بمنعه المؤقت لاقتحام الأقصى.. هل رضخ بينيت كنتنياهو أم حقق مكسبا؟

12

طباعة

مشاركة

جاء قرار الحكومة الإسرائيلية مساء 19 أبريل/نيسان 2022 بمنع اقتحام المستوطنين للمسجد الأقصى في العشر الأواخر من رمضان، بدءا من يوم 22 حتى نهاية الشهر، ليطرح معادلة الربح والخسارة بعد المواجهات.

القرار الإسرائيلي جاء بحجة انتهاء أيام عيد الفصح اليهودي، لكنه أيضا صدر عقب تهديدات المقاومة في غزة ببدء جولة حرب جديدة.

لذا طرُح سؤال: هل هو انتصار للفلسطينيين أم أن الإسرائيليين نجحوا في ترسيخ قاعدة التقسيم الزماني والمكاني للأقصى قبل قرار وقف الاقتحامات مؤقتا؟

من رأوا أن القرار انتصار للمرابطين والمقاومة في غزة، قالوا إن الاحتلال رضخ وتراجع، فيما يرى آخرون أن إسرائيل حققت بعض المكاسب خلال هذه الجولة من الاقتحامات و"ثبتت" حق المستوطنين المزعوم باقتحام الأقصى.

تحقيق الغاية 

عبد الله معروف، أستاذ دراسات بيت المقدس، ومسؤول الإعلام والعلاقات العامة السابق بالمسجد الأقصى، رأى أن إعلان حكومة نفتالي بينيت منع اقتحامات المتطرفين في العشر الأواخر من رمضان أنه "ذرٍّ للرماد في العيون".

وقال إن القرار "أخطر من الاقتحامات نفسها، لأنه يجعلها هي الأصل ومنعها هو الاستثناء".

ووصف الباحث في شؤون القدس "زياد ابحيص" الترويج لقرار بينيت إغلاق الأقصى أمام المقتحمين في العشر الأواخر من رمضان، على أنه إنجاز، بأنه "يحقق غاية الاحتلال تماما".

أوضح أن هدف الاحتلال كان تمرير اقتحامات الفصح بلا رد من المقاومة، لتكريس تقاسم الأقصى بوصفه مسجدا وهيكلا في الوقت عينه، ما يعني أن الإسرائيليين انتصروا عمليا.

ويقول مراقبون إن حكومة بينيت سعت إلى ضرب عصفورين بحجر، بحيث لا تمنع المستوطنين من اقتحام الأقصى لتقدم نفسها على أنها حكومتهم التي تدافع عنهم.

وفي الوقت ذاته الحرص على ألا تصل الأمور للاشتعال مع غزة من جديد فتتبعثر الأوراق داخليا، وينهار التحالف الحكومي الهش في ظل تجميد القائمة العربية الموحدة عضويتها في الائتلاف والبرلمان (الكنيست).

أي سعى بينيت لتصعيد محدود داخل المسجد الأقصى، لا يتطور إلى حرب مع غزة، وتفادي الذعر الإسرائيلي الذي حدث في رمضان 2021 حين انهالت على المستوطنين الصواريخ في معركة سيف القدس.

ورفعت المقاومة سقف التعامل مع الاحتلال بعد المعركة وفرضت معادلة "الصواريخ مقابل الاعتداء على القدس"، وربطت التهدئة بالأقصى مباشرة لإجبار الكيان على تغيير سلوكه، فحققت نصرا إستراتيجيا.

كانت صحيفة اليمين المتطرف "إسرائيل هيوم" أول من نشرت في 19 أبريل نبأ وقف الحكومة اقتحامات الأقصى بداية من الجمعة الثاني والعشرين من ذات الشهر، لكن لم يصدر بيان رسمي من الحكومة الاسرائيلية بذلك، ما أثار الشكوك.

أوساط فلسطينية شككت في الخبر لعدم تأكيده رسميا، ورأت أنه "عملية تخدير" للمرابطين لوقف التصعيد، والمقاومة في غزة، بعدما بدأت وضع يدها على الزناد.

لكن القناة السابعة الدينية "عاروتس شيفع" أكدت الخبر في نفس اليوم، وقالت إن الحكومة قررت أنه "لن يتمكن اليهود من الدخول إلى جبل الهيكل (الحرم القدسي) من يوم 22 أبريل حتى نهاية شهر رمضان".

صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" أوضحت في 20 أبريل أنه جرى تسريب الخطة إلى عدد من وسائل الإعلام العبرية بدلا من إعلانها رسميا خشية إغضاب المتطرفين اليمينيين الإسرائيليين، ولعدم تسجيل هدف حركة المقاومة الإسلامية حماس في مرماها بيدها.

أكدت أن الخطة تقوم على منع شرطة إسرائيل "غير المسلمين" من زيارة الحرم القدسي الشريف ومجمع المسجد الأقصى لمدة 10 أيام.

