انتخابات الإليزيه 2022.. كل الطرق تؤدي إلى اضطهاد مسلمي فرنسا
مع بدء الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية الفرنسية في 10 أبريل/نيسان 2022، لم يعد مسلمو فرنسا يجدون أنفسهم في حيرة من الاختيار بين المرشحين الـ12، لأن "النتيجة واحدة" في حال فوز أي مرشح، لأن "معظهم يعادونهم".
وكما جرت العادة سابقا، كان من المفترض أن تحمل هذه الانتخابات أهمية كبيرة للمسلمين، أملا أن تفرز مرشحا مختلفا يخفف من حملات الكراهية والإسلاموفوبيا، لكنهم أصيبوا بالإحباط لأن أغلبهم يحمل نفس العداء لهم، ما جعلهم يفكرون في المقاطعة أو الهجرة.
ويخشى مسلمون فوز يمينيين متطرفين، مثل الصحفي إريك زمور، أو زعيمة حزب التجمع الوطني، مارين لوبان، لكن آخرين يرون أن فوز الرئيس الحالي إيمانويل ماكرون بولاية جديدة لمدة خمس سنوات "قد يكون سببا أدعى لقلقهم".
أصوات حاسمة
ورصد موقع "أوريان 21" الفرنسي مخاوف المسلمين من فوز ماكرون، متحدثا عن "ريح عاصف تهب على مسلمي فرنسا" حتى أنهم أصبحوا مواطنين من الدرجة الثانية.
وأوضح الموقع في تقرير نشره 31 مارس/آذار 2022، أن "هذه الرياح العاتية على الحقوق والحريات في فرنسا، جعلت مسلمي هذا البلد وسط هذه العاصفة القمعية عبر حل جمعياتهم وسن قوانين تحولهم لمواطنين من الدرجة الثانية".
وانتخب كثير من المسلمين ماكرون عام 2017، بناء على وعد منه بمجتمع ليبرالي منفتح على التعددية الثقافية، مقابل التعصب الأعمى من منافسيه مثل لوبان، لكن تلك الوعود تبخرت وباتت فرنسا أكثر تطرفا وعداء لهم في عهده.
لكن نسبة كبيرة منهم قرروا مقاطعة التصويت، ومع اهتزاز قاعدة ماكرون الانتخابية، يتردد سؤال حول مصيره حال لم يصوت له مسلمو فرنسا هذه المرة.
وأكدت صحيفة "هآرتس" العبرية في 31 مارس/آذار 2022 أن "ماكرون يحتاج إلى أصوات الشباب المسلمين لإعادة انتخابه للرئاسة، وهو يعرف ذلك"، في إشارة لعقاب المسلمين الرئيس السابق نيكولا ساركوزي بإسقاطه في انتخابات 2012.
ورصدت سعي ماكرون إلى "استرضاء" الناخبين المسلمين للتصويت له مرة أخرى، عبر مؤتمرات في مدن بها أغلبية من الشباب المسلمين، مثل مرسيليا، وقال لهم مجددا: "أريد أن أكون رئيسا لكل شعب فرنسا".
وفي انتخابات 2017 التي أوصلت ماكرون إلى الإليزيه، منحه العديد من العرب والمسلمين أصواتهم لأنه قال: "أريد أن أكون رئيسا لكل شعب فرنسا، ولجميع الناس الذين يتعاملون مع تهديد القومية".
وفي الانتخابات الرئاسية لعام 2012، صوت 86 بالمئة من الناخبين المسلمين في الجولة الثانية للمرشح الاشتراكي، فرانسوا هولاند، الذي انتخب بنسبة 51.56 بالمئة من الأصوات.
ولولا الدعم الكبير من المسلمين الفرنسيين، لكان سيعاد انتخاب خصمه اليميني، نيكولا ساركوزي.
وعام 2017، كان هناك إقبال كبير للناخبين من مسلمي فرنسا بنسبة 62 بالمئة، وأكثر من 90 بالمئة منهم (2.1 مليون ناخب) صوتوا لماكرون، بينما صوت 200 ألف للوبان، وفقا لمعهد استطلاع الرأي "هاريس".
وإذا فاز أي من المرشحين الـ12 في سباق الرئاسة (8 رجال و4 سيدات) بنسبة 50 بالمئة من الأصوات يصبح رئيسا لفرنسا مباشرة، وإذا لم يحقق أحد هذه النسبة يصعد أعلى مرشحين اثنين للجولة الثانية النهائية في 24 أبريل/نيسان 2022.
