ماذا حقق؟.. تبون يوقظ دبلوماسية الجزائر بعد "سبات طويل" في عهد بوتفليقة
نشاط دبلوماسي لافت يقوده الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، منذ نهاية العام 2021، بزيارات إلى دول عربية بعد "حالة سبات طويل واضطراري" على المستوى الرئاسي، جراء مرض الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة في 2013.
وفيما عدا زيارات بوتفليقة إلى الخارج للاستشفاء لسنوات ناهزت الـ10، بقيت الزيارات الرسمية مقتصرة على مسؤولين في الدولة، أبرزهم رؤساء الحكومة ووزراء الخارجية أو ممثلون شخصيون عن الرئيس.
وعقب سنوات من غياب "الجولات الخارجية" لأكبر هرم في السلطة، تعود الرئاسة الجزائرية مجددا إلى النشاط الدبلوماسي منذ انتخاب تبون رئيسا للبلاد، في 12 ديسمبر/كانون الأول 2019، حيث زار خمس دول، كلها عربية وهي السعودية، وتونس، ومصر، وقطر والكويت.
وتميزت هذه الزيارات بـ"رهانها الاقتصادي" من خلال توقيع عشرات الاتفاقيات بين الدول المستقبلة، والإعلان عن مشاريع وصفت بـ"الضخمة" في قطاعات إستراتيجية.
إشارات قوية
وفي 22 فبراير 2022، اختتم تبون زيارة خليجية رسمية استهلها بقطر استمرت ليومين وبعدها الكويت، ضمن جولة عربية، كانت "اقتصادية بامتياز"، بدأت منتصف ديسمبر 2021، من تونس، ثم مصر نهاية يناير/كانون الثاني 2022.
وبعد الزيارة الخليجية، أعلنت الرئاسة الجزائرية، عبر بيان في 27 فبراير 2022، عن تشكيل لجنة لمتابعة "استثمارات ضخمة" مع قطر والكويت، في قطاعات الصناعة والفلاحة والنقل والإسكان.
وقال البيان إن "الرئيس أعرب عن ارتياحه للمستوى المتميز، الذي بلغته العلاقات الثنائية مع هذين البلدين (قطر والكويت)، اللذين يؤكدان باستمرار، على الإرادة التي تحدوهما للرقي بالتعاون الثنائي إلى أعلى المستويات".
وأشار إلى أن "الحكومة كلفت بإنشاء لجنة تحضير ومتابعة يومية، لمشاريع استثمارية ضخمة مع الشركاء في دولتي قطر والكويت، في قطاعات الصناعة والفلاحة والسياحة والنقل والسكن".
ووجه تبون وزير النقل عيسى بكاي، بإطلاق الدراسات الفنية، لمد خطوط السكة الحديدية وتوسيع شبكتها من الشمال إلى أقصى جنوب البلاد (بين العاصمة وتامنراست وأدرار)، التي تبعد نحو 2000 كيلومتر عن العاصمة، حسب البيان.
كما كلف وزير السكن محمد طارق بلعريبي، بإطلاق الدراسات الفنية بهدف الشروع في تجديد الواجهة البحرية للجزائر العاصمة، وتحديث النسيج العمراني لمدن سكيكدة وعنابة وقسنطينة (شرق) ووهران (غرب).
"زيارة تبون إلى دولتي قطر والكويت، حملت إشارات قوية على أن العلاقات بين بلاده ومنطقة الخليج أخذت بعدا جديدا يجمع بين التفاهمات الدبلوماسية وتعميق المنافع الاقتصادية"، وفق ما تقول وكالة الأناضول الرسمية التركية.
واعتبر رئيس لجنة الشؤون الخارجية بالبرلمان الجزائري سابقا، عبد القادر عبد اللاوي، أن "الزيارة تهدف بالأساس إلى سعي الجزائر الجديدة إلى تفكير جديد في إقامة تحالفات مع دول الخليج العربي".
وأشار عبد اللاوي، إن "الزيارة ثمرة توافق وتأمين، ويحدث لأول مرة بين الجزائر والكويت وقطر والسعودية حول ملفات إستراتيجية يصل مداها إلى التعاون والتكامل الأمني والدفاعي"، وفق الوكالة.
ولطالما ساد اعتقاد أن الأفضلية التي منحت لفرنسا في حقبة الرئيس السابق بوتفليقة (1999-2019)، باعدت المسافة بين الجزائر ودول الخليج العربي، خاصة في مجال الاستثمار.
وعن خلفيات وأهداف عودة النشاط الدبلوماسي الجزائري، أكد الخبير الاقتصادي، فارس مسدور، أن "الجزائر ضيعت فرصا كبيرة للاستثمار العربي عامة والخليجي خاصة أثناء الحكم السابق نتيجة فئة الفرنكوفيليين (المستلبون فرنسيا)، الذين سيطروا على الحكم آنذاك".
وشدد مسدور لـ"الاستقلال" على أنه "آن الأوان أن يعاد الاعتبار لتلك الدول التي ضُيق على استثماراتها في الجزائر سابقا ودفعت للمغادرة".
وأكد الخبير الجزائري الاقتصادي، أن "الوضع في بلادنا يتطلب تحرير مبادرات الاستثمار والشراكة، ودول الخليج عامة تملك صناديق استثمارية سيادية كبرى وجب الاستفادة منها، وعليه فتلك الزيارات الدبلوماسية تحمل بعدا اقتصاديا بالدرجة الأولى".
