محمد محروس المدرس.. عالم سني عراقي يحترمه الشيعة عارض الحاكم والاحتلال

يوسف العلي | 3 years ago

12

طباعة

مشاركة

ودع العراقيون، علامة المذهب الحنفي في البلاد، الشيخ محمد محروس المدرس الأعظمي، عن عمر ناهز الـ81 عاما، بعد مسيرة طويلة قضاها الراحل في تعلم العلوم الشرعية وتعليمها في مختلف الجامعات داخل وخارج العراق، وكذلك تأليفه عشرات الكتب في هذا المجال.

وأعلن المجمع الفقهي العراقي (مؤسسة الإفتاء لأهل السنة)، وفاة المدرس، حيث قال الناطق باسم "المجمع"، مصطفى البياتي، على حسابه بـ"تويتر" في 10 فبراير/شباط 2021، إن "علامة المذهب الحنفي محمد محروس المدرس في ذمة الله".

"شيخ الخنفية"

ونعت الأوساط السياسية، أستاذ الفقه وأصوله، العلامة المدرس، حيث أشار "الحزب الإسلامي العراقي" في بيان نعيه إلى "مسيرته في ساحات العلم والمعرفة"، واصفا إياه بأنه "أحد قامات العراق العلمية البارزة، ومن الشخصيات المرموقة في العالم العربي والإسلامي".

من جهته، نعى تحالف "السيادة" (أكبر كتلة نيابية للسنة/71 مقعدا) في البرلمان، المدرس، بالقول: "يتقدم تحالف السيادة بخالص التعازي لذوي الفقيد العلامة الكبير محمد محروس المدرس أحد رموز مدينة الأعظمية".

وكذلك نعت، حركة العدل والإحسان في العراق، رحيل العلامة، بالقول: "تسليما بقضاء الله وقدره، وبقلوب تغمرها مشاعر الألم على فراق الأئمة الأعلام، تلقينا نبأ وفاة الشيخ العلامة الدكتور محمد محروس الأعظمي المعروف بشيخ السادة الحنفية في بغداد".

وأضافت "لينتقض الشيخ بقبضه ركن من أركان العلم الشرعي في العالم الإسلامي، تلك المكانة العليّة التي شغلها الفقيد – رحمه الله تعالى – بجهوده العلمية الجليلة التي شهدتها أروقة الجامعات العراقية والعالمية في التدريس والتأليف والوعظ والإرشاد".

وتابعت الحركة: "لقد كان الشيخ العلامة المقدّم والأستاذ الإمام في الفقه وأصوله، تلقى العلوم على يديه أجيـال من طلبـة العلم الشـرعي وأئمته، وأغنـى المكتبـة الإسلاميـة بالكثيـر من الكتـب والمؤلفات والمقالات، فجزاه الله خيرا".

وشيع المئات من أهالي الأعظمية جثمان العلامة الراحل محمد محروس المدرس إلى مثواه الأخير، وذلك بعد إقامة صلاة الجنازة عليه في جامع أبي حنيفة النعمان عقب صلاة جمعة 11 فبراير 2022، يؤمهم كبير علماء "المجمع الفقهي العراقي"، الشيخ أحمد حسن الطه.

"قامة شامخة"

وعرف عن العلامة المدرس وسطيته ومقبوليته ليس فقط من جميع الجهات السنية، وإنما عند المرجعيات الشيعية أيضا، إذ نعته مدرسة "الإمام الخالصي" في مدينة الكاظمية، وقال بيان عن المدرسة إن العراق فقد "قامة علمية شامخة"، مؤكدا بأنه "من العلماء الأفذاذ الذين قضوا حياتهم في العلم والعمل منذ نشأتهم وحتى آخر لحظات حياتهم".

وأشار البيان إلى أن الراحل "كان ممن جابهوا ظلم الأنظمة الجائرة وعُذّب وأُذي حتى ظهر ذلك في جسده وتحمل الأذى حتى سقط نظام الجور، ولكنه ثبت ولم يخدع بالبدائل المزيفة، فرفض مشروع الاحتلال (الأميركي عام 2003) ومخططاته، فلم ينزلق إلى طائفية حقيرة، أو خديعة سيئة، ولا محاصصة تافهة أو عملية سياسية فاسدة".

