إشارة عسكرية.. لماذا افتتح الأسد جسرا نهريا مع مناطق "سوريا الديمقراطية"؟
شكل افتتاح النظام السوري جسرا مؤقتا يربط ضفتي نهر الفرات بمحافظة دير الزور شرقي سوريا، خطوة جديدة في تعزيز صلاته بمناطق نفوذ قوات سوريا الديمقراطية "قسد" على الضفة المقابلة.
وافتتح الجسر رئيس حكومة النظام السوري حسين عرنوس في 20 إبريل/ نيسان 2022، وخلال كلمته مرر إشارة عسكرية، حينما قال "سنعبر إلى الطرف الثاني من النهر ونحرر كل شبر من أرض سوريا".
وتسيطر "قسد" على غالبية مناطق شمال شرقي سوريا، ما يعادل ربع مساحة البلاد، لكن لا يسكنها سوى 2.5 مليون نسمة من إجمالي 22 مليونا لجأ منهم نحو 7 ملايين إلى الخارج بعد الحرب، بينما تعرف هذه المنطقة بسلة غذاء سوريا، وتضم نحو 80 بالمئة من ثروة البلاد النفطية.
أهمية الجسر
ويبلغ طول الجسر 220 مترا وعرضه 10 أمتار وهو مصمم لحمولة تقارب 100 طن، وجرى تسيير حمولات بلغت 70 طنا بشكل تجريبي.
ويربط الجسر قرى ومدن خط الجزيرة على الضفة اليسرى التي تسيطر على معظمها قوات "قسد"، بالضفة اليمنى والتي تسمى محليا "الشامية"، وتخضع لسيطرة النظام السوري والمليشيات الإيرانية والروسية.
وقبل اندلاع الثورة السورية كان هناك في المحافظة 14 جسرا يربط بين ضفتي النهر، والتي دمرت جميعها خلال العقد الأخير، وأغلبها قصفها التحالف الدولي إبان سيطرة تنظيم الدولة على معظم المحافظة (2014 - 2017) لمنع تنقله.
بالمقابل وبخطوة استباقية وغير كافية، لجأت قوات "قسد" بدعم من التحالف الدولي قبل أيام من افتتاح الجسر، إلى رفع ساتر ترابي ضخم أمام القرى والبلدات التي يسيطر عليها نظام الأسد والمليشيات الإيرانية في شرق الفرات بدير الزور.
ويبدأ الساتر من معمل الورق وعلى طول البلدات التي يسيطر عليها النظام والمليشيات الإيرانية منذ عام 2017 بعد معارك مع تنظيم الدولة وهي (الحسينية والصالحية وحطلة ومراط ومظلوم وخشام وطابية جزيرة).
ومنذ ذلك الحين أصبح الأهالي في مناطق الضفتين تحت "رحمة الصراعات الدائمة"، بين قوات النظام السوري وقسد، لا سيما المتعلقة بالتنقل المكلفة ماديا، وارتفاع الأسعار نتيجة فرض رسوم إضافية على السلع من جراء النقل عبر العبارات المائية.
والجسر المفتتح يصل حي "الحويقة" في مدينة دير الزور بقرية الحسينية التي تتقاسم السيطرة عليها المليشيات الإيرانية، وقوات قسد، وتعد نقطة الفصل بينهما.
اللافت أن الجسر شيد على عجل من قبل مليشيا "الفرقة الرابعة" مدرعات التي يقودها ماهر الأسد شقيق رئيس النظام بشار، واستغرق تنفيذه خمسة أشهر، وبطريقة بدائية بواسطة قساطل معدنية وبإشراف إيراني.
ولهذا فإن الجسر مهدد بانهياره مع أي زيادة في منسوب مياه نهر الفرات، كونه مشيد من خشب وحديد، دون مراعات أي من عوامل التعرية النهرية.
