عبر شركات مشبوهة.. لماذا تصر فرنسا على العبث بالمستقبل الأمني لليبيا؟

أحمد يحيى | 3 years ago

12

طباعة

مشاركة

مع بداية الولاية الثانية للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، أثيرت تساؤلات بشأن نهجه في الشرق الأوسط، وتحديدا ليبيا التي لم تخرج بعد من براثن الحرب الأهلية المستمرة منذ سنوات، والتي أشعلها اللواء الانقلابي خليفة حفتر، بدعم من فرنسا ودول عربية بينها الإمارات.

وتبذل فرنسا حاليا جهودا كبيرة من أجل السيطرة على العقود الأمنية في ليبيا، وتدفع كثيرا من شركاتها الدفاعية والاستخباراتية إلى هناك، رغم اتهامات لها بتعارض موقفها مع مبادئ وقيم حقوق الإنسان وإنهاء الصراعات.

وهو ما أكدته تقارير حقوقية أممية وأخرى استخباراتية صدرت حديثا، تؤكد تورط إدارة ماكرون في جرائم ارتكبت في ليبيا من قبل مليشيا حفتر.

معركة محتدمة 

في 19 أبريل/ نيسان 2022 كشفت مجلة "إنتيليجنس أونلاين" الفرنسية المتخصصة في شؤون الاستخبارات، أن هناك معركة محتدمة داخل أوروبا على العقود الأمنية، تتزعمها فرنسا. 

وذكرت المجلة أن "شركة (أمارانت إنترناشيونال) الأمنية، ومقرها باريس، فازت بالعقد الأمني لبعثة الاتحاد الأوروبي للمساعدة الحدودية في ليبيا، وتعد الصفقة مكسبا كبيرا لفرنسا، خاصة وأنها قد خصص لميزانيتها 42 مليون يورو على مدار عامين فقط". 

وانتزعت الشركة الفرنسية هذه الصفقة من شركة النفط الإيطالية (إيني) العاملة في ليبيا منذ سنوات طويلة. 

وقالت إنتيليجنس أونلاين، إن "العقود الأمنية المسلحة الرئيسة، أصبحت موضوع سجالات مكثفة بين مقدمي الخدمات المتخصصين الأوروبيين، وفي الوقت نفسه الوضع الأمني على الأرض لا يزال حرجا، ويمكن أن يتطور لاحقا". 

وأضافت أن "أمارانت إنترناشيونال تتمتع بعلاقات قوية مع السلطات الليبية، التي فضلتها على غيرها من الشركات الأوروبية الأخرى". 

"أمارانت إنترناشيونال"

وسبق أن لعبت "أمارانت إنترناشيونال" التي خولتها حكومة ماكرون بالدخول إلى معترك العقود الأمنية الليبية، أدوارا مختلفة في مناطق الصراعات بالشرق الأوسط، حيث قامت من قبل بإعداد تقرير مفصل عن اليمن وسوريا، وطبيعة الحروب الدائرة هناك. 

وأسست هذه الشركة في عام 2007، وتعد أحد مزودي خدمات الأمن والاستخبارات الرائدين في أوروبا.

وكتبت في التعريف الخاص بها على موقعها الإلكتروني "نحن نسعى جاهدين لمساعدة عملائنا على تأمين أصولهم من خلال التأكد من أنها تتطور في الظروف المناسبة، حتى في أكثر البيئات صعوبة".

كما تقدم "أمارانت" للحكومة الفرنسية، ولشركات خاصة، ومؤسسات دولية رسمية، حلولا أمنية لحماية الأصول الرئيسة، وتقديم دراسات خاصة بالمعلومات والتكنولوجيا المتطورة، مثل بيانات البحث والتطوير والوثائق السرية.

وتعتمد الشركة الفرنسية على أكثر من 1250 موظفا دائما في 22 شركة بجميع أنحاء العالم، بالإضافة إلى اعتمادها على مجموعة تضم قرابة ألفي خبير في الأمن وإدارة الأزمات وتحليل المخاطر، يقدمون خبرتهم في مشاريع فردية وطويلة الأجل.

لذلك فمن المنتظر أن تلعب أدوارا متقدمة في الصراع الليبي، وأن تكون أحد الأذرع الفرنسية العابثة في هذا الملف الدامي. 

تورط متواصل

وهذه الصفقة ليست الأولى التي تصادق عليها إدارة ماكرون في ليبيا، بل رصدت تقارير دولية خلال الشهور الأخيرة تورط شركات فرنسية أخرى ببيع معدات تجسس إلى اللواء الانقلابي حفتر.

ففي 27 نوفمبر/ تشرين الثاني 2021، نشرت صحيفة "ليبراسيون" الفرنسية تحقيقا يؤكد تورط شركة "نيكسا تكنولوجي" الفرنسية المتخصصة في الاعتراضات التكتيكية، في صفقة بيع نظام مراقبة اتصالات لمليشيا حفتر المعروفة باسم "الجيش الوطني الليبي".

وأوضحت "ليبراسيون" في تحقيقها أن تلك الصفقة جرت بواسطة شركة في الإمارات العربية المتحدة.

