انتحار إعلامي.. لوبوان: لهذا أغلق يسعد ربراب صحيفة "ليبرتيه" في الجزائر

قسم الترجمة | 3 years ago

12

طباعة

مشاركة

سلطت صحيفة "لوبوان" الفرنسية، الضوء على إغلاق صحيفة "ليبرتيه" الجزائرية الناطقة بالفرنسية في 14 أبريل/ نيسان 2022، منهية مسيرة امتدت ثلاثة عقود.

وأشارت الصحيفة إلى عدة أسباب رجحت وقوفها وراء قرار مالك الصحيفة، رجل الأعمال الثري يسعد ربراب، بينها رغبة الأخير في التخلص من الضغوط الحكومية المفروضة على جريدته.

ويسعد ربراب (77 عاما) ملياردير ومالك مجموعة سفيتال الصناعية العملاقة، ويحتل المركز الثاني في قائمة أثرياء العالم العربي، بثروة تقدر بنحو 5.1 مليارات دولار، وفق مجلة "فوربس" لعام 2022.

وفي مطلع يناير/ كانون الثاني 2020، قضت محكمة جزائرية بسجن ربراب، 18 شهرا منها 6 أشهر نافذة وغرامة مالية بمليار دينار (أكثر من 8 ملايين دولار)، في قضية فساد ضرائب، ما وصف حينها بمعركة مع الجنرالات.

الصفحة الأخيرة

وجاء في الصفحة الأولى للعدد الأخير من الصحيفة أنه "بعد 30 عاما من المغامرة الفكرية، تنطفئ ليبرتيه، التي حملت مثل الديمقراطية والحرية وشكلت لسان حال الجزائر".

من جانبه، قال يسعد ربراب في بيان نشرته الصحيفة "إلى المواطنين وأصدقاء الصحيفة الذين أعربوا عن رغبتهم في استمرار نشرها، وإلى أولئك الذين لم يفهموا الأسباب (لإغلاقها)، أؤكد أن وضعها الاقتصادي لا يتيح لها سوى مهلة وجيزة".

وبعد بروز تجارب عدة مع انفتاح المشهد الإعلامي على القطاع الخاص في نهاية الثمانينيات، شهدت الجزائر توقف منشورات، بينها "لوماتان" و"لاتريبون" و"لاناسيون" على مدى الأعوام العشرين الماضية بسبب ضعف عائدات الإعلانات وانخفاض المبيعات.

ويأتي إغلاق صحيفة "ليبرتيه" في ظل ظروف صعبة تمر بها الصحافة الجزائرية مع ملاحقة أو إصدار أحكام قضائية بحق عشرات الصحافيين، لا سيما بتهم التشهير بسياسيين أو بسبب منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي.

وأصيب الرأي العام الجزائري بصدمة شديدة جراء نهاية إصدار هذه الصحيفة ذات الشعبية الكبيرة.

ويقول أحد المسؤولين عن إصدار هذه الصحيفة وهو لا يخفي مرارته إنه "في خمس دقائق فقط، دفن مالك الصحيفة مغامرة استمرت ثلاثين عاما". 

ووقف مئة مثقف التماسا من أجل عدم حل الصحيفة، جاء فيه أن "ليبرتي، التي اندمج تاريخها مع تاريخ الجزائر المعاصرة، تبنت بالكامل منذ إنشائها قيم التقدم والحداثة والدفاع عن مصالح المواطنين والوطن.

وأشارت "لوبوان" إلى أن "ليبرتيه دفعت ثمنا باهظا خلال العقد المظلم الدموي في التسعينيات لإبقاء الجمهورية الجزائرية قائمة، ولها أربعة شهداء ذهبوا في سبيل الحرية والديمقراطية".

ونقلت عن عاملين بها أنهم فوجئوا بقرار ربراب لأن "يأتي في وقت باشرت فيه الصحيفة سلسلة إجراءات تهدف إلى التعافي بسبب الوضع الاقتصادي للشركة المالكة لها، وتم تنفيذ خطة اجتماعية وافتتاح موقع إلكتروني جديد".

علاوة على ذلك، لا يزال لدى شركة النشر موارد مالية كافية للسماح لها بالاستمرار في الوجود.

انتحار صحفي

من جهتها، عدت النقابة الوطنية الجزائرية للصحفيين قرار الإغلاق "انتحاريا" وقالت إنها "صدمت" بقرار ربراب "وضع حد، بفظاظة ووحشية ودون قلق لركيزة الصحافة الجزائرية والنضال من أجل انتصار القيم الديمقراطية والجمهورية، أحد الأسوار ضد الظلامية لمدة ثلاثة عقود ".

وطوال الأيام الأخيرة تضاعفت الدعوات لإقناع رجل الأعمال بإعادة النظر في قراره لكن دون أي جدوى. 

حتى أن لويزا حنون، رئيسة حزب العمال اليسارية، بعثت بنداء إلى ربراب تقول فيه: "لا تنسوا أن أطفالنا، الأجيال الصاعدة ستحكم على كل من ساهم، طوعا أو قسرا في ظهور الأسوأ على المستوى الصحفي، لأن إغلاق صحيفة ليبرتيه اليومية يمكن أن يكون فيه نوع كبير من التهجم، لذا أعد النظر في قرارك".

وأشارت الصحيفة الفرنسية إلى أن هناك سيناريو آخر يتداول بشأن قرار الإغلاق هذا.

