في ظل توتر سياسي.. لماذا فتح مقتدى الصدر ملف تهريب العملة بالعراق؟

يوسف العلي | 3 years ago

12

طباعة

مشاركة

على وقع الأزمة السياسية التي تشهدها الساحة العراقية بتأخر انتخاب رئيس للجمهورية، فتح زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر ملف "العملة الصعبة" و"ارتفاع أسعار السلع الأساسية" بعد خفض قيمة العملة الرسمية مقابل الدولار في ديسمبر/كانون الأول 2020.

ويأتي فتح هذا الملف الاقتصادي الشائك، بعد فشل البرلمان في 7 فبراير/شباط 2022 من عقد جلسته لانتخاب رئيس للبلاد، إثر انسحاب تحالف الأغلبية (التيار الصدري، تحالف السيادة، الحزب الديمقراطي الكردستاني)، احتجاجا على إيقاف القضاء ترشيح السياسي هوشيار زيباري من المنافسة على منصب الرئيس قبل استبعاده.

زيباري، كان المرشح الأبرز للفوز بالرئاسة، لكن المحكمة الاتحادية استبعدته في 13 فبراير 2022 عن الترشح للرئاسة، لاتهامه بـ"الفساد" حينما كان وزيرا للمالية 2014-2016 وأقاله البرلمان حينها.

وعقب ذلك، اتخذت المحكمة الاتحادية قرارا آخر في 15 فبراير 2022، يقضي بعدم دستورية قانون النفط والغاز لحكومة إقليم كردستان بشمال العراق، الصادر عام 2007، وإلغائه لمخالفته أحكام مواد دستورية، فضلا عن إلزام الإقليم بتسليم الإنتاج النفطي إلى الحكومة الاتحادية.

الصدر يرد

لم ينتظر زعيم التيار الصدري كثيرا، بعد قرارات المحكمة الاتحادية ضد حلفائه في إقليم كردستان العراق، ودعا عبر تغريدة على تويتر في 15 فبراير 2022 إلى تشكيل حكومة "بعيدة عن المحاصصة"، مشددا على ضرورة "منع التدخلات القضائية المسيسة".

ووجه الصدر، رسالة إلى البرلمان أكد فيها أن عمله "لا يقتصر على تشكيل الحكومة"، داعيا النواب إلى "تفعيل الدور الرقابي والإصلاحي وتفعيل التحقيقات في الفساد، ومتابعة المشاريع الخدمية، فضلا عن الإسراع في تشكيل حكومة إصلاحية".

الصدر لم يتوقف عند هذا الحد، وإنما في اليوم التالي بتغريدة أخرى، انتقد فيها ارتفاع سعر الدولار والمواد الغذائية، وحث الحكومة على محاسبة التجار الجشعين.

وطالب زعيم التيار الصدري، بتجنيب العراقيين أضرار الفائدة المتحققة من ارتفاع أسعار صرف الدولار في البلاد، مشيرا إلى أن "ارتفاع سعر صرف الدولار، وما فيه من فوائد وأضرار، يجب ألا يتسبب على الإطلاق بارتفاع أسعار السلع في الأسواق، ولا سيما المهمة منها".

وشدد على ضرورة "العمل من خلال الأمن الاقتصادي، لمعاقبة كل من يسعى لذلك من التجار وما شاكل ذلك ووفق القانون، خصوصا وأننا مقبلون على شهر رمضان".

وفي اليوم الثالث، قدم الصدر ستة مقترحات بشأن سعر صرف الدولار الأميركي مقابل الدينار العراقي، من بينها استدعاء وزير المالية علي علاوي، ومحافظ البنك المركزي مصطفى غالب "بشكل فوري" إلى البرلمان.

وشملت مقترحات الصدر، "إيقاف تهريب العملة بقوة، والنظر في أمر بعض البنوك مثل (الشرق الأوسط، القابض، والأنصاري) العائدة لبعض الأشخاص المتحكمين بالعملة، وغيرها من المصارف الأهلية الأخرى، والتعامل بحزم مع البنوك العائدة لبعض الأحزاب المتحكمة في البلاد والعباد".

وحث زعيم التيار الصدري على "تنظيم سوق العملة العراقية بصورة مركزية وبأسلوب صحيح، عبر سن بعض القوانين التي تزيد من قيمة سعر صرف الدينار".