وذكرت أن المحققين التابعين للمكتب المركزي لمكافحة الجرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية وجرائم الحرب اكتشفوا هذه الصفقة في يونيو/ حزيران 2021، حين كانوا بصدد التحقيق في حيثيات عقد آخر أبرمته شركة "نيكسا تكنولوجي" مع مليشيا حفتر. 

وأكدت الصحيفة أن الشركة الفرنسية كانت تستعد لتزويد جهة فاعلة غير حكومية وغير معترف بها من قبل المجتمع الدولي بأحدث معدات المراقبة، إلى جانب التحايل على الحظر الذي فرضه مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في 2011 بخصوص بيع هذه المعدات.

وأضافت أن نظام "ألفا ماكس" الذي حصل عليه حفتر من الشركة الفرنسية أتاح له التجسس على جميع المكالمات الهاتفية في أي منطقة داخل البلاد، من خلال خاصية الاعتراض التكتيكي.

واتهمت "ليبراسيون" إدارة ماكرون بغض الطرف عن تقديم شركة نيكسا خدمات للأنظمة التي لا تحترم حقوق الإنسان، كما هو الحال مع حفتر في ليبيا. 

الرهان الخاطئ 

وتعليقا على ذلك، قال الصحفي الليبي عمر الحاسي، إن "فرنسا تعد أحد أهم أركان جرائم الحرب التي ارتكبها حفتر في ليبيا، لما قدمته من دعم عسكري ولوجستي كامل للواء المهزوم ومليشياته، حيث أريد لهم السيطرة الكاملة على ليبيا، وتأسيس نظام عسكري معدل على طريقة نظام معمر القذافي البائد". 

وأوضح لـ"الاستقلال"، أنه "رغم أن منطقة شمال إفريقيا تعد إستراتيجية ومحورية لفرنسا، لكن بسبب رهان إدارة ماكرون على الحصان الخاسر حفتر، تراجع نفوذ بلاده بالمنطقة بشكل ملحوظ".

وأضاف الحاسي أن "فرنسا الآن تقوم بإعداد خطط العقود الأمنية، وشركات الاستخبارات للانتشار في العمق الليبي بصورة أكبر، كتعويض للسياسة الماضية، وذلك بعدما أصبحت ليبيا محط الشركاء المتشاكسين إقليميا، كباريس وروما، وصولا إلى واشنطن وروما، فكل يعبث بأدواته". 

 

وفي 3 يوليو/ تموز 2020، كشفت منظمة العفو الدولية "أمنستي"، أن باريس ضالعة في جرائم حرب داخل ليبيا، وأن طرابلس قُصفت من خلال أسلحة فرنسية، قدمتها حكومة ماكرون لقوات خليفة حفتر. 

وأضافت في تقرير آنذاك أن "فرنسا قدمت الأسلحة لقوات حفتر بمعزل عن البرلمان الفرنسي، في حربه ضد حكومة الوفاق المعترف بها دوليا"، وذلك وسط جدل بشأن سياسة الإليزيه إزاء أزمات المنطقة العربية، وتحديدا ليبيا الغارقة في مستنقع من الحروب الأهلية.

وأورد التقرير الأممي أن "الحكومة الفرنسية لم تضع قيودا على استخدام الأسلحة التي صدرتها لليبيا لضمان عدم وقوع ضحايا مدنيين".

وفي 31 أكتوبر/ تشرين الأول 2018، أشار الباحث الأمريكي "بين فيشمان" في تقرير نشره معهد واشنطن للدراسات، عن "كيف تضررت ليبيا من الخصومة بين فرنسا وإيطاليا؟".

وقال: "منذ انفجار الثورة الليبية ضد القذافي عام 2011، كان الليبيون يلومون الجهات الفاعلة الخارجية على مشاكلهم المتواصلة، وقد تدخلت فرنسا وإيطاليا إلى حد كبير في السياسة الليبية، فأضعفتا مبادرة السلام التي طرحتها الأمم المتحدة بدلا من أن تدعماها".

وأوضح فيشمان، أنه "على الرغم من ادعاء ماكرون بأنه يساعد في إرساء السلام، إلا أن جهوده الدبلوماسية المفتقرة إلى التنسيق مع الفصائل الليبية المتحاربة، جعلت وضع فرنسا في مواجهة مع الأمم المتحدة وداعميها الرئيسيين في الغرب، فيما يخص الملف الليبي". 

وأكد أن "ماكرون عمل ضد حكومة الوفاق الوطني، وفضل دعم حفتر باعتباره أنه في وضع أفضل لإعادة الأمن واستئصال الإسلاميين من ليبيا". 

من جانبه، أكد الصحفي الليبي عمر الحاسي أن "ماكرون أخطأ خطأ جسيما عندما ألقى بثقله في دعم حفتر، وسعى إلى إجهاض حكومة الوفاق المعترف بها دوليا، فلما تعقدت الأوضاع وفوجئ مع حلفائه في مصر والإمارات بحجم القوة المضادة، بدلا من تعديل سياسته، ألقى باللوم الكامل على تركيا وإيطاليا ودخل معهم في مناوشات".

وختم بالقول: "كل ذلك أدى إلى تدهور الأوضاع عموما، وكذلك تعطيل مشروعه، الذي كان يقوم على إعادة الهيمنة الفرنسية في الشمال الإفريقي وإفريقيا عموما، وليبيا بطبيعة الحال أحد أهم مرتكزات هذه السياسة".