المقاطعة أو المجازفة
وفقا للإحصائيات الرسمية، فإن نسبة السكان المسلمين في فرنسا، تصل إلى 10 بالمئة، بما يقدر بنحو 5.7 ملايين مسلم فرنسي (من مجموع 67 مليون نسمة)، وهو أكبر عدد من المسلمين في أوروبا الغربية.
وتمثل أصوات الأقلية (11.8 مليون نسمة يشكلون 19 بالمئة من السكان) بمن فيهم المسلمون، عاملا مهما في الانتخابات الفرنسية.
ومع ذلك يعزف كثير منهم عن الإدلاء بأصواتهم في أي انتخابات، لإحساسهم بـ"التهميش" من الدولة الفرنسية.
وبسبب حالة العداء غير العادية وتحول برامج أغلبية المرشحين إلى خطط لمحاربة مسلمي فرنسا وقمعهم وحصارهم، يفكر كثير منهم في مقاطعة الانتخابات، وباتوا أمام خيارين إما المقاطعة أو المجازفة بالعودة للتصويت للمرشح اليساري جان لوك ميلينشون، زعيم حزب "فرنسا الأبية"، بحسب موقع ""ميدل إيست آي" البريطاني في 8 أبريل 2022.
وسبق أن صوت حوالي 80 بالمئة من المسلمين لأحزاب يسارية في انتخابات سابقة، لكن على مدار العقد الماضي تغير موقفهم لأسباب سياسية واجتماعية واقتصادية، وابتعدوا عن اليسار، بحسب "ميدل إيست آي".
وأكد بعضهم للموقع البريطاني أنهم يفكرون في مقاطعة الانتخابات، وتحدث آخرون عن الهجرة من فرنسا ككل بعدما أصبحت معادية لحرية العقيدة للمسلمين خصوصا.
ووصفوا حالهم في هذه الانتخابات بأنهم مثل "أيتام النظام السياسي" في مواجهة مرشحين عنصريين، وبعدما خان ماكرون المسلمين الذين انتخبوه عام 2017.
ويرون أنه لا أحد من المرشحين الحاليين للرئاسيات يملك برنامجا يستحق الحصول بموجبه على أصوات المسلمين، وكلهم يمتلك نفس الأجندة المعادية للإسلام والمسلمين.
المفكر الإسلامي، طارق رمضان، أكد لوكالة "الأناضول" التركية في 21 مارس/آذار 2022 أن الحل هو "الامتناع الفعلي" عن المشاركة في الانتخابات.
وجهة نظر المقاطعين، يشرحونها في أنها "هي الحل الحقيقي أمام المسلمين لخلق تغيير أو التزام سياسي تجاههم، ورسائل للمرشحين، قبل أن يفكروا في الهجرة من فرنسا".
نفس الرأي يدعمه إمام مسجد فرنسي من منطقة "إيل دو فرانس" لم يذكر اسمه للأناضول، بسبب "قانون الانفصالية" الذي يمنع الأئمة من الإدلاء بملاحظات سياسية داخل المساجد.
وقال الإمام: "حان الوقت لكي نتوقف عن الاكتفاء بالفتات ونطالب بمشروع يناسبنا كمسلمين".
ونقلت وكالة "رويترز" البريطانية في 2 أبريل 2022 عن محللين توقعهم عزوف كثير من الفرنسيين عن التصويت وأن يمتنع عدد قياسي من الناخبين وتحدث مفاجأة.
وأكدت "مجموعة المخاطر السياسية" (شركة علاقات عامة دولية واستشارات) في مذكرة إحاطة نشرت تفاصيلها وكالة رويترز أن "التحدي الرئيس الذي يواجه ماكرون يظل افتقاره المحتمل لتعبئة الناخبين ضد لوبان في الجولة الثانية".
وأوضحت أن "معدلات المشاركة بالانتخابات الفرنسية في اتجاه هبوطي منذ الثمانينيات، بحسب بيانات وزارة الداخلية حتى أنه شارك في استحقاقات عام 2017 خمس الناخبين الفرنسيين فقط في جولة واحدة على الأقل"، وفق رويترز.
وتوقعت شركة "إبسوس" لقياس الرأي العام، أن يقاطع ثلث الناخبين الانتخابات وسيكون هذا رقما قياسيا للتصويت الرئاسي في فرنسا.
استطلاع "إبسوس" الذي نشرته صحيفة "لوموند" في 6 أبريل 2022 أظهر أن حصة ماكرون التصويتية قد تبلغ 26.5 بالمئة مقابل 21.5 بالمئة للوبان في الجولة الأولى من اقتراع 10 أبريل 2022، و51 بالمئة لماكرون في الجولة الثانية مقابل 48 فقط لـ"لوبان".
