"قفل المخلب".. ما سر توقيت العملية العسكرية التركية في شمال العراق؟
في عملية أطلقت عليها اسم "قفل المخلب"، شنت تركيا في 17 أبريل/ نيسان 2022، هجوما عسكريا موسعا على مناطق شمال العراق ضد حزب العمال الكردستاني "بي كا كا" الذي تصنفه أنقرة على لوائح الإرهاب، وذلك بمشاركة القوات الجوية والبرية التركية.
وأعلن وزير الدفاع التركي خلوصي آكار، في بيان رسمي، قصف أهداف وملاجئ ومخازن ذخيرة لمسلحين أكراد في شمال العراق، مشيرا إلى أن قوات خاصة شاركت في العملية العسكرية، وذلك بعد قصف أهداف بطائرات حربية وهليكوبتر ومسيرة تركية أهدافا لمسلحين أكراد.
العملية العسكرية أثارت تساؤلات كثيرة بخصوص توقيتها والأهداف التي تسعى أنقرة إلى تحقيقها، وذلك بعد عمليات "المخلب" الأربع التي أطلقتها القوات التركية في مناطق شمال العراق منذ مايو/ أيار 2019.
منطقة عازلة
وتعليقا على أهداف العملية العسكرية، قال الباحث المختص في الشأن التركي محمود علوش إن "هذه العملية مكملة للعمليات الأخرى التي نفذتها تركيا في هذه المنطقة منذ عام 2016 وتهدف بشكل رئيس إلى إبعاد مقاتلي الحزب عن الشريط الحدودي وإنشاء منطقة آمنة بعمق 40 كيلومترا".
وأوضح علوش لـ"الاستقلال": "يلاحظ استخدام الطائرات بدون طيار ومروحيات أتاك وأسلحة أخرى بشكل أكبر من معظم العمليات الأخرى التي كانت ترتكز بشكل رئيس على الضربات المدفعية وضربات الطائرات المسيرة".
وأشار إلى أن "العملية الحالية تتركز في منطقة زاب التي تكتسب أهمية كبيرة بالنسبة لحزب العمال الكردستاني حيث القوة والنفوذ والدعاية التي يمارسها. تطهير منطقة زاب سيضعف وجود الحزب في مناطق أفاشين وباسيان وماتينا".
ولفت علوش إلى أنه "في العادة، يكون حزب العمال الكردستاني أكثر نشاطا في فصل الربيع. لذلك، فإن هذه العملية مهمة للقضاء على قدراته".
من جهته، قال الكاتب التركي إسماعيل ياشا خلال مقال نشرته صحيفة "عربي 21" في 20 أبريل 2022 إن "العملية العسكرية تهدف بالدرجة الأولى إلى تطهير منطقة "زاب" من الإرهابيين، لتكتمل المنطقة العازلة على الحدود وتحول دون تسلل الإرهابيين من شمال العراق إلى الأراضي التركية".
وأوضح ياشا أن "القوات التركية ضيقت في السنوات الأخيرة الخناق على المنظمة الإرهابية في أراضيها، ما أدى إلى فقدان الإرهابيين قدراتهم على التحرك داخل الحدود، إلا أن إنهاء خطر الإرهاب الانفصالي يتطلب القضاء على أوكاره في شمال سوريا وشمال العراق".
وتابع: "ومن المؤكد أن هذه العملية الأخيرة ستقرب تركيا من الوصول إلى هدفها النهائي في شمال العراق، وستكسر الأقفال التي تغلق طريق الجيش التركي وتمنعه من الوصول إلى جبال قنديل، ليهدم معسكرات حزب العمال الكردستاني على رؤوس قادة المنظمة الإرهابية"، وفق تعبيره.
أبعاد مختلفة
ورأى علوش أن "توقيت إطلاق العملية مهم إذ يأتي في ظل فراغ حكومي في بغداد وانشغال عالمي بأزمة أوكرانيا".
ويبدو أن أنقرة تسعى لاستثمار هذين الأمرين من أجل إعطاء زخم لعملياتها العسكرية في شمال العراق، وفق قوله.
