رغم المحاصيل "الوفيرة" في نيجيريا.. لماذا يواجه 12 مليون نسمة أزمة غذائية حادة؟

سليمان حيدر | 3 years ago

12

طباعة

مشاركة

يواجه الملايين من أبناء الشعب النيجيري أزمة إنسانية حادة مع تصنيف البلاد ضمن البؤر الساخنة المعرضة للمجاعة على مستوى العالم. 

ويشكل انعدام الأمن الغذائي الخطر الأكبر الذي يهدد عدد كبير من الشعب النيجيري بعد أن بات أكثر من 12 مليون شخص إما في أزمة حقيقية أو في مستويات طارئة في نهاية عام 2021. 

وفي ختام زيارته إلى نيجيريا في 21 يناير/كانون الثاني 2022، أكد المبعوث الأممي مارتن غريفيث أن الناس في نيجيريا يتوقون إلى الأمن وسبل العيش وتحسين الوصول إلى الخدمات الاجتماعية. 

وأشار غريفيث إلى أن خطة الاستجابة الإنسانية لنيجيريا لعام 2022 المقرر إطلاقها في فبراير/شباط من ذات السنة، تتطلب أكثر من ملياري دولار أميركي لمساعدة 8.4 مليون نيجيري تهددهم المجاعة. 

انعدام الأمن الغذائي

تشير توقعات وزارة الزراعة في نيجيريا إلى احتمال ارتفاع هذا الرقم إلى ما يقرب من 17 مليون شخص خلال العام 2022 وفقا لتقرير رسمي نشرته الوزارة في 8 نوفمبر/تشرين الثاني 2021. 

وأوضح التقرير أن ولاية بورنو في الشمال الشرقي بها أكبر عدد من الأشخاص الذين يواجهون انعدام الأمن الغذائي؛ حيث يوجد نحو 145 ألف شخص في مستويات الطوارئ والأزمات، مع توقعات بأن يتضاعف الرقم خلال العام 2022.

ويزيد من تلك المعاناة نزوح أكثر من مليوني شخص من منازلهم في منطقة بورنو، وانتقال الكثير منهم إلى مخيمات بائسة يعتمدون فيها على المساعدات الإنسانية التي تقدمها الأمم المتحدة.

ويعتبر المسبب الأول لسوء الأوضاع الغذائية في نيجيريا هو الوضع الأمني المتردي الناجم عن تمرد جماعات مسلحة في الشمال الشرقي، في الوقت الذي تكافح فيه الحكومة اضطرابات في ولاياتها الشمالية الغربية والوسطى، حيث تنتشر العديد من العصابات الإجرامية.

ويؤكد تقرير "شبكة أنظمة الإنذار المبكر بالمجاعة" التابعة للوكالة الأميركية للتنمية الدولية أن انعدام الأمن الغذائي الطارئ سيستمر في المناطق الأكثر تضررا من النزاع في ولاية بورنو حتى مايو/أيار 2022. 

وأضاف التقرير الصادر في ديسمبر/كانون الأول 2021: "تظل ظروف الأمن الغذائي مصدر قلق للنازحين في كل من الشمال الشرقي والشمال الغربي، حيث يكون الوصول إلى الغذاء والدخل محدودا للغاية، بالإضافة إلى انخفاض وصول المساعدات الإنسانية".

وأشارت إلى ارتفاع مستوى أعمال الخطف والسرقة في الأشهر الأخيرة بالولايات الشمالية الغربية والوسطى ما أدى إلى زيادة مستويات النزوح وتعطيل مشاركة الأسر في الأعمال التي يتكسبون منها.

ووفقا لتقرير مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة في 9 ديسمبر/كانون الأول 2021، نزح أكثر من 11500 شخص من الشمال الغربي النيجيري إلى جمهورية النيجر بالتزامن مع موسم الحصاد، مما يشير إلى استمرار ارتفاع مستويات الصراع.

