"لسنا عبيدا لكم".. هكذا أحبط رئيس وزراء باكستان "مؤامرة أميركية" لعزله
عمليات ضغط وابتزاز مستمرة تمارسها القوى الكبرى ضد حلفائها الأضعف، لكن قليلا من زعماء هذه الدول من فضح هذا "الابتزاز" أو رفضه، آخرهم رئيس الوزراء الباكستاني، عمران خان، الذي فجر مفاجأة بتأكيده علنا، تلقيه تهديدا من واشنطن بإسقاط حكومته، إثر رفضه "الدوران في فلكها وتنفيذ مطالبها".
ومع أنه كان مهددا بالإقالة بعد فقدانه الأغلبية البرلمانية، اتهم خان الولايات المتحدة بقيادة مؤامرة لإسقاطه برلمانيا، ونجح في 3 أبريل/نيسان 2022 في إسقاط تصويت المعارضة بسحب الثقة منه بعدما كشف أنها "خطة أميركية".
انتصار معنوي
ورفض مشروع التصويت على سحب الثقة من خان؛ لوجود تدخل خارجي ودعم خارجي، يتنافى مع مبدأ الولاء لباكستان، وفق المادة 5/أ من الدستور الباكستاني.
ويعني ذلك انتصار رئيس الوزراء في جولة الصراع مع المعارضة وأميركا، ومواجهة المعارضة الباكستانية تهم الخيانة والتعامل مع دول أجنبية، حسبما أكد المحلل الإستراتيجي الباكستاني، حذيفة فريد، عبر صفحته على "فيسبوك"، في 3 أبريل 2022.
"خان" لم يكتف بتحقيق هذا الانتصار، لكنه أعلن عن حل البرلمان وإجراء انتخابات مبكرة خلال ثلاثة أشهر، يضمن بموجبها تحقيق فوز كبير فيها لأنها "ستكون ضد أميركا لا المعارضة".
انتصار "خان" على الغرب جاء بعد نقله الصراع إلى الشارع، حيث دعا في حديث لتلفزيون محلي في 2 أبريل/نيسان 2022 إلى احتجاجات سلمية على مستوى البلاد، وصعد مع الغرب متهما إياه بـ"محاولة اغتياله".
سبب أزمة "خان" مع الولايات المتحدة أنها غضبت منه إثر رفضه الاصطفاف مع المحور الغربي ضد روسيا بعد غزوها أوكرانيا، وقال إنه "لا ناقة ولا جمل لبلاده في هذا الصراع".
وغضبت أيضا لأنه رفض الموافقة على إقامة قاعدة عسكرية أميركية، وزار موسكو يوم بدء الغزو الروسي لأوكرانيا في 24 فبراير/شباط 2022 وتحدث عن "علاقة حميمة" مع روسيا.
واندلعت الأزمة السياسية في باكستان بعد أن قدمت المعارضة عريضة لسحب الثقة من خان، مدعية أنه "قام بجلب العداوة مع الدول الأوروبية برفضه اتخاذ موقف مندد بالعملية العسكرية الروسية في أوكرانيا".
"لسنا عبيدا لكم"
وبدأ الصراع بين خان والغرب حين صرح في 7 مارس/آذار 2022 أن باكستان "ليست عبدا" للأوروبيين، بعد مطالبة سفراء الاتحاد الأوروبي إسلام آباد بإدانة الغزو الروسي لأوكرانيا، قائلا: "هل نحن عبيد لكم تطلبون أن أفعل شيئا، فأفعل؟!".
وبعدما اتسع الخلاف مع أميركا، لرفضه إقامة قواعد عسكرية لها، قال: "هددوني بإسقاط حكومتي لأني رفضت"، وكشف عن مذكرة أميركية تطالب بإسقاطه، وأصر على أن سياسة إسلام آباد الخارجية "مستقلة ولا تصطف ضد أحد".
وتزامن ذلك مع حشد معارضيه في البرلمان لعزله واتهامه واشنطن بدعم المعارضة ضده لإسقاطه، وتخلي بعض حلفائه في التحالف الحاكم عنه، ما أضعف أغلبيته في البرلمان وهدد بانتهاء حكمه.
محللون سياسيون أكدوا أن خان على خلاف أيضا مع الجيش الباكستاني القوي الذي يعتبر دعمه حاسما لأي حزب يتولى السلطة، ما قد يزيد التهديدات بعزله.
وما فعله خان، الذي قاد معارك عديدة مع الغرب واتهمه بانتهاج الإسلاموفوبيا ضد المسلمين، واستغلال "الإرهاب" لأهداف سياسية، يتعارض مع "انبطاح كثير من الحكام العرب".
