فجوة أمنية.. لهذا أصبحت كركوك في مرمى الصراع بين أطياف العراق
قال مركز تركي، إن "كركوك التي تحتوي على أسس الديناميكيات العرقية والدينية والطائفية في العراق، تعد واحدة من أكثر المحافظات إثارة للجدل في العراق اليوم".
وأوضح مركز "دراسات الشرق الأوسط" في مقال للكاتب، سلجوق باجالان، أن "الصراع السياسي والعسكري في كركوك يستمر منذ الغزو الأميركي للعراق عام 2003".
ولفت باجالان إلى أن "الولايات المتحدة رأت في حكومة إقليم كردستان العراق أهم حليف لها في العراق، ما أتاح الفرصة لحكومة الإقليم بنشر قوات البيشمركة في المناطق التي يعيش فيها التركمان بكثافة".
وأردف أنه "خلال الفترة من 2003 إلى 2017، استولى البيشمركة على المكاتب السياسية ومقرات الأحزاب ومراكز الشرطة وبعض القواعد العسكرية التي كانت تستخدم في عهد الراحل صدام حسين (1979- 2003)، واستقروا فيها، كما حاولوا تغيير التركيبة السكانية لكركوك بحرق سجلات الطابو وإنشاء إدارة فعلية فيها".
فشل المخططات
وبحسب باجالان فإن "الولايات المتحدة سمحت للعائلات الكردية التي انتقلت إلى كركوك، بالاستقرار في منازل بنيت على أراض شمالي كركوك تعود في معظمها للتركمان، وذلك بتمويل من الحزب الديمقراطي الكردستاني وحزب الاتحاد الوطني الكردستاني".
وشدد على أنه "من المعروف أن العائلات الكردية التي استقرت في كركوك، أصبحت مسجلة في سجلات كركوك الانتخابية".
وأكد رئيس الجبهة التركمانية في العراق، حسن توران، أن "العائلات التي استقرت في كركوك بدعم الحزب الديمقراطي الكردستاني وحزب الاتحاد الوطني الكردستاني بعد عام 2003، صوتت لصالح الحزبين المذكورين في جميع الانتخابات التي أجريت حتى اليوم، بما في ذلك انتخابات 2005".
وتابع: "لقد زادت حكومة إقليم كردستان من نفوذها في المناطق المتنازع عليها مثل كركوك وطوز خورماتو وبعض أقضية محافظتي ديالى والموصل، مدعية أنها تقع ضمن حدود الإقليم بحسب دستور 2005، ومستغلة ضعف سلطة الحكومة المركزية في هذه المناطق بين الأعوام 2005-2007 بسبب اندلاع الصراع الطائفي في العراق".
وأضاف أن "تزايد أعداد البيشمركة وتواجد حزب العمال الكردستاني (بي كا كا) وتنظيم الدولة عام 2014، أدى إلى تدخل قوات الحكومة المركزية في كركوك وغيرها من المناطق المتنازع عليها، خاصة بعدما اتبعت حكومة إقليم كردستان سياسة نشر الأكراد في كركوك وغيرها من المناطق التي يعيش فيها السكان من مختلف الأعراق بعد عام 2003".
ولفت توران إلى أن "حكومة إقليم كردستان أجرت استفتاء في كركوك وغيرها من المناطق المتنازع عليها في 25 سبتمبر/أيلول 2017 وخططت لإعلان استقلالها بعد ضم هذه المناطق، لتطلق القوات الاتحادية والحشد الشعبي عملية واسعة في المناطق المذكورة بقيادة رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي بعد الاستفتاء".
وانتهت العملية بطرد قوات البيشمركة المدعومة من حكومة إقليم كردستان من المنطقة، وانتقال السيطرة إلى القوات الاتحادية الخاضعة لإدارة بغداد.
لكنها على الناحية الأخرى، تسببت في أزمة بين الحزبين الكرديين بسبب توجيههما الاتهامات بـ"الخيانة" بشكل متبادل، ما اعتبر "نقطة تحول أو انهيار حاسم بالنسبة لحكومة إقليم كردستان"، وفقا للكاتب التركي.
