تعديل حكومة أخنوش بالمغرب.. خطوة للأمام أم هروب اضطراري؟
لا حديث في المغرب إلا عن تعديل حكومي قريب، فرُغم مرور 7 أشهر فقط على تشكيل الائتلاف، إلا أن الأزمة الاقتصادية الحادة وزيادة الأسعار بصورة متواصلة، و"فشل" وزراء في إدارة مسؤولياتهم، مهدت الطريق للوصول إلى هذه المرحلة، إضافة إلى أنباء عن "تصدع" في التحالف الثلاثي.
ويتطلع المغاربة لـ"تعديل حقيقي" أملا في إصلاح جزء من "عطب" الائتلاف السياسي الذي يلقى انتقادات شعبية منذ تشكيله في 8 ديسمبر/ أيلول 2021، من قبل أحزاب التجمع الوطني للأحرار (قائد التحالف)، والأصالة والمعاصرة، والاستقلال.
ضوء أخضر
في 8 أبريل/نيسان 2022، كشفت صحيفة "الصباح" المحلية، عن تعديل وزاري قادم في التشكيلة الحكومية المكونة من 25 وزيرا، تشمل 6 إلى 8 وزراء، بينهم عدد من الوزراء "المخضرمين" وآخرون "مبتدئون" وسيكون خلال الأسابيع المقبلة.
وأوضحت أن "وزراء لم يتمكنوا من مواكبة تطلعات رئاسة الحكومة، وظلت قطاعاتهم خارج السياق، كما أنهم يفتقدون الكاريزما السياسية معنيون بالتعديل المرتقب".
وأضافت نقلا عما سمتها "مجالس النخبة" أن رئيس الحكومة، عزيز أخنوش، "قد يكون تلقى الضوء الأخضر لاقتراح أسماء وزراء ووزيرات لتعويض الراسبين في امتحان الإقناع".
وشددت "الصباح" على أن " أخنوش سيكون مطالبا بتجهيز لائحة تضم أسماء المرشحين لتعويض هؤلاء الذين سيتم إعفاؤهم قريبا، على أن يكون المرشحون الجدد أكثر كفاءة وأفضل خطابة من سابقيهم، فالمعضلة الكبرى في تشكيلة الحكومة الجديدة تكمن في التواصل".
وقالت إن "الحكومة التي شكلتها أحزاب التجمع الوطني للأحرار والأصالة والمعاصرة والاستقلال، جاءت بكثير من الوعود إلى المغاربة، خاصة تلك المتعلقة بالقدرة الشرائية والأجور، لكن قطار أخنوش ظل واقفا في محطة الانطلاقة لما يقارب 6 أشهر".
وتعليقا على ذلك، قال الباحث في العلوم السياسية أمين الإدريسي: "جرت العادة أن يكون هناك تعديل حكومي في كل ولاية، حتى بدون أن تتعالى الأصوات الشعبية، لكن هذه المرة المطلب جاء من المواطن بعدما بدا له أن الأزمة الاقتصادية تتجه نحو الأسوأ، فيما الوزراء ميزتهم الصمت التام".
وشدد الإدريسي، في حديث لـ"الاستقلال" على أن "التعديل أصبح واجبا وضرورة ملحة للتخفيف من الاحتقان الاجتماعي أولا، وتقديم الحكومة للمواطن ضمانات بأنها تسمع نبضه على الأقل في الاعتراف بأن التشكيلة الحالية يطبعها الفشل في التسيير وعدم تقديمها أي نتائج إيجابية ومبشرة".
وبخصوص ما تردد عن أن التعديل يشمل عددا من وزراء أخنوش، نفى المتحدث باسم الحكومة، مصطفى بايتاس، في ندوة صحفية أعقبت الاجتماع الأسبوعي للحكومة في 7 أبريل 2022، وجود أي تعديل وزاري في الوقت الراهن.
وقال بايتاس: "لا تعديل حكوميا في هذه الساعة، دون أن أتحدث أكثر في الموضوع"، لكن وسائل الإعلام واصلت الحديث عن التعديل المرتقب.