وتلت مقترحات الصدر مباشرة إعلان رئاسة البرلمان، بحسب بيان مقتضب لها في 17 فبراير/شباط 2022، استدعاء وزير المالية، ومحافظ البنك المركزي، إلى مبنى البرلمان "فورا"، مؤكدة أن الاستدعاء جاء "استجابة" لتوجيهات زعيم التيار الصدري.

تطويق الخصوم

وبخصوص مدى نجاح الصدر في منع تهريب العملة، وضبط أسعار السلع في السوق، قال الأكاديمي والباحث في الشأن العراقي، وائل عباس، إن "الصدر هدفه سياسي من وراء حديثه عن الدولار والبنوك التي ذكرها بالاسم، كونها تتبع إلى شخصيات من خصومه في تحالف الإطار التنسيقي الشيعي، لذلك هي تأتي ضمن الضغوطات السياسية المتبادلة".

وأوضح عباس لـ"الاستقلال" أن "حركة الصدر هذه، هي تلويح منه بضرب خصومه اقتصاديا في خطوة تهدف إلى منعهم من استخدام أي من أدواتهم لترهيب حلفائه، ولا سيما عن طريق الضغط على القضاء كما حصل مؤخرا من استبعاد زيباري عن الترشح للرئاسة، وإلغاء قانون النفط والغاز لإقليم كردستان".

وأشار إلى أن "التيار الصدري يمتلك أغلبية في البرلمان، ولديه حليفان قويان هما الحزب الديمقراطي الكردستاني، وتحالف السيادة السني، وهم مجتمعين يشكلون الأغلبية البرلمانية بنحو 200 نائب من مجموع 329، وهذا العدد بإمكانه تحريك الحكومة بالطريقة التي يريدون وتطويق خصومهم، لذلك طالب الصدر بتفعيل دور البرلمان".

واعتبر عباس أن "حديث البعض عن هدف الصدر تغيير سعر صرف الدولار أمام الدينار غير صحيح ولن يحصل في القريب، لأن زعيم التيار مقتدى الصدر لم يذكر في تغريداته مسألة تغيير سعر الصرف، وإنما دعا لمنع تهريب الدولار وضبط أسعار السلع مع اقتراب شهر رمضان".

وبمجرد أن جرى الإعلان عن قرار استدعاء وزير المالية ومحافظ البنك المركزي سجلت أسعار بيع الدولار في السوق المحلية انخفاضا طفيفا حيث بلغ سعر الورقة النقدية من فئة 100 دولار 147.5 ألف دينار، مقارنة بـ148 ألف دينار في اليوم السابق.

وكان البنك المركزي العراقي خفض قيمة العملة الرسمية مقابل الدولار في ديسمبر/كانون الأول 2020، في أول إجراء من هذا النوع منذ نصف عقد، وتزامن مع أزمة مالية خانقة تعصف بالبلاد نتيجة انهيار أسعار النفط في حينه.

وبلغ سعر الصرف الذي حدده البنك المركزي 1450 دينارا للدولار الواحد، بدلا من السعر السابق البالغ 1190 دينارا، مما أثار انتقادات من سياسيين واقتصاديين ومواطنين على حد سواء.

وعزت الحكومة العراقية قرار الخفض في حينه إلى الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تمر بها البلاد، ثاني أكبر منتج للنفط في منظمة "أوبك"، نتيجة انخفاض أسعار الخام.

لكن ارتفاع سعر النفط في الأسواق العالمية مؤخرا إلى مستويات قياسية (أكثر من 90 دولارا للبرميل الواحد) لم تعهدها منذ سبع سنوات، أثار الجدل مؤخرا بشأن قرار خفض قيمة الدينار العراقي ومدى إمكانية إعادة النظر فيه من جديد.

مراجعة صعبة

من جهته، يرى أستاذ العلاقات الاقتصادية الدولية العراقي، عبد الرحمن المشهداني، أن "من المفترض على الحكومة أن تراجع أسعار الصرف بعد نحو عام على اتخاذ القرار، نتيجة لارتفاع أسعار النفط والتضخم الحاصل في السوق الوطنية".