لكن حزب رئيس الوزراء "بينيت" اضطر لإعلان القرار رسميا حين هاجمه رئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو.

وأصدر حزب "يمينا" بيانا مساء 19 أبريل يؤكد فيه قرار منع الاقتحامات ويدافع عن بينيت، مؤكدا أن نتنياهو فعل الشيء نفسه ومنع اقتحام اليهود للأقصى لمدة 10 أيام حين كان رئيسا للوزراء عام 2021.

وعام 2021 أمر نتنياهو بإغلاق ساحة الأقصى أمام "غير المسلمين" لمدة 19 يوما خلال شهر رمضان. وتعرض لانتقادات شديدة.

دوافع القرار

وقد أكدت صحيفة يديعوت احرونوت 20 أبريل 2022 قرار الحكومة، "إغلاق باحات الأقصى أمام المقتحمين اليهود".

وذكرت أن "جماعات اليمين المتطرف اتهموا بينيت بالاستسلام لمثيري الشغب (المرابطين بالأقصى) وتسليم مكافأة للعدو"، رغم أن "هذا الحظر يجري تنفيذه عادة خلال الأيام العشرة الأخيرة من عطلة المسلمين كل عام"، بحسب الصحيفة.

وعقب عضو الكنيست الصهيوني المتطرف "إيتمار بن غفير" بالقول: "بينيت رفع الراية البيضاء واستسلم لحماس".

ووصف النائب اليميني المتطرف بتسلئيل سموتيرتيش، قرار بينيت بأنه "ضربة أمنية وهراء سياسي"، واستسلام لحماس والأردن وتركيا، وفق زعمه.

وقال إن بينيت اتخذ القرار أيضا بسبب اعتماد حكومته على حزب الحركة الإسلامية (القائمة الموحدة بزعامة منصور عباس)، وخشيته من انسحابه وانهيار التحالف الحاكم.

بحسب ما رصدته "الاستقلال" من تحليلات الصحف العبرية وخبراء فلسطينيين، يقف وراء القرار الإسرائيلي، أربعة أسباب:

السبب الأول: الخوف من انهيار الائتلاف الحاكم بعدما أعطي الحزب الإسلامي "القائمة العربية الموحدة" مهلة للحكومة لوقف الاقتحامات، وعلق عضويته بالائتلاف الحاكم والكنيست مؤقتا، وهدد بالانسحاب الكامل مع يعني انهيار الحكومة.

السبب الثاني: السعي لتفادي سيناريو معركة "سيف القدس" 2021، بعدما أبلغت حماس الوسطاء وأعلنت رسميا أن الاقتحامات ستؤدي للتصعيد، وأطلقت صاروخا تحذيريا على الأراضي المحتلة وصواريخ تجريبية في البحر.

والثالث: رغبة رئيس الحكومة الحالية بينيت، عدم إفساح المجال لخصمه نتنياهو بالعودة إلى السلطة، لو انهار تحالفه الحاكم.

وظهر هذا من السجال الكلامي بين بينيت ونتنياهو، على تويتر، وقلق الأول من عودة الثاني إلى مقعد الحكومة حال انهيارها.

فعقب صاروخ مقاومة غزة التحذيري، غرد نتنياهو في 18 أبريل قائلا: "يجب تشكيل حكومة يمينية قوية على الفور تعيد الأمن للإسرائيليين"، ورد عليه بينيت ساخرا، بأن ولايته شهدت نفس التصعيد.

قال له: "في ولايتك، أطلقت حماس 13000 صاروخ سقطت على رؤوس الإسرائيليين، ونفذت 1500 هجوم، وأحرقت 45000 دونم من حقولنا، وقتلت 238 إسرائيليا وجرحت 1700، وأنتم نقلتم حقائب الدولار إلى الحركة، وهذه سياستك الفاشلة".

أما السبب الرابع: فهو الرغبة في تفادي تراجع موجة التطبيع العربية الرسمية وعدم تأثيرها باشتعال الوضع في الأقصى، بعدما أحرج المرابطون حكام التطبيع العرب أمام شعوبهم.

فقد أزعج أميركا وإسرائيل، استدعاء الإمارات السفير الإسرائيلي في أبو ظبي للاحتجاج على ما يحدث في القدس، وإعلانها عدم مشاركة طائراتها في احتفال ما يسمى "عيد الاستقلال الإسرائيلي"، وهو ذكرى اغتصاب فلسطين، بعدما أعلنت تل أبيب سابقا مشاركة الدولة الخليجية.

"عندما يتعلق الأمر بالمسجد الأقصى والقدس، فإن حرية المناورة لحكام دول التطبيع العربية لا تزال محدودة للغاية"، هكذا أكد المحلل الإسرائيلي "عاموس يادلين" لقناة N12 العبرية في 20 أبريل.

أضاف: "اختار أصدقاء إسرائيل، دون استثناء، إدانتها واتهامها باجتياح المسجد الأقصى، واستخدام القوة ضد المصلين الأبرياء، والاستفزاز المتعمد في محاولة لتقويض الوضع الراهن".

