أستاذ بجامعة أميركية لـ"الاستقلال": السيسي يقتل القطاع الخاص وعاصمته مجرد بيزنس

12

طباعة

مشاركة

أكد أستاذ الاقتصاد بجامعة أوكلاند الأميركية مصطفى شاهين، أن سيطرة العسكر على الاقتصاد في مصر يقتل القطاع الخاص ويكبد البلاد مليارات الدولارات.

وأضاف شاهين في حوار مع "الاستقلال" أن فساد العسكر يكلف خزينة مصر أكثر من 22.5 مليار دولار ثمنا لاستيراد الغاز من الكيان الإسرائيلي رغم وفرة إنتاجها منه، سيما بعد اكتشافات عام 2015 بالبحر المتوسط.

وأوضح أن جنرالات الجيش المصري يحتكرون 100 بالمئة من ثروات البلاد الطبيعية من أراضي ومرافق وشركات قومية، مشيرا إلى أن العاصمة الإدارية "مشروع تاجر جشع نهم للربح الخاص، وليس مشروع دولة".

وذكر أن رئيس النظام عبد الفتاح السيسي استلم مصر وديونها الخارجية 44 مليار دولار وضاعفها 4 مرات لتصل اليوم إلى 190 مليار دولار.

وفي 3 يوليو/تموز 2013 انقلب وزير الدفاع المصري حينذاك السيسي على أول رئيس مصري مدني منتخب، محمد مرسي، ليقود البلاد عقب ذلك بشكل غير رسمي لمدة عام، ثم تولى الرئاسة رسميا في يونيو/ حزيران 2014.

عربيا، لفت شاهين إلى أن الأزمة الاقتصادية في لبنان سببها فقدان الثقة في العملة والدولة اللبنانية؛ بينما في السودان نجد الشعب يعاني الفقر الشديد رغم أنه يمتلك 41 مليون فدان خصب، و130 مليون رأس ماشية ويستخرج سنويا 100 طن من الذهب.

وأشار إلى أن اقتصاد دول الخليج يحكمه إطار عالمي لا يمكنها الفكاك منه، ما جعلها عاجزة عن الاكتفاء الذاتي من أي شيء رغم الثراء الفاحش الذي عاشته طوال العقود الماضية.

وأكد أن حجم الفساد الاقتصادي في العراق وحده يفوق فساد بلاد العرب مجتمعة.

كما أوضح الخبير الاقتصادي أن المضاربة على العملة والمديونية الداخلية الضخمة هما السبب وراء أزمة تدهور قيمة الليرة التركية أمام الدولار الأميركي.

ومصطفى شاهين خبير اقتصادي مصري، وأستاذ بقسم الأعمال في جامعة أوكلاند بولاية ميشيغان الأميركية.

عسكر مصر

 ما هي الآثار السلبية التي تعاني منها مصر جراء سياسات العسكر الاقتصادية؟

الإجابة واضحة أمامنا من تفاقم في المديونية الداخلية حتى تجاوزت 4 آلاف مليار جنيه (254 مليار دولار)، بينما المديونية الخارجية بلغت 190 مليار دولار، كما تزايد عجز الموازنة العامة للدولة، وحجم النمو في الناتج المحلي الإجمالي ظل ثابتا كما هو دون زيادة.

وهذا كله يحدث بسبب أن الاقتصاد العسكري ينافس القطاع الخاص، وتسبب ذلك في ظهور مأزق عدم إمكانية إيجاد فرص عمل داخل الاقتصاد المصري وزيادة البطالة. 

 ما تقييمكم لتصريحات رجل الأعمال "نجيب ساويرس" حول استحواذ الجيش على السوق وقتل المنافسة مع القطاع الخاص؟

هذه التصريحات ليست جديدة، هناك مزاحمة من الجيش للقطاع الخاص، فعندما تدخل شركات حكومية أو شركات تابعة للجيش في مزاحمة القطاع الخاص فإن ذلك يعني انسحاب الأخير وطرده تماما من السوق، وهذا ما نراه في قطاعات كثيرة الآن في مصر. 

قطاع الإسمنت على سبيل المثال، نجد أن الجيش عنده مصنع إسمنت بني سويف، الذي يوفر إنتاجا ضخما يؤثر على القطاع الخاص.