واعتبر التقرير أن تلك الأنشطة ستؤثر على موسم الحصاد بشكل مباشر، مما يحد من مستوى الدخل والوصول إلى الغذاء، وأن معظم الأسر ستستمر في مواجهة قيود الوصول إلى الغذاء وفجوات استهلاكه حتى مايو 2022. 

ويوضح موقع ذي جورديان النيجيري تضرر الاقتصاد المعتمد على النفط في أكبر دولة إفريقية من حيث عدد السكان، والتي يتخطى عدد سكانها 200 مليون نسمة، من جائحة كورونا، وذلك بعد انزلاق البلاد إلى الركود الثاني خلال خمس سنوات. 

وأشارت الصحيفة في 8 نوفمبر 2021 إلى انتعاش الاقتصاد النيجيري مرة أخرى وعودته إلى النمو في الأشهر الأخيرة، لكن التضخم وخاصة في أسعار المواد الغذائية، لا يزال مرتفعا، مما يغرق النيجيريين في مزيد من الفقر.

جفاف بحيرة تشاد

من بين العوامل المؤثرة في انعدام الأمن الغذائي بنيجيريا، أزمة الجفاف في بحيرة تشاد التي كانت تصنف سادس أكبر بحيرة بالعالم في ستينيات القرن الماضي. 

وتطل على البحيرة كل من نيجيريا والكاميرون وتشاد والنيجر وتقلصت مساحتها بسبب الجفاف من 25 ألف كيلومتر مربع في الستينيات إلى 2000 حاليا بسبب التغيرات المناخية والانفجار السكاني والري الجائر. 

وتوقع الباحث في مركز دراسات السلام والأمن بنيجيريا ساهيد باباجيد في دراسة نشرت عام 2020 أن تجف البحيرة تماما في أقل من عقد. 

ويشير تقرير لوكالة الأناضول التركية في 3 يناير 2022 إلى أن الخطير في ذلك هو أن ملايين الناس الذين يعيشون على ضفاف البحيرة أو محيطها والمقدر عددهم بحوالي 30 مليون شخص، فقدوا مصادر عيشهم.

حدث ذلك بعد أن جفت معظم أجزاء البحيرة وتحولت إلى بركتين ضحلتين ومنفصلتين، تتخللهما الكثير من الجزر الصغيرة.

ويوضح التقرير أن هذه المنطقة باتت واحدة من أكثر المناطق اضطرابا في العالم، وصنف مؤشر الإرهاب العالمي في 2020 دول هذه المنطقة ومن بينهم نيجيريا بين أقل 10 دول أمانا في القارة الإفريقية.

وينتشر في حوض بحيرة تشاد تنظيم بوكو حرام الذي استوطن الجزء الشمالي من نيجيريا وتمدد غرب تشاد وشرق النيجر وشمال الكاميرون من خلال الأحراش الكثيفة والجزر الكثيرة التي تتميز بها البحيرة. 

وبحسب الأناضول فقد أصبح تنظيم الدولة غرب إفريقيا منذ 2015 هو الأبرز في المنطقة، وتقاسم مع جماعة بوكو حرام السيطرة عليها.

لكن التنظيم حسم الصراع في شمال نيجيريا بعد مقتل أبو بكر شيكاو زعيم بوكو حرام في مايو 2021. 

وأكد باباجيد في دراسته أن فقدان سبل العيش بهذه المنطقة أدى إلى تزايد معدل الجريمة والنزوح من الريف وبالتالي انتشار العنف والجريمة في البلدات والقرى التي تستضيف النازحين.

وحذر التقرير من مخاطر اختفاء البحيرة على المنطقة والعالم، مؤكدا أن الجفاف سيؤدي إلى مجاعة لعدم قدرة السكان على توفير مياه الشرب لهم ولمواشيهم وري مزروعاتهم، وفقدانهم لأمنهم الغذائي.