وأشار إلى أنه "قد تمهد هذه العملية الباب أمام تحرك عسكري مشابه ضد الوحدات الكردية في شمال سوريا في الفترة المقبلة".
ونوه إلى أن "زيارة رئيس وزراء كردستان العراق (مسرور البارزاني) لتركيا قبل العملية (بثلاثة أيام) يشير على الأرجح إلى تنسيق بين الجانبين بخصوصها"، في إشارة إلى اجتماع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بحضور رئيس المخابرات هاكان فيدان معه.
أما على مستوى انعكاس العملية العسكرية على الداخل التركي، فقد رأى الباحث علوش أن "أردوغان سيكون مستفيدا من فرض مكافحة الإرهاب على الأجندة السياسية الداخلية مع اقتراب الانتخابات الرئاسية في تركيا".
وفي السياق، قال الكاتب إسماعيل ياشا إن "الظروف الدولية والإقليمية مواتية لتنفيذ مثل هذه العملية، في ظل انشغال روسيا بعمليتها العسكرية في أوكرانيا، واكتشاف الولايات المتحدة والدول الأوروبية من جديد أهمية تركيا ودورها الإستراتيجي في حلف شمال الأطلسي (الناتو)".
ولفت إلى أن "العملية العسكرية الواسعة التي تشارك فيها مروحيات "آتاك" الهجومية والمسيرات المسلحة، بالإضافة إلى الطائرات الحربية، جاءت بعد اللقاءات التي جمعت المسؤولين الأتراك والأكراد".
وأوضح ياشا أن "استقبال أردوغان لرئيس وزراء إقليم كردستان العراق، في مكتبه بإسطنبول، بحضور رئيس الاستخبارات الوطنية التركي، يؤكد أن الجيش ينفذ هذه العملية بعلم حكومة الإقليم وموافقتها والتنسيق معها".
ملف الغاز
ويرى الكاتب التركي، هدفا آخر للعملية العسكرية في الوقت الحالي، بالقول إن "العلاقات بين أنقرة وأربيل تشهد في الأيام الأخيرة تقاربا لافتا يهدف إلى التعاون في مجال الطاقة في إطار المصالح المشتركة".
وتسعى أربيل إلى تصدير الغاز الطبيعي من الإقليم إلى أوروبا عبر خطوط الأنابيب التي تمر من الأراضي التركية، في ظل حاجة الدول الأوروبية إلى إيجاد بدائل للغاز الروسي، وفق قوله.
ونوه ياشا إلى أن "إيران مستاءة من التقارب بين تركيا وأكراد العراق عموما، ومن مشروع نقل الغاز من الإقليم إلى أوروبا على وجه الخصوص. وبالتالي، يمكن قراءة الانتقادات الموجهة إلى أنقرة من أطراف عراقية موالية لطهران في هذا الإطار".
وفي السياق، قال الخبير العسكري التركي، إسماعيل حقي بيكين خلال تصريحات صحفية في 18 أبريل 2022، إن "جزءا من العملية الحالية قد يكون مرتبطا بضرورة "تأمين أنابيب النفط والغاز في الإقليم باتجاه تركيا"، مضيفا: "يجب ضمان الاستقرار حتى يمر الغاز الطبيعي".
وبحسب ما قال المحلل السياسي العراقي كاظم ياور في 18 أبريل فإن مسألة الغاز والخطوط، تحتاج إلى استقرار المنطقة الحدودية مع تركيا، وإبعاد أي خطر من جانب مقاتلي "حزب العمال الكردستاني".
وأضاف ياور أنه "قبل أي ضغط على تركيا في هذا الملف، تحاول تنظيف هذه المناطق من الجماعات لكي لا تكون مصدر ضغط وقلق في المرحلة المقبلة".
وفي أواخر شهر مارس/آذار 2022، كان رئيس وزراء كردستان العراق، مسرور بارزاني، قد قال إن الإقليم لديه القدرة لتعويض بعض من نقص الطاقة، على الأقل في أوروبا.