وتفوقت لوبان أكثر في آخر استطلاعات الرأي التي نشرتها وكالة الأنباء الفرنسية في 7 أبريل 2022، وظهر أن ماكرون يتفوق بشكل طفيف بنسبة 54 بالمئة مقابل 46 بالمئة للوبان في المرحلة الثانية المتوقع وصولهما معا لها.
وأظهر الاستطلاع الذي نشرته "لوموند" أن المرشح اليساري الراديكالي، جان لوك ميلينشون، زعيم حزب "فرنسا الأبية"، يرتفع بقوة قبل التصويت وتحدثت عن فرصته في إحداث مفاجئة.وذكرت أنه حصل على نسبة 16 بالمئة من التأييد الجماهيري، رافعا حظوظه في حجز مقعد في الدور الثاني، ممنيا النفس بالتفاف اليسار الفرنسي حول حملته لمنع الوقوع مجددا في فخ الاختيار بين ماكرون ولوبان.
أسباب المقاطعة
أسباب تفكير مسلمي فرنسا في مقاطعة الانتخابات لخصها أستاذ الدراسات الفرنسية في جامعة "فرجينيا ويسليان" الأميركية، ألين غابون، في خمسة أسباب بمقال نشره موقع "ميدل إيست آي" في 29 مارس/آذار 2022.
وقال غابون إن مسلمي فرنسا يخشون 5 سنوات أخرى من العداء تحت حكم فترة ماكرون الثانية، لذا لا يرونه الأفضل، لأن فرنسا أصبحت أكثر كراهية للإسلام في عهده، مقارنة بما كانت عليه قبل انتخابه.
سياسات ماكرون جعلت غالبية الفرنسيين يرون في الإسلام تهديدا وجوديا لـ"حضارتهم"، و"تقاليدهم"، و"قيمهم"، بحسب غابون.
وشهد عهد ماكرون بروز نظرية مؤامرة "الاستبدال العظيم" إلى مقدمة النقاشات العامة، وأدى هذا إلى فرار المسلمين من فرنسا بأعداد أكبر، وهجرة عقول كبيرة بحسب "غابون".
وفكرة نظرية "الاستبدال العظيم" هي أن شعوبا أجنبية (المسلمون مثلا) ستحل محل الشعب الفرنسي، وهو السبب وراء خوفهم ومعاداتهم للمسلمين.
سبب ثالث لقلق المسلمين من التصويت لماكرون هو الإدارة القمعية الاستبدادية للمسلمين ودينهم، حيث قيد حرياتهم الدينية، وتعامل معهم بمنهج استئصالي عدائي.
ففي عهده فرض عليهم "ميثاق القيم الجمهورية العلمانية"، و"مجلس الأئمة" تشرف عليه وزارة الداخلية، يضيق على استقدام أئمة من دول إسلامية، وفرض تشريع مكافحة "الانفصالية الإسلامية" التي أغلق بموجبها مساجد وجمعيات.
السبب الرابع هو "تجريم المعارضة" في عهد ماكرون، إذ إن فرض تشريعات مثل مشروع قانون "الانفصالية الإسلامية"، منح السلطة مجموعة أدوات قانونية جديدة كليا لاستخدامها في مراقبة وحظر وإغلاق أي شيء يختارون تصنيفه "متطرف".
سبب خامس لتخوف المسلمين من فوز ماكرون، هو تغلغل الرقابة والقمع بشكل أكبر ما يؤثر على مستقبل المسلمين بعدما طالت الكراهية في عهده الحياة الخاصة.
وتهاجم وزارة الداخلية، دور النشر، والمدارس الإسلامية، وتمنع تشكيل مجتمع مدني مسلم ناقد للحكومة، ما رسخ "الإسلاموفوبيا الفرنسية الجديدة"، وخلق بعبع "الإسلامية"، وأداره بأسلوب الاستعمار الجديد، وفق غابون.
تهديد حقيقي
مقابل دعوات المقاطعة، أكد إمام مسجد باريس، شمس الدين حافظ، في مقال نشره بصحيفة "لوموند" في 15 فبراير/شباط 2022 أن "الحل هو المشاركة"، مشددا على أن "ورقة الاقتراع هي فقط التي يمكنها وقف دائرة الكراهية ضد المسلمين".
وقال حافظ: "سيوبخنا أبناؤنا على أنانيتنا إذا واصلنا تجاهل كل المؤشرات المقلقة التي تأتي إلينا من المشهد السياسي، وسيطلبون منا توضيحات حول سلبيتنا وسيكون حكمهم علينا قاسيا، سيقولون إننا تركنا ذلك يحدث".
