شيرين أبو عاقلة ليست الأولى.. السجل الأسود لقنص الصحفيين برصاص الاحتلال

أحمد يحيى | 3 years ago

12

طباعة

مشاركة

رغم تأكيد اتفاقية جنيف الدولية عام 1949 لحماية المدنيين بالنزاعات العسكرية، على ضرورة احترام الصحفيين وحمايتهم من أي هجوم متعمد، إلا أن الكيان الإسرائيلي يواصل بلا كلل ولا ملل التنكيل بهم وقتلهم بدم بارد أمام الكاميرات إذا دعت الحاجة، للحيلولة دون فضح ممارساته الإجرامية.

ومن أجل نفس الهدف وبنفس الطريقة، اغتال قناصة جيش الاحتلال في 11 مايو/ آيار 2022، الصحفية الفلسطينية الشهيرة، مراسلة قناة الجزيرة القطرية "شيرين أبوعاقلة"، خلال تغطيتها اقتحام مخيم جنين بالضفة الغربية المحتلة.

واُستهدفت الصحفية التي فضحت جرائم الاحتلال طوال نحو ربع قرن من الزمن، بطلقة مباشرة بالرأس أودت بحياتها على إثرها، وأصيب زميلها الصحفي "علي السمودي" في الموقع ذاته.

ووصفت الرئاسة الفلسطينية تلك الجريمة بـ "إعدام مقصود"، مؤكدة أنها ستحيل الملف للمحكمة الجنائية الدولية، فيما أدانت وزارة الخارجية القطرية الواقعة، داعية "المجتمع الدولي إلى تحرك عاجل لمنع سلطات الاحتلال من ارتكاب مزيد من الانتهاكات لحرية التعبير". 

قائمة طويلة

شيرين أبو عاقلة (51 عاما) هي الاسم الأخير في قائمة طويلة من الصحفيين الذين قضوا على يد قوات الاحتلال، فبحسب تقرير "الاتحاد الدولي للصحفيين" الصادر في 5 يوليو/ تموز 2021، فإن إسرائيل قتلت 46 صحفيا وإعلاميا منذ عام 2000 وحتى عام 2021.

وشهدت تلك الفترة أحداثا عظيمة من انتفاضة الأقصى الثانية وصولا إلى العدوان المتكرر على قطاع غزة المحاصر، وكذلك الاقتحامات الكثيرة لباحات المسجد الأقصى والأحياء الفلسطينية المجاورة.

ووصف بيان اتحاد الصحفيين، عمليات القتل من قبل سلطات الاحتلال بأنها "استهداف ممنهج ومنظم" هدفه التغطية على ما ترتكبه تلك القوات من جرائم بحق الفلسطينيين.

واستشهد التقرير بحرب غزة التي استمرت 11 يوما خلال عام 2020، وقتها قتلت إسرائيل 16 صحفيا بلا رقيب ولا حسيب. 

ويعد الصحفي والمصور الفلسطيني ياسر مرتجى (31 عاما) أحد أشهر ضحايا إسرائيل في السنوات الأخيرة، حيث أصابته رصاصات الاحتلال القاتلة وهو يقوم بعمله على حدود قطاع غزة في منطقة خزاعة يوم 6 أبريل/ نيسان 2018.

وللمفارقة فإن طريقة موت شيرين أبو عاقلة، مشابهة تماما لما حدث لمرتجي، فكلاهما كان يرتدي سترة تحمل عبارة "صحافة"، وكلاهما استهدف بالقنص المباشر على يد أحد جنود دولة الاحتلال. 

وتعليقا على إعلان اغتيال شيرين، قال الأمين العام للاتحاد الدولي للصحفيين أنتوني بيلانجر، إن "استهداف الصحفية أبوعاقلة بهدف منعها من الشهادة وقول الحقيقة حول العملية الإسرائيلية في جنين".

وأعلن الاتحاد الدولي للصحفيين، في بيان، عزمه إحالة قضية مقتل الصحفية الفلسطينية إلى المحكمة الجنائية الدولية.

الجميع مستهدف 

وفي 8 يوليو/ تموز 2014، شنت إسرائيل عدوانا غاشما على قطاع غزة، أطلقت عليه عملية "الجرف الصامد"، وقتها ضربت قوات الاحتلال مناطق مدنية مأهولة بالسكان، ما أدى إلى سقوط عدد من الصحفيين منهم عبد الله مرتجى، الذي سقط أثناء القصف على حي الشجاعية شرق مدينة غزة. 