واعتبر مسدور أن "فتح باب الشراكة والاستثمار العربي في الجزائر، هو أكبر إنجاز يمكن التحدث عنه في نتائج هذه الزيارة، لكن بقي أن تجسد على أرض الواقع".
وعن نتائج هذه الجولة على المشهد العام الداخلي في المدى القريب، أوضح أن "نتيجة الأحداث الحاصلة في العالم قد يتأخر تجسيدها، غير أن ذلك لن يدوم طويلا، خاصة إذا هيأت الجزائر المجال والمناخ الاستثماري الملائم والميسر لاستقبال تلك الاستثمارات".
إحياء التكتلات
وفي 20 فبراير/شباط 2022، أجرى الرئيس الجزائري زيارة رسمية إلى قطر استمرت ثلاثة أيام، وشارك في القمة السادسة لمنتدى الدول المصدرة للغاز في العاصمة الدوحة.
وخلال تواجده بقطر، وقع البلدان مذكرة تفاهم لتوسيع مصنع للحديد والصلب أقيم بشراكة ثنائية، ورفع إنتاجه من 2 إلى 4 ملايين طن سنويا.
وتعتبر قطر أول بلد عربي مستثمر في الجزائر، من خلال مصنع الحديد والصلب "بلارة" بولاية جيجل (شرق) بأكثر من ملياري دولار، ومشغل الهاتف الجوال "أوريدو" عبر فرع الدولة المغاربية.
وبلغ حجم التبادل الجزائري القطري 36 مليون دولار عام 2020، حسب تصريحات سابقة لوزير التجارة والصناعة القطري علي الكواري.
وبعد قطر، حل تبون في زيارة رسمية إلى الكويت في 22 فبراير 2022، صرح خلالها أن الجزائر "لن تقبل المساس بأمن دول الخليج، وإن ما يمس هذه البلدان العربية يمس بلاده".
ولم يوضح تبون نوع التهديدات التي تمس هذه الدول، مع العلم أن للجزائر علاقات توصف بـ"الجيدة" مع إيران، التي تتهمها أغلب دول مجلس التعاون الخليجي بتهديد أمن المنطقة، مقابل نفي من طهران.
وبوصوله الكويت يعتبر تبون أول رئيس جزائري يزور هذه الدولة العربية منذ العام 2008، وتضمنت الزيارة عقد قمة ثلاثية مع أميرها نواف الأحمد الجابر الصباح، ورئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي.
وزاد التبادل التجاري بين الجزائر والكويت عام 2020 على 20 مليون دولار، منها 11.37 مليون دولار صادرات جزائرية، وفق بيانات وزارة التجارة الجزائرية.
هذا خلافا لزيارته إلى تونس في 15 ديسمبر/كانون الأول 2021، والتي شهدت توقيع 27 اتفاقية، وفق وكالة الأنباء الجزائرية الرسمية، تضمنت قطاعات كلا من العدل والداخلية والطاقة والصناعات المتوسطة والصغيرة والناشئة والصناعات الدوائية والبيئة والشؤون الدينية والتربية والتأهيل المهني والصيد البحري والإعلام والثقافة.
لكن غابت الاتفاقيات عن زيارة تبون إلى مصر، في 24 يناير 2022 واستمرت يومين، واكتفى بوفد محدود العدد، شمل وزراء الخارجية والتعليم العالي والثقافة والاقتصاد الرقمي.
ولم يتضح ما إذا كان تقليص العدد مرتبطا بتفشي الموجة الرابعة لجائحة "كورونا" آنذاك، في وقت قالت فيه مصادر إعلامية إن اتفاقيات عديدة، أغلبها اقتصادية، كانت مبرمجة للتوقيع خلال الزيارة، لكن يبدو أنها تأجلت من أجل دراسة أعمق خلال انعقاد اللجنة العليا المشتركة.
ووجه تبون والسيسي بعقد الدورة المقبلة للجنة العليا المشتركة، برئاسة رئيسي وزراء البلدين، وآلية التشاور السياسي على مستوى وزيري الخارجية، خلال النصف الأول من العام 2022.
وتعد زيارة تبون الأولى لرئيس جزائري للقاهرة، منذ نحو 14 عاما، حيث كانت آخر زيارة لرئيس جزائري إلى مصر تلك التي أجراها بوتفليقة في 2008.
وتعتبر القاهرة ثالث وجهة عربية للرئيس الجزائري تبون بعد أول زيارة له بعد انتخابه رئيسا للبلاد إلى السعودية في 26 فبراير 2020، وبعدها تونس.
في هذا الصدد، قال أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، حكيم بوغرارة إن "زيارات تبون إلى تونس ومصر وقطر والكويت تأتي لاسترجاع مكانة الجزائر عربيا بعد فترة غياب سابقة في عهد الرئيس الراحل بوتفليقة منذ مرضه".
وذكر بوغرارة لموقع "أصوات مغاربية" (مقره واشنطن) أن "الرؤية الجزائرية تصبو إلى إحياء تكتلات عربية في ظل شراكات فاشلة مع الغرب، وهي تكتلات أيضا في شمال إفريقيا عبر تونس وليبيا وموريتانيا ومصر".
ويرى خبراء أن الجزائر كثفت تحركاتها في اتجاه تقوية علاقاتها مع دول الجوار خارج إطار اتحاد المغرب العربي، وفق محدد جديد هو "الاقتصاد" لتنشيط دبلوماسيتها إلى جانب محددات السياسة والأمن والجغرافيا؛ لاستعادة ما تقول إنها "مكانتها الطبيعية".