وتمتلك الفرقة الرابعة حواجز خاصة بها عند مدخل كل محافظة سورية، وباتت الحواجز الدجاجة التي تبيض ذهبا للفرقة، بسبب إجبار الأهالي والتجار على دفع إتاوات مالية لقاء المرور.
دلائل الافتتاح
لكن الكثير من المراقبين في الشأن السوري، حصروا افتتاح هذا الجسر لتحقيق أهداف سياسية واقتصادية عاجلة يريد النظام السوري كسبها من مناطق قسد.
وأرجع هؤلاء ذلك لكون حكومة الأسد تعمل على إتمام خطة لترميم "جسر السياسية" المدمر منذ سبتمبر/ أيلول 2014، القريب من الجسر المفتتح أخيرا، والواقع على المدخل الشمالي لمدينة دير الزور، والذي بني عام 1967 ويبلغ طوله 400 متر، وكان رئيسا لمرور الحافلات، ويعد شريانا حيويا يربط جزئي المدينة.
وأمام هذه المعطيات تبقى الدلالات السياسية والاقتصادية لافتتاح جسر دير الزور في هذا التوقيت هي الأعلى كعبا، من ناحية الفوائد التي سيجنيها النظام السوري في مد جسر مؤقت إلى أقرب نقطة نفوذ لقوات "قسد".
وهناك جملة من الدوافع الرئيسة لافتتاح الجسر، في مقدمتها "تسهيل عملية تبادل السلع وخصوصا القمح والنفط من مناطق قوات قسد التي تستولي على هاتين الثروتين إلى مناطق الأسد".
ويلجأ الفلاحون في مناطق قسد للتجار وأمراء الحرب لبيع محصول القمح بأسعار أعلى، لا سيما أن حجم المساحات المزروعة بالقمح المروي في محافظة الحسكة تقدر بحوالي 125 ألف هكتار، بينما يقدر إنتاجها بنحو 300 ألف طن.
وتسيطر مليشيا "ي ب ج" الكردية العمود الفقري لقسد، على 83 بالمئة من مساحة الحسكة الغنية بالنفط والأرض الزراعية، والنظام السوري على 4 بالمئة فقط، بينما تسيطر قوات المعارضة على 8 بالمئة، ويتبقى 5 بالمئة كمنطقة مشتركة بين النظام وقسد، وفق إحصائية لتوزيع السيطرة لمركز عمران للدراسات الإستراتيجية.
ووفقا للحكومة السورية المؤقتة التابعة للمعارضة، فإن "قسد" المدعومة أميركيا، تسيطر على قرابة 90 بالمئة من حقول النفط، و45 بالمئة من إنتاج الغاز بسوريا.
كما يعد هذا الجسر، وفق خبراء اقتصاديين، إسعافيا بامتياز للنظام السوري، لزيادة العائدات المادية عبر فرض الإتاوات المالية ورسوم العبور على المدنيين وسياراتهم، لكون الأهالي سيفضلون التنقل عبره بدلا من القوارب والعبارات المائية.
رسالة أمنية
وتؤكد شبكة "الشرقية 24" لـ "الاستقلال"، أن "النظام السوري يسعى لاستثمار الجسر تجاريا من خلال نقل البضائع والمواشي وأهالي القرى والبلدات الواقعة بريف محافظة دير الزور الشمالي وتخفيف مخاطر الانتقال عبر العبارات المائية".
وأشارت الشبكة إلى أن "الرسالة الأمنية كانت واضحة بحضور مدير مخابرات النظام السوري اللواء حسام لوقا لمراسم افتتاح الجسر والذي يركز اهتمامه على منطقة دير الزور بهدف تحقيق أي اختراق في مسألة كسب الثقل العشائري في مناطق قسد عبر جر أبنائهم للدخول في تسويات أمنية مع النظام".
