حوار وهمي بعد استشارة مرفوضة.. ما القادم في جعبة قيس سعيد؟

زياد المزغني | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

خلال لقاء جمعه بوفد من البرلمانيين الأوروبيين في 11 أبريل/نيسان 2022، رأى الرئيس التونسي قيس سعيد أن الحوار الوطني قد انطلق فعلا وسيكون على قاعدة نتائج الاستشارة الإلكترونية، من أجل الإعداد لتنظيم الاستفتاء وإجراء الانتخابات التشريعية نهاية ذات العام.

تصريح قيس سعيد قوبل باستغراب كبير من مؤيديه قبل معارضيه، حيث لم يجر الرئيس التونسي سوى لقاء يتيم مع عدد من المنظمات الوطنية غلب عليه الجانب البروتوكولي ولم يتطرق إلى أي من القضايا التي تهم التونسيين.

تضاعف استغراب الجميع في تونس من إصرار قيس سعيد على الاعتماد على نتائج الاستشارة الإلكترونية التي لم يشارك فيها سوى 5 بالمئة من التونسيين.

في حين يرى معارضو قراراته "الانقلابية" منذ 25 يوليو/تموز 2021، أن الحوار الذي يقصده الرئيس هو مجرد إضفاء مشروعية مفقودة لخريطة الطريق التي فرضها على التونسيين وستنتهي بتركيز حكم استبدادي يلغي أي مؤسسات رقابية في الدولة ويجمع السلطات في قبضته. 

ومنذ ذلك التاريخ، تعيش تونس أزمة سياسية حادة، حيث قرر سعيد تجميد اختصاصات البرلمان، ورفع الحصانة عن النواب، وإقالة رئيس الحكومة، وتولى السلطة التنفيذية وعين نجلاء بودن المقربة منه رئيسة للحكومة، وأصدر أوامر بإقالة مسؤولين وتعيين آخرين.

ورفضت غالبية الأحزاب هذه التدابير، وعدها البعض "انقلابا على الدستور"، وتمهيدا لعودة الاستبداد وحكم الفرد، بعد ثورة شعبية أطاحت بنظام الرئيس الراحل، زين العابدين بن علي (1987-2011)

بينما أيدت أحزاب أخرى تلك التدابير، معتبرة أنها "تصحيح للمسار"، في ظل أزمات سياسية واقتصادية وصحية (جائحة كورونا).

حوار وهمي 

قبل أن يستمع إلى أحد أو يتبادل الأفكار حول مختلف القضايا التي عدها سابقا محور بحث داخل حوار وطني مختلف عن الحوارات السابقة، أعلن سعيد أن "التصويت في الانتخابات البرلمانية في 17 ديسمبر/كانون الأول 2022، سيكون في دورتين، وعلى الأفراد وليس على القوائم" بحسب ما جاء في الاستشارة الوطنية.

ومنتصف يناير/ كانون الثاني 2022، انطلقت الاستشارة الوطنية على منصة إلكترونية، بهدف تعزيز مشاركة المواطنين في عملية التحول الديمقراطي وفق الرئاسة، بينما دعت قوى معارضة إلى مقاطعتها.

وهذه الاستشارة دعا إليها سعيد لجمع آراء المواطنين حول مواضيع سياسية واجتماعية واقتصادية، بينما تقول قوى معارضة إن سعيد يمهد بها لإجراء تعديلات، لا سيما على الدستور، لتعزيز عملية جمع كل السلطات بيده.

وأكد سعيد على هامش زيارته ضريح الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة في الذكرى 22 لوفاته أنّ الهيئة العليا المستقلة للانتخابات هي التي ستشرف على الانتخابات، "لكن ليس بالتركيبة الحالية".

وأضاف أن "الشعب التونسي سيقول كلمته في الدستور الجديد والنظام السياسي خلال الاستفتاء يوم 25 يوليو 2022".