والأمر نفسه مع قطاع تصنيع الحديد والإعلام، والسلع التي يقدمها لمنافسة القطاع الخاص كثيرة، وأكبر مثل أمامنا أزمة شركة جهينة لإنتاج الألبان التي يسعى الجيش للسيطرة عليها بإجبار صاحبها (صفوان ثابت) على التنازل عنها، واعتقله هو وابنه.

ديون مصر

ما هي خطورة اعتماد نظام عبد الفتاح السيسي على الاستدانة على مستقبل مصر؟

لا نعلم من حيث المبدأ لماذا تقترض الحكومة بسبب عدم وجود شفافية وانعدام المحاسبة من قبل البرلمان الشكلي الموجود في مصر الآن.

وتعيش مصر أزمة حقيقة بسبب تفاقم الديون الخارجية والداخلية التي تحتل نسبة مرتفعة للغاية من حجم الموازنة العامة للدولة، والبنك المركزي أكد أن مصر اليوم تسدد أكثر من تريليون و200 مليار جنيه (نحو 76.2 مليار دولار) ديونا وخدمة دين سنويا.

كما تنفق أقل من 19 بالمئة فقط من حجم الديون الخارجية في الاستثمار، وهو رقم ضئيل للغاية والبقية تذهب لسداد القروض.

كما أن السيسي استلم مصر ديونها الخارجية 44 مليار دولار وضاعفها 4 مرات لتصل اليوم إلى 190 مليار دولار بقروض مشروعي الضبعة وقطار العاصمة الإدارية.

وبذلك تدفع حكومة السيسي كل سنة من 18 إلى 20 مليار دولار ديونا، فضلا عن 5 مليارات دولار فوائد تدفع سنويا حيث يتجه دخل قناة السويس بالكامل لسداد فوائد الديون وليست الأقساط.

أضف إلى ما سبق أن العجز في الموازنة بلغ أكثر من 450 مليار جنيه (نحو 28.5 مليار دولار)، وهو ما يعني أن الحكومة يوميا لديها عجز في الموازنة العامة يقدر بمليار و250 مليون جنيه (نحو 79 مليون دولار) يتم اقتراضها صباح كل يوم لتغطية نفقاتها.

ما هي الآثار السلبية لتغول العسكر على كافة أوجه النشاط الاقتصادي في مصر؟

الآثار السلبية كثيرة جدا، وحصرها يحتاج إلى دراسة مستفيضة، أولها تقلص فرص العمل؛ لأن الجيش عندما يتدخل ويتولى عملية الإنتاج بالتأكيد سيؤثر سلبا على فرص العمل المتاحة؛ ويقطع الطريق على مساهمة القطاع الخاص ويقضي على التنافس في السوق.

ورغم الدعاية الكاذبة فما زالت صادرات مصر كما هي دون زيادة، ولكن الزيادة أصبحت في حجم المديونية، وانخفاض فرص العمل، وتراجع الإنتاجية، وانخفاض معدل الناتج المحلي الإجمالي. 

فساد العسكر 

ما هي الآثار الاقتصادية السلبية لاستيراد مصر الغاز من إسرائيل؟

للأسف هذا الموضوع خطير للغاية، الحقيقة أن الغاز المصري الذي نستورده من إسرائيل دفع نظام السيسي للطلب رسميا من شركة إيني الإيطالية أن توقف إنتاج الغاز في بعض الحقول المصرية التي اكتشفناها عام 2015.

جعل النظام العسكري مصر دولة مستوردة للغاز بما قيمته الإجمالية 22.5 مليار دولار لمدة 15 عاما، وأجبر الدولة على رفع ثمن الغاز على المواطن، وبدلا من أن تكون دولة مصدرة للغاز، ويكون لديها عوائد كبيرة من النقد الأجنبي أصبحت مستوردة.

ما هي الجدوى الاقتصادية للدولة المصرية من مشروع العاصمة الإدارية وهل يشبه ما فعله من قبل المخلوع مبارك في مشروع توشكا؟ 

مشروع العاصمة الإدارية يختلف تماما عن مشروع توشكا، حيث إنه يستهدف تحقيق مكاسب خيالية على الأمد القصير للسيسي ومن حوله من جنرالات العسكر؛ وذلك من بيع الأراضي والعقارات.

والحقيقة مشروع العاصمة الإدارية ليس مشروع دولة؛ بل هو مشروع تاجر يعمل في "البيزنس" ويريد جني أكبر نسبة من الأرباح؛ وللأسف يتاجر بموارد الدولة لمصلحته الشخصية.

