"أداة لتنفيذ خطته".. كيف شكلت الأزمات الكبرى علاقة خاصة بين ابن سلمان وبوتين؟

أحمد يحيى | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

في الوقت الذي قاطع فيه قادة العالم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي يتعرض وبلاده لعقوبات قاسية غير مسبوقة جراء الاجتياح العسكري لأوكرانيا، يبدو أن المملكة تتخذ موقفا أكثر مرونة.

واستقبل ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، اتصالا هاتفيا من بوتين، في 3 مارس/ آذار 2022، جرى خلاله بحث العلاقات بين البلدين وسبل تعزيزها في مختلف المجالات، بحسب ما أعلنته وكالة الأنباء السعودية الرسمية (واس).

مستعد للوساطة 

وحول الحرب في أوكرانيا التي بدأت في 24 فبراير/شباط 2022، أكد ابن سلمان لبوتين دعم بلاده للجهود التي تؤدي إلى حل سياسي يسفر عن إنهائها ويحقق الأمن والاستقرار، وأن المملكة على استعداد لبذل الجهود للوساطة بين كل الأطراف. 

وناقش ابن سلمان مع بوتين، ما يتعلق بتأثير أزمة أوكرانيا على أسواق الطاقة، حيث أعرب ولي العهد عن حرص المملكة على المحافظة على توازن أسواق البترول واستقرارها، وأشار إلى "دور اتفاق (أوبك بلس) في ذلك وأهمية المحافظة عليه".

وفي بيان صادر عن الرئاسة الروسية "الكرملين" تعليقا على الاتصال، أكد أن "الرئيس الروسي وولي العهد السعودي أكدا على أن البلدين سيواصلان تعاونهما في أسواق النفط".

وأوضح البيان "أن الجانبين ناقشا العقوبات التي فرضتها بعض الدول الغربية على روسيا إثر عمليتها العسكرية في أوكرانيا". وذكر أن بوتين شدد أنه "من غير المقبول تسييس قضايا إمدادات الطاقة العالمية". 

وفي 3 مارس 2022، نشرت صحيفة "وول ستريت جورنال"، تقريرا  نقلت فيه "أن ولي العهد السعودي، وولي عهد أبوظبي، الشيخ محمد بن زايد "رفضا" مكالمات من الرئيس الأميركي، جو بايدن حول ملف الأزمة الأوكرانية"، ما أثار جدلا واسعا. 

وفي 10 مارس، أعلنت وكالة "رويترز" البريطانية، أن "هناك العديد من المشاكل بين الولايات المتحدة وحلفائها الخليجيين تحتاج إلى معالجة واسعة وحل". 

وتميزت العلاقة بين بوتين، وابن سلمان، بطابعها الخاص، الذي تجاوز الأبعاد التاريخية التي تقر أن المملكة تنتمي إلى حليفها الغربي الأكبر الولايات المتحدة، وأن موسكو كانت في جانب بعيد ومتحفظ دائما في العلاقة مع الرياض. 

لكن اليوم غير البارحة، ومع نفوذ ابن سلمان أقوى رجل في البلاد، تقاربت الخطوط السعودية الروسية، في تحولات إستراتيجية تاريخية رسمت خارطة العلاقات من جديد. 

كسر العزلة 

ومع الواقع القائم، لا يمكن إخفاء أن علاقة مميزة جمعت بين الطرفين، وظهرت بعدما اغتيل الكاتب الصحفي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده بإسطنبول عام 2018 على يد فرقة قتل سعودية بأمر ابن سلمان.

أقيمت بعدها مباشرة قمة العشرين في الأرجنتين، وبينما ابتعد قادة الدول عن ولي العهد السعودي، وحرصوا على عدم الظهور معه، فعل بوتين العكس.

وفاجأ بوتين الجميع وقتها وكسر عزلة الأمير المنبوذ، وصافحه بحرارة، بل وبطريقة خارجة عن "بروتوكول" السلام بين الرؤساء وزعماء الدول، وهو الموقف الذي حفظه ابن سلمان للرئيس الروسي طوال الوقت. 

وعلى العكس نشرت صحيفة واشنطن بوست الأميركية في نفس التوقيت، حديث ابن سلمان مع جاريد كوشنر صهر الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب وكبير مستشاريه، أنه لن ينسى انقلاب الغرب عليه.

وكان ذلك إشارة واضحة إلى الانتقادات الغربية للرياض ولروايتها بشأن مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي.

