بين المعارضين ونظام الأسد.. ماذا وراء تصاعد الاغتيالات مجددا في درعا؟
.jpg)
تشهد محافظة درعا الواقعة جنوب سوريا، حربا غير معلنة بين بقايا المعارضة ونظام بشار الأسد منذ سيطرة الأخير عليها بشكل شبه كامل أواخر أغسطس/آب 2021.
وبقيت درعا مهد الثورة السورية التي تبعد عن العاصمة دمشق 120 كم، على صفيح ساخن منذ التاريخ المذكور آنفا، في مسعى من أجهزة مخابرات الأسد للقضاء على أي صوت معارض، ولا سيما بعد رفض شباب المحافظة الدخول في تسويات أمنية.
اغتيالات متبادلة
وانتهجت مخابرات الأسد بمساعدة من مليشيات إيران سلاح الاغتيالات والاعتقالات في محاولة لتصفية مقاتلين وقادة وشخصيات مدنية تتبع للمعارضة.
ولم تتوقف الاغتيالات بحق شخصيات لها ثقلها العسكري المحلي في عموم محافظة درعا، منذ التسوية الأمنية الأولى بين فصائل المعارضة والنظام السوري بوساطة روسية في يوليو/تموز 2018.
كما تصاعدت عقب التسوية الثانية التي أبرمت في سبتمبر/أيلول 2021، والتي شملت بعض عناصر الفصائل المحلية المعارضة، وجميع الشباب والمطلوبين لمخابرات الأسد في درعا، ومنحتهم بطاقات تمكنهم من التنقل وعدم التعرض لهم من قبل الحواجز الأمنية.
واللافت أنه في أبريل/نيسان 2022، بدأت درعا تشهد توترا ينذر بتصعيد جديد، وخاصة بعد موجة اغتيالات متبادلة بين المعارضة وقوات الأسد، فضلا عن محاولات اقتحام بلدات يتحصن بها مقاتلون معارضون مطلوبون لأجهزة المخابرات.
ورغم هذا الفلتان الأمني الشديد، لم يجر القبض على أي من منفذي عمليات الاغتيال هذه.
ونفذ مجهولون خلال أبريل 2022 نحو 15 عملية اغتيال قتل فيها مقاتلون من المعارضة وعناصر من مجموعة محلية تابعة للمخابرات الجوية وشخصيات مقربة من النظام.
إذ اغتيل أمين شعبة حزب "البعث الحاكم" في مدينة نوى غربي درعا "فريد محمد العمارين"، في 12 أبريل إثر استهداف سيارته بالرصاص من قبل مجهولين بالقرب من ساحة أبو السل وسط مدينة نوى.
وسبقه بساعات محاولة اغتيال عضو اللجنة المركزية لمدينة درعا التابعة للمعارضة السورية "عبد الناصر المحاميد" بعد انفجار عبوة ناسفة أمام منزله.
ويعد "العمارين"، من أشد الموالين للنظام السوري، إذ سبق له أن أنشأ مركزا للانتخابات الرئاسية للنظام في مقر شعبة "حزب البعث" وسط مدنية نوى.
كما اغتال مجهولون القاضي "محمد أمين شريفة" الذي يعمل مستشارا في محكمة الاستئناف المدني الواقعة في مدينة الصنمين، بإطلاق النار المباشر عليه في بلدة قيطة بريف درعا الشمالي في 17 أبريل.
وفي اليوم التالي اغتيل "محمد سمير النصار"، جراء استهدافه بإطلاق نار مباشر من قبل مجهولين في مدينة الصنمين شمالي درعا، وهو مدني لا ينتمي إلى أي جهة عسكرية.
وجرح عدد من قوات الأسد في 18 أبريل بعد استهداف مجهولين لسيارة عسكرية بالرصاص المباشر على الأوتوستراد الدولي "دمشق - درعا" بين مدينة إزرع وبلدة نامر شرقي درعا.