 ولم يكن مشروعا لصالح مصر يجب إنجازه في الأجل القصير، وحتى إن كانت حاجة مصر الحقيقية للتوسع في عاصمة جديدة بعد عقدين من الزمن مثلا.

ورغم أن مشروع العاصمة هذا وفر بعض فرص العمل، واستحدث طرقا جديدة وقطارات؛ إلا أنه ابتلع حتما غالبية موارد الدولة لتمكين شبكة الطرق من الإمساك بعصب الدولة عن طريق تلك العاصمة الجديدة، وهو ما تسبب في زيادة الضغط على الموارد، وزيادة الطلب على الدولار ورفع سعره في مصر.

احتكار ثروات مصر 

ما هي موارد ومقومات الثروة في مصر وهل يلمس آثارها المواطن العادي؟

موارد مصر تتمثل في عناصر أساسية وهي الموارد الطبيعية، والموارد البشرية، ورأس المال الإنتاجي، وطبقة رجال الأعمال، والمفاجئ أن ثروة مصر من مواردها الطبيعية سواء أراض أو مصانع وغيرها يحتكرها الجيش بشكل كامل، وبالنسبة لرأس المال البشري فلا يتم استثمارهم ومستوى تعليمهم غاية في السوء، وثالثا مستوى كفاءتهم الإنتاجية أسوأ.

بينما العنصر الرابع وهو رجال الأعمال الذين تم إخراجهم من ساحة المنافسة والقضاء على هذا العنصر من قبل الجيش وكل ما سبق ينعكس على الإنتاج بشكل سلبي ويزيد معدل الفقر.

ماذا عن واقع الفقر في مصر ؟

نسبة الفقراء تجاوزت في مصر 60 بالمئة بحسب تقرير البنك الدولي، الأمر الذي يترتب عليه انهيار منظومة القيم الأخلاقية في المجتمع، فتنتشر السرقات وتتعرض الأسر للتفكك والانهيار ويحدث غليان في المجتمع بمختلف فئاته نتيجة لكل ما سبق.

كما أن هناك نسبة غير قليلة تعاني الفقر المدقع وهي كل أسرة مكونة من 5 أفراد ودخلها أقل من 4500 جنيه (285 دولارا) شهريا،  أي نصيب الفرد في اليوم أقل من دولارين وذلك بحسب تصنيف الأمم المتحدة للفقر.

الوضع في السودان

كيف ترى الوضع الاقتصادي في السودان رغم ما لديه من ثروات طبيعية؛ إلا أنه في حالة فقر شديدة؟

ما يحدث في السودان هو نسخة مكررة مما حدث في مصر وما يحدث في لبنان؛ حيث تم تعويم الجنيه السوداني ما أدى لانهيار العملة الوطنية أمام الدولار، وأصبح السودان ثاني أعلى نسبة تضخم في العالم.

كما أصبح ثلثا المواطنين يعانون من البطالة، وأكثر من 65 بالمئة من الشعب السوداني يعانون الفقر المدقع مع ارتفاع كافة أسعار السلع الأساسية والمحروقات.

والأدهى من ذلك كله أن الحكومة السودانية تسعى لتوفير الدولار لاستيراد القمح مستقبلا؛ رغم أن السودان يمتلك 41 مليون فدان صالحة للزراعة، وهي من أكبر دول العالم في إنتاج الماشية بواقع 130 مليون رأس.

كما أن السودان تنتج سنويا أكثر من 100 طن من الذهب.

وهل للعسكر في السودان يد فيما تعيشه البلاد من أوضاع اقتصادية سيئة؟

الاقتصاد السوداني إذا أحسن إدارته لن يكفي السودان وحدها؛ بل سيكفي المنطقة العربية بالكامل، حيث الأراضي الزراعية الخصبة التي لا تحتاج إلى تكلفة في الري والتي يطلق عليها الأميركان الأراضي "الأورغانك" البكر.

وهذه الأرض يمكن أن تخرج السودان من الفقر وتوقف استيراد العالم العربي للغذاء من الخارج؛ لكن العسكر في السودان منذ نحو 70 عاما جعلوها في هذا الوضع المزري.

