بسبب غياب المعارضة.. هل يشهد المغرب "صداما مباشرا" بين الدولة والشارع؟
مع افتتاح الدورة الربيعية للبرلمان المغربي في 8 أبريل/نيسان 2022، يسجل مراقبون ضعف أداء أحزاب المعارضة في مراقبة ومساءلة حكومة رئيس الوزراء عزيز أخنوش والدفاع عن مصالح المواطنين، لا سيما في ظل تدهور الأوضاع المعيشية بسبب ارتفاع أسعار المواد الأساسية.
في المقابل، يرجع آخرون السبب في ضعف فعالية أداء المعارضة إلى مسلسل تهميشها من قبل الحكومة التي أصبحت "مهيمنة" على مشهد سياسي "رتيب"، بدعم كامل من "ديكتاتورية أغلبيتها" البرلمانية.
وتضم الأغلبية الحكومية، أحزاب التجمع الوطني للأحرار (قائد التحالف) الذي يحظى بـ102 مقعد بمجلس النواب (الغرفة الأولى بالبرلمان)، وحزب الأصالة والمعاصرة بـ87 مقعدا، والاستقلال بـ81 مقعدا، وتتوفر الأغلبية على 270 مقعدا من مجموع 395 مقعدا.
شكلية رمزية
وإذا كانت المعارضة البرلمانية في الدول الديمقراطية هي "العين اليقظة" لمراقبة الحكومة ومحاسبتها إن حادت عن الصواب، فإن السؤال الذي يطرح، هل المعارضة بالمغرب تقوم بهذا الدور أم تكتفي بممارسة "شكلية رمزية" تضفي طابعا ديمقراطيا على تحكم سلطوي يستند لأغلبية رقمية؟
أستاذ العلوم السياسية في جامعة محمد الخامس بالعاصمة الرباط، محمد غزالي، عد أن "أي حديث عن تراجع دور المعارضة يقتضي في البداية معرفة تشكيلها".
وأوضح غزالي، في حديث لـ"الاستقلال"، أن "تركيبة المعارضة تظهر أنه باستثناء حزبي التقدم والاشتراكية والحركة الشعبية فإن الحزبين الآخرين المعارضين، الاتحاد الاشتراكي والعدالة والتنمية، يعيشان أوضاعا داخلية غير مستقرة".
وتقتسم أحزاب المعارضة 126 مقعدا بمجلس النواب، منها 34 مقعدا للاتحاد الاشتراكي (يساري)، و28 للحركة الشعبية (يميني)، و22 للتقدم والاشتراكية (يساري)، و13 للعدالة والتنمية (إسلامي).
أما حزب الاتحاد الدستوري (ليبرالي) الذي شكل كتلة نيابية مع حزب "الحركة الديمقراطية الاجتماعية" تحمل اسم "الفريق الدستوري الديمقراطي الاجتماعي" بـ23 مقعدا، فاختار "المساندة النقدية" للحكومة.
وتوزعت المقاعد الخمسة المتبقية على أحزاب صغرى لا تتوفر على كتل نيابية، ثلاثة مقاعد لجبهة القوى الديمقراطية، ومقعد واحد لتحالف فيدرالية اليسار، ومقعد واحد للاشتراكي الموحد.
وفي تفسيره لأسباب ضعف فعالية معارضة حكومة أخنوش، أكد غزالي، أن "نتائج الانتخابات التشريعية لـ8 سبتمبر/أيلول 2021 قلصت من الوجود البرلماني لأحزاب المعارضة، وبالتالي فإن نسبة ظهورها الإعلامي وحجم مساهمتها في العمل البرلماني أصبحت ضعيفة تبعا لنظام النسبية المتبع في توزيع المهام البرلمانية".
ويخصص "المجلس الأعلى للاتصال السمعي البصري" (هيئة حكومية) مددا زمنية لكل من الحكومة والأغلبية والمعارضة للإدلاء بمواقفها من الأحداث وقضايا الشأن العام عبر القنوات التلفزية والإذاعات العمومية والخاصة.
وغالبا ما تفوق مداخلات الحكومة والأغلبية في الإعلام العمومي والخاص، مداخلات المعارضة بفارق كبير، مما لا يعطي للمعارضة مساحة إعلامية كبيرة للتعبير عن مواقفها.
الانكفاء الذاتي
وإذا كان الحضور الإعلامي للمعارضة في القنوات والإذاعات محكوما بشروط، فإن حضورها أيضا في باقي وسائل الإعلام يظل محدودا، حسب غزالي، بسبب "النفوذ الذي تملكه مكونات الحكومة الحالية وخاصة رئيسها أخنوش في ميدان المال والأعمال".
