"محاولات يائسة".. إستراتيجية عراقية لمنع عبور عناصر تنظيم الدولة من سوريا
أعاد هجوم تنظيم الدولة على سجن لعناصره شمال شرقي سوريا، في 20 يناير/كانون الثاني 2022 الحسابات الأمنية للجار العراقي من ناحية تدعيم الحدود.
وبدت القوات العراقية أكثر تركيزا على مسألة صد محاولات تنظيم الدولة لتجميع قواه عبر انتقال خلاياه المتوارية في سوريا إلى غرب العراق.
حاجز خرساني
ومن أجل ذلك، أعلن العراق في 27 مارس/آذار 2022 الانتهاء من بناء حاجز خرساني بمحافظة نينوى غرب البلاد على الحدود مع سوريا، بدءا من قضاء سنجار العراقي، المقابل للأراضي السورية من ناحية شرق مدينة الشدادي بريف الحسكة الجنوبي، على أن يمتد إلى كامل الحدود، وفق ما ذكر مصدر عسكري عراقي لوكالة الأنباء الفرنسية.
ويبلغ ارتفاع الجدار الذي جرى الانتهاء منه "ثلاثة أمتار ونصف المتر" ويمتد على طول "عشرة كيلو مترات"، على أن تستكمل عمليات البناء من دون تحديد الطول النهائي للجدار أو موعد انتهاء العمل به.
وبحسب المصدر، فإن الهدف من الحاجز هو قطع الطريق أمام تسلل عناصر من تنظيم الدولة، التي لا تزال تنشط في الجانب السوري المقابل للجدار، موضحا أنه "جرى نشر قوات أمنية خلف هذا الساتر".
وما تزال القوات العراقية تلاحق خلايا نائمة لتنظيم الدولة بالعراق في مناطق جبلية وفي البادية المتصلة مع سوريا، رغم إعلان بغداد هزيمته.
وأواخر عام 2017 طرد التنظيم من كل المدن الرئيسة التي سيطر عليها عام 2014 في العراق، بعد إعلان ما تسمى "دولة الخلافة" المزعومة بظهور أبو بكر البغدادي.
والبغدادي الزعيم الأول للتنظيم (قتل في 27 أكتوبر/تشرين الأول 2019 بسوريا) ظهر لأول مرة في جامع النوري بالموصل في يوليو/تموز من العام 2014 ونصب "نفسه خليفة".
ووفق تقرير للأمم المتحدة نشر في فبراير/ شباط 2022، فإن تنظيم الدولة يحافظ على وجود سري كبير في العراق وسوريا، ويشن تمردا مستمرا على جانبي الحدود بين البلدين مع امتداده على الأراضي التي كان يسيطر عليها سابقا.
وقال التقرير إن التنظيم ما زال يحتفظ بما مجموعه عشرة آلاف مقاتل نشط في هذين البلدين وحدهما.
وتبلغ طول الحدود العراقية السورية، والتي يصعب غالبا السيطرة عليها لأنها منطقة صحراوية 610 كيلومترات.
وتعد المناطق الحدودية من جهة البادية السورية تحت نفوذ نظام بشار الأسد والمليشيات الإيرانية، باستثناء بعض البقع المليئة بالثغرات مع العراق تسرح وتمرح بها خلايا تنظيم الدولة.
كما أن هناك جزءا كبيرا من الحدود على الجانب السوري لا يزال في أيدي قوات سوريا الديمقراطية "قسد" المدعومة من الولايات المتحدة.
وهذا الجزء المذكور يبدأ من الضفة اليسرى لنهر الفرات في دير الزور وصولا إلى محافظة الحسكة عند التقاء الحدود العراقية التركية.
وهنا يجدر التنويه إلى أن كتائب حزب الله العراقية التابعة لإيران والتي تعد جزءا من مليشيا الحشد الشعبي التي ترعاها الدولة العراقية، تتولى رصد ومراقبة الحدود فقط عند مدينة البوكمال السورية الحدودية مع العراق، والتي تعد مركز ثقل المليشيات الإيرانية وبوابة إيران البرية لسوريا منذ أواخر عام 2017.
حدود مخترقة
وإلى الآن لم تنجح كل عمليات التمشيط التي يجريها نظام الأسد بدعم من مليشيات حليفتيه روسيا وإيران، في تقطيع أوصال البادية السورية ذات المنبع اللوجستي الكبير لتنظيم الدولة كونها ممتدة مع الحدود العراقية وصولا إلى صحراء الأنبار التي تتموضع فيها جيوب كبيرة للتنظيم حاليا.