وذلك بالتزامن مع مقتل مساعد في قوات الأسد برصاص مجهولين قرب بلدة عقربا شمالي درعا.
كما لوحظ في درعا استهداف مجهولين لأشخاص يعملون في تجارة وترويج المواد المخدرة وقتل اثنين منهم في 13 أبريل. وتعد المحافظة بوابة العبور نحو الأردن المجاورة، ومنها إلى دول الخليج.
مخطط إيراني
وما تزال أجهزة مخابرات الأسد، تطارد قادة وعناصر المعارضة السورية في درعا ممن رفضوا الانخراط في عمليات التسوية الأمنية أو قبول تهجيرهم إلى الشمال السوري المحرر الخارج عن سيطرة النظام.
إذ نجا القيادي "محمد المسالمة" من محاولة اغتيال في 8 أبريل 2022 بعد استهدافه بعبوة ناسفة كانت مزروعة على جانب الطريق في حي البحار بدرعا البلد، وأصيب بجروح.
ويعد "المسالمة" من أبرز المطلوبين للأسد في المحافظة، وطالب النظام بتهجيره برفقة عدد من المقاتلين الذين يعملون بإمرته خلال حصار أحياء درعا البلد في يوليو 2021.
وأحصى مكتب توثيق الانتهاكات في "تجمع أحرار حوران" المعارض، خلال مارس/آذار 2022، 57 عملية ومحاولة اغتيال أسفرت عن مقتل 44 شخصا، من مدنيين وعسكريين ومقاتلين سابقين في المعارضة.
وفي منتصف مارس 2022 فشلت قوات الأسد باقتحام مدينة جاسم، واعتقال مقاتلين محليين مسجلين على قوائم المطلوبين لجهاز أمن الدولة، إذ أسفرت العملية عن مقتل وجرح أكثر من 10 بين عنصر وضابط في صفوف النظام، وعطب مجموعة من الآليات.
وتمكن المقاتلون من أسر خمسة عناصر من قوات الأسد، ليدخل "اللواء الثامن" بقيادة أحمد العودة، والتابع لمليشيا الفيلق الخامس الروسي، على خط الوساطة وخفض التصعيد.
وهو ما دفع النظام إلى نقل المسؤول عن فرع أمن الدولة في مدينة جاسم العميد "عقاب صقر عباس"، للخدمة في مدينة القامشلي شمال شرقي سوريا.
و"الفيلق"، هو تجمع لمقاتلين وفصائل معارضة من أبناء درعا، أسسه العودة رجل روسيا الأول في الجنوب السوري، عقب توقيع اتفاق التسوية مع موسكو بالمحافظة في يوليو 2018.
وتنظر موسكو إلى أحمد العودة على أنه همزة وصل مع بقايا فصائل المعارضة السورية هناك.
وفي هذا الإطار، أكد أيمن أبو نقطة الناطق باسم تجمع "أحرار حوران" لـ "الاستقلال"، أنه "هناك مخطط إيراني بدعم من أجهزة المخابرات السورية لإنهاء الحقبة الفصائلية الثورية في الجنوب السوري، سواء من انضم للفروع الأمنية بموجب التسوية أو من يرفض إلى الآن واستقر في بلدته الأم".
خلط الأوراق
ولفت أبو نقطة إلى أن "درعا تشهد عملية خلط للأوراق؛ إذ إن هناك عمليات اغتيال تطال شخصيات تعمل مع إيران من أبناء المحافظة ويجري التخلص منها، وهذا يندرج بالمقابل تحت وجود رغبة بالتخلص من الأسماء المرتبطة بطهران".
ومضى الناطق يقول: "إن كون درعا ذات تركيبة عشائرية، تحصل أحيانا عمليات تصفية مردها صراع عشائري أو خلافات معينة، لكن أطراف هذا الخلاف هم من المنخرطين في الأمن العسكري أو المليشيات الإيرانية".
ولذلك تصبح هذه الاغتيالات ضمن إطار الصراع الحاصل بشكل عام في المحافظة عقب تسوية عام 2021 وتغير المشهد السياسي فيها، وفق قوله.