وألمحت الشبكة إلى أن "النظام السوري مدد فترة تلقي تسويات المدنيين المطلوبين والعسكريين الفارين والمتخلفين عن الخدمتين الإلزامية والاحتياطية في مركز التسوية الأمنية بمدينة دير الزور، وبذلك سيكون الجسر بمثابة تسهيل لتأمين وصول الشباب من مناطق قسد وعودتهم بسهولة دون أي صعوبات كما في السابق عبر القوارب والعبارات المائية المأجورة والمراقبة من قوات قسد خلال عبورها الضفتين".
ولفتت "الشرقية 24"، إلى أن "النظام السوري يحاول تحقيق منفعة على صعيد زراعة المحاصيل الإستراتيجية وخاصة القمح بعد حرب أوكرانيا عبر دعم مزارعين جدد في مناطق قسد ومدهم بالأسمدة ومستلزمات الزراعة، لكون تلك القرى يتوفر فيها المازوت بشكل أكبر وأرخص نظرا لوجود حراقات بدائية".
وتنبع خصوصية الضفة اليسرى من نهر الفرات التي تسيطر عليها قسد بشكل شبه كامل عدا عن تركز معظم الثروة النفطية فيها والثقل العشائري، هو احتضانها لمناهضين فارين من بطش أجهزة النظام السوري على مدى العقد الأخير.
ورقة العشائر
وهناك صراع خفي يدور بين النظام السوري وقسد دفع الأخيرة إلى محاولة تحشيد العشائر العربية حولها، لا سيما أن الطرفين يخوضان مفاوضات برعاية روسية لكنها متعثرة، بهدف إيجاد حل لمستقبل مناطق قسد.
وكشف زعيم قسد مظلوم عبدي، في 17 ديسمبر/كانون الأول 2021 عن عرض تلقاه من نظام الأسد، يمنح قواته بموجبه استقلالية تامة بإدارة المناطق الكردية في شمال شرقي سوريا، شريطة انسحابها من المناطق العربية وتسليمها للنظام.
لكن ومع حالة الخلاف الظاهر بين النظام السوري وقسد، إلا أن القاسم المشترك بينهما هو ورقة العشائر، التي تعد الكفة الرابحة في ميزان القوى هناك.
ويرفض الأهالي أي اتفاق يبرم من وراء ظهورهم بين قسد والنظام السوري حول مصير مناطقهم، مفضلين بقاءها على وضعها الراهن تحت نفوذ قسد لأخف الضررين، على أن تصبح بين ليلة وضحاها تحت سيطرة النظام السوري، وبالتالي عودة أجهزته الأمنية بعد طردها لأكثر من تسع سنوات.
ولهذا فإن اللواء حسام لوقا بات دائم التردد على دير الزور منذ مطلع عام 2022، في محاولة لإحداث خرق في ولاء العشائر التي يتوزع أبناؤها على ضفتي نهر الفرات.
وفي 14 نوفمبر/ تشرين الثاني 2021، أعلن بشار الأسد عن تسوية شاملة خاصة بأبناء دير الزور، التي تقضي بحصول الشخص على بطاقة تسوية لمدة عام يستطيع التنقل بها دون التعرض له من قبل الحواجز الأمنية.
ووفق وسائل إعلام سورية محلية، فإن عشرة آلاف شخص أجروا عملية تسوية لأوضاعهم الأمنية من أهالي دير الزور منذ التاريخ المذكور آنفا.
لكن النظام السوري لم يغلق باب التسويات في دير الزور فهو يعول على جذب مزيد من الشباب والموظفين الموجودين في مناطق قسد.
إذ أعلنت وكالة إعلام النظام "سانا" في 24 إبريل 2022، تسوية أوضاع العشرات من المدنيين المطلوبين لأجهزة المخابرات والعسكريين الفارين في مركز التسوية بمدينة دير الزور.
وحاليا توجد معابر نهرية على نهر الفرات لتنقل المدنيين وتبادل البضائع والخضار بين ضفتي النهر، حيث تفرض عمولة مالية ربما تصل إلى ثلاثة أضعاف سعر البضاعة من كلفتها الأساسية لقاء السماح للتجار بنقل البضائع من مناطق الأسد إلى قسد.