زيارة رئيس إيران إلى روسيا.. اتفاقيات إستراتيجية طويلة مع الشرق والعين على الغرب
أثارت زيارة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، إلى روسيا، التي استمرت يومين (19 و20 يناير/كانون الثاني 2022)، تساؤلات كثيرة بخصوص أسبابها والأهداف التي حققتها.
وخلال الزيارة التقى رئيسي نظيره الروسي فلاديمير بوتين وعقدا اجتماعات مطولة في العاصمة موسكو.
وتعد هذه الزيارة إلى موسكو، الأولى من نوعها للرئيس الإيراني منذ توليه منصبه في أغسطس/آب 2021، وكذلك يعتبر أول رئيس دولة أجنبية يلتقي به فلاديمير بوتين في الكرملين خلال العام الجديد 2022.
"اتفاقية إستراتيجية"
بعد لقاء استمر ثلاث ساعات مع بوتين، في اليوم الأول من الزيارة، كشف رئيسي أن إيران أعدت "مسودة اتفاقية مدتها 20 عاما بين البلدين"، وإلى جانب التعاون الاقتصادي، فإن هذه الاتفاقية لها أبعاد أمنية وعسكرية تثير القلق دوليا وإقليميا وحذرا داخليا.
وبحسب تقرير لوكالة "أسوشييتد برس"، الأميركية، قال رئيسي، إن إيران "صاغت مسودة اتفاق مدته 20 عاما بين البلدين". وأضاف خلال الاجتماع مع بوتين "نريد تطوير علاقتنا القوية والمتعددة الأوجه مع روسيا.. وينبغي أن تكون مستدامة وإستراتيجية".
من جهته، أوضح سفير إيران لدى روسيا، كاظم جلالي لوكالة مهر للأنباء في 19 يناير 2022، أنه "لن يوقع الرئيسان أي اتفاق خلال هذه الزيارة، وستتم إثارة قضايا إستراتيجية مهمة للغاية بشكل أساسي".
وكان المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، سعيد خطيب زادة قد صرح في 11 ديسمبر/كانون الأول 2021، أن "صياغة وثيقة التعاون التي تبلغ مدتها 20 عاما مع روسيا أوشكت على الانتهاء"، وأنها ستكون مماثلة لـ"وثيقة التعاون الإيرانية الصينية التي تبلغ مدتها 25 عاما".
ووقعت هذه الاتفاقية لأول مرة في 12 مارس/آذار 2001 في موسكو، بحضور رئيسي البلدين، محمد خاتمي وقتها وفلاديمير بوتين، تحت عنوان "قانون الاتفاقية الأساسية للعلاقات المتبادلة ومبادئ التعاون بين جمهورية إيران الإسلامية والاتحاد الروسي".
وجرت صياغتها باللغتين الروسية والفارسية، وصدق البرلمان الإيراني والدوما الروسي عليها.
وتنص الاتفاقية على أنه "يجرى إبرام هذه الاتفاقية لمدة عشر سنوات، وإذا لم يخطر أي طرف الآخر كتابيا بنيته إنهاء الاتفاقية قبل عام واحد على الأقل من انتهاء سريانها، فستمدد تلقائيا خمس سنوات".
كما تحتوي الاتفاقية على مقدمة و21 مادة، وتشير المادة 6 من المعاهدة إلى التعاون بين البلدين في مجال الطاقة، بما في ذلك الطاقة النووية.
وتنص على أن: "يتعاون الطرفان بهدف توسيع علاقات طويلة الأمد لتنفيذ مشاريع مشتركة في مجال النقل والطاقة، بما في ذلك، الاستخدام السلمي للطاقة النووية وبناء محطات الطاقة النووية والصناعات والعلوم والتكنولوجيا والزراعة والصحة العامة".
وتؤكد بنود أخرى في الاتفاقية أو المعاهدة بين موسكو وطهران على التعاون بين البلدين في المجالات السياسية والأمنية والعسكرية وهذه البنود التي لم يتم الكشف عن فحواها تهم الأوساط الإقليمية والدولية.
وبحسب موقع "تجارت نيوز" الإيراني: "الآن تنوي كل من إيران وروسيا تمديد هذه الاتفاقية لمدة 20 عاما أخرى، بالتزامن مع حضور إبراهيم رئيسي في موسكو".
وحتى الآن "نعلم أن جزءا كبيرا من هذه الاتفاقية، يتعلق بشراء أسلحة ومعدات عسكرية من موسكو، وذلك وسط تصاعد التوتر الكلامي بين إيران وإسرائيل"، وفق الموقع.