وشدد على أن "هذا النفوذ جعله يتحكم في الأجندة الإعلامية لأهم المواقع والصحف الوطنية، وهو ما يعطي للحكومة مساحة ووقتا أكبر عكس التجييش الإعلامي الذي رافق عمل الحكومات السابقة، سواء على مستوى الإعلام التقليدي أو ما يسمى بالمؤثرين على وسائل التواصل الاجتماعي".
وسجل غزالي، أن من أسباب ضعف حضور المعارضة أيضا، هو "الانكفاء الذاتي على نفسها لترميم أوضاعها الداخلية".
وأوضح أن "العدالة والتنمية خسر النسبة الأكبر من وزنه الانتخابي ويعيش إشكالات تنظيمية، كما أن الاتحاد الاشتراكي الذي كان يعول على دخول الحكومة يلزمه بعض الوقت ليتأقلم مع وضعه الجديد في المعارضة".
وأشار غزالي، إلى أن "نتائج الانتخابات التشريعية الأخيرة أضعفت بصفة عامة منسوب الثقة في الأحزاب السياسية والدولة على السواء، مما جعل جدوى العمل السياسي موضع شك من طرف مناضلي وأطر الأحزاب السياسية، وهو ما أضعف هذه الأخيرة بما فيها أحزاب المعارضة".
الإعلامي والباحث في علم السياسة والقانون الدستوري، خالد فاتيحي، أكد أنه "إذا كان الوضع الحالي الصعب على المستويين الاقتصادي والاجتماعي يلقي بمسؤولية مضاعفة على حكومة أخنوش، فإنه يضع أيضا المعارضة البرلمانية أمام مسؤوليتها الوطنية، ويختبر مدى قدرتها على اقتراح الحلول العملية والواقعية للمساهمة في إخراج البلاد من أزمتها".
وقال فاتيحي، في حديث لـ"الاستقلال"، إنه "بافتحاص مختلف المبادرات البرلمانية، التي جرى طرحها منذ بداية الولاية التشريعية الجديدة على عهد حكومة أخنوش، نجد أن المعارضة قدمت أزيد من 60 مقترح قانون، وطرحت مئات الأسئلة الكتابية والشفوية، لإثارة مشاكل تعترض المعيش اليومي للمواطن".
ورغم كل هذا الجهد الرقابي، فإنه يبقى، حسب فاتيحي، "محدودا ومحتشما" مقارنة مع حجم الانتظارات وتزايد المطالب الاجتماعية، مرجعا ضعف أداء المعارضة إلى اعتمادها فقط الآليات الرقابية "الكلاسيكية" التي لا تثير المسؤولية السياسية للحكومة.
وأضاف "لم نشهد مبادرات رقابية للمعارضة أكثر قوة تجاه عمل الحكومة، من قبيل تشكيل لجان تقصي الحقائق حول كثير من المواضيع، أو تحريك ملتمس الرقابة لإثارة المسؤولية السياسية للحكومة".
قيود قانونية
في المقابل، يرى فاتيحي، أن عدم لجوء المعارضة لمبادرات رقابية أكثر قوة، يجد تفسيره في القيود القانونية الواردة على تحريك هاته الآليات، لا سيما ما يتعلق بالنصاب القانوني المفترض لتحريكها، خاصة في ظل توفر الحكومة على أغلبية مريحة داخل مجلسي البرلمان.
وكشف الإعلامي والباحث في علم السياسة والقانون الدستوري، أن مختلف التجارب الحكومية المغربية تميزت بـ"همينة العمل الحكومي مقابل تهميش مبادرات البرلمان"، مبينا أن هذا الأمر "تعزز أكثر خلال جائحة كورونا، خصوصا بعد إقرار حالة الطوارئ الصحية التي أطلقت يد الحكومة لتدبير عدد من الملفات دون حسيب ولا رقيب".
وسجل فاتيحي، أن المتتبع للشأن البرلماني، يقف على حجم طلبات استدعاء الوزراء للمثول أمام البرلمان لمناقشة قضايا تثير اهتمام الرأي العام الوطني، دون أن يتم التفاعل معها من قبل الحكومة، والتي كان آخرها رفض وزيرة الانتقال الطاقي، ليلى بنعلي، دعوة المعارضة البرلمانية لمناقشة ارتفاع أسعار المحروقات التي ألهبت جيوب المغاربة.
ووجهت المعارضة بمجلس النواب طلبا مشتركا إلى لجنة "البنيات الأساسية والطاقة والمعادن"، لعقد اجتماع للجنة بحضور وزيرة الانتقال الطاقي، لمدارسة موضوع ارتفاع أسعار المحروقات.
غير أن حكومة أخنوش طلبت تأجيل اللقاء الذي كان مبرمجا عقده في 4 أبريل/نيسان 2022 "إلى أجل غير مسمى"، وهو ما اعتبرته المعارضة تهربا من مساءلة البرلمان.