وعلى النقيض، قال ابن سلمان في مقابلة مع مجلة "ذي أتلانتيك" الأميركية في 3 مارس 2022، ردا على سؤال بأن الرئيس الأميركي جو بايدن يسيء فهمه، "ببساطة لا أهتم، الأمر يرجع له في التفكير في مصالح أميركا".

وأضاف أنه ينبغي للبلدين ألا يتدخلا في الشؤون الداخلية لبعضهما. 

التحولات نحو روسيا

رغم التحالف الإستراتيجي مع الولايات المتحدة الأميركية، والرابط الوثيق بين البلدين، لكن منذ بدايات صعود محمد بن سلمان إلى هرم السلطة، حرص على وجود خيط ممتد مع روسيا، وبالفعل أقدم على زيارات متعددة إليها. 

ففي 19 يونيو/ حزيران 2015، وحينما كان يشغل منصب "ولي ولي العهد" سافر ابن سلمان إلى موسكو.

كان في استقباله وقتها الرئيس بوتين، الذي وقع معه 6 اتفاقات ومذكرات تفاهم في مجالات التعاون العسكري والتقني والإسكان وقطاع الطاقة، كخطوة متقدمة نحو تعاون منتظر. 

الزيارة الثانية له كانت في 30 مايو/أيار 2017، وكان أيضا في استقباله بوتين، وهيمن على ذلك اللقاء مناقشة ملفات النفط واتفاقات الطاقة، وأيضا المتغيرات الواقعة في الشرق الأوسط مع استفحال الأزمة السورية. 

وجاءت في 14 أكتوبر/ تشرين الأول 2019 الزيارة التي وصفت بالتاريخية، لبوتين إلى المملكة العربية السعودية، حيث كانت الأولى له منذ 12 عاما. 

تلك الزيارة أشاد بها الملك سلمان بن عبد العزيز، كانت بترتيب وحضور ولي عهده محمد بن سلمان، وجرى خلالها التوقيع على عدة اتفاقيات.

وسلطت الزيارة الضوء على صعود موسكو المتنامي في الشرق الأوسط، وجسدت نفوذ بوتين المتزايد في السعودية. 

الأمر الواقع 

وبالتوازي مع التقارب بين ابن سلمان وبوتين، فإن هناك واقعا آخر مفروضا بين الدولتين، وهو ما ذكره الكاتب التركي محمد رقيب أوغلو، خلال مقال له على صحيفة "آتشيك غوروش" التركية، نشر في 7 مايو 2021.

يقول أوغلو: "يرتبط التغيير في نظرة إدارة الرياض لروسيا ارتباطا مباشرا بالتغيير في نظرتها إلى الولايات المتحدة".

وأوضح أن: "السياسة الأميركية تجاه السعودية كانت في عهدي الرئيسين السابقين باراك أوباما ودونالد ترامب تقلق الرياض، الأمر الذي دفعها إلى البحث عن بدائل في سياستها الخارجية".

كما أن التراجع الأميركي زاد من نفوذ روسيا في المنطقة، الأمر الذي جعل السعوديين يرون في روسيا لاعبا مهما في مستقبل المنطقة.

وأضاف أنه: "على الرغم من أن السعودية غير راضية عن تقارب روسيا مع إيران ونظام بشار الأسد في دمشق، فإنها تتقرب من الكرملين بسبب سياستها الحازمة والمتوقعة في سوريا وليبيا واليمن". 

وأورد: "ترى السعودية أن ملء روسيا الفجوة التي خلفتها الولايات المتحدة بما يتماشى مع الأهداف المنضبطة والطموحة والواقعية أمر إيجابي". 

فيما ذهبت الكاتبة الفرنسية جولي كيبي إلى أبعد من ذلك في مقال لها بصحيفة "لوريان لوجور" الفرنسية نشرته في 17 أكتوبر/ تشرين الأول 2019، عندما وصفت ابن سلمان بأنه "أداة بوتين لتنفيذ خطته في الشرق الأوسط".

وذكرت أن: "التطورات الأخيرة في شمال شرق سوريا عززت مكانة الرئيس الروسي في اللعبة السورية، وقد يكون له الكلمة الأخيرة أكثر من طهران وأنقرة، ولذلك يبدو أن فلاديمير بوتين، الذي زار الرياض، يعتمد على محمد بن سلمان لتنفيذ خطته". 

ورأت الكاتبة الفرنسية أن موسكو تنوي الاستفادة من الفراغ السياسي الذي خلفته واشنطن لوضع بيادقها في الخليج تحديدا المملكة العربية السعودية، للعمل لصالح عودة سوريا إلى الجامعة العربية مرة أخرى.