عبر المعادن النادرة.. كيف تخنق الصين عصب اقتصاد أميركا وأوروبا؟

قسم الترجمة | 3 years ago

12

طباعة

مشاركة

سلطت صحيفة الكونفدنسيال الإسبانية الضوء على عجز الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة أمام الهيمنة الصينية على العناصر الأرضية النادرة، عصب الصناعات التكنولوجية الحديثة.

وذكرت الصحيفة أن الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة يعتمدان بشكل خطير على الصين في هذه المواد الخام المهمة لتعزيز تحولاتهما البيئية والرقمية.

وأضافت أن القوتين الغربيتين شرعتا في إيلاء مزيد من الاهتمام بهذا الملف للحد من التبعية، إلا أنهما لا تزالان في عرضة للضغط الاقتصادي الصيني.

و"العناصر الأرضية النادرة" معادن تستخرج من أماكن محدودة بالعالم، وتشكل مجموعة من 17 عنصرا كيميائيا من عناصر الجدول الدوري، وتحديدا السكانديوم، الإتريوم، واللانثانيدات.

وتستخدم كمادة خام أساسية في تصنيع الهواتف الذكية، ومحركات الأقراص، وتوربينات الرياح، والأقمار الصناعية، والنواقل الفائقة، ومكونات السيارات الكهربائية، وغيرها من الصناعات الحديثة.

الإستراتيجية الحالية

وأوضحت الصحيفة أنه في هذا الإطار تتمثل المشكلة الأكثر وضوحا في الإستراتيجية الحالية لبناء سلاسل إمداد مرنة للعناصر الأرضية النادرة، في الافتقار إلى التعاون الكافي عبر الأطلسي.

ولفتت إلى أن هذا التعاون كان أساسيا خلال الرد الغربي على أزمة النفط عام 1973. على خلفية فرض دول عربية حظرا على صادرات النفط إلى الدول التي تعتبرها صديقة لإسرائيل، خلال حرب أكتوبر، ما أدى إلى انخفاض العرض العالمي من المنتج 14 بالمئة وتضاعف سعره ثلاث مرات.

وأضافت أن هذه الحادثة أطلقت ناقوس الخطر في الدول الأوروبية والولايات المتحدة وحلفائها.

وفي مرحلة تالية، قللت هذه الأطراف اعتمادها الجماعي على نفط الشرق الأوسط وعملت على تحسين مرونة سلاسل التوريد الخاصة بها، واتباع إستراتيجيات تستند إلى الاستقلال الوطني للطاقة، وتنويع التجارة، وإنشاء إطار عمل لانقطاع الإمدادات في المستقبل.

وأشارت إلى أن الصين تسيطر على حوالي 80 بالمئة من الإنتاج العالمي من المعادن الأرضية النادرة المستخدمة في صناعة السيارات الكهربائية، وتوربينات الرياح، وأنظمة الأسلحة العسكرية، وغيرها من التقنيات المتقدمة.

وزادت الصحيفة أن العملاق الآسيوي يحتكر 98 بالمئة من واردات الاتحاد الأوروبي لمعادن الأرض النادرة و80 بالمئة من واردات الولايات المتحدة.

وفي هذا الإطار، تصف بكين المعادن الأرضية النادرة بأنها "مورد إستراتيجي"، وفي بعض الأحيان، استخدمت صادراتها من هذه المواد كـ"سلاح تجاري".

على سبيل المثال في عام 2010 قطعت الصين جميع صادرات معادن الأرض النادرة عن اليابان ردا على حادث في المياه بالقرب من جزر سينكاكو/ دياويو المتنازع عليها.

ولفتت الصحيفة إلى أن الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة لم يستجيبا بشكل كاف لتحد مماثل بين عامي 2009 و2011، عندما فرضت الصين حصص تصدير صارمة للعناصر النادرة، ما تسبب في ارتفاع أسعار عناصر الأرض النادرة بأكثر من 700 بالمئة.