وعكس سعي هؤلاء الحكام لتشكيل حلف مع إسرائيل وأميركا وتقديم قواعد عسكرية لحماية عروشهم، لجأ "خان" إلى الشعب وتصدى للغرب.
"خان" سبق أن اتهم الغرب عام 2018 باستغلال "الحرب على الإرهاب" لتشويه المسلمين، وقال إن "مصيدة الإرهاب هي من صنع الغرب وأتباعه".
ما القصة؟
في 31 مارس/آذار 2022، وجه خان خطابا مباشرا إلى شعبه رفض فيه دعوات قوى المعارضة له بالاستقالة، واتهم الولايات المتحدة بمحاولة الإطاحة بحكومته عبر تصويت برلماني لسحب الثقة.
وقال خان: "لن أدع هذه المؤامرة تنجح بأي ثمن، لن أستقيل وسأقف في وجه التدخل الأجنبي"، رافضا اتهامات المعارضة بـ"سوء إدارة السياسات الاقتصادية والخارجية" لباكستان، مؤكدا أن ارتفاع الأسعار "أزمة عالمية لم يتسبب هو فيها".
واتهم رئيس الوزراء الباكستاني، الولايات المتحدة بإرسال مذكرة (إنذار) إلى سفير إسلام آباد بتشكيل "مؤامرة أجنبية" للإطاحة به، لغضبها من تقاربه مع روسيا.
وفي خطابه للشعب، قال خان: "تلقينا رسالة من أميركا .. أوه .. ليس أميركا، أعني دولة أجنبية لا أستطيع تسميتها.. يقولون إنهم غاضبون من باكستان وأنهم سيغفرون لباكستان إذا خسر خان اقتراح حجب الثقة!".
وتابع: "يقولون إذا فشل التصويت (على حجب الثقة عنه)، فسيتعين على باكستان مواجهة عواقب وخيمة، بحسب المذكرة الأجنبية".
وأكد خان "أنهم (الأجانب أو أميركا كما قال في زلة لسان) كانوا على علم بمقترح سحب الثقة قبل طرحه في البرلمان، ما يعني أنهم (المعارضة) كانوا على اتصال مع الغرباء".
وأوضح أن "المؤامرة كانت تهدف إلى معاقبته لاتباعه سياسة خارجية مستقلة لباكستان"، في إشارة إلى زيارة روسيا وسعيه لعلاقات متوازنة محايدة.
تدخل سافر
صحفيون في قنوات إخبارية رئيسة في باكستان قالوا إن الرسالة المعنية تم تسليمها إلى سفير إسلام آباد المنتهية ولايته بواشنطن في 7 مارس/آذار 2022، أي قبل يوم من تحرك المعارضة للتصويت على حجب الثقة في البرلمان.
خان انتقد في خطابه أميركا بشدة قائلا: "باكستان انضمت إلى الحرب الأميركية (في أفغانستان) بتكلفة عشرات الآلاف من الضحايا وخسائر اقتصادية بمليارات الدولارات، لكنها لم تلق إشادة منهم، فهل شكر أحد باكستان على ما فعلناه؟".
ودافع عن زيارته إلى موسكو قائلا إنها "كانت مخططة قبل وقت طويل من غزو أوكرانيا، والقادة الأوروبيون أنفسهم ذهبوا إلى روسيا، فلماذا تسأل باكستان وحدها: لماذا ذهبت؟ كأننا خدامهم".
في نفس اليوم، رفضت واشنطن الاتهامات، وقال المتحدث باسم الخارجية، نيد برايس، أن "هذه المزاعم لا صحة لها، ونحترم وندعم العملية الدستورية في باكستان"، بحسب إذاعة "صوت أميركا" في 31 مارس/آذار 2022.
كما سارع زعماء المعارضة بنفي "مزاعم خان"، ووصفوها بأنها "لا أساس لها"، وقالوا إنها نابعة من إحباطه من "هزيمة أكيدة في تصويت البرلمان".
خطاب "خان" جاء بعدما ترأس اجتماعا طارئا للجنة الأمن القومي، التي تضم القيادة المدنية والعسكرية العليا لباكستان، لمناقشة "مذكرة التهديد".
وخلص الاجتماع إلى أن هذه المذكرة "تدخل سافر في الشؤون الداخلية لباكستان من قبل الدولة المعنية (أميركا)، وهو أمر غير مقبول تحت أي ظرف من الظروف".
اللجنة أعربت عن قلقها البالغ إزاء "المذكرة"، واصفة اللغة التي استخدمها المسؤول الأجنبي بأنها "غير دبلوماسية"، حسبما جاء في بيان صدر عن مكتب رئيس الوزراء عقب الاجتماع.
