جعل من هذا القطاع إحدى أدوات الصراع بين الفرقاء، حيث قامت جميع أطراف الصراع باستهداف البنية التحتية للاتصالات وتدميرها بصورة مباشرة.

في 21 يناير/ كانون الثاني 2022، استهدفت غارات جوية للتحالف بقيادة السعودية موقعا للاتصالات في مدينة الحديدة، أدت إلى تعطل الإنترنت في كافة أنحاء اليمن.

وأقر التحالف حينها بشن "ضربات جوية دقيقة لتدمير قدرات المليشيات" حول ميناء الحديدة، لكنه لم يقر بضرب مبنى الاتصالات، وذهب البعض إلى اتهام الحوثيين بتعمد قطع الإنترنت للحصول على مكاسب مختلفة.

وتسبب انقطاع الإنترنت في تعطل مصالح ملايين اليمنيين، وخسائر كبيرة في مختلف القطاعات الاقتصادية وتوقف المعاملات المصرفية في البنوك وشركات الصرافة.

فيما توقفت معظم الصحف الرسمية والخاصة عن الصدور، وشهدت حينها منصات التواصل الاجتماعي هدوءا تاما، وبات اليمنيون في عزلة من العالم، باستثناء عدد محدود من مشتركي خدمة "عدن نت" الحكومية في العاصمة المؤقتة عدن.

 

بدائل فاشلة

وفشلت الحكومة الشرعية خلال الفترة السابقة من إنشاء شركات اتصالات أو إنترنت مستقلة عن الحوثيين، باستثناء شركة "عدن نت"، التي تقدم خدمة الإنترنت في بعض المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة والتي شابها الكثير من الفساد في ظل محدودية خدماتها وفروعها.

وتعليقا على هذه الجزئية، قال الخبير المحيميد، إنه "بالنسبة لقطاع الاتصالات والإنترنت فهو بكل ما يعنيه من قدرات مالية وأمنية وعسكرية تحت سيطرة الحوثيين وتوظف عصابة الحوثي هذا القطاع في معركتها الحربية ضد الشعب اليمني والشرعية منذ الانقلاب على الدولة عام 2014".

وتابع لـ"الاستقلال"، "من المؤسف القول إن الشرعية ممثلة بوزارة الاتصالات وتقنية المعلومات لم تعمل شيئا في السنوات الماضية لسحب هذا القطاع من سيطرة الحوثيين وحرمان هذه العصابة من تسخير مقدرات وإيرادات هذا القطاع فيما يضر الشعب اليمني".

ومضى شارحا، "بل والأدهى والأمر من ذلك أن عصابة الحوثي، أدخلت الجيل الرابع في جميع أنحاء الجمهورية وفي المناطق المحررة، تحت سمع وبصر الحكومة الشرعية بما يعود بالفائدة القصوى للحوثيين والضرر الفادح على الشرعية والشعب اليمني".

وختم خبير الاتصالات اليمني، بالقول، "نطالب أن تسيطر  الحكومة على هذا القطاع ومقدراته وتسخره لخدمة الشعب اليمني".

وتعمل في السوق اليمني 6 شركات اتصالات وإنترنت هي "سبأفون" و "ويو تيلكوم" وشركة "واي" وهي شركات خاصة، بالإضافة إلى الشركات الحكومية "يمن موبايل"،  و"تيليمن"، و"عدن نت".

وتخضع جميعها لسيطرة الحوثيين باستثناء عدن نت التي افتتحتها الحكومة اليمنية  وسبأفون التي نقلت مقرها من صنعاء إلى عدن في سبتمبر/ أيلول 2020 .

وينقل كابل فالكون الموجود تحت البحر الإنترنت إلى اليمن عبر ميناء الحديدة على طول البحر الأحمر الواقعة تحت سيطرة الحوثيين، وللكابل أيضا مخرج آخر على الأرض في ميناء الغيضة بأقصى شرق البلاد، على الحدود مع سلطنة عمان والواقعة تحت سيطرة الحكومة اليمنية.