هذا التصريح جاء بعد أيام من لقاءات جمعت قيس سعيد بالمكتب التنفيذي للاتحاد العام التونسي للشغل تلتها لقاءات مماثلة بممثلي اتحاد الصناعة والتجارة ورئيس رابطة حقوق الإنسان ورئيس اتحاد المرأة راضية الجريبي. 

واللقاءات جاءت بعد يوم فقط على قرار قيس سعيد حل مجلس نواب الشعب إثر الجلسة العامة الافتراضية التي عقدها للتصويت على قرار بإنهاء الحالة الاستثنائية وكل القرارات الناتجة عنها بعد 25 يوليو 2021. 

مشروع الرئيس 

وفي حديث لـ"الاستقلال"، رأى المحلل السياسي التونسي بولبابة سالم أن "قيس سعيد يقصد أن الحوار انطلق بعد لقاءاته في الأيام الأخيرة مع المكتب التنفيذي للاتحاد العام التونسي للشغل وقيادة الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية ورئيسة الاتحاد التونسي للمرأة التونسية.

 والواضح أن رؤية الرئيس قيس سعيد للحوار الوطني تختلف عن الجميع وهو الذي رفض سابقا كل دعوات الحوار خصوصا من منظمات الشغل، وفق سالم.

وبين أن انطلاق الحوار يقصد به أنه انتهى قبل يبدأ، لأنه سيكون وفق مخرجات نتائج الاستشارة الوطنية التي أعلن عنها في 20 مارس 2022.

وأضاف سالم "هذه الاستشارة تحمل مضامين مشروع الرئيس قيس سعيد ورؤيته الشخصية حول النظام السياسي (الرئاسي) والقانون الانتخابي (الانتخاب على الأفراد في دورتين و ليس على القوائم) أي البناء القاعدي و الفكر المجالسي.

 وبين أن كل حوار سيكون لتزكية نتائج الاستشارة ولا يمكن أن يحيد عنها وهو ما يتنافى مع جوهر الحوار وأهدافه، وفق قوله.

وأكد المحلل السياسي التونسي أن "أولويات التونسيين اليوم معلومة لأن أسباب الأزمة الاقتصادية سياسية بالأساس".

ولفت إلى أن كل حوار وطني لا يعالج أسباب عدم الاستقرار السياسي خلال العشرية الماضية سيكون تمديدا للأزمة.

 ويتوافق الجميع أن القانون الانتخابي الحالي لا يسمح بتشكيل حكومة مستقرة كما لا يسمح للحزب الفائز بالانتخابات أن يحكم وهو ما ساهم في تكوين تحالفات هشة، وفق قوله.

ورأى أن "الإجراءات الموجعة التي يطالب بها صندوق النقد الدولي تستوجب توافقا وطنيا خاصة أنه يطلب موافقة الاتحاد العام التونسي للشغل والذي يرفض أن يكون عصا يضرب بها قوت الشعب ومصالحه كما صرحت بعض قياداته.

وقال نور الدين الطبوبي إن الاتحاد لا يعارض اتفاق الحكومة مع صندوق النقد الدولي شريطة تقاسم أعباء التضحيات وألا يدفع الإجراء التكلفة وحدهم كالعادة.

 عزلة واسعة  

ومع مرور الأيام وتوالي قرارات قيس سعيد الأحادية، تزداد عزلته داخليا وخارجيا في ظل تفاقم أزمة اقتصادية غير مسبوقة باتت تهدد قوت التونسيين بفقدان المواد الأساسية وغياب الأدوية من الصيدليات والارتفاع الحاد في الأسعار.

ويقر متابعون للشأن التونسي أن سعيد يعتمد بشكل كبير على موقف الاتحاد العام التونسي للشغل المساند لانقلاب 25 يوليو 2021، ويرى فيه شريكا محتملا لتمرير أجندته السياسية.

ورغم محافظة الاتحاد على خيط الود مع قيس سعيد، فإن تصريحات الرئيس التونسي الأخيرة بشأن انطلاق الحوار الوطني واعتماده على نتائج الاستشارة الإلكترونية استفز المنظمة النقابية.