واعتبر حافظ أن "الصمت (المقاطعة) شكل من أشكال التواطؤ".
وكان عميد مسجد باريس حذر من أن تصاعد الخطاب المناهض للإسلام في الانتخابات الفرنسية يهدد بخلق "دوامة من الكراهية"، وبجعل المسلمين "كبش فداء بطريقة مماثلة للخطاب ضد اليهود في الثلاثينيات.
وسبق أن قال حافظ، لصحيفة "الغارديان" في 27 مارس/آذار 2022: "إنني قلق للغاية، لأنهم (المرشحين) يبحثون عن كبش فداء كما حدث عام 1930".
تابع: "حينئذ قال أوروبيون إن اليهود أصبحوا مشكلة مجتمع بأكمله، واليوم يستبدلون اليهود بالمسلمين".
وما أزعج المسلمين، أن المرشحة اليمينية المتطرفة لوبان صعدت من عدائها حد التعهد بحظر الحجاب وفرض غرامة على ارتداء المسلمات له، وتنظيم استفتاءات لهذا الغرض للتحايل على الدستور.
وزعمت قبل الانتخابات بيوم واحد أن "85 بالمئة من الشعب لا يريد انتشار مظاهر الحجاب في فرنسا".
ولو خسر ماكرون فستصعد لوبان وهي يمينية شعبوية متطرفة معادية للإسلام، وفوزها سيشكل أزمة وجودية للاتحاد الأوروبي أيضا لرغبتها في البعد عن النفوذ الأميركي.
وأظهر استطلاع أجراه مركز "هاريس" لأبحاث الرأي، خلال الأيام الأولى من أبريل/نيسان 2022، أن فوز ماكرون في الجولة الثانية ضد لوبان سيكون بنسبة ضئيلة هي 51.5 بالمئة إلى 48.5 بالمئة.
ويعني هذا أن "ماكرون أضحى أقل شعبية، وفي أزمة عميقة، وقد يعاد انتخابه بصعوبة"، حسب صحيفة "إندبندنت" البريطانية في 5 أبريل 2022.
ورفع أسهم لوبان تركيز حملاتها الأخيرة على التخفيف من حدة هوس حزبها التقليدي بهجرة المسلمين في محاولة ناجحة لتلطيف صورتها، وركزت على القضايا الاقتصادية كالخبز وارتفاع تكاليف الوقود والتدفئة التي تهم العائلات الفرنسية.
ورغم تركيز خطابات لوبان على الاقتصاد، إلا أن حزب التجمع الوطني الذي تنتمي إليه يواصل المطالبة بوضع حد للمزايا الممنوحة للأجانب، ووقف لم شمل عائلات المهاجرين، وفرض حظر على الحجاب في الأماكن العامة.
هل يختارون اليسار؟
يطرح بعض المسلمين فكرة دعم مرشح المعسكر اليساري ليعادل اليمينيين المتطرفين، ويتصدر في هذا الإطار اسم زعيم حزب "فرنسا الأبية"، ميلينشون.
التفكير في ميلينشون سببه أنه من بين المنتقدين والمعارضين لقانون الانفصالية الذي وضعه ماكرون، وانضم عام 2019 إلى عشرات الآلاف من المسلمين والنشطاء السياسيين في مظاهرة ضد الإسلاموفوبيا.
كما استنكر ميلينشون ازدراء ماكرون لهذه الأقليات، كما اتهمه ببث الفوضى في المدارس بمنهجه في إصلاح التعليم.
ووصف زعيم حزب "فرنسا الأبية"، ماكرون والمرشحة اليمينية لوبان بأنهما "متشابهان تشابها تاما".
لكن مراقبين يرون أن ميلينشون، كخيار بديل، قد يواجه عقبة كبيرة أمام الحصول على تأييد المسلمين له، تتمثل أساسا في دعمه للماركسيين اللينينيين، ودعمه للحركات الإرهابية، على غرار تنظيم حزب العمال الكردستاني "بي كا كا".
المصادر
- France's Muslims face another five years of hostility under Macron
- Anti-Islam rhetoric in French election risks ‘spiral of hatred’, says Paris mosque rector
- Le Pen vows headscarf fines in tight French election battle
- France / Présidentielle: Quel choix politique pour les musulmans?
- ورقة في يد كلّ مرشح.. أين يقف المسلمون في الانتخابات الفرنسية؟
- رياحٌ عاتية تهب على مسلمي فرنسا
- Should Muslims boycott the vote or take a chance on the left?
- Seul le bulletin de vote peut stopper l’engrenage de la haine contre les musulmans
- Macron Needs the Young Muslim Vote to Get Reelected, and He Knows It