بخسارة حلفائها للانتخابات.. هل تفقد إيران السيطرة على رئاسات العراق الثلاث؟
رغم تفاخر مسؤولين إيرانيين علانية بأن بلادهم انتصرت على الولايات المتحدة في تسمية الرئاسات الثلاث بالعراق عام 2018، لكن المعطيات الحالية تشير إلى تراجع ملحوظ على صعيد تأثير طهران في قرارات غالبية القوى السياسية العراقية.
ففي 7 نوفمبر/ تشرين الثاني 2018، أكد القائد العام السابق للحرس الثوري الإيراني اللواء محمد علي جعفري، أن بلاده تغلبت على أميركا على الأرض العراقية ثلاثة- صفر، مشيرا إلى أن الرئاسات العراقية الثلاث الحالية هم من المعسكر الإيراني.
ومع تراجع حلفاء إيران في الانتخابات، ورحيل الجنرال قاسم سليماني عن المشهد، برزت تساؤلات عن مدى قدرة طهران على التأثير في تشكيل الحكومة المقبلة وتسمية الرئاسات العراقية.
ووفق النتائج الأولية للانتخابات البرلمانية، جاءت "الكتلة الصدرية" التابعة للزعيم الشيعي مقتدى الصدر في الصدارة بـ73 مقعدا من أصل 329، فيما حل تحالف "تقدم" السني ثانيا بـ37 مقعدا، وحصد الحزب "الديمقراطي الكردستاني" 31 مقعدا.
فيما يعد تحالف "الفتح" وهو مظلة سياسية للفصائل المسلحة الشيعية الموالية لإيران، أبرز الخاسرين في الانتخابات بحصوله على 16 مقعدا، بعد أن حل ثانيا برصيد 48 مقعدا في انتخابات 2018.
تراجع واضح
وتعليقا على ذلك، قال مصدر سياسي عراقي مطلع لـ"الاستقلال" إن "إيران لم تعد كما كانت عليه قبل مقتل قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني، فهي اليوم لا تستطيع أن تقوم بذات التأثير على القوى السياسية والفصائل المسلحة الشيعية، وكذلك السنة والأكراد".
وفي 3 يناير/ كانون الثاني 2020، قتل سليماني في غارة جوية أميركية بطائرة بدون طيار قرب مطار بغداد، بأمر مباشر من الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، نظرا لتشكيله "تهديدا وشيكا على الأرواح الأميركية في العراق".
وأضاف المصدر، طالبا عدم الكشف عن هويته أن "سليماني كانت لديه القدرة على إجراءات لقاءات متواصلة مع جميع هذه الأطراف (الشيعة، السنة، الأكراد) والتأثير في تشكيل الحكومة واختيار الشخصيات الثلاثة التي تشغل مناصب رئاسة: الجمهورية، البرلمان، والحكومة".
ولفت إلى أن "إسماعيل قاآني القائد الحالي لفيلق القدس الإيراني، لم يتمكن من تأدية الدور الذي كان يلعبه سليماني، فهو يفتقر إلى العلاقة الشخصية مع أغلب قادة الأحزاب والمليشيات في العراق، لا سيما الشيعية منها، إضافة إلى عدم إجادته للغة العربية".
وأشار المصدر إلى أن "القوى السنية، وفي مقدمتها تحالفا (تقدم) بقيادة محمد الحلبوسي و(العزم) بزعامة خميس الخنجر يبحثان مع الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود البارزاني لتسمية رئيسي البرلمان والجمهورية المقبلين، إذ إن المنصب الأول من السنة والثاني للأكراد، بينما رئاسة الحكومة للشيعة وفق النظام السياسي الحالي في البلد".
ونوه المصدر إلى أنه "في الانتخابات السابقة عام 2018، إيران هي من أتت برئيس البرلمان محمد الحلبوسي الذي تمرد عليها لاحقا، وهي الآن تضغط بقوة حتى لا تجدد له ولاية ثانية في رئاسة البرلمان، لكن تركيا ودولا خليجية وتحديدا الإمارات والسعودية يضغطان لتوليه المنصب مجددا".