وصرّح أمينها العام نور الدين الطبوبي في 13 أبريل 2022 للتلفزيون الرسمي، إثر لقاء جمعه بممثلي برلمان الاتحاد الأوروبي، برفضه تنظيم حوار بشروط ونتائج مسبقة.

وقال: "يجب أن ينفتح الحوار على الرأي والرأي المخالف، إذ نريد تشاركية فعلية واسعة وحوار حقيقي".

تابع نور الدين الطبوبي وفق فيديو نشرته صفحة اتحاد الشغل على فيسبوك أنّ الاتحاد "لن يقبل بأي حوار لا تشارك فيه المنظمات والأحزاب والمجتمع المدني، فهذا الحوار يجب أن يقود إلى ميثاق وطني حقيقي يحصل حوله إجماع، ولا يجب أن نتخذ نتائج الاستشارة الإلكترونية كمرجع".

ورأى أن "المرور بالقوة سيكون له تداعيات لسنوات طويلة جدا، ويجب ألا تصل تونس إلى العبث"، حسب تقديره.

وتحافظ المعارضة على موقفها الرافض للمشاركة في خريطة طريق سعيد منذ الإعلان عنها في 14 ديسمبر/كانون الأول 2021، والتي تشمل الاستشارة الإلكترونية التي انتهت في مارس 2022، ليشكل الرئيس بعدها لجنة لصياغة دستور جديد سيجرى الاستفتاء عليه يوم 25 يوليو 2022، تمهيدا لانتخابات تشريعية في 17 ديسمبر من نفس العام.

وجاء في بيان صادر عن حملة مواطنون ضد الانقلاب في 13 أبريل 2022 أنها تجدد "تمسكها المبدئي بالموقف المناهض لانقلاب 25 يوليو وخارطة طريق المنقلب التي دشنها بمحطة فاشلة متمثّلة في استشارة التحيل الالكتروني وتبشّر محطاتها القادمة بتكريس نظام حكم فردي يصادر دستور الثورة وكل مكاسب التونسيين المضمنة فيه."

وأكدت "رفضها كلّ أشكال الحوار الإقصائي الذي تحدّد أرضيته نتائج استشارة فاشلة وتتحكم في مخرجاته تصورات اعتباطية لنظام انقلابي".

وحتى أشدّ المؤيدين لسعيد ومسار 25 يوليو 2021، بدأت مواقفهم تتغيّر في ظل إصرار الرئيس على إقصاء كل الأحزاب من الحوار الوطني الذي يتحدث عنه.

ورأى الأمين العام لحركة الشعب زهير المغزاوي، في مداخلة له على إذاعة "موزاييك إف إم، 13 أبريل أن سعيد "أساء إدارة البلاد منذ 25 يوليو 2021 إلى الآن، وأضاع الكثير من الوقت"، حسب تقديره.

وأضاف المغزاوي: "كان مطلوبا من سعيد إجراء حوار يجرى فيه تشريك كل القوى التي ساهمت في 25 يوليو. كان على الرئيس النظر إليهم بأنهم شركاء وكان عليه أن يتحاور معهم، وهو ما لم يحدث".

وأمام تضاعف عزلة قيس سعيد داخليا وعدم قدرة حكومته على إدارة البلاد في ظرف اقتصادي صعب وهو الأسوأ منذ عقود، لا يبقى أمام الرئيس التونسي سوى عدد قليل من الخيارات، أهمها المرور بقوة في فرض دستور جديد وانتخابات على المقاس تقصي معارضيه وتنفيذ إصلاحات اقتصادية مؤلمة استجابة لإملاءات صندوق النقد الدولي.

وهذا الخيار لا يمكن أن يعتمد فيه سعيد سوى على القبضة الأمنية التي أطلق عنانها منذ الانقلاب، والاعتماد على المؤسسة العسكرية التي أظهرت عمليا إسنادها للانقلاب منذ ساعته الأولى بإغلاق البرلمان والهيئات الدستورية لتأمين المؤسسات الحيوية في ظل حالة الطوارئ.