بعدها بأيام، قتلت إسرائيل الصحفي الإيطالي لوكالة "أسوشيتد برس" الأمريكية، سيموني كاميلي، رفقة الصحفي الفلسطيني علي أبو عفش، إثر انفجار صاروخ أودى بحياتها شمال القطاع في 25 أغسطس/ آب 2014.

واتهمت وقتها نقابة الصحفيين الفلسطينيين إسرائيل بتعمد تصعيد هجماتها على الصحفيين ووسائل الإعلام بشكل خاص في غزة، وشجبت العجز الدولي عن حمايتهم من قبل المؤسسات الدولية لا سيما الأمم المتحدة.

وفي 28 أغسطس 2014، أصدر مركز "مدى للحريات الإعلامية" في رام الله، تقريرا يرصد وضع الصحفيين داخل الأراضي المحتلة، وتعرضهم لأشكال مختلفة من الاعتداءات أبرزها القتل والإصابة وتدمير منازلهم، وتدمير مقرات وسائل إعلامية، والتشويش على وسائل الإعلام المحلية، واختراق موجاتها لبث رسائل تحريضية ضد الشعب الفلسطيني.

ورصد المركز استهداف 49 مؤسسة إعلامية بالقصف خلال عام 2014 فقط، وذكر أنه استشهد في عام 2009 خلال العدوان على غزة 4 صحفيين، وفي عام 2012 سقط 3 صحفيين، بينما استشهد في عدوان عام 2014 نحو 17 صحفيا، منهم الناشطة الإعلامية الشهيرة نجلاء الحاج.

مواكب الضحايا 

أما أبرز الصحفيين الذي اغتالهم جيش الاحتلال الإسرائيلي منذ مطلع الألفية الثالثة، فكان على رأسهم، الصحفي "عزيز يوسف التنح" الذي قتل عام 2000 برصاصة في الرأس أطلقها عليه جنود الاحتلال الإسرائيلي في مدينة رام الله بالضفة الغربية. 

وفي عام 2001 قتل كل من مصور صحيفة "الحياة الجديدة"، مراسل شبكة "إسلام أون لاين" "محمد البيشاوي"، ومراسل وكالة الأنباء الكويتية "عثمان القطناني"، وذلك بعد أن قصفت المروحيات الإسرائيلية مقر المركز الفلسطيني للدراسات والإعلام في مدينة نابلس بالضفة الغربية، في جريمة أثارت الرأي العام العالمي آنذاك. 

وخلال تغطية العدوان الإسرائيلي عام 2002 على محافظتي رام الله والبيرة، سقط الصحفي "جميل نواورة"، وفي نفس اليوم أيضا قتل الصحفي "أحمد نعمان" مدير تلفزيون بيت لحم المحلي، خلال هجوم وحدة إسرائيلية على محافظة بيت لحم.

وفي عام 2003 عندما كانت الشرطة الإسرائيلية تقتحم البلدة القديمة بالقدس، وبالقرب من المدرسة الفاطمية، أطلقت النار على مصور تلفزيون فلسطين ووكالة "أسوشيتد برس" الأمريكية، "نزيه عادل دروزة" فقتلته مباشرة. 

وفي 2008 استشهد مصور وكالة "رويترز" البريطانية للأنباء، "فضل صبحي شناعة" إثر إصابته في قصف مدفعي إسرائيلي، استهدفه أثناء تصويره مجزرة الاحتلال في قرية جحر الديك بقطاع غزة.

وخلال قصف صاروخي من طائرة حربية إسرائيلية على سيارة قناة "الأقصى" الفضائية في شارع الشفاء بقطاع غزة عام 2012،  استشهد المصوران "حسام سلامة" و"محمود الكومي". 

وكذلك استشهد 3 مصورين صحفيين هم "محمد الديري"، و"رامي ريان"، و"سامح العريان" في قصف مدفعي من قبل جيش الاحتلال على سوق الشجاعية بغزة أثناء تغطيتهم للأحداث 2014.

وفي التوقيت ذاته، استشهد مصور ومراسل قناة الأقصى وشركة "النبراس" الإعلامية "عبدالله فضل مرتجى"، بعد استهدافه خلال القصف المدفعي من قبل قوات الاحتلال، أثناء تغطيته الإعلامية في حي الشجاعية، الذي كان تحت قصف متواصل لا يهدأ خلال العدوان.

جميع هؤلاء انضمت إليهم مراسلة الجزيرة "شيرين أبو عاقلة" التي قالت في فيلم مسجل حديث "ليس سهلا ربما أن أغير الواقع.. لكنني على الأقل كنت قادرة على إيصال هذا الصوت إلى العالم.. أنا شيرين أبو عاقلة".  

