مكافأة لإنقاذه ابن سلمان من العزلة.. هكذا سيطر ماكرون على مفاصل الجيش السعودي

أحمد يحيى | 3 years ago

12

طباعة

مشاركة

في إطار برنامج الأسلحة المشترك، يزداد التعاون بين الرياض وباريس فيما يخص تكنولوجيا المراقبة العسكرية والتسليح والاستخبارات، وسط علاقات وثيقة تجمع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، بولي عهد المملكة وحاكمها الفعلي محمد بن سلمان. 

ويعد التعاون في إستراتيجيات التسليح بين البلدين هو الأوسع والأشمل منذ عقود، بصفقات سلاح ضخمة، بمليارات الدولارات، التي عززت خزينة الإليزيه من جهة، وفتحت منافذ أخرى للجيش السعودي من جهة أخرى في ظل تضييقات عالمية عليه، بسبب الانتهاكات السعودية الجسيمة في اليمن. 

المراقبة العسكرية 

في 3 ديسمبر/ كانون الأول 2021، كشفت مجلة "إنتيليجنس أونلاين" الفرنسية المتخصصة في شؤون الاستخبارات، أن "الشركة السعودية للاتصالات، تتلقى مساعدات من شركائها الفرنسيين المشاركين في مجال الاتصالات عبر الأقمار الصناعية في برنامج الأسلحة الفرنسي السعودي الضخم، المعروف بـ (SFMC) الجاري تنفيذه الآن". 

وأضافت: "تتسارع الأمور بشأن الشريحة الرابعة من العقد العسكري السعودي الفرنسي (SFMC) لبيع أنظمة الاتصالات الفرنسية إلى الرياض، لإنشاء أنظمة مراقبة عبر الأقمار الصناعية الآمنة (COMINT) التابعة لوزارة الدفاع السعودية".

وذكرت أن "شركة داتالينك السعودية، التي يديرها مؤسسها أيمن الجهني، وهو مهندس شبكة سابق في القوات الجوية الملكية، بصدد تعيين موظفين جدد مع تقدم العمل في الموقع، وذلك لتثبيت المكونات الأخرى التي يتطلبها النظام الفرنسي الجديد.

ويتضمن هذا النظام هوائيات الأقمار الصناعية والأبراج  وأدوات الاتصال والإضافات إلى مركز بيانات النظام. 

ثم أوردت أن "داتالينك تعد جزءا من العقد العسكري السعودي الفرنسي، وهي في الأساس ضمن حزمة حكومية دولية لبيع معدات عسكرية بقيمة 2.4 مليار يورو، من فرنسا للسعودية".

ومن أبرز ما أعلنته أن "أجهزة المخابرات في البلاد، ستستخدم أيضا المعدات الفرنسية، منها رئاسة أمن الدولة، التي ستكون أحد المستخدمين الأساسيين للأنظمة".

وهي الوكالة التي دعا ولي العهد محمد بن سلمان لدمج جميع أجهزة الأمن الداخلي السعودية فيها، وتحديدا مديرية المخابرات العامة التابعة للوزارة، القوات الخاصة، مركز معلومات الشبكة وخدمة الاعتراض، بالإضافة إلى المديرية العامة للشؤون الفنية. 

وهو ما يجعل تلك الكيانات السعودية الحساسة، تحت أعين وسيطرة المؤسسات الفرنسية العسكرية والاستخباراتية. 

صفقات مليارية 

ولعل الوجود الفرنسي المتجذر في بنية الدفاعات السعودية، قد برز بوضوح كمنافس لبقية القوى الدولية الممدة للجيش السعودي بالسلاح وأنظمة الدفاع، في مطلع يناير/ كانون الأول 2020.

وقتها، نشرت القوات المسلحة الفرنسية منظومة رادار على الساحل الشرقي للسعودية، وفقا لما أعلنته وزارة الدفاع الفرنسية، ونشرته وكالة "رويترز" البريطانية.

وقد نقلت الوكالة عن مسؤولين فرنسيين قولهم إن "بلادهم نشرت منظومة رادار على الساحل الشرقي للسعودية لتعزيز دفاعاتها، وأن هذه الخطوة جاءت بعد هجمات على مجموعة أرامكو النفطية، بواسطة جماعة الحوثي المدعومة من إيران".

وقال حينها الرئيس إيمانويل ماكرون في كلمة للجيش الفرنسي، إنه "في شبه الجزيرة العربية والخليج، تتصاعد التوترات، ما دعانا في زمن قياسي، لنشر قوة مهام (جاغوار) التي ستسهم في طمأنة المملكة".

لم تكن الأنظمة الدفاعية فقط هي معرض التعاون العسكري بين النظامين، إذ أمدت باريس الرياض بأسلحة هجومية متقدمة، استخدمتها الأخيرة في حربها الشرسة داخل اليمن، وهو ما كشفته وثائق دفاعية سرية مسربة.