فبالنسبة لرئيس حزب "التجمع من أجل الثقافة الديمقراطية"، العلماني المقرب من ربراب، فإن القرار بإغلاق صحيفة ليبرتي يبدو وكأنه عرض للسلطة لإعادة النظر في الحظر المفروض على الصادرات التي تكون مادتها الخام مستوردة من قبل الدولة.

وتحسبا لشهر رمضان ومخاطر النقص، قررت السلطات حظر تصدير بعض المنتجات الغذائية، مثل السكر والزيت، والتي تعد مجموعة سيفيتال، المنتج والمصدر الرئيس لهما. 

حتى أن المجموعة اضطرت إلى إغلاق إحدى مصافي السكر التابعة لها البالغ عدد موظفيها 800 في بجاية (شرق الجزائر).

لكن بالنسبة لأحد المسؤولين التنفيذيين في صحيفة ليبرتي، فإن قرار ربراب "ليس نتاجا لمقتضيات اقتصادية أو ضغط من السلطة السياسية".

وقال موظف سابق في المجموعة كان يخطط لتقاعده من الساحة العامة ومن إدارة سيفيتال منذ فترة: "يريد ربراب أن يترك لأبنائه إمبراطورية صناعية مسالمة، لأنه بالنسبة له، تسببت جريدته في كل المشاكل التي واجهها، وفي نفس الوقت لم يرغب في التأثير على الخط التحريري أكثر من اللازم". 

وأضاف أن ربراب عرف منذ فترة طويلة التداعيات السلبية لامتلاك صحيفة مستقلة وناقدة، لكنه الآن يرمي ذلك العبء من على كتفيه.

صدمة السجن

ونقلت الصحيفة الفرنسية عن أحد المقربين من ربراب أنه و"لعقود من الزمان، وقف في وجه النظام، وخاصة نظام بوتفليقة وأوليغارشيته، وكان لديه طموحات دولية، والتقى بالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عدة مرات، وأطلق مشاريع في البرازيل، وإيطاليا، وفرنسا".

وحرصا على أن يكون رجلا ذا نفوذ، كان ربراب حريصا على "طفله"، ليبرتي، وكان يطمح في عام 2016 إلى شراء صحيفة يومية رئيسة أخرى، قبل أن يوقفه بوتفليقة بوحشية.

ويوضح مسؤول تنفيذي سابق في سيفيتال: "لقد قاوم كل شيء، هجمات الأوليغارشية، وعرقلة مشاريعه في الجزائر وكذلك في الخارج بسبب إجراءات تحويل العملات". 

ويستدرك: "لكن الضربة القاتلة بالنسبة له كانت سجنه، إذ خرج من هناك كما لم يكن قبلها".

وفي 22 أبريل 2019، في خضم الحراك الشعبي، تم القبض على ربراب بتهمة ارتكاب مخالفات ضريبية ومصرفية وجمركية.

وقالت "لوبوان"، إن ربراب دفع ثمن كونه أحد رعايا عشيرة استهدفت من قبل الرجل القوي في الوقت الحالي، رئيس أركان الجيش الذي توفي في ديسمبر 2019، أحمد قايد صلاح، في خضم فترة انتقالية معقدة بعد سقوط بوتفليقة.

وأضافت: "لم يتوقع ربراب مثل هذا التحول".

بعد أن حكم عليه بالسجن، أفرج عن الملياردير في 1 يناير 2020 بعد أن أمضى ثمانية أشهر في الحبس الاحتياطي.

وتغير كثيرا عندما خرج من السجن ولم يعد يريد الظهور علنا أو الإدلاء بتصريحات. 

وكما يقول صحفي يعرفه جيدا، "بدأ مثل البطريرك القلق على مستقبل أبنائه، بالتخطيط لتقاعده منذ تلك اللحظة".

فاختفى ربراب عن الرادار، متهما السلطة بالتردد في دعم استثماراته الخاصة الكبيرة، ليتمكن أخيرا من التفاوض معهم بشأن الإفراج عن استثماراته كما كان الحال بالنسبة لـ"مشاريعه الزراعية الضحمة.

إذ يبلغ حجمها 400 ألف هكتار مخصصة لزراعة بنجر السكر وعباد الشمس.

ويشرح مسؤول تنفيذي سابق في الصحيفة بالقول: "أود أن أقول إن الضغوط السياسية عليه أقل قوة نسبيا مما كانت عليه في عهد بوتفليقة، لكن لا هو ولا ورثته، الذين يستعدون لتولي سيفيتال، لديهم رغبة في المواجهة وجها لوجه". 

وأضاف أنه يريد أن يغادر بسلام لكنه يدفن معه الحرية.

على الجانب الآخر، قالت الصحيفة إن ربراب يوصف في نفس الوقت بأنه "انتهازي" و "لا يهتم حقا بما تمثله صحيفة مستقلة" أو على أي حال "لا تعني له حرية الصحافة إلا القليل في مواجهة الشروط التي تفرضها عليه السلطة".

ويوفر الاختفاء المفاجئ لليبرتيه معلومات عن هشاشة النموذج الاقتصادي والإداري للصحافة الخاصة في الجزائر.

ويتوقع رئيس تحرير سابق من الجزائر العاصمة، اختفاءا وشيكا لصحيفة يومية مرجعية أخرى، هي الوطن، لأنها تعاني من صعوبات مالية هائلة.