وعلى الرغم من انتهاء نظام حصص الصادرات في الصين عام 2015، ورؤية القوة الهائلة لبكين في السوق، إلا أن الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة لم يقلصا من اعتمادهما على تلك العناصر من الصين.

تحركات محدودة

وذكرت الكونفدنسيال أنه في تحديث للإستراتيجية الصناعية للاتحاد الأوروبي في مايو/أيار 2021، نشرت المفوضية الأوروبية تقريرا حول 30 مادة خام مهمة يعتمد عليها الاتحاد بشكل كبير  عبر الواردات من دول خارجية.

وفي الشهر التالي، أصدر البيت الأبيض تقريرا مشابها حول بناء سلاسل التوريد المرنة، وخصص فيه قسما كاملا لحوالي 35 من المعادن المهمة.

ويرسم التقريران سلاسل التوريد، ويقيمان المخاطر لهذه التبعيات، ويوضحان نهجا مماثلا للحد من مخاطر الضغط الاقتصادي وبناء قدر أكبر من المرونة في التوريد من خلال تعزيز الإمداد الوطني والبحث والتطوير.

وأشارت إلى أن الزيادة في العرض المحلي كانت العمود الفقري للجهود التي يبذلها الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة لمواجهة التعسف الاقتصادي الصيني.

وتعمل المفوضية الأوروبية مع الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي لتحديد مشاريع التعدين والمعالجة في أوروبا التي يمكن أن تدخل حيز التنفيذ في عام 2025.

وأكدت الصحيفة أن الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة اعتمدا عديدا من الإستراتيجيات في هذا السياق، إلا أنها تتطلب تعاونا دوليا أكبر. من ناحية أخرى، كانت الالتزامات المصاحبة غير طموحة ولم يتم الوفاء بها.

لكن على الرغم من وجود عدد قليل جدا من موردي المواد الخام المهمة إلى جانب الصينيين، فضلا عن احتمالية حدوث اضطراب كبير في توريد هذه المواد، إلا أن الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة لا يزالان يفتقران إلى إستراتيجية تنويع مشتركة للتعامل مع الأزمة.

مخاطر متوقعة

وأوضحت الكونفدنسيال أن عدم وجود إطار عمل مشترك لا يؤدي فقط إلى عدم الكفاءة، ولكن يمكن أن يزيد المنافسة عبر المحيط الأطلسي أثناء الاضطرابات الشديدة في سلاسل التوريد.

ونوهت بأنه إذا كان على الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الحد من تعرضهم لاستخدام الصين للمعادن النادرة في أغراض الضغط الاقتصادي، والاستجابة بفعالية لصدمات الإمداد، فسيتعين عليهما تحسين مرونة سلاسل توريد المواد الخام المهمة.

ولفتت إلى أن التخفيض المحتمل لصادرات معادن الأرض النادرة الصينية من شأنه أن يضع صناعة التكنولوجيا العالمية في مأزق، لأنها عناصر حاسمة للنمو الاقتصادي في البلدان الصناعية.

ولهذا صنفت معادن الأرض النادرة، إلى جانب عناصر أخرى مثل الليثيوم أو السترونتيوم، من قبل الاتحاد الأوروبي كعناصر إستراتيجية، حيث لا يمكن استبدالها بسهولة بعناصر أخرى.

وأشارت إلى أنه قبل 48 عاما أدى الحظر النفطي إلى تغيير جذري في وجهات نظر الدول الغربية حول الجغرافيا السياسية للمواد الخام، وأجبرها ذلك على التوصل إلى حلول إبداعية وشجاعة لحل مشاكل سلاسل التوريد الخاصة بهم.

أما اليوم، فيجب على الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة التعلم من هذه التجربة وتطوير أجندة طموحة للتنويع والتعاون، وعبر هذه الطريقة فقط سيكونان قادرين على معالجة نقاط ضعفهما، وزيادة قدرتهما على الاستجابة للأزمات وتقليل خطر أن تؤدي الصدمات الخارجية إلى منافسة عبر الأطلسي، فضلا عن تجنب التعسف الاقتصادي الصيني.