وبعد خطابه بـ24 ساعة، عاد رئيس الوزراء الباكستاني ليؤكد في 1 أبريل/نيسان 2022 أن حكومته سلمت احتجاجا رسميا إلى السفارة الأميركية بشأن ما وصفه بتدخل واشنطن في شؤون البلاد.
ولدعم رئيسه، حشد حزب "تحريك إنصاف" الحاكم في باكستان، مظاهرات مناصرة لخان، مرددين هتافات "تسقط أميركا"، وأحرق بعضهم أعلامها.
أصعب أزمة
قبل التصويت الملغي في البرلمان، كان رئيس الوزراء الباكستاني يواجه أصعب أزمة سياسية منذ انتخابه عام 2018، ويبدو مستقبله السياسي ضبابيا بشكل متزايد، خاصة بعدما تخلى عنه حليفه الرئيس في التحالف الحاكم وهو ما استغلته واشنطن.
حزب "إنصاف" الحاكم برئاسة خان يمتلك في مجلس النواب المؤلف من 342 عضوا، 155 مقعدا ويعتمد على حلفائه لنيل الأغلبية البسيطة المقدرة بـ172مقعدا.
ويتشكل التحالف المؤيد لخان من الرابطة الإسلامية الباكستانية، و"الحركة القومية المتحدة"، وحزب بلوشستان عوامي، وعدد من النواب المستقلين.
لكن "خان" فقد هذه الأغلبية البسيطة بعد انشقاق أكثر من 12 نائبا عن حزبه، ما زاد من خطر وقوع اضطرابات سياسية في هذا البلد الذي يمتلك أسلحة نووية.
بالمقابل، كانت المعارضة، التي لديها بالفعل 163 مقعدا في مجلس النواب، تحتاج إلى 10 أصوات إضافية فقط للإطاحة بخان وحكومته.
12 نائبا من حزب رئيس الوزراء (إنصاف) انشقوا عنه وأعلنوا التصويت ضده، و"الحركة القومية المتحدة"، الشريك الرئيس لـ"خان" أعلن في 30 مارس/آذار 2022 أن نوابه السبعة سيصوتون مع المعارضة.
كان هذا يعني ضمان المعارضة، بقيادة الرئيس السابق آصف علي زارداري، ورئيس الوزراء السابق نواز شريف، الأصوات اللازمة للإطاحة بـ"خان" داخل البرلمان، طبقا لصحيفة "الغارديان" البريطانية في 31 مارس/آذار 2022.
وجاءت محاولات الإطاحة بخان قبل أكثر من عام من الانتخابات العامة في 2023، لكن بادر عقب انتصاره على المعارضة بحل البرلمان وإجراء انتخابات جديدة أملا في الاستفادة من زخم الصراع مع الغرب ليعود أكثر قوة.
معضلة العلاقات
وتشهد العلاقات الباكستانية- الأميركية توترا منذ فترة بسبب الانسحاب الأميركي من أفغانستان عام 2021 وتقليص دعمها لإسلام آباد.
وزاد التوتر في تعزيز باكستان لعلاقاتها مع موسكو ورفضها إقامة قواعد أميركية.
وثمة مسألة خلافية أخرى بين إسلام آباد وواشنطن، هي الإقبال الباكستاني على التسلح من الصين، حيث أنفقت عام 2021، أكثر من 750 مليون دولار على واردات الأسلحة من الصين، وفقا لمعهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام.
ويرى الأستاذ في جامعة سنغافورة الوطنية، سجاد أشرف، أن "الانسحاب الأميركي من أفغانستان وانتصار حركة طالبان اختبر بشكل جدي علاقة باكستان الثنائية المشحونة مع أميركا".
واعتبر في تقرير نشره موقع "منتدى شرق آسيا" في 1 مارس/آذار 2022، أن "مشكلة العلاقات بين واشنطن وباكستان أنها تخدم مصالح أميركا فقط، ففي كل مرة تلبي باكستان ما تحتاجه الولايات المتحدة يتم التخلص منها لاحقا".
وأشار إلى أنه "بعد الانسحاب السوفياتي من أفغانستان عام 1989، ورغم الدور الباكستاني في دحر السوفييت، فرضت الولايات المتحدة عقوبات تتعلق بالمجال النووي على باكستان، بدل أن تكافئها على خدماتها، وتكرر ذلك في 2021 مع الانسحاب من أفغانستان".
وقال أشرف "هناك شبه إجماع في باكستان مفاده أن أميركا غالبا ما تلقي بفشل سياستها على أكتاف باكستان كما حدث في أفغانستان، وتجعل إسلام أباد كبش فداء".