فجوة أمنية
وقال باجالان: "من ناحية أخرى، اضطرب الأمن في العراق مع الانتخابات المبكرة التي أجريت في 10 أكتوبر/تشرين الأول 2021، والهجمات التي نفذها تنظيم الدولة في كركوك والمناطق الأخرى التي تتضمن سكانا من أعراق مختلفة، الأمر الذي دفع بالحكومة المركزية لتوقيع قرارات أمنية جديدة".
وشرح ذلك بالقول: "فمثلا قرر رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، ضم اللواء رقم 20 التابع لقوات البيشمركة إلى وزارة الدفاع المركزية بعد فصلهم من وزارة البيشمركة، غير أن هذه الخطوة أثارت قلق التركمان مع أنه قيل إن الغرض من هذا تعزيز الأمن في المناطق المذكورة ضد هجمات تنظيم الدولة المتزايد".
بيد أن هناك شكوكا حول انتشار البيشمركة في كركوك والمناطق الأخرى، حيث يعيش التركمان بكثافة، الأمر الذي يجعل العرب والتركمان المقيمين في المنطقة، يرفضون الخطوة تماما.
وفي هذا السياق، قد تكون خطوة الكاظمي هذه مرتبطة بهدفه في أن يصبح رئيسا للوزراء مرة أخرى من خلال الحصول على دعم إقليم كردستان في مسألة تشكيل الحكومة، بحسب باجالان.
من جانبها، تهدف حكومة إقليم كردستان إلى "الاستيلاء على زمام السلطة السياسية والعسكرية في المناطق التي يعيش فيها سكان من أعراق مختلفة ومن ثم الحصول على موارد كركوك الطبيعية"، يلفت الكاتب التركي.
وعلق باجالان قائلا: "الحق أنه من المحتمل جدا أن يكون أحد الأسباب الرئيسة لمطالب البيشمركة بالعودة إلى المناطق التركمانية وخاصة كركوك، اقتصاديا، فبحسب بيانات وزارة المالية العراقية، فإن حوالي 90 بالمئة من إيرادات الموازنة العراقية تأتي من النفط".
وتابع: "وبما أن كركوك تحتوي على ثاني أكبر حقل لإنتاج النفط في العراق بعد البصرة، وبالنظر إلى ارتفاع أسعار النفط خلال الأيام الأخيرة، يمكن القول إن أي تطورات إيجابية أو سلبية ستحدث في كركوك سيكون لها تأثيرات سريعة ومباشرة على السياسة العراقية".
لذلك طالب ممثلو التركمان والعرب بـ"عدم تحويل كركوك إلى ورقة سياسية خلال لقاءاتهم في بغداد مع شخصيات سياسية عراقية، وهكذا، يمكن اعتبار إصرار البيشمركة على العودة إلى كركوك خطوة تمهيدية للمساومة السياسية"، وفق باجالان.
واستطرد "لذا، لن يكون من الخطأ القول إن حكومة إقليم كردستان التي تعاني من مشاكل اقتصادية، تريد سيطرة كاملة على نفط كركوك".
ولفت إلى أن "محافظ كركوك بالوكالة، راكان سعيد جبوري، اتهم حكومة إقليم كردستان بتصدير 100 ألف برميل نفط من كركوك يوميا دون علم الحكومة المركزية، وشدد جبوري على أن هناك حاجة إلى لواءين على الأقل من الحكومة الاتحادية لسد الفجوة الأمنية في كركوك".
وختم باجالان مقاله قائلا: "قد يؤدي احتمال دخول قوات البيشمركة لكركوك إلى تصعيد التوتر بين المجموعات العرقية المختلفة في المدينة، وهذا قد يلقي بظلاله على التعداد السكاني العراقي والانتخابات المحلية المقرر إجراؤها خلال عام 2022".