توقيت لافت.. ماذا وراء خلافات رئاسة برلمان العراق بين قوى التحالف الثلاثي؟
لم تمض سوى أربعة أيام على مهلة الـ40 يوما التي منحها زعيم التيار الصدري بالعراق، مقتدى الصدر، إلى خصومه لتشكيل الحكومة بمعزل عنه، حتى تفجر خلاف داخل تحالف "إنقاذ وطن" الثلاثي الذي يمتلك الأغلبية البرلمانية، ويقوده الصدر.
وجاء إعلان الصدر، في 31 مارس/ آذار 2022، بعدما أخفق التحالف الثلاثي (التيار الصدري، تحالف السيادة السني، الحزب الديمقراطي الكردستاني) لمرتين في تحقيق نصاب جلسة انتخاب رئيس الجمهورية التي تشترط حضور ثلثي أعضاء البرلمان 220 من أصل 329.
تفجر الخلاف
وفي سابقة تعد الأولى من نوعها منذ الانتخابات البرلمانية الأخيرة في 10 أكتوبر/ تشرين الثاني 2022، وإعلان القوى الثلاث التحالف فيما بينها من أجل تشكيل حكومة أغلبية، ظهر الآن خلاف حاد بين "السيادة" والتيار الصدري.
وكشف نائب عن تحالف "السيادة" السنّي، عن تنازع بين رئيس البرلمان محمد الحلبوسي (سني)، ونائبه الأول حاكم الزاملي (شيعي من التيار الصدري) على صلاحيات رئاسة البرلمان، إذ ألغى الأول مصطلح "هيئة الرئاسة" كونه لم يرد في الدستور، الأمر الذي رفضه الثاني ولم يمتثل إليه.
وقال النائب مشعان الجبوري، خلال تغريدة على "تويتر" في 4 أبريل/ نيسان 2022، إن "تنازع الزاملي مع الرئيس الحلبوسي وإصراره على أنه جزء من هيئة رئاسة (مجلس النواب) وليس نائبا للرئيس يهدد تحالف (إنقاذ وطن) بالتصدع إن لم يتدخل السيد الصدر".
وأضاف الجبوري: "علما أن وصف هيئة الرئاسة لم يرد مطلقا في الدستور، والمحكمة الاتحادية أكدت عدم وجود شيء اسمه هيئة رئاسة البرلمان، وإنما رئيس ونائباه!".
وتناقلت مواقع إخبارية محلّية في 4 أبريل مخاطبات رسمية، عن وجود خلاف وتنازع في الصلاحيات بين رئيس البرلمان محمد الحلبوسي، ونائبه الأول حاكم الزاملي.
وحسب وثائق مسربة، فإن الحلبوسي وجه بتغيير تسمية (هيئة الرئاسة)، في المخاطبات الرسمية نهاية مارس/آذار 2022، لكن علي محمد حسين، مستشار الزاملي، وجه عبر كتاب رسمي، بشأن عدم تغيير الصفة الخاصة بهيئة الرئاسة لمخالفتها قانونيا.
ويشكل تحالف "إنقاذ وطن" مجتمعا نحو 170 نائبا، حيث استطاع أن يمرر انتخاب رئيس للبرلمان من المكون السني، ورشح شخصية كردية لرئاسة الجمهورية، وأخرى شيعية لمنصب رئيس الوزراء، حسب العرف السياسي المتبع في العراق بعد عام 2003.
تنازع الزاملي مع الرئيس الحلبوسي واصراره على انه جزء من هيئة رئاسة وليس نائباً للرئيس يهدد تحالف "انقاذ وطن" بالتصدع ان لم يتدخل السيد الصدر
— مشعان الجبوري (@mashanaljabouri) April 4, 2022
علماً ان وصف هيئة الرئاسة لم يرد مطلقا في الدستور، و المحكمة الاتحادية أكدت عدم وجود شيء اسمه هيئة رئاسة مجلس النواب، وانما رئيس ونائباه! pic.twitter.com/fRVxaqjDGL
تحالف هش
وبخصوص تداعيات هذا الخلاف بين أطراف "إنقاذ وطن" يقول مدير مركز "القرار" السياسي، حيدر الموسوي، إن "الإطار التنسيقي (تحالف القوى الشيعية الموالية لإيران) كان الأقرب إلى تحالف السيادة كونه لا يمتلك النزعة في مصادرة القرار، خصوصا وأن رئاسة البرلمان هي من حصة المكون السني".
ورأى الموسوي في تصريحات صحفية يتاريخ 4 أبريل، أن "التحالف الثلاثي هش بسبب التقاطعات الكبيرة بين المتحالفين، فضلا عن عدم وجود أبعاد إستراتيجية بعيدة الأمد، ما يشير إلى انقطاع عقد التحالف في أي لحظة".
وتوقع الخبير السياسي أن "يقوم الصدر بالضغط على الزاملي، من أجل الحفاظ على تحالفه"، لافتا إلى أن "الأمور سوف تتفجر فيما بعد خصوصا وأن الحادثة هي ليست الأولى من نوعها".
وفي السياق، رأى المحلل السياسي العراقي صلاح الموسوي، أن الخلاف أصبح "يتطلب تدخلا مباشرا من زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، على اعتبار أن الحلبوسي هو حليف التيار في تحالف إنقاذ وطن، وأن ما يجرى هو اشتباك إداري".