وفي 22 ديسمبر/ كانون الثاني 2021، قال القيادي في تحالف "العزم" مشعان الجبوري، إن "اتفاقا جرى بين الحلبوسي- البارزاني- الخنجر، يقضي بتبادل الدعم بينهم، حيث ستمكن هذه الخطوة الكتلة الأكبر التي ستتفق مع هذا المحور، من حسم تسمية الرئاسات الثلاث بدفعة واحدة، ولن يستطيع أحد الغدر كما حصل سابقا".
وعن منصب رئيس البرلمان، أوضح الجبوري أن "لدى إيران فيتو داخل العراق، يستخدم عبر قوى الإطار التنسيقي (يضم غالبية القوى السياسية الشيعية المتحالفة مع طهران)، لكن مقعد رئاسة البرلمان في المرحلة الراهنة لم يعد شأنا إيرانيا".
وأشار الجبوري إلى أن "الاتفاق بين الخنجر والحلبوسي الذي جرى خارج العراق، وتحديدا في تركيا (في أكتوبر/ تشرين الأول 2021)، والالتزامات التي جرت في أربيل بحضور مسعود البارزاني لن تمكن أي نائب سني آخر من أن يكون رئيسا للبرلمان سوى الحلبوسي".
وفي 14 ديسمبر 2021، أعلن تحالفا تقدم والعزم خوض مباحثات تشكيل الحكومة بوفد مشترك يحمل مطالب موحدة.
وبرصيد تحالف "تقدم" 37 مقعدا، فيما حصل تحالف "عزم" على 14 مقعدا، إلا أنه أعلن مؤخرا انضمام قوى سنية أخرى إليه لتصبح مقاعده 34.
تعثر وتعقيد
في السياق ذاته، قال المحلل السياسي العراقي، رعد هاشم إن "التفاوض الذي يحدث حول تشكيل الحكومة بدأ يظهر عليه التعثر والتعقيد، إذ إن بلورة رؤية موحدة لكل مكون غير متوافرة الآن، لذا نجد أن جميع القوى السياسية تدور في نقاشات عامة ووجهات نظر متفرقة، ويصاحب ذلك الوضع الأمني المتوتر".
وأضاف هاشم في حديث لمجلة "المجلة" السعودية في 13 ديسمبر/ كانون الأول 2021: "لذا، نحن أمام شيء من سراب وضبابية في كل المواقف، فجميع المواقف ربما تكون مرنة لكنها غير مستقرة ولا يعتد بها لأن الأساسيات القائمة على الساحة غير مستقرة بسبب التردد والتناحر بالمواقف".
وتابع: "لا يجب أن نثق كثيرا بالقدرة على الوصول إلى حكومة أغلبية وطنية، إذ إن خيبات أمل كثيرة انتابت الشعب العراقي في تجارب سابقة تجاه هذه المسألة، وقد أدت هذه التجارب إلى ضغط إيراني أفضى إلى أن يتم تشكيل حكومة توافقية".
وأشار هاشم إلى أنه "رغم ميل التيار الصدري، الفائز بالانتخابات، إلى حكومة أغلبية وطنية- سياسية إلا أنه من الصعب تحقيقها لعوامل عديدة، أبرزها أن المحاصصة التي اعتادت عليها العملية السياسية في العراق جعلت كل الأطراف ترفض وجود نظام سياسي قائم على أغلبية موالية وأقلية معارضة".
وأردف: "بل اعتادت النخب السياسية العراقية على التشارك في الحكم، وباتت ثقافة المعارضة بعيدة عنها ولا يجيدونها حتى لو أرادت القيام بذلك. أما إصرار الصدر على تحقيق هذه المسألة، فيهدف إلى أن يصل إلى أقل الخسائر، بمعنى تشكيل حكومة نصف تشاركية ونصف أغلبية سياسية".
وفي 22 ديسمبر 2021، زار وفد عراقي رفيع المستوى، العاصمة الإيرانية طهران، يرأسه وزير الخارجية فؤاد حسين ويضم مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي وبعض المسؤولين في الحكومة العراقية.
