طهران تطرح إمكانية إجراء "محادثات مباشرة" مع واشنطن.. فرصة أم خدعة؟

يوسف العلي | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

ألمحت طهران إلى رغبتها في إجراء محادثات مباشرة مع واشنطن بخصوص البرنامج النووي، الأمر الذي فتح باب التساؤلات واسعا بخصوص إمكانية حصول ذلك، وهدف موافقة إيران على الجلوس ضمن طاولة واحدة مع الولايات المتحدة بعد جولات عدة غير مباشرة في فيينا.

وقال وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، خلال مؤتمر صحفي بطهران في 24 يناير/كانون الثاني 2022، إنه "إذا وصلنا إلى مرحلة يتطلب فيها التوصل إلى اتفاق جيد مع ضمانات قوية محادثات مباشرة مع الولايات المتحدة، فسننظر في الأمر".

"خطوة سحرية"

رأى العضو السابق في لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني، منصور حقيقت بور، أن التوصل إلى اتفاق بشأن البرنامج النووي أصبح قريبا، وأن المفاوضات المباشرة بين بلاده والولايات المتحدة ستسرع من وتيرة التوافق في فيينا.

وأفاد حقيقت بور خلال تصريح له في 25 يناير 2022 أنه لا يوجد مانع لعقد مفاوضات مباشرة مع الأميركيين في سياسة إيران، متوقعا حدوث ذلك خلال المرحلة المقبلة.

واعتبر مدير المركز العربي للدراسات الإيرانية، محمد صالح صدقيان، طرح موضوع مفاوضات مباشرة "تطورا مهما في اللهجة الإيرانية".

وأضاف أن هذه الرغبة تحتاج إلى تمهيدات على غرار ما فعله الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما عندما فاتح المرشد الإيراني علي خامنئي بنواياه التي مهدت لمفاوضات توصلت إلى الاتفاق النووي.

وأعرب صدقيان بتغريدة على "تويتر" في 24 يناير 2021 عن اعتقاده أنه لا يزال يؤمن "بأهمية هذه الخطوة السحرية لمعالجة المشاكل بين الجانبين".

ونقل بعدها بيوم، في تغريدة أخرى على تويتر، عن مصادر "إمكانية إجراء لقاء مباشر بين وزيري خارجية إيران وأميركا (أنتوني بلينكن) في حال وصول مفاوضات فيينا إلى نتيجة مشجعة وهو إحياء اتفاق 2015".

على الصعيد ذاته، وصف محلل القضايا الدولية هادي خسرو شاهين، تصريح عبد اللهيان، بأنه "أهم إشارة من الجانب الإيراني لإحياء الاتفاق النووي، ويدل على رغبة إيران الجادة في تحقيق نتيجة في محادثات فيينا".

ورأى خسرو شاهين خلال مقال بصحيفة "آرمان ملي" الإصلاحية في 26 يناير 2022 أن "توقيت هذه الرسالة الإيرانية إلى فيينا جاء نتيجة المحاولات الأميركية لجلب ثقة الجانب الإيراني، حيث أصدرت وزارة الخزانة الأميركية تصريحا خاصا قبل أيام (نهاية يناير) لتحويل أموال تعويض من كوريا الجنوبية إلى مستثمر إيراني".

وتوقع الكاتب الإيراني المزيد من الخطوات الأميركية "الإيجابية" في الأيام المقبلة وبدء محادثات مباشرة بين إيران والولايات المتحدة في فيينا لإحياء الاتفاق النووي.

فرصة أم خديعة؟

في المقابل، اعتبر حسين شريعت مداري رئيس تحرير صحيفة "كيهان" المحافظة القريبة من المرشد الإيراني، أن التفاوض المباشر "خدعة أميركية"، موضحا أن "وزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان وأمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي شمخاني يعلمان ذلك".

وأضاف شريعت مداري خلال مقال له في 26 يناير 2022 أن "الأميركيين أظهروا مرارا أنهم يريدون التفاوض للتفاوض فقط وليس لحل القضايا العالقة.

وعلى الرغم من أن محادثات فيينا تمر بمرحلة معقدة تنتج عن تهرب أوروبا من الموضوع الرئيس للمحادثات، فإنه من الواضح أن الولايات المتحدة بالإضافة إلى عدم التزامها ببنود الاتفاق النووي، انتهكت قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2231 يوم انسحبت منخ، لأن القرار كان من المفترض أن يضمن استمرارا، بحسب قوله.

ورأى الكاتب أن "أميركا انسحبت من الاتفاق كي تجبر إيران على التفاوض معها حول قضايا جديدة إضافة إلى الملف النووي مثل صناعة الصواريخ والحضور الإقليمي، لكن طهران لم ترضخ لها قط".