لكن النظام السوري عمل مطلع ديسمبر/كانون الأول 2021 على حشد عناصر محلية من محافظة دير الزور عبر إجراء عمليات تسويات أمنية للشباب هناك.
وكان الهدف من ذلك هو الزج بقسم من هؤلاء في مسألة تأمين الحدود في الجانب الخاضع لسيطرة النظام والمليشيات الإيرانية، وتولى الإشراف على هذه المهمة شخصيا رئيس مخابرات النظام السوري الجديد اللواء حسام لوقا.
وفي أكثر من مرة، بدت بغداد ودمشق مصممتين على إظهار سيطرتهما على الحدود. ومن أجل ذلك حدثت لقاءات بين أجهزة الاستخبارات السورية والعراقية بهدف تأمينها.
وزعم المتحدث باسم القائد العام للقوات المسلحة العراقية يحيى رسول في 19 ديسمبر 2021، أن الجيش أمن الآن ما نسبته 80 بالمئة، من 600 كيلومتر من الحدود مع سوريا.
وسبق ذلك إعلان سلطات بغداد تخصيص صندوق جديد لتعزيز دفاعات الحدود بالسدود الترابية وأبراج المراقبة والتحصينات والأسلاك وكاميرات المراقبة الحرارية.
ويشرف على كل ذلك قائد قوات حرس الحدود العراقي الفريق الركن حامد الحسيني، وهو المسؤول أمام وزارة الداخلية.
كما يشمل دور الحسيني تنسيق الجهود مع الوحدات السورية التي كلفها رئيس النظام بشار الأسد بمراقبة الحدود من الجانب السوري في البوكمال.
وتحرس الحدود مجموعة وحدات متنوعة من الفرقتين السابعة والثامنة في الجيش العراقي، والشرطة الاتحادية، وجهاز المخابرات الوطني وقوات مكافحة الإرهاب، وفق ما نشرت مجلة "إنتيليجنس أونلاين" الفرنسية المتخصصة في شؤون الاستخبارات في 17 نوفمبر/تشرين الثاني 2021.
وتمكن تنظيم الدولة من تجميع قواه ونفذ في 20 يناير/كانون الثاني 2022 هجوما على سجن في محافظة الحسكة شمالي شرقي سوريا، يقبع فيه الآلاف من سجناء التنظيم من أسرى المعارك، والذي تديره قوات "قسد" بدعم أميركي واستطاع حينها تحقيق خرق أمني عبر تمكن عشرات السجناء من الفرار.
وأكدت شبكة "الشرقية 24" المحلية حينها أن أكثر من 20 قائدا بالتنظيم تمكنوا من الفرار إلى جانب نحو مائتين من عناصر السجناء المستهدفين بالعملية.
واتبع التنظيم تكتيكا عسكريا في الهجوم لتهريب السجناء، عبر تفجير أحد أسوار السجن بسيارة ملغمة، مما سمح لخلاياه باقتحام السجن وفك أقفال الزنازين وإطلاق سراح الآلاف من المساجين.
إلا أن "قسد" بدعم قوات التحالف الدولي تمكنت من منع هؤلاء من الفرار باستثناء العشرات، وفق الشبكة.
وتوضح الشبكة أن السجناء الذين فروا جرى تأمين هروبهم إلى بادية الحسكة على الحدود العراقية من قبل خلايا التنظيم المتخفية هناك منذ عام 2019.
لا قيمة عسكرية
وبات الفارون أمام ثلاث وجهات هي الدخول إلى العراق، أو التخفي في بادية الحسكة، أو عبور نهر الفرات خلسة بمساندة مهربين إلى البادية السورية، التي تعد الباحة الخلفية لتنظيم الدولة ومنها تنفذ هجمات ضد أرتال النظام وإيران وروسيا.
وحول ما إذا كان ذاك الجدار يشكل رادعا لعناصر تنظيم الدولة الفارين، اعتبر الخبير العسكري والأمني العراقي العقيد الركن حاتم الفلاحي، أن "الحاجز الخرساني لا قيمة له من الناحية العسكرية، لكون الحدود بين سوريا والعراق تمتد إلى أكثر من 600 كيلومتر".
وهو ما يعني أنه لا يمكن لهذا السياج الممتد لمسافة 10 كيلومترات أن يكون واقيا من تسلل عناصر تنظيم الدولة أو المهربين"، وفق ما أوضح الفلاحي لـ "الاستقلال".
وأضاف أن "العراق يتخوف من سجن غويران في الحسكة الذي فر منه عناصر تنظيم الدولة، وهؤلاء ما يزالون على الأراضي السوري".