وأضاف الموسوي خلال تصريحات صحفية في 4 أبريل، أن "التحالفات الحالية هشة ومرحلية لحسم التشكيلة الحكومية، ولا تنطبق على أطرافها تسمية الحلفاء الحقيقيين، إذ سنشهد تفجر الخلافات بعد تشكيل الحكومة".
وأكد أن "المحكمة الاتحادية ألغت قضية هيئة رئاسة البرلمان، وإثارة هذا الموضوع من الزاملي غريب، ويطرح تساؤلات عما يجرى خلف الكواليس من أمور دفعت لإثارة هذا الأمر"، واصفا ما يجرى بأنه "صراع على السلطة البرلمانية، فالمهمة منها أصبحت بيد التيار الصدري، وبالتالي هو صراع هيمنة".
وعلى الصعيد ذاته، نقلت مواقع محلية عن الخبير القانوني أمير الدعمي في 4 أبريل، قوله إن "المادة 55 من الدستور نصت على انتخاب الرئيس في الجلسة الأولى ومن ثم نائبيه الأول والثاني".
وأضاف الدعمي أنه "وفي قانون رقم 13 لسنة 2018 قانون البرلمان وتشكيلاته عرف المجلس ونص في البند الرابع على رئيس البرلمان وورد في البند الخامس نائبا الرئيس الأول والثاني".
وأكد الخبير القانوني أن "المحكمة الاتحادية فصلت بقرارها 87/ 2010 بأن الدستور لم يرد فيه ما يسمى هيئة الرئاسة، بل نص في المادة 63، أولا بأن الدستور أورد للمجلس رئيس ونائب أول وثان، ولم يذكر ما تسمى هيئة الرئاسة التي تعتبر دخيلة على النصوص الدستورية وعرف خاطئ ينتهك الدستور".
توقيت لافت
وعلى صعيد توقيت تفجر الخلاف بين الحلبوسي والزاملي والذي جاء بعد مهلة الصدر مباشرة، قالت مصادر سياسية عراقية لـ"الاستقلال"، إن "الحلبوسي يعتزم زيارة النجف للقاء زعيم التيار الصدري، لإنهاء تغول نائبه على صلاحياته في إدارة البرلمان".
وأوضحت أن "الحلبوسي يريد أن يبلغ الصدر بأنه سينسحب من التحالف الثلاثي بسبب الخلافات مع الزاملي، وبذلك فإن رئيس البرلمان يكون قد مسك التيار الصدري من اليد التي تؤلمه، لأن خصوم الصدر (الإطار التنسيقي الشيعي) ينتظرون بفارغ الصبر تحالف السيادة السني وتشكيل حكومة توافقية معهم".
ولفتت المصادر التي طلبت عدم الكشف عن هويتها إلى أن "التيار الصدري يُشعر الحلبوسي دائما بأنه هو من جاء به إلى منصبه لولاية ثانية، وبالتالي عليه أن يصمت حيال تغول الزاملي على صلاحيات منصب الرئيس، وهذا الأمر لن يقبل به الحلبوسي قطعا".
وأكدت المصادر أن "التيار الصدري يسعى إلى الهيمنة على جميع المناصب في الدولة العراقية، فهو خلال الدورة الماضية للبرلمان والحكومة الحالية لرئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، يمسك بمفاصل مهمة في مؤسسات الدولة، لا سيما في الرئاسات الثلاث (البرلمان، الحكومة، الجمهورية)".
وفي هذا الصدد، يؤكد المحلل السياسي العراقي يونس الكعبي أن "هذا الصراع بدأ من الجلسة الأولى للبرلمان، حيث ظهر أن هناك نفوذا واسعا للزاملي بممارسة دور كبير، ما يتقاطع مع طموح الحلبوسي الذي يرغب بالتفرد في إدارة السلطة التشريعية".
وأضاف الكعبي أن "الصراع وصل إلى العلن، ونشرت الكتب الرسمية والإعمامات من الرئيس ونائبه الأول، حتى أن كل شخص منهم وزع عددا من الكتب تخص الصلاحيات، ولكن وصول الأمر لهذه الحالة يرسم لنا عمق الخلاف بين الشخصيتين، الذي سينعكس أيضا على التحالف الثلاثي الذي يجمعهما".
وأشار المحلل السياسي خلال تصريح له في 4 أبريل، إلى أن "هذا الخلاف يدخل ضمن محاولة الهيمنة على عمل البرلمان، وأن الزاملي لن يرضى أن يكون وصيفا للحلبوسي في إدارة البرلمان، ويريد أن تكون الرئاسة مجتمعة وليس بقرارات منفردة من الحلبوسي".
وكان النائب الثاني لرئيس البرلمان، شاخوان عبد الله (كردي)، قال إن "البرلمان سيقوم باتخاذ الإجراءات القانونية ومحاسبة الذين سربوا ونشروا الكتب والمخاطبات الداخلية للمجلس، وهي تتعلق بالمشاكل حول بعض المصطلحات والمفردات القانونية في تحديد المهام والصلاحيات".
وأوضح عبد الله خلال بيان صدر عن مكتبه في 4 أبريل، أن "البرلمان سيعالج هذه الجزئية وفق مواد الدستور والنظام الداخلي وقانون البرلمان لسنة 2018".