لبنان والخليج

ما تفسيركم للأزمة اللبنانية الحالية ووقوف البلاد على حافة الانهيار؟ وهل من وصفة للخروج من هذه الدائرة المفرغة؟

الأزمة اللبنانية في الحقيقة كبيرة جدا، ورغم ذلك فإن خروج الاقتصاد اللبناني من أزمته كان أمرا ممكنا، لكن هناك مستجدات تجعل ذلك شبه مستحيل الآن؛ حيث يوجد عدم ثقة في العملة والدولة اللبنانية، وعدم ثقة في الجهاز الحكومي.

هم أبادوا ثروات لبنان الاقتصادية لا سيما في العملة الدولارية ما رفع سعر الدولار بشكل جنوني، وارتفع معه التضخم، وحدثت مضاربات على الدولار أدت إلى أنك لا تجد المخدر في المستشفيات.

وماذا عن قدرات دول الخليج الاقتصادية؟ هل تعتقد أنها قادرة على النهوض بالمنطقة العربية؟

دول الخليج للأسف الشديد محكومة بنظام عالمي لا تستطيع هي نفسها أن تخرج عن الإطار العالمي الموضوع لها، واقتصادها للأسف كان يمكن أن يتحول إلى اقتصاد إنتاجي ضخم جدا، لكنه منذ اكتشاف النفط ولم تستطع هذه الدول أن تحقق أي اكتفاء ذاتي.

والحقيقة أن هذه الدول وضعها مزر وإن بدت أمامك أنها تمتلك ثروات ضخمة جدا، وكان بإمكانهم عمل نقلة جبارة وهو ما لم يتحقق حتى الآن.

وما تقييمكم للوضع الاقتصادي في اليمن؟

الوضع اليمني في الحقيقة سيء للغاية بطريقة بشعة، حيث الحرب آذت اليمنيين، وضيعت الموارد التي كانت موجودة، وزادت نسبة الفقر والعوز بشكل كبير جدا، وظهرت بها أمراض نسيها العالم منذ عشرات السنين مثل الكوليرا والملاريا.

وأول خطوات إخراج اليمن من هذا المستنقع اقتصاديا هو توقف عجلة الحرب، والعودة مرة أخرى للإنتاج وبأسرع ما يمكن، ومحاولة تجاوز التحديات والقوى الإقليمية في المنطقة مثل السعودية وإيران اللتين لا ترغبان بأن يكون اليمن دولة مستقرة وقوية وذات سيادة.

العراق وتونس

ما تفسيركم لارتفاع نسب الفقر والبطالة في العراق الغني بالنفط؟  

لا شك أن العراق دولة مليئة بالأزمات ولا تنتج منذ احتلالها في 2003، وحتما سيكون فيها أزمات حقيقية؛ لأن اقتصادها تم تدميره، فضلا عن أنها بلد غير مستقر سياسيا بسبب الصراعات الطائفية.

كما أن حجم الفساد المستشري في العراق يفوق الفساد في المنطقة العربية مجتمعة، وحجم نزوح ثروات الشعب العراقي المنهوبة إلى الخارج فوق ما يتخيله عقل. 

كيف ترون تدهور الوضع الاقتصادي في تونس منذ انقلاب الرئيس قيس سعيد على التجربة الديمقراطية؟

الوضع في تونس تفاقم بسبب انقلاب قيس سعيد على الديمقراطية، ولكن تظل تونس في وضع أكثر استقرارا من مثيلاتها في العالم العربي.

وأعتقد أن الاقتصاد الزراعي هو عصب قوة الاقتصاد التونسي ولن يمر بالأزمات التي مرت بها دول مثل العراق واليمن.

الليرة التركية

ما تفسيركم لتدهور الليرة التركية في ظل اقتصاد قوي وإنتاج حقيقي؟

بالفعل الليرة التركية تتذبذب في ظل الاقتصاد التركي القوي، ويفسر ذلك سببان هما المديونية الداخلية المرتفعة التي بلغت 250 مليار دولار؛ والسبب الآخر هو المضاربات على العملة في تركيا سواء لأسباب سياسية أو غيرها.

لكن الحقيقة التي لا يمكن إنكارها أن الاقتصاد التركي قوي ومنتج ومتنوع، غير أن أزمته الحقيقية مرتبطة بالمضاربات على العملة التي يجب على الحكومة أن تبحث عن أسبابها وتوقفها في أسرع وقت لإنهاء أزمة الليرة.