"اتفاق مؤقت"
في السياق ذاته، نقلت شبكة "إن بي سي نيوز" في 22 يناير 2022 عن ستة مصادر أميركية قولها إن روسيا عرضت على إيران أخيرا اتفاقا يجرى بموجبه تخفيف بعض العقوبات الأميركية مقابل فرض بعض القيود على البرنامج النووي الإيراني.
وبحسب التقرير، فإن الولايات المتحدة على علم بهذا الاقتراح، فقد عرضت روسيا على إيران تعليق تخصيب اليورانيوم بنسبة 60 بالمئة، وتصدير مخزوناتها الحالية من اليورانيوم المخصب إلى موسكو، وقبول قيود على التخصيب بنسبة 20 بالمائة وتشغيل أجهزة الطرد المركزي المتقدمة.
في المقابل، يمكن لإيران الوصول إلى نحو 10 مليارات دولار من أصولها المجمدة في كوريا الجنوبية والعراق واليابان، بالإضافة إلى إعفائها من بعض العقوبات، وفقا للشبكة.
وبحسب التقرير، بينما كانت الولايات المتحدة على علم بعرض روسيا لإيران، شدد مسؤولو إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن على أن واشنطن لم تشارك بالجهود الروسية ورفضوا الإدلاء بتفاصيل حول العرض الروسي.
ويشير التقرير إلى أن إيران رفضت حتى الآن العرض الروسي الذي قدم على هامش محادثات فيينا.
وقال وفد إيران لدى الأمم المتحدة في 21 يناير 2022 إن طهران لا تريد اتفاقا مؤقتا وامتنع عن إعطاء تفاصيل عن العرض الروسي.
وأعلن الوفد في بيان أن إيران تسعى إلى اتفاق دائم وذي مصداقية يشمل الوعود المدرجة في الاتفاق النووي، وأن أي اتفاق لا يفي بهذه المعايير لن يكون على جدول أعمال طهران.
من ناحية أخرى، رفضت الحكومة الروسية التعليق على هذا الاقتراح. وقال مصدر مطلع لـ"إن بي سي نيوز" إنه في حالة قبوله، فإن الولايات المتحدة وحلفاءها سيصفون مثل هذا الاتفاق المؤقت بأنه "خطوة أولى" للعودة الكاملة للالتزامات، وليس باتفاق جديد أو منفصل.
وأعلن مسؤول كبير في حكومة بايدن أيضا للشبكة الأميركية أن مسألة الاتفاق المؤقت ليست جدية. وفي غضون ذلك، قد يحتاج أي اتفاق جديد بالإضافة للاتفاق النووي إلى النظر فيه من قبل الكونغرس.
من ناحية أخرى، نقلت شبكة "إن بي سي نيوز" عن مصدرين مطلعين، أن فريق التفاوض النووي الأميركي في فيينا قد تغير أخيرا، وعاد أحد أعضائه وهو ريتشارد نيفو إلى منصب مختلف في وزارة الخارجية بسبب خلافات مع الممثل الأميركي الخاص لشؤون إيران "روبرت مالي".
وقال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكين، في 21 يناير 2022، بعد لقائه نظيره الروسي، سيرغي لافروف، إنه طلب من روسيا استخدام تأثيرها علی إيران لإبلاغ مسؤولي النظام الإيراني بضرورة الإسراع في التوصل لاتفاق.
وأضاف بلينكين أنه ناقش مسألة إيران مع لافروف وحذر من أنه لم يتبق سوى القليل من الوقت لإنهاء المحادثات بشأن إحياء الاتفاق النووي، وفقا للشبكة الأميركية.
رسائل وأهداف
وعلى الصعيد ذاته، قالت "فورين بوليسي" مجلة خلال تقرير لها في 21 يناير 2022 عن الزيارة إن "الرئيس الحالي لإيران، سعى لإيصال رسالة للروس مفادها بأن طهران جادة حاليا في تعزيز العلاقات".
ويرى المرشد الأعلى علي خامنئي في توثيق العلاقات مع موسكو بوليصة تأمين ضد واشنطن، على أمل أن يتمكن الروس من مساعدته ومعسكره المتشدد لإبعاد الغرب عن إيران.
لكن على عكس خامنئي والرئيس الحالي، لا يرى الرأي العام الإيراني روسيا على أنها منقذ لإيران من مشاكلها، وفق ما تنقل المجلة.