لهذا يستهدفونهم 

وتعليقا على هذا التطور، أكد الباحث الحقوقي مصطفى عزالدين فؤاد، لـ"الاستقلال"، أن "جريمة قتل الصحفية الفلسطينية شيرين أبو عاقلة، يندى لها الجبين ويجب أن يستنفر لها الرأي العام العالمي ضد دولة الاحتلال".

وقال فؤاد إنها "جريمة لا تقل خسة ودناءة عن جريمة مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي، فإن كان الأول قتل خلسة وبغدر داخل قنصلية بلاده، فالثانية أعدمت ميدانيا وقنصت على مرأى ومسمع من الجميع". 

وأضاف: "بحسب القرار 1738 لمجلس الأمن، يتم إدانة الهجوم والاعتداء العمدي على الصحفيين والعاملين في وسائل الإعلام والأفراد المرتبطين بهم أثناء الحروب والنزاعات، كما يكفل القرار مساواة سلامة وأمن جميع الصحفيين في مناطق الاضطرابات، وهم في ذلك مثلهم مثل المدنيين تماما". 

وأوضح أن "المفزع في عملية قتل شيرين أنها جريمة مكتملة الأركان، وأشبه بعمليات الإعدام الميدانية، هذه صحفية ترتدي زي الصحافة، لم تقتل في قصف عشوائي، بل برصاص قناص عن عمد".

ومضى يقول، إنهم كانوا يعلمون أنها تؤدي وظيفتها، ولم تكن تمتلك أي سلاح سوى صوتها ونقلها للحقيقة، فأسكتوها كما أسكتوا عشرات غيرها.

كما ندد الباحث الحقوقي بالموقف الدولي الضعيف إزاء الواقعة، وقال "لنتخيل أن هذه الصحفية قتلت خلال تغطيتها الأحداث في أوكرانيا على يد الروس، ماذا كان سيحدث آنذاك، كانت ستتحول إلى أيقونة عالمية، ولكنها بالفعل أصبحت رمزا من رموز الصحافة العربية والنضال الفلسطيني". 

من جانبه، قال المحلل السياسي الفلسطيني ناصر الصوير، إن "الاحتلال لم يفتأ طيلة تاريخه الأسود في فلسطين على استهداف الصوت الفلسطيني الحر، المتمثل بالصحافة والإعلام، وكانوا جسرا قويا متينا أوصل الحقيقة إلى العالم بأسره، وضحوا بأرواحهم، فالكثير منهم استشهد، وآخرون أصيبوا إصابات بالغة بعاهات مستديمة".  

وأضاف لـ"الاستقلال": "الغاية الكبرى من وراء ذلك هو طمس الحقيقة معهم وقتلها مع قتلهم، لذلك فإن هدف اغتيال إسرائيل بدم بارد لمئات الصحفيين، وللإعلامية شيرين أبو عاقلة، قتل القضية، وعليه فإنها لم تكن الجريمة الأولى ولن تكون الأخيرة بحق الصحافة الفلسطينية". 

وتابع: "وأنا أعتقد كصحفي عملت منذ عقود في مجال الصحافة والإعلام، أن الصحفي الفلسطيني تماما كالفدائي، يعمل ونصب عينيه أنه سيستشهد في ميدان العطاء، ولذلك فإن كل صحفي يعمل الآن على خطوط التماس مع العدو هو مشروع شهادة".

و"مقتل أبو عاقلة والزملاء الذين سبقوها لن يثني عزيمة الصحفيين الفلسطينيين تجاه استعراض الجرائم الصهيونية بحق شعبنا في كل مكان، ولن يفت في عضد الإعلام الفلسطيني، الذي يشهد له العالم بأنه أكثر الإعلام الذي تعرض للاضطهاد، وللممارسات التي تصل إلى حد القتل" يؤكد الصوير.

وختم بالقول: "على العالم الذي يكيل بمكيالين، والذي يبكي بكاء مريرا على ما يحدث في أوكرانيا، أن يلتفت إلى حق الشعب الفلسطيني، وعلى جرائم المحتل ضده، لكن لأن الصحفية شيرين فلسطينية، فلم نجد دولة أو مؤسسة عالمية كبرى تستنكر هذا العمل الشائن بالطريقة التي يستحقها، وهذا الصمت هو من أوصل العدو لهذه المرحلة من الإجرام والتسلط". 

واختتم: "أطالب المنظمات الأممية التي تعنى بشأن الإعلام والصحافة أن تتدخل لحماية الصحفي الفلسطيني، في ظل هذا النظام العالمي الظالم والعدوان الغاشم".