من جانبه، شدد القيادي بحزب الاستقلال، رئيس مجلس المستشارين، النعم ميارة، على أنه لا يمكنه أن ينفي أو يؤكد إمكانية حدوث تعديل حكومي من عدمه.
وضمن حوار ببرنامج على قناة جريدة "مدار21" الإلكترونية في 9 أبريل، قال ميارة إنه "هذه المسألة ليست من اختصاص حزب الاستقلال بوصفه أحد مكونات الأغلبية الحكومية الحالية، وليس هناك طلب من المكونات الحزبية لإجراء تعديل حكومي".
ورأى أن "هذه المسألة ترجع لتقدير الملك بصفته رئيسا للدولة وهو الذي يقيم عمل الوزراء".
هيمنة أخنوش
صحيفة "آذار" المحلية، كشفت أن "قادة الأصالة والمعاصرة وبرلمانييه اجتمعوا (في 7 أبريل) حول مائدة إفطار لم تخل من رسائل سياسية وجهت تحديدا إلى الحليف المهيمن على الشأن الحكومي بالبلد..
وأوضحت في مقال نشرته في 8 أبريل أن "المقصود هنا حزب الأحرار أو حزب أخنوش الذي يسير الحكومة كما يسير الهولدينغ العائلي (آكوا) دون أن يستشير أي حليف من حلفائه في أي شيء".
وأشارت الصحيفة إلى أن "فاطمة الزهراء المنصوري وزيرة التعمير والإسكان بالحكومة خرجت عن تحفظها في هذا الإفطار السياسي وربما هدمت جزءا من خيمة التحالف".
واستطردت: "لقد لمحت المنصوري إلى وجود هيمنة يمارسها حزب أخنوش في جميع جهات المغرب.. كثيرا ما تعطل مصالح المواطنين".
واستدركت الوزيرة القيادية بالأصالة والمعاصرة قائلة: "لكن نحن مستعدون أن نغادر الحكومة من أجل مصالح المواطنين"، وفق صحيفة "آذار".
في هذا السياق، رأى أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية، خالد الشرقاوي السموني، أنه "إذا كانت المعارضة البرلمانية ضعيفة أمام حكومة لها أغلبية جد مريحة، تتغول وتهيمن بأغلبيتها العددية وتنزع نحو الاستقواء، فإن ذلك قد يفقد النظام السياسي درجة من التوازن المطلوب ما بين الحكومة والمعارضة".
وشدد في مقال نشره عبر موقع "العمق" المغربي في 21 مارس/ آذار 2022، على أنه "لا ديمقراطية حقيقية بدون معارضة حقيقية مؤهلة لمراقبة العمل الحكومي وتجويده، كما أن وجود حكومة قوية ومتضامنة ومتماسكة رهين بوجود معارضة بناءة ونقدية".
وأضاف السموني أنه "أمام هذا الوضع، ألا يمكن التفكير في تعديل حكومي بعد مرور سنة من ولاية هذه الحكومة، من أجل إعادة تشكيل أغلبية حكومية ومعارضة جديدة، يكون فيها حزب الاستقلال أو الأصالة والمعاصرة خارج الحكومة للانضمام إلى المعارضة".
وأوضح أن "الترجيح يميل، في رأيي، إلى خروج حزب الاستقلال من الحكومة لإحياء الكتلة من جديد (الاتحاد الاشتراكي، التقدم والاشتراكية، الاستقلال)، يمكن أن ينضاف إلى هذه الأحزاب تحالف اليسار الفيدرالي (معارض)، نظرا للتقارب السياسي والأيديولوجي بينها".
وتابع: "على هذا النحو تنضم الحركة الشعبية والاتحاد الدستوري للحكومة، وتصير الحكومة مشكلة من التجمع الوطني للأحرار والأصالة والمعاصرة والحركة الشعبية والاتحاد الدستوري، وهذا من شأنه تفعيل دور البرلمان عبر تقوية دور المعارضة وإحداث نوع من التوازن المطلوب بين المؤسسات السياسية خصوصا بين الحكومة والبرلمان".