وتقول "فورين بوليسي" إن السؤال الذي يشغل خامنئي ورئيسي هو كيف يمكن لموسكو أن تساعد طهران على تجاوز العقوبات الأميركية والغربية؟
وأشارت إلى أن البلدين، رغم الاختلافات، يمكن أن يجدا أرضية للتفاهم في سوريا، لكنهما لن ينسجما فيما يتعلق بأجندتهما في الشرق الأوسط.
وفي وقت يتوقع فيه رئيسي أن تكون لزيارته إلى روسيا نتائج ملموسة في الجانب الاقتصادي، تقول "فورين بوليسي" إن الإيرانيين عليهم أن يقدموا حوافز أكبر للروس خاصة في مجال الطاقة الذي ترى فيه موسكو طهران منافسا لها.
وتشير المجلة الأميركية إلى أن الجانب الدبلوماسي يشهد انسجاما بين الروس والإيرانيين ولم يشهد أي أزمة منذ 1989.
وعلى الجانب الآخر، تتجاهل واشنطن التقارب الروسي الإيراني، بحسب المجلة، رغم أنها قلقة من "تبعية" طهران لموسكو وبكين.
وتخلص المجلة إلى أن مناخ "عدم الثقة" الحالي الذي يطبع العلاقات الروسية الإيرانية يمنح واشنطن بعض الوقت لصياغة إستراتيجية لمواجهة أي تقارب حقيقي في المستقبل.
من جهته، رأى غريغوري لوكيانوف، الخبير بالشؤون الدولية في المدرسة العليا للاقتصاد في موسكو، أن "المسؤولين الروس باتوا في السنوات الماضية أكثر اصطفافا مع الموقف المعادي للغرب الذي يحمله الإيرانيون".
وقال لوكيانوف خلال حديثه لصحيفة "نيويورك تايمز" في 20 يناير 2022 إن "الزيارة ليست مكيفة باتجاه الرأي العام المحلي في البلدين ولكن باتجاه الغرب".
وتابع: "هناك داعمون داخل القيادة الروسية لتبني الموقف الإيراني المتشدد الذي لم يكن مقبولا من روسيا".
وحشدت روسيا أخيرا 100 ألف جندي على الحدود مع أوكرانيا، وتطالب بضمانات بعدم ضم كييف أو أي دولة في أوروبا الشرقية إلى حلف الناتو.
وعلى الوتيرة ذاتها، قال الخبير الإيراني علي موسوي خلخالي إن علاقات إيران مع روسيا "لن تتوسع بشكل صحيح وحقيقي، ما لم تنحل المشكلات في العلاقات الإيرانية مع الغرب أو لم تتراجع إلى ما هو الأدنى".
ونقل تقرير في 19 يناير 2022 عن خلخالي، قوله إن "إيران لا يمكنها العمل ضد حلفاء روسيا في مناطق أخرى ثم تنتظر أن تكون لها علاقات صداقة مع موسكو".
وأكد أن العلاقات الاقتصادية بين إيران وروسيا "لا ترتقي إلى مستوى التفاهم السياسي". ورأى أنه "لا فرص اقتصادية كبيرة بين البلدين".
وأشار إلى أنهما "منافسان في كثير من المجالات الاقتصادية خاصة في قطاعي النفط والغاز"، حيث ترى روسيا في إيران منافسا.
لذلك لا ترتضي تصدير طهران الغاز إلى أوروبا أو عودتها إلى سوق النفط بعد أن استحوذت عليه موسكو على خلفية العقوبات على إيران.
المصادر
- الرئيس الإيراني: أصبحت "أكثر اطلاعا" بعد لقاء بوتين ووثيقة شاملة بين البلدين تمتد20 عامًا
- رئيسي لمجلس النواب الروسي: التعاون بين موسكو وطهران يساعد في إحلال السلام في المنطقة
- A New Chapter for Iran and Russia
- قصة اتفاقية بين روسيا وإيران.. تثير قلق المنطقة
- إيران ترفض مقترحاً روسياً لإبرام «اتفاق مؤقت» في فيينا
- "إن بي سي نيوز": روسيا عرضت على إيران اتفاقًا نوويًّا مؤقتًا بعد إبلاغ أميركا
- الرئيس الإيراني يزور موسكو ويعتبر ذلك "نقطة تحول" في العلاقات مع روسيا
- نيويورك تايمز: بوتين يدفع بجبهة موحدة مع إيران والصين لمواجهة الضغط الأمريكي في أوكرانيا
- رئيسي في روسيا: منعطف بالاستدارة الإيرانية نحو الشرق