وأوضح موقع "ديسكولز" الفرنسي، حصوله على وثائق مسربة تحمل تصنيف "الدفاع السري"، وهي عبارة عن تقرير من 15 صفحة كتبه ضباط من مديرية الاستخبارات العسكرية (DRM) في 25 سبتمبر/ أيلول 2018، بعنوان "اليمن.. الوضع الأمني". 

وأفاد أن هذه الوثائق السرية أرسلت إلى الرئيس ماكرون ووزيرة الدفاع فلورنس بارلي، وكذلك إلى مقر الحكومة ووزير الخارجية جان إيف لو دريان، خلال جلسة عن الحرب في اليمن عقدت في 3 أكتوبر/ كانون الأول 2018 بقصر الإليزيه. 

وذكر أن الوثائق تحتوي على جداول وخرائط تكشف لأول مرة عما تحاول الحكومة الفرنسية إخفاءه عن المواطنين، أي القائمة التفصيلية للأسلحة الفرنسية المستخدمة في حرب اليمن.

كذلك أورد أن الأسلحة المستخدمة هي دبابات لوكلير، وقذائف السهم، ومقاتلات ميراج 2000-9 ورادار كوبرا، وعربات مدرعة من طراز أرافيس، ومروحيات كوجار ودوفان ومدافع سيزار.

وهو ما يعزز أن صفقات السلاح الفرنسية متنوعة ومتعددة وذات حيثية بالغة.

ورغم أن ماكرون حاول نفي تورط بلاده في الحرب اليمنية والانتهاكات الحقوقية، فإن علاقته المتقدمة بولي العهد السعودي، عززت من فكرة التوغل الفرنسي الملحوظ في شؤون المملكة، لا سيما الجانب العسكري.

الرئيس والأمير 

بدت قوة العلاقة بين ابن سلمان وماكرون، في الوقت الذي عانى فيه ولي العهد السعودي من كونه "منبوذا دوليا"، عقب اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده بإسطنبول في أكتوبر/تشرين الأول 2018.

هنا تميزت الارتباطات بين النظامين السعودي والفرنسي في أحلك اللحظات، وهو ما ظهر بشدة في 30 نوفمبر/تشرين الثاني من العام نفسه.

فعلى هامش قمة مجموعة العشرين التي أقيمت في الأرجنتين، وجد ابن سلمان نفسه معزولا عن جميع القادة والرؤساء، إذ تجنب معظمهم التقاط الصور أو الحديث معه بشكل منفرد، إلا ماكرون الذي تقرب منه، وعقد معه محادثة لنحو 5 دقائق، طمأنه خلالها بأنه سيتعامل مع قضية خاشقجي، بينما اكتفى ولي العهد بالابتسام.

بعدها بدأ تعاون من نوع خاص في جوانب عدة، أهمها ما يتعلق بالأسلحة الفرنسية الموردة إلى القوات المسلحة السعودية، تحديدا عقب تحفظ واشنطن في إعطاء مزيد من صفقات السلاح إلى المملكة. 

وأوردت مجلة "إنتيليجنس أونلاين" الفرنسية في تقريرها الصادر 10 مارس/ آذار 2021، أن "الرئيس إيمانويل ماكرون يستعد للقيام برحلة إلى السعودية في زيارات تهدف لتمكين فرنسا من تفعيل دبلوماسيتها الاقتصادية العسكرية". 

وأضافت: "صناعة الدفاع الفرنسية تخطط للاستحواذ على جزء من الحصة السوقية التي وجدت بفضل قرار إدارة بايدن القاضي بوقف توريد المعدات العسكرية اللازمة لدعم جهود الرياض الحربية في اليمن".

وذكرت أن "حكومة ماكرون تضع عينها على المشاريع السعودية في مجالات المياه، وتدوير النفايات، والإنشاءات، والطاقة النووية".

ويعد تصدير الأسلحة من أبرز إستراتيجيات ماكرون في علاقته بابن سلمان، منذ البدايات، رغم انتهاكات الرياض في حرب اليمن، وحظر بعض الدول مثل ألمانيا تصدير أسلحتها للمملكة، فإن باريس كانت مختلفة، وظلت على موقفها.

 ففي 9 مايو/ أيار 2019، أعلنت وزارة الدفاع الفرنسية موافقتها على صفقة أسلحة للسعودية.

وفي العام نفسه أشار تقرير معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام (سيبري) أن مبيعات فرنسا من السلاح للسعودية ارتفعت بنسبة 50 بالمئة.

ومن هنا أعطى ابن سلمان الفرنسيين حقيبة امتيازات واسعة كمكافأة على حسن تعاون رئيسهم ماكرون، مع الأمير الشاب في طموحاته الجامحة بداية من حكم المملكة وصولا إلى لعب دور عالمي وإقليمي بارز.