خلف الكواليس
وقال المحامي والباحث في الهجرة وحقوق الإنسان، الحسين بكار السباعي، إن "السياق العالمي اليوم الذي مازال يتخبط في تداعيات أزمة جائحة كورونا، بالإضافة إلى الحرب الروسية على أوكرانيا وفي ظل كل هذه المعطيات لابد أن نتساءل عن نجاعة الأداء الحكومي في تدبير الأزمات وأي تعديل يتطلع له المغاربة".
وفي تدوينة عبر صفحته على فيسبوك في 10 أبريل، أضاف "مما لا شك فيه، وقبل كل جواب لابد من تشخيص سريري لبعض القطاعات الوزارية الأكثر تأثيرا وتأثرا".
ولفت إلى أن "مردود وزير التعليم شكيب بنموسى غير ظاهر تماما، وإن كانت نظرته للتعليم تواكب النموذج التنموي الجديد، فإن إستراتيجيته قد صبت الزيت على النار، حيث شلت إضرابات القطاع وحرمت أبناءنا من التمدرس عن طريق هدر الزمن المدرسي".
كما أشار السباعي إلى أن "قطاع الصحة بدوره مر بأزمة خانقة خلال جائحة كورونا، التي بينت حجم الخصاص في الأطر البشرية والمعدات، والسمسرة في فتح العروض ولا يخفى على المتلقي ملفات الفساد الثقيلة المعروضة على القضاء والذي سيقول كلمته في حق المتورطين فيها قريبا" .
واستدرك: "لكننا لحدود الساعة لم نلمس أي جهود حثيثة نحو وضع حد لأزمة المواطنين مع الصحة، بل جعلناهم تحت وطأة القطاع الخاص، الذي لا يملك رحمة ولا شفقة ولا إنسانية أمام جشع وطمع مستثمري المرض ومستغلي المرضى".
وأكد السباعي أن "المواطنين مازالوا يسلكون الطوابير في التطبيب، ولازال (السكانير/جهاز الأشعة) لا يشتغل في المستشفيات العمومية، وأجهزة التحاليل وغيرها" .
ولفت إلى أن "وزارة الانتقال الرقمي، مازالت جامدة، في زمن السرعة في الإدارة والعمل عن بعد، إذ إن السيدة الوزيرة (غيثة مزور) لم تقم لحدود الساعة بوضع برنامج معين وشرحه للمواطنين".
وختم السباعي تدوينته بالقول: "إننا بحاجة اليوم إلى بث الروح في الحكومة، روح المبادرة في العمل والبحث عن الحلول، في عالم يزداد تأزما ويحتاج لكفاءات عالية وأكثر من ذلك لضمير وغيرة وطنية" .
من جهته، قال الكاتب إسماعيل الحلوتي: "إنه لمن المضحك المبكي ألا يمر على تعيين الحكومة التي قيل عنها حكومة الكفاءات ونالت ثقة مجلس النواب في 13 أكتوبر 2021 سوى بضعة أشهر، ليتم الحديث عن عزم رئيسها إجراء تعديل حكومي موسع".
وأوضح الحلوتي، في مقال نشره على موقع "أخبارنا" في 8 أبريل أن التعديل المرتقب "يأتي بعد الذي وصف بأسرع تعديل في تاريخ الحكومات المتعاقبة والمتمثل في إعفاء وزيرة الصحة، نبيلة الرميلي، في ظرف أسبوع واحد فقط، بدعوى تلبية رغبتها في التفرغ لمهامها كعمدة لمدينة الدار البيضاء".
وتساءل "هل يتعلق الأمر (التعديل الحكومي) بمجرد إشاعة لشغل المواطنين عن قضاياهم الأساسية، أم رغبة الحكومة في احتواء أي انفجار شعبي محتمل في ظل الاحتقان الاجتماعي المتصاعد، أم محاولة لتدارك ما حدث من سوء اختيار بعض الوزراء الذين ثبت عدم جدارتهم واستحقاقهم للمهام المنوطة بهم؟".
وختم الحلوتي مقاله بالقول: "وحدها الأيام القادمة كفيلة بالكشف عن حقيقة ما يجرى خلف الكواليس من أسرار!".