وأكد البارزاني، خلال مؤتمر للطاقة في دبي، أن كردستان العراق سيصبح قريبا مصدرا مهما للطاقة، وسيساهم في تلبية الطلب العالمي.
وأضاف: "سنصبح مصدرا صافيا للغاز إلى بقية العراق، وإلى تركيا، وإلى أوروبا في المستقبل القريب".
رسائل تركية
وعلى صعيد آخر، يرى ياور أنه "ربما تكون العملية العسكرية فيها رسالة للداخل العراقي أو لدول إقليمية وعظمى. هذه الدول تريد خلق بعض بؤر توتر لصالحها على الحدود التركية العراقية، وحتى الجانب السوري".
وأضاف المحلل السياسي أن "تركيا تعطي رسائل لهكذا محاولات بأنها ستحافظ على أمنها القومي والاقتصادي مع العراق". ولم يسم ياور هذه الدول الإقليمية، بينما يشير سياق حديثه إلى الطرف الإيراني.
وتابع: "هذه الدول الإقليمية لديها بعض الأذرع في الداخل العراقي عن طريق الإعلام أو على أرض الواقع، وتحرك عناصر حزب العمال لاستهداف مصالح تركية وعراقية".
من جهتها، رأت الكاتبة التركية هاندا فرات خلال مقال نشرته صحيفة "حرييت" المحلية في 19 أبريل، أن الغرض الرئيس للعمليات العسكرية التي بدأت منذ ثلاث سنوات ضد منظمة العمال الكردستاني هو تحقيق "مفهوم 2023" الذي يعني فقدان المنظمة الكردية قدرتها التشغلية تماما حتى ذلك العام.
وأضافت أنه بعد القضاء على منظمة "غولن" داخل الدولة، فقد تحولت البيروقراطية الأمنية إلى نموذج "تدمير الإرهاب من مصدره"، والهدف الرئيس الآن هو "تحرير الحدود مع العراق بالكامل من هاكورك إلى الحدود مع سوريا".
وحول "مفهوم 2023" أشارت الكاتبة إلى أن الاستخبارات التركية تنفذ عمليات خاصة عبر الحدود تطال كبار مسؤولي المنظمة الكردية، وفي الوقت ذاته تكتشف القوات المسلحة وتدمر البنية التحتية واللوجستية للمنظمة.
واستدعى العراق السفير التركي لديه، علي رضا كوناي، على خلفية العملية العسكرية الأخيرة الواسعة النطاق الجارية داخل أراضية في إقليم كردستان شمالي البلاد، وجدد مطالبته بانسحاب كامل القوات التركية من الأراضي العراقية بنحو يعكس احتراما ملزما للسيادة الوطنية.
وقالت وزارة الخارجية العراقية خلال بيان صحفي في 20 أبريل إنها سلمت السفير التركي مذكرة احتجاج شديدة اللهجة، داعية إلى الكف عن مثل هذه الأفعال الاستفزازية، والخروقات المرفوضة، وفق تعبيرها.
وأشارت إلى أن العراق "يمتلك الحق القانوني لاتخاذ الإجراءات الضرورية والمناسبة وفقا لأحكام ميثاق الأمم المتحدة، وقواعد القانون الدولي إزاء أعمال عدائية وأحادية الجانب كهذه، إذ تجري دون التنسيق مع الحكومة العراقية".
ولفتت إلى أن "وجود معظم عناصر حزب العمال الكردستاني "بي كا كا" في شمال العراق قد جاء نتيجة لاتفاق بين الحكومة التركية والحزب المذكور، بالتزامن مع رفض واحتجاج بغداد لما نراه من تصدير لتحد داخلي تركي إلى أراضينا".
وفي 22 أبريل، ردت تركيا باستدعاء القائم بالأعمال المؤقت لجمهورية العراق في أنقرة، نازدار إحسان شيرزاد، على خلفية التصريحات العراقية الرسمية بشأن عملية "المخلب"، وسلمته مذكرة احتجاج.
وقال المتحدث باسم الخارجية التركية، تانجو بلغيتش، إن التصريحات العراقية "أزعجت أنقرة".