في السياق ذاته، نقل تقرير صحفي في 26 يناير 2022 عن الباحث في الشؤون الإستراتيجية هادي أفقهي، قوله إن هناك مانع رئيس يعيق عقد مفاوضات مباشرة مع الجانب الأميركي، وهو "انسحاب واشنطن الأحادي من الاتفاق النووي".

ورأى أفقهي، أن التلميح الإيراني بإمكانية التفاوض المباشر جاء مشروطا، لأن الجلوس إلى طاولة مفاوضات مباشرة مع واشنطن سيعني قبول طهران بالعقوبات الأميركية التي فرضتها عقب انتهاكها الاتفاق النووي.

وأشار الباحث إلى أن من الأسباب الأخرى التي منعت إجراء مفاوضات مباشرة مع أميركا، انعدام الثقة بين الطرفين، مؤكدا أن طهران قد تقبل ذلك حال اقتضت مصلحتها الوطنية.

وتوقع أن تكون المفاوضات المحتملة مع الوفد الأميركي "على مستوى الخبراء" حال عودة الولايات المتحدة الكاملة للاتفاق النووي، وتنفيذها خطوات بناء الثقة؛ ومنها رفعها العقوبات والإفراج عن الأموال الإيرانية المحتجزة، وتقديمها ضمانات بعدم تكرار انسحابها من الاتفاق.

تجاوب إيراني

من جهته، قال محمد محسن أبو النور رئيس المنتدى العربي لتحليل السياسات الإيرانية (أفايب)، خلال تصريحات له في 26 يناير 2022 إن "أميركا كررت أكثر من مرة ضرورة وجود حوار مباشر مع طهران، لكن هناك تغيرات أدت إلى الطلب الأخير".

ورأى أبو النور أن "هناك سببين للطلب الأميركي الأخير بالذهاب لمفاوضات مباشرة؛ الأول هو أن إيران أيضا أبدت تجاوبا مع التفاوض المباشر.

أما السبب الثاني فهو حالة الانشقاق في الوفد الأميركي التفاوضي حول وجهات النظر ومطالب واشنطن؛ منها الإفراج عن السجناء السياسيين، والأصول الأجنبية في بنوك غير أميركية، وقبول المسودتين الأوليتين اللتين قدمتهما طهران في الجولة السابعة.

ولفت إلى أن كل هذه الأمور دفعت الإدارة الأميركية إلى تجديد الطلب بمفاوضات مباشرة، عملا بآلية صيغة وزيري الخارجية السابقين، الأميركي جون كيري والإيراني جواد ظريف في 2015، حيث إنه لولا التفاوض المباشر آنذاك ما كان حدث الاتفاق.

وكان الرئيس الأميركي الحالي جو بايدن آنذاك نائبا للرئيس باراك أوباما، وهو يميل نحو هذا الحل، وفق المحلل.

ونوه أبو النور إلى أن "المعضلة الأساسية هي أن أميركا رأت في إيران موقفا جديدا برفض أي اتفاق مؤقت، لذلك اعتقدت أن الحل الأنجع هو التفاوض المباشر في ظل تلميحات من طهران بالقبول"، مشيرا إلى أنه قد "تكون هناك قنوات تواصل سرية غير معلن عنها غير تلك الموجودة في فيينا".

ورجح المحلل السياسي أن "تشهد الفترة المقبلة لقاء مباشرا على مستوى أقل من الوزير أو على مستوى الخبراء أو نواب الوزراء في المدى القريب بين طهران وواشنطن".

وأبدت واشنطن، في 24 يناير 2022، استعدادها لإجراء مباحثات مباشرة "عاجلة" مع طهران بشأن إحياء الاتفاق بشأن البرنامج النووي للجمهورية الإسلامية، بعد تلميح إيراني لهذا الاحتمال بحال كان ضروريا لإبرام تفاهم "جيد".

ومنذ أشهر، تخوض طهران والقوى التي لا تزال منضوية في اتفاق العام 2015، مفاوضات تهدف إلى إحياء الاتفاق الذي انسحبت منه الولايات المتحدة أحاديا في 2018، معيدة فرض عقوبات على طهران، ما دفع الأخيرة للتراجع عن التزامات أساسية كانت مدرجة فيه.

وتشارك واشنطن بشكل غير مباشر في المباحثات، ويتولى الأطراف الباقون في الاتفاق، أي روسيا والصين وفرنسا وبريطانيا وألمانيا، إضافة إلى الاتحاد الأوروبي، تنسيق المواقف بين المفاوضين الإيرانيين والأميركيين.

ورفضت إيران مرارا إجراء مباحثات مباشرة مع الولايات المتحدة في فيينا، معللة ذلك بأن واشنطن لم تعد طرفا في الاتفاق.