وتعتقد بغداد أن أحد خيارات وجهتهم هو العراق، الذي يحاول من بناء السياج الخرساني السيطرة على هذه المنطقة على اعتبار أنها قريبة من المدن السورية ويمكن أن تكون نقطة تهريب محتملة، بحسب تقديره.
وذهب الفلاحي إلى القول: "خطوة الجدار غير كافية؛ لأنه يجب أن تكون هناك قوات مدربة على مسألة حماية الحدود، إضافة إلى ضرورة وجود كاميرات مراقبة حرارية ومراصد مراقبة، ودوريات سيارة، ودوريات للطائرات على الحدود باستمرار بحيث يجرى تأمين هذه المنطقة".
فضلا عن وجود "رادارات لكشف الاختراق الذي يمكن أن يحصل من الحدود، كما أن هذه المناطق يجب أن تكون مسيجة بأسلاك شائكة، وهذه قد تتوافر في بعض المناطق لكن ليست على طول الحدود مع سوريا"، وفق الخبير الأمني.
واستدرك الفلاحي بالقول: "هذه القضية لا يمكن لها أن تكون سببا رئيسا في مسألة السيطرة على الحدود بين العراق وسوريا خصوصا أنه على الجانب السوري وعلى طول الحدود بشكل عام، ما تزال تسيطر عليها تنظيمات مسلحة وأخرى تابعة لإيران وأخرى تحت سيطرة تنظيم الدولة".
ومضى يقول: "هذا يخلق إشكالية كبيرة حول عملية إدارة الحدود من قبل سوريا والعراق معا، والذي يتطلب تنسيقا بينهما، وبالتالي طالما أن الدولة السورية فاقدة للسيطرة على الحدود التي تربطها مع العراق، فإنه لا يمكن أن يكون هناك ضبط لها من طرف واحد".
تكتيك فاشل
واحتفظ تنظيم الدولة منذ إعلان القضاء عليه في العراق عام 2017 بتكتيكه العسكري، المتمثل بالانتشار على شكل خلايا.
وبشكل مماثل في سوريا فقد اتخذت خلايا تنظيم الدولة من البادية المتصلة مع العراق موطنا لها، وتمركزت فيها بشكل دائم عقب هزيمتها على يد قوات النظام أواخر عام 2017 وإخراجه من دير الزور والميادين والبوكمال.
ومنذ ذلك الحين قسم التنظيم البادية إلى قطاعات من أجل ضمان بقاء مجموعاته، التي زادت عقب إعلان الولايات المتحدة الداعمة لقوات "قسد" القضاء عليه بشكل نهائي بمحافظة دير الزور في مارس 2019.
ويتفق الخبير العسكري والإستراتيجي السوري، العقيد فايز الأسمر، مع الفلاحي من ناحية عدم جدوى هذا الجدار، وحدد لـ "الاستقلال"، جملة من النقاط المرتبطة بهذه المسألة.
وقال الأسمر: "يظن قادة العراق أن سوريا هي التي باتت تصدر تنظيم الدولة للعراق رغم أن منبعه وانطلاقته وقياداته وزعاماته من الصف الأول كانت عراقية ولا تزال حتى هذا الوقت".
وأضاف الخبير العسكري "أن حكام العراق السياسيين والأمنيين وغيرهم ينحصر تفكيرهم في بناء جدار يفصل الأراضي العراقية عن السورية أو بتركيب كاميرات مراقبة أو وضع أسلاك، بأنه سينهي تنظيم الدولة".
لكنهم يتناسون أن التطرف بجميع أشكاله وأنواعه وأسمائه هو وليد ونتاج الممارسات القمعية ضد فئة إثنية أو عرقية أو دينية معينة والتضييق عليها أمنيا ومعيشيا، وفق قوله.
وتساءل العقيد: "إذا فرضنا أن هذا الحاجز والجدار بني فوق الأرض، فهل سيمنع تسلل عناصر تنظيم الدولة ومن الجانبين بالأنفاق ومن عبور الجدار وصولا لهذا الطرف أو ذاك؟"
وزاد بالقول: "هل هذا الجدار سيمنع عناصر التنظيم في الطرف العراقي من التولد وتنفيذ عملياتهم؟ وهل الحلول للقضاء عليه وعلى أيديولوجية التطرف هو بناء جدار هنا أو هناك؟ للأسف نداوي العمى بالكحل".
وختم الأسمر بالقول: "هناك جدار بين غزة وإسرائيل وأيضا مصر، ولكن هذا الجدار لم يمنع عشرات الأنفاق التي تمر من تحته، ولم يمنع هذا الجدار تهريب الأسلحة وتنفيذ عمليات كما يتكرر في مناطق متعددة من الأراضي الفلسطينية المحتلة"، بحسب تقديره.