انتهك الدستور.. ماذا وراء حل "البرهان" مجالس أمناء الجامعات السودانية؟

أحمد يحيى | 3 years ago

12

طباعة

مشاركة

منذ بداية الإجراءات التي وصفت بـ "الانقلابية" بقيادة رئيس المجلس السيادي السوداني الفريق أول عبد الفتاح البرهان، في 25 أكتوبر/ تشرين الأول 2021، والبلد يعيش وضعا مضطربا شديد الخطورة، مع مظاهرات مستمرة، وحالة غضب تضرب قطاعات عدة في هياكل الدولة والمؤسسات العامة السودانية.

كان آخرها ما يتعلق بمجالس أمناء الجامعات السودانية، إذ اتخذ البرهان قرارا بحلها بالكامل في 29 مارس/آذار 2022، ما أحدث ردة فعل حانقة في الأوساط الأكاديمية والشعبية، واصفين إياه بأنه حلقة في مسلسل الانقلاب العسكري المشهود. 

وظهرت التساؤلات عن أسباب اتخاذ قائد الجيش هذا القرار؟ والتداعيات المنتظرة من ورائه. 

إحلال وحلول 

ورد في حيثيات قرار البرهان الذي جاء في بيان من قبل المجلس السيادي، أن الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان اتخذ قرارا بحل مجالس أمناء الجامعات الحكومية، وعلى الجهات المختصة وضع القرار موضع التنفيذ. 

وكشفت الناطق الرسمي باسم مجلس السيادة سلمى عبد الجبار المبارك، عن "إجازة هيكل استثنائي لأساتذة الجامعات لهذا العام على أن تجرى مراجعته خلال النصف الثاني من موازنة العام 2022 وصولا إلى الهيكل الأنسب والمرضي لطموحات أعضاء هيئة التدريس بالجامعات"، وفق بيان ثان للمجلس.

وأكدت المبارك أن "هذه الخطوة جاءت بعد تداول مستفيض بين وزارة التعليم العالي والبحث العلمي ووزارة المالية والتخطيط الاقتصادي وأساتذة الجامعات"، وجميعهم يعملون تحت إشراف المجلس السيادي، الذي يحكم البلاد منفردا منذ إجراءات البرهان (الانقلابية). 

وبالتبعية بعد إجراءات الحل مباشرة، أتبع البرهان تلك الخطوة بتعيين 30 مديرا جديدا للجامعات السودانية، وذلك في نفس اليوم، حيث شمل القرار وضع أسماء رؤساء الجامعات الثلاثين المعينين.

وتوجد في السودان 31 جامعة حكومية موزعة على 31 ولاية. ووفق البيان، جرى استثناء تعيين مدير جديد لجامعة "الضعين" بشرق دارفور‎ غربي البلاد ولم يذكر سببا لذلك.

غير دستوري 

أما السبب الرئيس لإقدام البرهان على قرار حل مجالس أمناء الجامعات، هو تعليق الدراسة في عدد من الجامعات في البلاد، رفضا للانقلاب العسكري، بحسب ما ذكرت وسائل الإعلام السودانية، والأكاديميون المعارضون للحدث. 

ومنذ 6 نوفمبر/تشرين ثان 2021، قررت مجالس عمداء جامعات "الخرطوم" و"كردفان" و"البحر الأحمر" و"الجزيرة" والسودان للعلوم والتكنولوجيا والنيلين (حكوميات) تعليق الدراسة إلى أجل غير مسمى.

وأرجعت هذه الجامعات أمر التعليق إلى أسباب عديدة بينها رفضها اعتداء قوات الأمن على الطلاب والطالبات، والحفاظ على سلامتهم في ظل الاضطرابات بالبلاد، بعد إجراءات الإطاحة بالمكون المدني في الحكم. 

وقال رئيس مجلس أمناء جامعة الخرطوم سلمان محمد أحمد سلمان في بيان، إن "سلطات تعيين أعضاء مجلس الجامعة حسب الوثيقة الدستورية لعام 2019 وقانون جامعة الخرطوم لعام 1995 هي لرئيس الوزراء بصفته الراعي للجامعة".

وأردف: "لا يوجد في الوثيقة الدستورية أو في قانون جامعة الخرطوم أو في أي قانون آخر فقرة عن الجهة التي تملك صلاحيات حل المجلس ما يعني أنه يتمتع بالحماية القانونية التامة خلال سنواته الأربعة ولا تملك أي جهة صلاحيات حله". 

وشدد: "أن قرار البرهان بلا سند دستوري وباطل مثله مثل كل القرارات التي صدرت بعد انقلاب 25 أكتوبر على السلطة الشرعية والدستورية التي كانت قائمة قبل الانقلاب". 

بلا قيمة 

وفي 30 مارس/ آذار 2022، أعلن عضو المجلس السيادي السابق صديق تاور أن "قرارات البرهان الصادرة بشأن حل مجالس أمناء الجامعات، وتعيين مديرين جددا، لا قيمة لها وليس لها أي سند دستوري وصادرة من وضعية انقلابية لا شرعية لها". 

وأكد تاور أن "الغرض من هذه القرارات هو عزل الأساتذة الوطنيين كي لا يؤدوا دورهم الطليعي ضمن الحراك السياسي الجاري، لتعديل الأوضاع لصالح الحكم المدني والتحول الديمقراطي".

فيما وصفت رئيسة مجلس العمداء في جامعة الخرطوم فدوى عبد الرحمن طه، "قرارات البرهان بأنها غير قانونية، وتمثل تعديا على صلاحيات رئيس الوزراء". وقالت: "إن الأساتذة في جامعة السودان سيبدؤون إضرابا مفتوحا للاحتجاج على هذه القرارات". 