محاصيل وفيرة

وفي أسباب تزايد انعدام الأمن الغذائي، يرى الكاتب النيجيري ماثيو أغبوما أوزا أن الوضع الأمني المتردي والكوارث الطبيعية مثل الجفاف والفيضانات لها التأثير الأكبر.

وقال أوزا في مقال بصحيفة ذي جورديان النيجيرية: "ضع في اعتبارك كل الأشياء التي حدثت في العقد الماضي بنيجيريا، مما لا شك فيه هو أن انعدام الأمن جلب البؤس والمعاناة الشديدة".

وأشار أوزا إلى تدهور الأوضاع الأمنية في البلاد وأن الأمر تحول إلى تهديد وطني وأن الجوع يلوح بالأفق في ظل استمرار تعرض المزارعين والأنشطة الزراعية في جميع أنحاء البلاد للخطر. 

وأشار إلى أن المواسم الزراعية في نيجيريا عادة ما تواجه كوارث طبيعية مثل الجفاف والفيضانات وأن هذه الأحداث الطبيعية لها تأثير كبير في أجزاء مختلفة في البلاد. 

وأضاف: "في الشمال، الطقس القاسي الحار، والجفاف يدمران الأنشطة الزراعية في المنطقة، بينما من المعروف أن الأجزاء الجنوبية الغربية والجنوبية والشرقية تتحمل الفيضانات والتعرية خلال مواسم هطول الأمطار".

ومع ذلك يجد المزارعون طريقة للتغلب على هذه الكوارث الطبيعية لإنتاج محاصيل وفيرة بحسب أوزا.

ويرى أن كابوس المزارعين في نيجيريا تحول من كوارث طبيعية إلى أخرى من صنع الإنسان واحتل انعدام الأمن مركز الصدارة في تحديد الأنشطة الزراعية في الآونة الأخيرة. 

وقال إن المتمردين وقطاع الطرق والرعاة والخاطفين في الوقت الحالي يحاولون إحباط الزراعة والتعليم والأنشطة التجارية الأخرى في البلاد. 

وأكد أن انعدام الأمن بشكل عام يشكل تهديدا لكل شيء وأن الخوف يسيطر على الأغلبية من المزارعين الذين يخشون زراعة الأرض، وهو ما تسبب في ارتفاع أسعار المواد الغذائية والبؤس الاقتصادي. 

وأشار إلى أن التردي الأمني في البلاد لا يساعد المزارعين على إنجاح الموسم الزراعي وأن قطاع الطرق في بعض الأماكن في نيجيريا هم من يصرحون للمزارعين قبل تنفيذ أي نشاط زراعي. 

وأضاف: "عندما تلتهم الاضطرابات دولة ما كما هو الحال في نيجيريا تتسلل المجاعة وتشتعل ببطء إلى مزارع الكروم الجماعية، ومع ذلك سيكون من الخطأ بالتأكيد الإشارة إلى أن انعدام الأمن يتجلى في نيجيريا أكثر من أي مكان آخر في العالم".

وتستغل العصابات الإجرامية الوجود المحدود لقطاع الأمن في المنطقة لتنفيذ هجمات متزايدة على السكان في شمال غرب نيجيريا، بما في ذلك عمليات الخطف الجماعي لأطفال المدارس.

وفي 23 مارس/آذار 2021 حذرت منظمة الأغذية والزراعة (فاو) وبرنامج الأغذية العالمي التابعان للأمم المتحدة من احتمال تزايد الجوع الحاد في أكثر من 20 دولة بينهم نيجيريا. 

وصنفت نيجيريا ضمن البؤر الساخنة التي لا يزال الناس فيها ضمن الأكثر عرضة لخطر انعدام الأمن الغذائي الحاد المتزايد والمرتفع بشكل خطير. 

وقالت الأمم المتحدة في تقريرها إن شمال نيجيريا الذي يشهد نزاعا حادا، تظهر توقعات بأن عدد الأشخاص الذين يعيشون في مستوى الطوارئ المتعلق بانعدام الأمن الغذائي الحاد قد يزداد بمقدار الضعف تقريبا، ليصل إلى أكثر من 1.2 مليون شخص قياسا بالفترة نفسها من العام السابق.