ونوه أبو نقطة إلى أن "كثيرا من عمليات الاغتيال الحاصلة لا تكاد تعرف أسبابها الرئيسة، وهذا يضع الأهالي أحيانا في حالة استغراب وطرح تكهنات متعددة".
وقد تحصل الاغتيالات أحيانا نتيجة لخلافات غير معروفة تكون بإثارة من أجهزة المخابرات وإشغال بعض الأطراف بتصفية بعضها الآخر ضمن إطار الصراع على النفوذ داخل المحافظة.
وزاد بالقول: "لعل الجنوب السوري من أكثر المناطق التي تجعل لعاب الإيراني يسيل، خاصة بعد تخلي روسيا عن اللواء الثامن وإلحاقه بشعبة المخابرات العسكرية، ومعاملة عناصر الفيلق والقادة مثل المجندين عند النظام في باقي قطعاته العسكرية، مما يجعل مهمة طهران بحل اللواء أسهل من أي وقت مضى".
وتتهم التشكيلات العسكرية المحلية في درعا، ذات الأهمية الإستراتيجية على الحدود الجنوبية مع الأردن وإسرائيل، مخابرات بشار الأسد بتنفيذ الاغتيالات التي زادت منذ مطلع عام 2022.
ولا سيما أن تغطية إعلام النظام السوري الرسمي والممول منه تنحصر على تلك التي تطال قواته أو عناصر القوات الرديفة، مع اتهامات لما تسميها بــ "الجماعات الإرهابية" بالوقوف خلف تلك الحوادث.
تراخ روسي
وشكلت هذه الاغتيالات أولى بوادر إخلال النظام بضبط المشهد الأمني في المحافظة، لا سيما أن اللجنة الأمنية التابعة له جمعت منذ مطلع سبتمبر 2021 السلاح من الفصائل المحلية المعارضة.
وأشرف آنذاك على العملية مدير مخابرات النظام السوري اللواء حسام لوقا، الذي شهد بنفسه على سحب السلاح من أهالي درعا التي تفجرت منها الثورة في 18 مارس 2011.
ويقدر ناشطون محليون أن روسيا تمكنت من إجراء عمليات تسوية أمنية لما يزيد عن 14 ألف مطلوب للنظام بينهم 10 آلاف مدني منذ أغسطس 2021، لكن رغم ذلك فإن موسكو خففت من ضبط المشهد هناك.
وضمن هذه الجزئية يرى الصحفي السوري ياسر الرحيل أنه "عندما تخفت الأنظار عن محافظة درعا ترتفع حالات الاغتيالات، وهذا مرتبط بالحرب الروسية على أوكرانيا.
إذ إن "الضامن الروسي يتغاضى عن الاغتيالات التي تنفذها أجهزة مخابرات الأسد، والمليشيات الإيرانية والفرق التابعة لها".
وأضاف الرحيل لـ "الاستقلال"، أن "وجود صراعات بين المليشيات والأفرع الأمنية على السيطرة على الموارد الاقتصادية عبر المعابر والحدود في درعا هو أحد أسباب الاغتيالات الحاصلة".
ولفت الرحيل إلى أن النقطة الأهم أن "الاغتيالات التي تجري تستهدف أشخاصا يعارضون المشروع الإيراني في الجنوب السوري سواء من المقاتلين المعارضين المدرجين على قوائم الاغتيال لكون أخطر ما يواجه درعا حاليا هو الوجود الإيراني".
وذهب الرحيل للقول: "إن روسيا من سمحت بهذا الفلتان الأمني لأن ما يجري هو بعكس اتفاقية التسوية الأولى والثانية من التمدد الإيراني وعدم إخراج المعتقلين من سجون الأسد، بالتزامن مع عمليات اعتقال جديد تحصل على الأرض هناك، بما يشي برغبة روسية بفرض المزيد من السطوة الأمنية للنظام ومليشيات إيران".