وانتقد المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان قرار عبد الفتاح البرهان حل مجالس أمناء الجامعات الحكومية، وتعيين 30 مديرا جديدا مع نوابهم.

وقال المرصد في بيان أصدره عقب الإعلان: "إن القرار اعتداء تعسفي جديد على الكيانات المدنية في البلاد". 

ونبه إلى "العواقب الوخيمة التي قد تنجم عن تدخل سلطة الأمر الواقع في عمل وهيكلية الجامعات والمؤسسات الأكاديمية، إذ يمكن أن يؤثر ذلك على سير العملية التعليمية، واعتراف المؤسسات الأكاديمية خارج السودان بشهادات الطلاب بسبب الشكوك حول خلفية إداراتها".

كما "أبدى خشيته من أن يكون للقرار دوافع انتقامية وعقابية، بعدما أعلنت سابقا عدد من مجالس الجامعات التي صدر قرار بحلها رفضها للانقلاب العسكري، وأيدت الاحتجاجات المتواصلة ضده". 

وفي 6 نوفمبر/ تشرين الثاني 2021، أعلنت جامعة الخرطوم، وقف الدراسة إلى أجل غير مسمى، وأدانت اعتداءات الأمن على الطلاب.

وشجب البيان اعتداءات الأمن السوداني على طلاب الجامعة وطالباتها داخل السكن الجامعي، كما شدد مجلس أمناء الجامعة على رفضه "الانقلاب العسكري".

ضربة مفصلية 

يرى الأكاديمي السوداني عمر الخضر، أن "قرار حل مجلس أمناء الجامعات السوداني، ليس انتهاكا للدستور والأعراف العامة فحسب، بل ضربة مفصلية وغير محسوبة لمنظومة التعليم، وسمعة الجامعات السودانية على الصعيد العالمي".

وأكد في حديثه لـ"الاستقلال" أن ما يجرى هو انتهاك من قبل سلطة عسكرية لأعلى هيئة أكاديمية وعلمية في البلاد. 

وأضاف الخضر أن "هذه خطوة لها ما بعدها فالبرهان لا ينتقم من مجالس أمناء الجامعات فحسب، بل يريد أن يفرض قبضته على تلك المؤسسات العريقة التي تسبب له القلاقل وهي من الروافد الرئيسة للمظاهرات وحركة التغيير في البلاد".

فمن جهة يسيطر على الأساتذة، ومن جهة أخرى يقمع الطلاب، ويهزم الحركة الطلابية النشطة، التي تواجهه على جميع الأصعدة، وتعتبر الصخرة الجامدة في طريق انقلابه العسكري، وفق قوله. 

وشدد الخضر بالقول: "يجب على العقلاء من الأكاديميين السودانيين وأساتذة الجامعات أن يتضامنوا ولا يتماهوا أبدا مع تلك الخطوة الاستبدادية".

وأكد أن "كسر الحاجز واختراقه سيسمح مستقبلا أن تكون ساحات الجامعات السودانية مرتعا لكل من أراد أن يعبث من أصحاب السلطة والقرار، وسيصبح الأمر مسيسا بامتياز، لا مكان فيه لديمقراطية أو دستور".

وظيفة المجلس 

يعد مجلس أمناء الجامعات الذي جرى حله من قبل البرهان، هيئة رسمية بموجب "قانون جامعة السودان العالمية لسنة 2008". 

ووفقا للمواد "8 و9" من القانون، "ينشأ مجلس يسمى "مجلس أمناء الجامعة"، ويكون مسؤولا عن أداء الجامعة العلمي والإداري والمالي.

أما أبرز اختصاصاته فتتمثل في: "إجازة الموازنة السنوية للجامعة وتقديم التوصية للمجلس القومي بإنشاء الكليات والمعاهد والمراكز والأقسام". 

وكذلك: "استقطاب الموارد المالية، تحديد اختصاصات ومسؤوليات شاغلي المناصب العلمية والإدارية القيادية العليا، الموافقة على إبرام العقود والاتفاقيات اللازمة أو المناسبة لتحقيق أغراض الجامعة، الموافقة على إنشاء المنشآت والمرافق بالجامعة بناء على توصية الرئيس".

وأيضا فهو "مسؤول عن إصدار النظم الأساسية واللوائح والقواعد التي تنظم عمل الجامعة، وتحديد الرسوم الدراسية ورسوم التسجيل والمنح، وإنشاء الوظائف التي يعين فيها العاملون أو إلغاء تلك الوظائف وإجازة الشروط التي يجرى بمقتضاها التعيين والترقي وفق المعايير التي يحددها مجلس الأمناء".

بالإضافة إلى: "تنمية أموال الجامعة واستثمارها عن طريق المساهمة في شركات أو شراكات أو أي مشروعات أخرى يراها مناسبة، وقبول التبرعات والهبات والأوقاف والوصايا وغيرها وتحديد أوجه استغلالها على ألا يتعارض ذلك مع أغراض الجامعة".

ومن مهامه أيضا تعيين المراجع القانوني للجامعة ومناقشة تقريره السنوي أو أي تقرير آخر يقدمه، ووضع السياسات والخطط الرامية الى تطوير الجامعة والارتقاء بها أكاديميا وإداريا وماليا، وحق إغلاق الجامعة بعد موافقة المجلس القومي. 

ووفقا للمادة "34" من القانون "يجوز لمجلس الأمناء أن يصدر لوائح وقواعد وأوامر ينظم بها العمل في الجامعة، وجميع المسائل الأخرى التي تحتاج إلى تنظيم بما يمكن من تحقيق أغراضها".