وسجل رئيس الكتلة النيابية لحزب التقدم والاشتراكية، رشيد حموني، "تملص الحكومة من واجب المثول أمام المؤسسة التشريعية، بعد إلغائها اجتماع لجنة البنيات الأساسية والطاقة والمعادن والبيئة".
ووصف حموني، في تدوينة عبر موقع "فيسبوك" في 3 أبريل 2022، إلغاء الحكومة للاجتماع هروبا إلى الأمام، واختباء من مواجهة الرأي العام، معتبرا أن هذا السلوك الحكومي "ينطوي على استصغار لأدوار البرلمان وممثلي الأمة".
بدوره، قال مصطفى إبراهيمي عضو الكتلة النيابية لحزب العدالة والتنمية، إن "حكومة 8 شتنبر، تتهرب من التواصل ومن مساءلة البرلمان حول المواضيع التي تؤرق المواطنين، وعلى رأسها التهاب الأسعار وبالخصوص أثمنة المحروقات".
واعتبر إبراهيمي، في تصريح نشره موقع الكتلة البرلمانية للعدالة والتنمية في 4 أبريل 2022، أن "تأجيل اجتماع اللجنة المذكورة، يدل على عجز الحكومة عن التواصل، ناهيك عن عدم إيجاد الحلول للتخفيف من معاناة المواطنين".
تشرذم المعارضة
من جهة أخرى، يبين فاتيحي، أنه يمكن تفسير "ضعف" أو محدودية أداء المعارضة، بالنظر إلى حالة "التشرذم" و"الانقسام" الحاصل بين مكوناتها، خاصة في ظل وجود خلافات حادة بين أحد مكوناتها (يقصد حزبي الاتحاد الاشتراكي والعدالة والتنمية).
وتابع أنه "من دون شك فإن غياب الانسجام بين فرق ومجموعة المعارضة، يغذي حالة الضعف التي تميز أداء المعارضة في التعاطي مع كثير من القضايا التي تشغل بال المغاربة، ويحد من قدرة المعارضة في التأثير على العمل الحكومي".
وسبق للكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي، إدريس لشكر، أن دعا النواب البرلمانيين لحزبه، في 22 مارس/آذار 2022، إلى الانسحاب من التنسيق مع العدالة والتنمية في المعارضة.
وأرجع لشكر، سبب موقفه إلى ما أسماه "الخرجات البهلوانية" للأمين العام لحزب العدالة والتنمية، عبد الإله بنكيران، وكذا "عدم وفاء" رئيس الكتلة النيابية للحزب، عبد الله بووانو، بما يتم الاتفاق عليه داخل المعارضة عندما يعود إلى حزبه.
وانتقد لشكر، "هجوم" بنكيران على الاتحاد الاشتراكي في خرجاته الإعلامية الأخيرة، داعيا إلى مواصلة التنسيق مع "الحركة الشعبية" وباقي أحزاب المعارضة.
وكان بنكيران، قد هاجم في 1 يناير/كانون الثاني 2022، لشكر، ووصفه بـ"البلطجي" و"الغدار".
واعتبر بنكيران، في لقاء مع الكتاب الجهويين والإقليميين لحزبه، أن لشكر "مسح بحزبه الأرض، وتسول منصبا وزاريا ولم يجده”.
وأمام هذه المعطيات، يظهر أن الأسباب المساهمة في ضعف حضور وأداء المعارضة متعددة ومتشابكة، منها ما هو ذاتي يتعلق بتركيبة المعارضة و"التشرذم" والصراع بين مكوناتها.
ومنها ما هو موضوعي يهم أساسا تهميش الحكومة لمبادرات المعارضة، وعدم تمكينها من المساحة الزمنية الكافية واللازمة لممارسة مهامها التشريعية وأدوارها الرقابية، مما جعل حضورها يبقى "شكليا ورمزيا".
وفي هذا السياق، يرى أستاذ العلوم السياسية، غزالي، أن "صفحة المعارضة السياسية التقليدية قد طويت في المغرب إلى إشعار آخر".
وشدد على أنه "يجب علينا انتظار تعافي أحزاب المعارضة من إشكالاتها التنظيمية والتصورية، وبناء جسور تعاون وتنسيق فيما بينها".
وختم غزالي حديثه بالقول: "في انتظار ذلك سنكون مقبلين لا قدر الله على اصطدام مباشر بين الدولة والشارع بعد غياب أو تغييب الوسطاء الاجتماعيين".
المصادر
- "العدالة والتنمية": حكومة 8 شتنبر تتهرب من مساءلة البرلمان حول المواضيع التي تؤرق المواطنين
- لشكر يدعو برلمانيي حزبه للانسحاب من التنسيق مع البيجيدي وينتقد خرجات بنكيران : إقرأ المزيد على العمق المغربي
- الفرق والمجموعات النيابية (الولاية التشريعية 2021-2026)
- فرق المعارضة بالبرلمان تستدعي بنعلي بسبب ارتفاع أسعار المحروقات