قلق ومكسب

ويرى مراقبون أن القلق الأميركي مبعثه التخوف من تحويل أي تصعيد في القدس وغزة الانتباه عن أزمة أوكرانيا وحصار روسيا، وكذا القلق من تأثير الأزمة على التطبيع.

وانعكس هذا الخلاف الأميركي الإسرائيلي بشأن التصعيد في القدس في الحوار المتوتر بين "بينيت" مع أشهر كريستيان آمانبور إعلامية في شبكة "سي إن إن" حين قال لها "أنتِ تكذبين"، وردت عليه "لا تقول إنني أكذب" بعدما سألته عن تسبب الاستيطان في التوتر.

قالت له إن "العالم يعتبر الاستيطان اليهودي في الضفة الغربية غير قانوني"، وأجاب بينيت وهو في حالة توتر شديد: "هذه ليست أراض محتلة، إنها مناطق عليها خلاف".

ولم تستسلم المذيعة وأجابت بحزم: "لقد قال قائد كبير في جيشك لصحيفة نيويورك تايمز إنه قلق بشأن إرهاب المستوطنين".

وبعدما تردد وصول محمود نجل رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي إلى تل أبيب لمحاولة منع حرب مع غزة، بطلب أميركي، أكد موقع "واللا" 20 أبريل أن مبعوثين أميركيين زاروا إسرائيل والأردن ومصر والسلطة الفلسطينية.

الموقع العبري أوضح أنه جرى إرسال الوفد بقرار من وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن لمنع تصعيد أزمة المسجد الأقصى لأن "هناك خوفا كبيرا من التوترات في المنطقة وخطر تصاعدها إلى مواجهة عنيفة أوسع".

وقد أشار لهذا القلق الإسرائيلي على مستقبل التطبيع "امنون لورد" بصحيفة "إسرائيل اليوم" 20 في أبريل في مقال بعنوان: "ثمن ضبط النفس: إسرائيل تخسر في الحملة السياسية".

وذكرت صحيفة يديعوت أحرونوت في 20 أبريل أن منع الاقتحامات جاء بعد "توتر العلاقات الإسرائيلية مع كل من الإمارات العربية المتحدة والأردن".

وشكل قرار إسرائيل تعليق الاقتحامات لساحة المسجد الأقصى، ومنع مسيرة أعلام المستوطنين، مكسبا لصمود المرابطين، وللمقاومة في غزة معا.

وسائل الإعلام العبرية وصفت تراجع الاحتلال بأنه "هزيمة تتلوها هزيمة"، بعد عام واحد فقط من معركة سيف القدس مع الفصائل الفلسطينية، مؤكدة أن "غزة ستُسجل نصرا جديدا اسمه "ممنوع مسيرة الأعلام في مدينة القدس".

مكسب المقاومة الأهم هو لجم سلوك حكومة بينيت بالردع الفلسطيني، الذي أثبت أنه لا يزال يعمل بكفاءة معقولة، وينجح في تحديد قواعد الاشتباك، ويعني أن حماس ثبتت معادلة الردع (غزة – القدس).

بالمقابل يشكل استمرار اقتحام المستوطنين وقوات الاحتلال لساحة الأقصى بعد هذا القرار لعدة أيام أخرى، وأداؤهم الصلوات اليهودية وضرب المرابطين محاولة من بينيت لإظهار أنه لم يرضخ للمرابطين ولا لمقاومة غزة، وأنه هو من اتخذ القرار.

مع هذا يرى محللون إسرائيليون أن حكومة بينيت لم تجيد "إدارة الصراع"، ما يعني فشلها في الأزمة الأخيرة التي لا تزال احتمالاتها مفتوحة.

رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي الأسبق، غيورا آيلاند، تساءل في مقال نشرته "يديعوت أحرونوت" في 20 أبريل: "لماذا لم يسحب البساط ولو جزئيا، تحت كل أولئك الذين يقاتلون ضدنا؟"

أكد أنه كان على رئيس الوزراء أن يعلن بوضوح للجميع فلسطينيين وعربا وأجانب إن إسرائيل ملتزمة بـ "الوضع الراهن"، أي عدم تغيير أي شيء فيما يخص الوضع بالمسجد الأقصى، أي زيارة المستوطنين فقط دون الصلاة فيه.

قال إنه كان يجب إدراك المصالح التي يسعى لها اللاعبون المختلفون على الساحة، سواء حماس أو الأردن، واللاعبون الإقليميون (الدول العربية والإسلامية) وما يمثله المسجد الأقصى والقدس عموما بالنسبة لشعوبهم، بالإضافة إلى الفلسطينيين.

شدد على ضرورة "إدارة الصراع" بحساسية وحذر عاليين، لأن "عدم توخي الحذر سيؤدي إلى السقوط".