وأضاف "لقد أدى الراحل دور العلماء والصالحين متمسكا بنهج الأئمة الهداة المهديين ممن عاش في كنفهم وقرأ محنتهم كالإمام الكاظم، وممن عاش محنته مع حكّام الملك العضوض فسار على نهجهم وتابع مسيرتهم في العلم والدين كالإمام أبي حنيفة النعمان، حيث كان الفقيد من أبرز حملة الفقه الحنفي ومدرسيه في هذا الزمان".

ولفت إلى أن المدرس "كانت له علاقات تاريخية مع علماء مدرستنا منذ الستينيات، فكان مع أخينا الأكبر والعلامة المرجع الشيخ محمد مهدي الخالصي في كلية الحقوق ببغداد، وظلت هذه العلاقة إلى أيامه الأخيرة، كما تواصل مع علماء الحوزة العلمية في النجف وكربلاء وبغداد والكاظمية والعراق عموما".

وفي السياق ذاته، زار وفد من التيار الصدري برئاسة نائب رئيس البرلمان، حاكم الزاملي، إلى جامع أبي حنيفة النعمان في بغداد، لنقل تعازي زعيم التيار مقتدى الصدر، بوفاة العلامة المدرس.

مسيرة ثرية

ولد الشيخ محمد محروس بن عبد اللطيف المدرس الأعظمي، في مدينة الأعظمية (نسبة إلى الإمام الأعظم أبي حنيفة النعمان) في العاصمة بغداد عام 1941، وأكمل تحصيله الدراسي من جامعة بغداد في كلية الحقوق عام 1963.

بعد ذلك، سافر إلى مصر وحصل على شهادة دبلوم شريعة من جامعة القاهرة في كلية الحقوق عام 1968، ثم شهادة الماجستير في الفقه المقارن من جامعة الأزهر في كلية الشريعة والقانون عام 1969، وبعدها حصل على شهادة الدكتوراه في الفقه المقارن بمرتبة الشرف من جامع الأزهر عام 1976.

الشيخ الراحل، يعد من أساتذة وشيوخ بغداد المعروفين، والتزم التدريس في كلية الإمام الأعظم للدراسات الإسلامية في جامع أبي حنيفة ببغداد، عامي 1977 و1978، وكذلك في كلية القانون بجامعة بغداد.

وقام بتدريس مادة الفقه الجنائي الإسلامي في كلية الشرطة العراقية للعام الدراسي 1988 – 1989، كما اجتهد في تدريس علوم الفقه، وأصول الفقه الحنفي، وأصول الفقه الشافعي، وفهم القواعد الكليَّة، وذلك لسنوات عدة في دورات متعددة بعدة مؤسسات.

وشارك بالتدريس في الجامعة الإسلامية العالمية بماليزيا اعتبارا من 22 فبراير/شباط 2002، كما شارك عضوا مناقشا في الكثير من رسائل الماجستير والدكتوراه، والإشراف على الرسائل الفهمية وعلى بعض الرسائل في الجامعة ذاتها.

وشارك أيضا في مؤتمرات فهمية إسلامية، في العراق، والسعودية، والأردن، والهند، وله مشاركة في الندوات التلفزيونية، والأحاديث الإذاعية وهو عضو دائم في مجمع الفقه الإسلامي الهندي، وكان رئيسا لجمعية "منتدى الإمام أبي حنيفة" في الأعظمية لما يقرب من 10 سنوات.

للشيخ الراحل الكثير من المؤلفات والرسائل والخط والموضوعات والتي تصل إلى نحو 50 مؤلفا، منها، "مشايخ بلخ من الحنفية وما انفردوا به من المسائل الفقهية"، "حمل أكف الضراعة لجمع حدثة أهل السنة والجماعة"، و"مصطلحات رمضانية".

وكذلك له كتب منها، الإجهاض، مذكرات في فهم الأصول، أموال الزكاة والدعوة الإسلامية، أسماء القرآن في القرآن، سرعة البديهة في التراث، آداب المجالس، غرابية ميكافيلي وميكافيلية الغراب، أميركا تخبط أم تخطيط، الشخصية الإسلامية ومسقطها بين النظم والعقائد.

ومن محاضراته التي ألقيت وجمعت على شكل مؤلفات في وقت لاحق، هي "نِثار العقول في فهم الأصول، الاستنساخ البشري بين الطب والقانون، حكمة تقبيل الحجر الأسود، والمرة والتكرار في أوامر النصوص الشرعية".

وللراحل أيضا عدد من المخطوطات، منها، "العقل والنفس والروح، مكانة الحرف العربي في الإسلام، شرح وصية الإمام الأعظم لتلميذهِ الإمام أبي يوسف (في آداب العالم والمتعلم)".