وتوقعت أن يرتفع انعدام الأمن الغذائي والتغذوي بشكل كبير في شمال نيجيريا وأن يلحق الضرر بحوالي 13 مليون شخص ما لم يجر توسيع نطاق المساعدات الغذائية وسبل المعيشة.

التهديد الأكبر

ويرى الكاتب النيجيري كلفين إيمانويل، أن أكبر تهديد تواجهه نيجيريا لاستقرارها كدولة ليس بوكو حرام أو ولاية غرب إفريقيا التابعة لتنظيم الدولة أو قطاع الطرق في الشمال الغربي والوسط؛ وإنما انعدام الأمن الغذائي.

وأشار في مقال بموقع ذي أفريكا ريبورت في 21 يناير 2022 إلى أن الأنظمة المتعاقبة في نيجيريا حاولت توفير الخبز وجعله أرخص ثمنا ومتاحا على نطاق أوسع من خلال استخدام نبات الكسافا، إلا أنها فشلت بسبب عدم وجود أبحاث وتطوير مناسبين لتحسين جودته وتوزيعه.

وتعتبر نيجيريا الدولة الأولى عالميا في إنتاج نبات "الكسافا"، وهي من الخضروات الجذرية النشوية، حيث تنتج ما نسبته 20 بالمئة من الإنتاج العالمي. 

وللحد من التضخم المقدر بنسبة 100 بالمئة في سعر الخبز بنيجيريا، أشار إيمانويل إلى أن حكومة الرئيس محمد بخاري بعد أن قادت سياسة غير شعبية حول حظر استيراد الأرز واستبدال الواردات، منحت تفويضا للبنك المركزي النيجيري لإدارة برنامج شراكة بين القطاعين العام والخاص لزيادة إنتاج القمح.

وتهدف الشراكة إلى زراعة 5 ملايين طن من القمح الذي تحتاجه البلاد بشكل سنوي. 

واعتبر إيمانويل الخطوة التي اتخذها بخاري بالغة الأهمية بالنظر إلى الاضطرابات في سلاسل التوريد العالمية للشحن والتي أدت إلى زيادة تكلفة شحن البضائع بنسبة تصل إلى 300 بالمئة. 

وهو ما يصعب على شركات الطحن في نيجيريا إحضار القمح بأسعار تجعل الخبز بسعر دولار واحد لكل رغيف بحسب الكاتب. 

وتخطط جمعية مطاحن الدقيق في نيجيريا إلى التوسع في تجربة زراعة القمح المنتشرة في 8 ولايات خلال الوقت الحالي إلى 12 ولاية. 

وفي حال نجاح البرنامج ستتوقف نيجيريا عن استيراد القمح من كندا والولايات المتحدة، وهو ما يعني أيضا أن التكاليف ستكون أقل بالنسبة للبلدان المجاورة مثل غانا التي تستورد الدقيق من المطاحن النيجيرية، بحسب تقرير ذي أفريكا ريبورت. 

وشدد إيمانويل على أهمية أن ينخفض سعر الغذاء بسرعة في نيجيريا من خلال عملية التكامل العكسي التي تعتمد على الإنتاج المحلي بدلا من الاستيراد.

وهو ما يؤدي إلى توفير النقد الأجنبي وتحسين المنحنى الآجل لأسواق الصرف الأجنبي وتقليل العجز في رصيد الحساب الجاري لنيجيريا وبالتالي تقليل الضغط على العملة المحلية التي شهدت انخفاضا بنسبة 52 بالمئة على أساس سنوي.

 وأضاف إيمانويل: "كلما زاد عدد النيجيريين القادرين على الابتعاد عن البقاء على قيد الحياة، زادت قدرتهم على اتخاذ قرارات أفضل بشأن التعليم وبناء مستويات معيشية أفضل واتخاذ خيارات سياسية أكثر ذكاء".