لكن المشهداني أكد لموقع "الحرة" الأميركي في 18 فبراير/شباط 2022 أن "المراجعة غاية في الصعوبة في الوقت الحالي، لأنها تعني أننا سنربط سعر الدينار بالنفط وهذا غير صحيح من الناحية الاقتصادية".

وأشار إلى أن "قرار خفض قيمة الدينار لم يكن موفقا منذ البداية، لأنه تسبب بخفض قيمة العملة المحلية بنحو 30 بالمئة، وأدى لركود اقتصادي نتج عنه ارتفاع كبير في أسعار المواد الغذائية وغيرها".

وبين المشهداني أن "معدل التضخم الحالي بلغ أكثر من 10 بالمئة بشكل عام، ولكن على صعيد بعض السلع الأساسية وصل لنحو 100 بالمئة كالزيت والرز والطحين وغيرها".

ولفت إلى أن "العودة لسعر الصرف القديم لن يؤدي إلى عودة الأسعار لسابق عهدها" لأسباب، منها أن "التجار لن يغامروا بالعودة للأسعار القديمة باعتبار أنهم سيكونون متخوفين من القرارات المتذبذبة للحكومة، وعدم وجود ضمان أنها لن تعود وتتخذ قرارا مشابها يقضي بخفض قيمة الدينار مجددا".

وقال المشهداني إن "أي قرار برفع قيمة العملة العراقية سيؤدي لركود اقتصادي جديد للسوق، ويجعل الكثير من التجار يعزفون عن الاستيراد، وبالتالي يؤدي لشح في مواد تتسبب برفع الأسعار مجددا".  

ووفقا للخبير العراقي، فإنه "حتى في حال تمت العودة لأسعار الصرف القديمة، فيجب أن يجري ذلك بشكل تدريجي"، مؤكدا أنه "كان من المفترض أن يكون قرار خفض قيمة العملة منذ البداية تدريجيا، من خلال خفض قيمة الدينار شيئا فشيئا لحين الوصول إلى الهدف المنشود، لكنهم قاموا بالعكس حيث رفعوه بشكل مفاجئ مما تسبب بخلل".

ورأى المشهداني أنه إضافة إلى ذلك، فإن "الحكومة كان بإمكانها تخفيض الضرر الحاصل من خفض قيمة الدينار، عبر تحويل نصف ما تحصلت عليه من تغير قيمة الصرف، لدعم الطبقات الهشة والفقيرة، حتى يمكنهم مواجهة هذه المتغيرات".

وأعرب الخبير عن اعتقاده أن "تغيير سعر الصرف هو العلاج الأخير، ويجب أن لا تقدم الحكومة عليه ما لم تكن هناك تغطية لآثاره السلبية من خلال دعم الزراعة والصناعة بحيث يمكن أن يكون هناك إنتاج محلي قادر على تغطية السوق المحلية".

ودعا المشهداني إلى "هيكلة الاقتصاد العراقي بشكل يسمح بعزل سعر الصرف عن الناتج المحلي الإجمالي، وألا يتم اللجوء لهذا القرار كلما هبطت أسعار النفط".

وفي السياق ذاته، اقترح المستشار المالي لرئيس الوزراء، مظهر محمد صالح، في 17 فبراير/ شباط 2022، آلية لمعالجة الآثار الجانبية لتغيير سعر الصرف.

وقال صالح لوكالة "الأنباء العراقية"، إن "الأوان قد آن للسياسة المالية في أداء دورها الفاعل والمهم في معالجة الآثار الجانبية التي ترتبت على تغيير سعر الصرف وتأثيراته على الدخل، لا سيما تأثر الطبقات الفقيرة ومحدودة الدخل".

وأضاف أن "من المهم خفض الضرائب الجمركية وبشكل ملموس على المواد الغذائية والدوائية ولوازم الإنتاج المحلي المستوردة، فضلا عن إعادة هيكلة الدعم الحكومي للسلع والخدمات ذات المساس المباشر بالطبقات الاجتماعية الفقيرة".

وشدد صالح على أن "البطالة اليوم هي واحدة من أخطر الآفات الاقتصادية والاجتماعية في بلادنا، وتصبح أشد خطرا عندما ترافقها تطورات سعرية تؤدي إلى تآكل الدخل النقدي أو القوة الشرائية لمصادر الدخل العائلي، وهو منحدر مالي مزدوج يجب الحذر منه".