وتوقعت وكالة أنباء "ميدل إيست نيوز" الإيرانية في اليوم ذاته أن تكون "الأوضاع الأمنية في العراق بعد انسحاب القوات القتالية الأميركية نهاية ديسمبر، والمسائل المتعلقة بالانتخابات وتشكيلة الحكومة الجديدة من بين الموضوعات التي يجري مناقشتها في اجتماعات الوفد العراقي".
مساع إيرانية
وقبل ذلك بيوم واحد، أجرى السفير الإيراني بالعراق إيرج مسجدي، زيارة إلى إقليم كردستان شمالي البلاد في 21 ديسمبر/ كانون الأول 2021، التقى خلالها زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني الحاكم مسعود البارزاني.
وفي اللقاء جرى التأكيد على تطبيق مبادئ الشراكة والتوافق والتوازن في حكم العراق، بغية تحقيق الاستقرار والتنمية، وتصحيح مسار العملية السياسية في العراق، وفق وكالة "فارس" الإيرانية.
وتعليقا على ذلك، رأى المحلل السياسي العراقي، غانم العابد، أن "زيارة السفير الإيراني إلى إقليم كردستان تأتي ضمن مساعي إيران للحفاظ على نفوذها داخل العراق، وفي معسكرها المتمثل بتحالف الفتح أو ائتلاف دولة القانون، وهناك رغبة لديها في أن يتولى الإطار التنسيقي رئاسة حكومة العراق".
ولا يتوفر إعلان رسمي عن عدد مقاعد الإطار التنسيقي في ظل تضارب التصريحات حول المتحالفين معه، غير أن نتائج الانتخابات الأولية تشير إلى امتلاكه 56 مقعدا.
وأضاف العابد خلال مقابلة صحفية في 23 ديسمبر/ كانون الأول 2021: "لهذا أتوقع أن زيارة السفير الإيراني كانت مقدمة رسم خطوط عريضة لمحاولة الوصول إلى اتفاق بين الإطار التنسيقي مع الطرف الكردي، إضافة إلى تحالف العزم (السني) بزعامة خميس الخنجر لتشكيل الأغلبية".
وأوضح الخبير أن "هناك مواقف واضحة من الطرفين، الكردي والسني، بأنهما لن يكونا مع طرف شيعي على حساب طرف شيعي آخر ما لم يكن هناك اتفاق واضح داخل البيت الشيعي نفسه".
وأوضح العابد أن "هناك محاولة للتوصل إلى اتفاق يرضي جميع الأطراف للتوصل إلى حكومة أغلبية سياسية يسعى إليها الإطار التنسيقي، على عكس ما يطمح إليه التيار الصدري في تشكيل حكومة أغلبية وطنية".
أما الباحث هاشم رعد، فيرى أنه "إذا ما أثمرت المفاوضات والحوارات واللقاءات الحالية عن حكومة أغلبية وطنية، فأعتقد أن الصدر ميال إلى أن يجدد لرئيس الوزراء الحالي مصطفى الكاظمي، مع الإشارة إلى الدعم الدولي الذي يلقاه الأخير".
ويعيش العراق توترات سياسية منذ إجراء الانتخابات على وقع احتجاجات لأنصار القوى الخاسرة تخللتها محاولة لاغتيال الكاظمي، في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.
ومن المقرر أن تعقد المحكمة الاتحادية في 27 ديسمبر 2021، جلسة للنظر في الطعن الخاص بإلغاء النتائج.
وقرارات هذه المحكمة نهائية وغير قابلة للطعن، وهي مخولة بالمصادقة على نتائج الانتخابات لتصبح قطعية.
المصادر
- وفد عراقي في إيران.. مباحثات يتصدرها الأمن وتشكيل حكومة بغداد
- ملامح التعثر والتعقيد تسيطر على تشكيل الحكومة العراقية
- علاوي يرد على جعفري: العراق ليس ضحية او مسرحا لصراع المصالح
- تصريحات جديدة لمشعان الجبوري ’يهاجم’ فيها الحلبوسي
- ماذا وراء لقاءات سفير إيران والمالكي مع البارزاني بأربيل؟
- الارادة الايرانية بتحديد المناصب فهي ولاية ورعاية ونهاية البداية لالتهام مابق من العراق وصفر للشمال والجنوب